شيخ الأسرار الباطنية
24-11-2010, 19:33
سلام الله عليكم
خلق الله عز وجل الجن والإنس ليعبدوه وحده لا شريك له ، وميـَّز المولى سبحانه وتعالى الإنسان بنعمة العقل والتفكير عن باقي مخلوقات الأرض ، ولكن هذه النعمة مقرونة بفرض أو أمانه حملها الإنسان بإرادته ، كما فرض الله جل وعلا على كل إنسان أن يتفكر ويتدبر ويـُبصر في كل شيء بدءً من خلق نفسه ، يقول تعالى (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (21) الذاريات ، وهي دعوة من الخالق سبحانه وتعالى أن يـُبصر كل إنسان في خلق كل شيء بدء من نفسه ، ويتفكر كيف خلقه الله جل وعلا ليؤمن بقدرته سبحانه وتعالى ، كما أمرنا خالقنا أن ننظر ونتفكر في خلق السماوات وما فيها من مجرات ونجوم وكواكب والشمس والقمر ، والسعي في الأرض والنظر إلى كل ما عليها من جبال وأنهار ومخلوقات وثمرات يقول تعالى(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الرعد 3 ، وحدد سبحانه وتعالى أن في خلق الأرض آيات لقوم يتفكرون ـ أي لن يُـقدر ويفهم هذه الآيات الكونية في خلق الله عز وجل إلا من يتفكر ويتدبر ويبحث في هذا الخلق مستخدماً نعمة العقل ، ومن خلال هذا التفكير وصل العالم الخارجي إلى ما وصل إليه الآن من علوم وتكنولوجيا وثورة أو طفرة هائلة في عالم الاتصالات ، ومع ذلك مازال الاختلاف في بلادنا قائما على دخول الخلاء بالقدم اليمنى أو اليسرى .
وبتوضيح أكثر نقرأ قوله تعالى (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (5) الجاثية ، وهنا علينا أن نعقل ونؤمن بآيات الله جل وعلا في خلقنا وفي السموات والأرض وتصريف الرياح وكلها دعوة للتفكر وإعمال العقل للوصول للإيمان بقدرته جل وعلا.
وعندما خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وضَّح لنا جميعا في كتابه العزيز أن جميع البشر خلقوا من نفس واحدة ، وأنه لا فضل لمخلوق على آخر إلا بالتقوى التي لا يعلمها إلا الله خالق كل شيء ، وعالم الغيب والشهادة ، الذي يعلم ما نخفي ومانعلن سبحانه وتعالى .
والطريقة التي خُـلقنا بها تؤكد بلا أدنى شك أن جميع البشر متساوون في كل شيء من ناحية كونهم مخلوقات بشرية لا تقديس لها على الإطلاق ، ولا يمكن أن يكتسب أي مخلوق بشري أية قداسة ترفعه فوق مستوي البشر مهما كان ، ومهما بلغ من علم أو معرفة أو إيمان ، إلا إذا اختار الله جل وعلا أحداً منهم ليكون نبياً أو رسولاً ، وهذا لأن الاختيار أو التفضيل للرسل والأنبياء جاء من قبل المولى عز وجل لأنه يعلم من خلق ، ويعلم أنهم أفضل البشر وأصلحهم لتحمل الرسالات السماوية وهذا الاختيار من قبل المولى عز وجل ليس فيه أدنى تقديس لهؤلاء البشر ، ولم يرسل الله رسولا لكي يقول لقومه اعبدوني من دون الله يقول تعالى (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ )آل عمران:79، والمعنى أن اختيار الرسل والأنبياء في الأساس لدعوة الناس لقول (لا إله إلا الله) ، وضرب الله مثلا بعيسي وأمه مريم عليهما السلام يقول تعالى (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ )المائدة :116 ، فما كان من عيسى عليه السلام إلا التبرء من أفعال هؤلاء ، كذلك سيفعل خاتم النبيين حيث يقول يوم الحساب(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)الفرقان:30.
وأرسل الله عز وجل الرسل والأنبياء للبشر لتبليغ رسالاته جل وعلا بداية من أبينا آدم ونهاية بخاتم النبيين عليهم جميعا السلام ، يجب الإيمان بجميع الرسل ، كما يجب الإيمان بالرسالات السماوية المنزلة من الله سبحانه وتعالى ، وأمرنا جل وعلا أن نؤمن بها ، لكن فرض علينا أيضا أن نحتكم إلى القرآن في كل شيء ، وأن نحكم عليها من خلال القرآن ، وهذا يتطلب أمراً هاماً هو قراءة القرآن بتدبر وتفكر وتعقل ، وذلك لأن الخالق سبحانه وتعالى فضل الإنسان بنعمة العقل عن جميع المخلوقات ، فإذا كان هذا هو الحال مع كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أمرنا خالقنا أن نتدبر ونتذكر ونعقل آياته عند القراءة ، وهذا أمر من الله للبشر ليكون إيماننا مبنيا على التفكر والتدبر واليقين يقول تعالى ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) القمر 32 ويقول جل شانه (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص 29 وهنا تمييز لأصحاب العقول من البشر يوضح استخدام نعمة العقل ، ويصف المولى جل وعلا كل من لايتدبر القرآن قائلا (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (24) محمد.
و هذه النعمة (نعمة العقل) هي مسؤولية كبيرة سيحاسب عليها كل إنسان ، حتى لا يبرر إنسان تعطيل عقله واتباعه لشخص أو جماعة بحجة أنهم متخصصون في الدين ومسئولون عن الأمة ، ولكن يوم القيامة يتبرأ كل إنسان ممن اتبعوه في الدنيا ، وكما قال رب العزة في القرآن الكريم ، وهنا يتجلى دور تلك النعمة التي أنعم الله بها على الإنسان وهي العقل والتفكير والتدبر وتتمثل أيضاً في مسئولية كل فرد عن نفسه ، لأن الموضوع مسؤلية خاصة وفرض على كل إنسان أن يفكر في كل ما يسمع أو يقرأ ، ولذلك سيكون الحساب فردياً يقول تعالى(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)النحل:111 ، ويقول تعالى يوضح أن الحساب سيكون فردياً أيضاً ، كما يوضح انقطاع الصلة بين المشرك وشركاءه أو الإنسان وشفعاءه (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)الأنعام:94 ..
وهنا أقول ليس من حق أي إنسان أن يفرض فكره أو معتقده على الناس بحجة أنه رجل دين أو عالم دين ، كذلك من حق أي إنسان أن يسأل ويناقش ويحاور ويستفسر ويعارض ويرفض أو يؤيد كل ما يسمعه أو يقرأه ، لأنه ليس هناك مقدس في كلام البشر ، وليس هناك تقديس لما يقوله أو يكتبه البشر ، وإنما التقديس كله لما أنزله الله جل وعلا على الأنبياء والرسل فيما يسمى بالرسالات السماوية ، والتي يجسدها القرآن الكريم أخر الرسالات السماوية الذي تكفل المولى عز وجل بحفظه إلى يوم الدين ، ورغم ذلك يقع كثير من الناس أصحاب الشهادات والمؤهلات وأساتذة الجامعات في سقطة كبيرة ، وهي إعطاء العقل اجازة مفتوحة بدون مرتب ، ويعتمد على الغير في فهم أمور دينه ودنياه متجاهلا حقه في التفكير والتدبر والنظر والبحث في كل شيء حوله ، ليس هذا فحسب ، ولا يكتفي هؤلاء بحرمان أنفسهم من نعمة أنعم الله بها على الإنسان وفرضها عليه أيضا ، ولكن يريدون لكل من يبحث ويجتهد ويفكر من أجل الوصول إلى الحق ألاَّ ينعم تلك النعمة التي لا يعرفون قيمتها ، فتجدهم يطاردون كل مفكر وكل باحث عن الحقيقة في كل مكان لتشويه صورته وتمزيق أشلائه حقدا وحسدا من عند أنفسهم ، والسبب بسيط جدا لأن هذا الإنسان المسلم المسالم أطاع الله عز وجل وبدأ يتفكر في خلق السموات والأرض وفي خلق نفسه ، ويقرأ القرآن بتدبر وعقل مفتوح دون أن يفرض عليه (أي على القرآن)وجهة نظر مفسرين أو تراثيين ، إنسان يريد النجاة لنفسه ولكل من يفكر ويعقل من المسلمين إنسان يريد الوصول للحقيقة مستخدما العقل ، دون أن يفرض رأيه على أحد ، هل هذه جريمة ..؟؟ هل استخدام العقل أصبح جريمة يحاسب عليها الإنسان ويلام من أشخاص لا يعرفون قيمتها ولا يقدرون نعمتها ..؟؟
أقول لهم ليس من حق أي إنسان أن يجبرني أن أؤمن بكلامه المكتوب أو المقروء أو المسموع ، ولكن من حقي كإنسان سأحاسب عن نفسي أن أناقش وأتحاور وأرفض وأعترض في حدود الأدب والحوار الراقي ، ولا يجوز أن يفرض إنسان على إنسان آخر فكره أو معتقده ، وفرض الفكر يتم بطريقة غير مباشرة حيث القنوات الفضائية الدينية التي تنشر فكراً تراثياً متعصباً منقولا بدون تفكير أو تصحيح ، والكل يستمع ويقول آمين ، والخطاب الديني في مساجد الدول الإسلامية لا فرق بينه وبين تلك القنوات في فرض الرأي دون مناقشة ، والخطب معظمها مكررة ، ومنقولة ومحفوظة من كتب مخصوصة ويتم إلقائها على الناس ، وما عليهم أيضاً إلا قول آمين ، سواء كان الخطيب أو الإمام من أصحاب العلم أو متخصصاً في الجهل.
ومن هنا أكرر لا يجب أن أؤمن بكل ما أسمع أو أقرأ من كلام البشر ، لأنه لايوجد بشر معصوم من الخطأ ولن ينفعني اتباعي لفلان أو علان ، ويوم الحساب سيفر كل إنسان بنفسه ليواجه مصيره ، ولن يكون هناك متسع من الوقت للدفاع عن الآخرين ، ولكن الوقت والفرصة متاحة هنا في دار الدنيا ، فليدافع كل إنسان عن حقه في التفكير ، وعن حقه في التعبير ، وعن حقه في فهم دين الله ، وحن حقه في التحاور والتساؤل والمناقشة البناءة التي تنمي العقل وتقوي الوعي الديني وتهدم الكهنوت الديني ومؤسساته ورجالة الذين اغتصبوا حق كل الناس في التفكير والتدبر بدون وجه حق ، فاغتنم الفرصة أيها الإنسان وفكر من الآن قبل فوات الأوان.
خلق الله عز وجل الجن والإنس ليعبدوه وحده لا شريك له ، وميـَّز المولى سبحانه وتعالى الإنسان بنعمة العقل والتفكير عن باقي مخلوقات الأرض ، ولكن هذه النعمة مقرونة بفرض أو أمانه حملها الإنسان بإرادته ، كما فرض الله جل وعلا على كل إنسان أن يتفكر ويتدبر ويـُبصر في كل شيء بدءً من خلق نفسه ، يقول تعالى (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (21) الذاريات ، وهي دعوة من الخالق سبحانه وتعالى أن يـُبصر كل إنسان في خلق كل شيء بدء من نفسه ، ويتفكر كيف خلقه الله جل وعلا ليؤمن بقدرته سبحانه وتعالى ، كما أمرنا خالقنا أن ننظر ونتفكر في خلق السماوات وما فيها من مجرات ونجوم وكواكب والشمس والقمر ، والسعي في الأرض والنظر إلى كل ما عليها من جبال وأنهار ومخلوقات وثمرات يقول تعالى(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الرعد 3 ، وحدد سبحانه وتعالى أن في خلق الأرض آيات لقوم يتفكرون ـ أي لن يُـقدر ويفهم هذه الآيات الكونية في خلق الله عز وجل إلا من يتفكر ويتدبر ويبحث في هذا الخلق مستخدماً نعمة العقل ، ومن خلال هذا التفكير وصل العالم الخارجي إلى ما وصل إليه الآن من علوم وتكنولوجيا وثورة أو طفرة هائلة في عالم الاتصالات ، ومع ذلك مازال الاختلاف في بلادنا قائما على دخول الخلاء بالقدم اليمنى أو اليسرى .
وبتوضيح أكثر نقرأ قوله تعالى (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (5) الجاثية ، وهنا علينا أن نعقل ونؤمن بآيات الله جل وعلا في خلقنا وفي السموات والأرض وتصريف الرياح وكلها دعوة للتفكر وإعمال العقل للوصول للإيمان بقدرته جل وعلا.
وعندما خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وضَّح لنا جميعا في كتابه العزيز أن جميع البشر خلقوا من نفس واحدة ، وأنه لا فضل لمخلوق على آخر إلا بالتقوى التي لا يعلمها إلا الله خالق كل شيء ، وعالم الغيب والشهادة ، الذي يعلم ما نخفي ومانعلن سبحانه وتعالى .
والطريقة التي خُـلقنا بها تؤكد بلا أدنى شك أن جميع البشر متساوون في كل شيء من ناحية كونهم مخلوقات بشرية لا تقديس لها على الإطلاق ، ولا يمكن أن يكتسب أي مخلوق بشري أية قداسة ترفعه فوق مستوي البشر مهما كان ، ومهما بلغ من علم أو معرفة أو إيمان ، إلا إذا اختار الله جل وعلا أحداً منهم ليكون نبياً أو رسولاً ، وهذا لأن الاختيار أو التفضيل للرسل والأنبياء جاء من قبل المولى عز وجل لأنه يعلم من خلق ، ويعلم أنهم أفضل البشر وأصلحهم لتحمل الرسالات السماوية وهذا الاختيار من قبل المولى عز وجل ليس فيه أدنى تقديس لهؤلاء البشر ، ولم يرسل الله رسولا لكي يقول لقومه اعبدوني من دون الله يقول تعالى (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ )آل عمران:79، والمعنى أن اختيار الرسل والأنبياء في الأساس لدعوة الناس لقول (لا إله إلا الله) ، وضرب الله مثلا بعيسي وأمه مريم عليهما السلام يقول تعالى (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ )المائدة :116 ، فما كان من عيسى عليه السلام إلا التبرء من أفعال هؤلاء ، كذلك سيفعل خاتم النبيين حيث يقول يوم الحساب(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)الفرقان:30.
وأرسل الله عز وجل الرسل والأنبياء للبشر لتبليغ رسالاته جل وعلا بداية من أبينا آدم ونهاية بخاتم النبيين عليهم جميعا السلام ، يجب الإيمان بجميع الرسل ، كما يجب الإيمان بالرسالات السماوية المنزلة من الله سبحانه وتعالى ، وأمرنا جل وعلا أن نؤمن بها ، لكن فرض علينا أيضا أن نحتكم إلى القرآن في كل شيء ، وأن نحكم عليها من خلال القرآن ، وهذا يتطلب أمراً هاماً هو قراءة القرآن بتدبر وتفكر وتعقل ، وذلك لأن الخالق سبحانه وتعالى فضل الإنسان بنعمة العقل عن جميع المخلوقات ، فإذا كان هذا هو الحال مع كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أمرنا خالقنا أن نتدبر ونتذكر ونعقل آياته عند القراءة ، وهذا أمر من الله للبشر ليكون إيماننا مبنيا على التفكر والتدبر واليقين يقول تعالى ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) القمر 32 ويقول جل شانه (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص 29 وهنا تمييز لأصحاب العقول من البشر يوضح استخدام نعمة العقل ، ويصف المولى جل وعلا كل من لايتدبر القرآن قائلا (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (24) محمد.
و هذه النعمة (نعمة العقل) هي مسؤولية كبيرة سيحاسب عليها كل إنسان ، حتى لا يبرر إنسان تعطيل عقله واتباعه لشخص أو جماعة بحجة أنهم متخصصون في الدين ومسئولون عن الأمة ، ولكن يوم القيامة يتبرأ كل إنسان ممن اتبعوه في الدنيا ، وكما قال رب العزة في القرآن الكريم ، وهنا يتجلى دور تلك النعمة التي أنعم الله بها على الإنسان وهي العقل والتفكير والتدبر وتتمثل أيضاً في مسئولية كل فرد عن نفسه ، لأن الموضوع مسؤلية خاصة وفرض على كل إنسان أن يفكر في كل ما يسمع أو يقرأ ، ولذلك سيكون الحساب فردياً يقول تعالى(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)النحل:111 ، ويقول تعالى يوضح أن الحساب سيكون فردياً أيضاً ، كما يوضح انقطاع الصلة بين المشرك وشركاءه أو الإنسان وشفعاءه (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)الأنعام:94 ..
وهنا أقول ليس من حق أي إنسان أن يفرض فكره أو معتقده على الناس بحجة أنه رجل دين أو عالم دين ، كذلك من حق أي إنسان أن يسأل ويناقش ويحاور ويستفسر ويعارض ويرفض أو يؤيد كل ما يسمعه أو يقرأه ، لأنه ليس هناك مقدس في كلام البشر ، وليس هناك تقديس لما يقوله أو يكتبه البشر ، وإنما التقديس كله لما أنزله الله جل وعلا على الأنبياء والرسل فيما يسمى بالرسالات السماوية ، والتي يجسدها القرآن الكريم أخر الرسالات السماوية الذي تكفل المولى عز وجل بحفظه إلى يوم الدين ، ورغم ذلك يقع كثير من الناس أصحاب الشهادات والمؤهلات وأساتذة الجامعات في سقطة كبيرة ، وهي إعطاء العقل اجازة مفتوحة بدون مرتب ، ويعتمد على الغير في فهم أمور دينه ودنياه متجاهلا حقه في التفكير والتدبر والنظر والبحث في كل شيء حوله ، ليس هذا فحسب ، ولا يكتفي هؤلاء بحرمان أنفسهم من نعمة أنعم الله بها على الإنسان وفرضها عليه أيضا ، ولكن يريدون لكل من يبحث ويجتهد ويفكر من أجل الوصول إلى الحق ألاَّ ينعم تلك النعمة التي لا يعرفون قيمتها ، فتجدهم يطاردون كل مفكر وكل باحث عن الحقيقة في كل مكان لتشويه صورته وتمزيق أشلائه حقدا وحسدا من عند أنفسهم ، والسبب بسيط جدا لأن هذا الإنسان المسلم المسالم أطاع الله عز وجل وبدأ يتفكر في خلق السموات والأرض وفي خلق نفسه ، ويقرأ القرآن بتدبر وعقل مفتوح دون أن يفرض عليه (أي على القرآن)وجهة نظر مفسرين أو تراثيين ، إنسان يريد النجاة لنفسه ولكل من يفكر ويعقل من المسلمين إنسان يريد الوصول للحقيقة مستخدما العقل ، دون أن يفرض رأيه على أحد ، هل هذه جريمة ..؟؟ هل استخدام العقل أصبح جريمة يحاسب عليها الإنسان ويلام من أشخاص لا يعرفون قيمتها ولا يقدرون نعمتها ..؟؟
أقول لهم ليس من حق أي إنسان أن يجبرني أن أؤمن بكلامه المكتوب أو المقروء أو المسموع ، ولكن من حقي كإنسان سأحاسب عن نفسي أن أناقش وأتحاور وأرفض وأعترض في حدود الأدب والحوار الراقي ، ولا يجوز أن يفرض إنسان على إنسان آخر فكره أو معتقده ، وفرض الفكر يتم بطريقة غير مباشرة حيث القنوات الفضائية الدينية التي تنشر فكراً تراثياً متعصباً منقولا بدون تفكير أو تصحيح ، والكل يستمع ويقول آمين ، والخطاب الديني في مساجد الدول الإسلامية لا فرق بينه وبين تلك القنوات في فرض الرأي دون مناقشة ، والخطب معظمها مكررة ، ومنقولة ومحفوظة من كتب مخصوصة ويتم إلقائها على الناس ، وما عليهم أيضاً إلا قول آمين ، سواء كان الخطيب أو الإمام من أصحاب العلم أو متخصصاً في الجهل.
ومن هنا أكرر لا يجب أن أؤمن بكل ما أسمع أو أقرأ من كلام البشر ، لأنه لايوجد بشر معصوم من الخطأ ولن ينفعني اتباعي لفلان أو علان ، ويوم الحساب سيفر كل إنسان بنفسه ليواجه مصيره ، ولن يكون هناك متسع من الوقت للدفاع عن الآخرين ، ولكن الوقت والفرصة متاحة هنا في دار الدنيا ، فليدافع كل إنسان عن حقه في التفكير ، وعن حقه في التعبير ، وعن حقه في فهم دين الله ، وحن حقه في التحاور والتساؤل والمناقشة البناءة التي تنمي العقل وتقوي الوعي الديني وتهدم الكهنوت الديني ومؤسساته ورجالة الذين اغتصبوا حق كل الناس في التفكير والتدبر بدون وجه حق ، فاغتنم الفرصة أيها الإنسان وفكر من الآن قبل فوات الأوان.