المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأقلقول



شيخ الأسرار الباطنية
28-01-2012, 17:12
الأقلقول



كثیر ھي المدن التي بنیت فوق مدن ، كأنھا غطاء من الحاضر یدرأ بھ الماضي ویخفى عن
الأنظار. وكما أن من فتنة الله في خلقھ أن تغیب آثار وتندرس وتنمحي نھائیا فلا یدرك المرء
منھا شیئا ، فإن من فتنتھ أیضا أن تعیش آثار أخرى لتظل شاھدا على ما ارتكبتھ الأمم
المندرسة من موجبات دمارھا وإجلائھا عن الأرض إلى حین .
ما أغرب ھذا الإنسان في تعاملھ مع الماضي ، وإن ھذا الماضي لو كان شیئا مطروح ا
أرضا لتسابق الناس إلیھ ، ولتدافعوا للأخذ منھ على ما یحملھ من مسببات عذاب قوم كثیرین.
فالإنسان یبتعد بسھولة عن الخیر والفضیلة ولا یعود یقترب منھما إلا بشق الأنفس . إن مبلغ
ھمھ زینة الحیاة الدنیا ، ومن ھنا یجد الشیطان الفرصة لتكبیلھ وجره إلى أسواق الضلالة
فیبیعھ نفسھ ثم یستغرق في الضحك على ذقنھ .
إن للشیطان أسالیب للغوایة والإیقاع یصعب على الإنسان حصرھا لأنھا تكمن في نفسھ
ھو، ویصعب علیھ فھمھا لأنھا تكون مجمل فھمھ وتستحوذ على تفكیره وتحد آفاق عقلھ ،
فیستسلم للضلالة ، بل یعمل على تطویرھا یقوده ویرشده إلى ذلك الشیطان المعلم والمرشد ،
حتى أننا نرى الیوم كیف تشعبت طرق الضلالة واكتسبت من الأشكال الصبغات الشيء
الكثیر بما جعلھا في بعض أنواعھا شدیدة الشبھ بسبل الھدایة والصلاح .
وللضلالة تاریخ عمیق الجذور في فھم الإنسان وفي حیاة سلوكھ ، وللشیطان ید وأیة ید
في تعھد غرساتھا أسباب بالعنایة وتمكینھا بكل أسباب النمو والإثمار، كما لھ مع الإنسان
قصص لا تحصى بعضھا من صمیم الواقع ، وبعضھا الآخر من صمیم تحكي عن بلادة
الإنسان متى أضلھ الله ، وغبائھ المفرط متى أسلم مقوده لنفسھ ولھواه .

وفي فترة زمنية من عمر التاريخ ، وفي مدينة كان اسمھا ((لد)) ، وكان أناسھا أمة يوحدھا
الجھل وسوء الفھم والصنيع ، قدم رجل غريب جعل يتفحص السكان المارين به كأنه
يبحث عن شخص ضل عنه ، فإذا بشيخ من الأھالي يسأله : أيھا الرجل الغريب ھل تبحث
عن أحد؟ فقال الرجل : بلى ، إنني أبحث عن الأقلقول . وقبل أن يرد الرجل الغريب على
الشيخ بادره رجل كان قد سمع تحاورھما : لعل ھذا الأقلقول شيء معقول . وسمع آخر
الحديث فأضاف : ربما يكون شيئا غير معقول . وقال ثالث : لعل الأقلقول شيء معقول
ولا معقول ، فقاطعه قائلا للأول بلى إنه لمعقول...وبدأت الجماعة الصغيرة ھذه تتصايح
فيما بينھا فأجتمع الناس حولھا وسألوا عن الخبر فقال الشيخ : ھذا الرجل الغريب جاء
يبحث عن الأقلقول ، فقال الناس جميعا : وما الأقلقول؟ فقال الرجل الغريب : اجلسوا
ياقوم حتى أحدثكم عنه ...وقبل أن يتم كلامه اقتحم الجمع رجل فقال : ياقوم إن كان ھذا
الرجل يبحث عن الأقلقول ، فإني قد رأيته . فقيل له وما ھو؟
قال : إنه ثعلب ، ولما رأى الاستغراب باديا على الوجوه عاد فاستطرد : إني رأيت ثعلبا
وبعد حين انقلب إلى رجل وقد تركته خارج المدينة وجئت لأخبركم بأمره تبعه الناس
يصيحون وقد تركوا أمتعتھم في السوق دون حراسة ، وبعد أن أضناھم البحث ساعات
صبيانا وشيوخا ونساء وفتيانا دون أن يعثروا على أحد ، رجعوا إلى المدينة فلم يجدوا
أمتعتھم حيث تركوھا في السوق ، ولم يجدوا كذلك الرجل الغريب الذي كان السبب في كل
ھذا ، فما كان منھم إلا أن جھزوا أنفسھم وأعدوا العدة وانطلقوا خارجين من ديارھم في
البحث عن الرجل المجھول بعدما أطلقوا عليه اسم الأقلقول .
بلغ القوم ديارا ، فوجدوا شيخا جالسا قرب حائط فقالوا له : أرأيت رجلا اسمه الأقلقول؟
قال: صفوه ، فقال كبيرھم : إنه رجل أغبر، كويل الشعر، ولعله شيطان يتشكل فيصبح
ثعلبا ، وقد سرق أمتعتنا ، استغرب الشيخ وقال : إذا كان حقا يتشكل في صفة ثعلب ،
فلربما يكون الآن كلبا أو حمارا . فكر القوم في الأمر فجمعوا دواب أھل تلك الديار وقالوا
للشيخ : أحرسھا حتى نرجع لعلنا نجده في مكان آخر .
فلما انصرفوا في أثرھم جد من في الديار ليستطلعوا الخبر، أخذ الشيخ الدواب وغادر
المدينة حتى إذا بلغ قرية اجتمع بأھلھا وأخذ ينادي فيھم : أيھا الناس إن ثمن ھذه الدواب
زھيد ، إن فيھا الخير والبركة ، وفيھا سر الأقلقول . سأله أھل القرية : الأقلقول؟ فقال :
إنه علم عن الأجداد ومعرفة لمعنى الأوتاد ، وسر دفين لن يعرفه سوى مشتري ھذه
الدواب. ثم باع الدواب بعد أن انطلت مقولته على أھل القرية ، وغادرھا لا يلوي على
شيء .
أخذ أھل القرية يبحثون فيما اشتروه من حيوانات حتى وقف عليھم رجال بادروھم
بالسؤال عن مصدر الدواب ، وأوضحوا لھم أنھا سرقت منھم عنوة . أجاب أھل القرية :
بل إنھا ملك لنا ، وقد دفعنا لقاءھا أموالنا ، وفضلا عن ذلك فإن فيھا الأقلقول ! فلم يتمالك
الرجال الوافدون إلا أن ھموا بالدواب فأوسعوا فيھا ذبحا وتقتيلا ظنا منھم أنھم يقتلون
غريمھم الأقلقول مادام موجودا بينھا . فتسارع أھل القرية إلى أسلحتھم وشب قتال عنيف
بين الفريقين لم ينج منه سوى رجل واحد وقف مشدوھا بين القتلى ، ولم ينتبه إلا وقد وقف
عليه رجل غريب سأله ما الخبر، فرد عليه : إن الأقلقول كان السبب في ھلاكھم ، وحكى
له القصة . سأله الرجل : وما الأقلقول؟ فأجابه وھو يضمد جراحه : إنه رجل يسرق
الديار، ويتشكل في كل صورة. فسأله الغريب إن كان ھو الشيطان ، فرد عليه : بل إنه
شخص أسود الشعر أغبره أزرق العينين...استغرب الرجل الغريب وصاح : إن كانت ھذه
ھي أوصافه حقيقة فإنھا تنطبق عليك...بل لعله أنت...ثم استل سيفه ووجه إليه طعنة أراده
بھا قتيلا .
انطلق الغريب إلى أن بلغ المدينة الأولى ((لد)) فوجد أھلھا بين معول ومنتحب
فاستفسرھم عن الأمر، فقيل له إن الرجال خرجوا من المدينة منذ يومين في أثر الأقلقول
ولم يعد منھم أحد ، فبادرھم بالقول : إن رجالكم قد ھلكوا ، وإني قد قتلت الأقلقول الذي
كان سببا في ھلاكھم ، فصاح فيھم شيخ عجوز : إياكم أن تثقوا في ھذا الغريب ، إنه لھو
الأقلقول نفسه، إنه يشبه الرجل الغريب الذي سرق أمتعتنا واختفى بھا . ولم ينتظر القوم
حتى يتبينوا كلام شيخھم ، فاجتمعوا على الغريب فقتلوه . وبينما ھم كذلك إذ برجل يصيح
فيھم : أيھا الناس لا تتدخلوا فيما لا يعنيكم ، ولا تلقوا بالا لأقوال ھذا وذاك فتفتتنوا كما
حدث لرجالكم الھالكين ، وكما حدث لآخرين ليس لھم من الأمر شيء . فقال آخر من بين
القوم . ياھذا إن كلامك لعلى صواب ، فھلا أخبرتنا ما ھو الأقلقول؟ فأجابه الرجل " إن
الذي تقوله غير معقول ، والأقلقول ما ھو إلا مثل أظھر لكم ما ھو معقول ، وما ھو عين
الخطأ ، ولولا اتبع رجالكم الذي سرق ، ولولا اتبعوا كلام الشيخ الذي دلھم على ما لا
أصل له لما ھلكوا ، فدعوا البحث عن ھذا الأقلقول .
لم يقتنع القوم بقول الرجل فباتوا ليلتھم متفكرين متدبرين أمر الأقلقول كأنھا لم يتعظوا
مما حدث . فلما أصبح الصباح جاء إلى المدينة رجل معه قرد يرقصه ويسلي به الناس ،
ولم يكن أھل المدينة قد شاھدوا قردا من قبل . انتبه ھؤلاء إلى صبي صغير يصيح في
أبيع : يا أبت أنظر، أليس ھذا ھو الأقلقول(مشيرا إلى القدر)، إنه يشبه الإنسان ، فعادت
بذلك ذكرى الأقلقول إلى عقول القوم فأخذوا القرد وقتلوه ، وصاحبه يصيح ويعول دون أن
يھتم به أحد ، حتى إذا انتھوا من القرد حمله إلى مكان على مشارف المدينة ودفنه فيه ،
ولبث قبره مطأطئ الرأس ، فمر به رجل فسأله : ياھذا لماذا أنت على ھذه الحال ، وعلام
تبكي؟ فقال له مجيبا : إنني أبكي من كان لي موردا للرزق ومجلبة للقوت. فجلس الرجل ......... تابع

شيخ الأسرار الباطنية
28-01-2012, 17:14
على جانبه وقد أخذته به الشفقة . فمر بالاثنين تاجر غني وھما على تلك الحال فألقى إليھم
بمال دون أن يعلم أن القبر إنما ھو لقرد . ولما رجعا إلى المدينة ومعھما ما ألقاه إليھما
التاجر من مال كثير سألھما أھل المدينة عن المال فقالا : إن القبر فيه بركة . فتسارع
الناس على القبر فعكفوا عليه حتى مر بھم التاجر المذكور فحسب أنھم من أقارب الميت
صاحب القبر فأعطاھم مزيدا من المال فزاد ذلك في اعتقادھم بصحة ادعاء الرجلين، فبنوا
على القبر معبدا وطفقوا يعبدون صاحبه(القبر). وقالوا إنه إله للخير، وجعلوا من صاحب
القرد حارسا للمعبد ، فنحت ھذا الأخير صنما من الحجر شبيھا بالإنسان في جسمه
وبالقرد في سحنته ، وسماه الأقلقول ! وھو الاسم الذي لم يسمعه سوى من الصبي الذي
كان سببا في ھلاك القرد .
مر رجل بالمكان والناس عاكفون وقد بنوا صرحا ضخما فسألھم عما يعبدون فقالوا له :
إننا نعبد إله الخير، فقال : وما اسمه؟ فأجاب صاحب القرد : إن اسمه الأقلقول ، فقال
الرجل : وكيف لي أنا بخيره؟ فرد صاحب القرد : عليك أن تردد اسمه عند طلوع الشمس
وعند الغروب ، وأن تقرب له قربانا .
ففعل الرجل ما طلب منه ، فأعطي فرسه ، ثم جاء رجل آخر فقيل له نفس الكلام فقدم
إبلا ، وأھدى آخر مالا وھكذا...حتى أصبح أھل القرية موسرين بما ينھال عليھم من الھدايا
والأموال والقرابين . وغدا اسم الأقلقول يذكر في كل وقت ، والقرابين من الحيوانات
المختلفة تقدم له بغير حساب .
جاء رجل غريب عن المدينة فخاطب القوم قائلا : أيھا الناس إنكم لجاھلون ، وما تعبدون
إلا اسما سميتموه لا يأتي بسلطان مبين ، فقال الناس : إنه يدعونا على شيء لا علم لنا
به، خذوه فغلوه فلا بد أن إلھنا مسه بالجنون . فكان كل من تفوه بسوء عن الأقلقول يسجن
ويعذب وينكل به ثم ينفى من المدينة .
حل بالمدينة الثرية وباء أودى بحياة أھلھا فبقيت من بعدھم الأموال مھجورة لا يستطيع
أحد من الربوع المجاورة لمسھا لاعتقاد أنھا ملك للأقلقول وتحمل لعنة ، إلى أن مر رجل
بالمدينة فأخذ كل ما فيھا من ثروات دون أن يصاب بسوء . تحول ھذا إلى الناس في قرية
مجاورة وصاح فيھم : إن الأقلقول أصبح إلھا للمال ، وإنه وھبكم كل ما لديه من ثروة .
وشاع الخبر في المدن المجاورة ، فھجم قوم على أھل القرية التي صارت إليھا الأموال
وقتلوا كل من فيھا . فصاح كبيرھم : إن الأقلقول لم يمسنا بضرر، بل إنه نصرنا في
الحرب ، إنه إله الحرب .
وصنع للأقلقول تمثال آخر يناسب صفته الجديدة ولبث الناس يقربون له القرابين ،
واستمروا على حالھم يعبدون مالم يكن لھم عليه من سلطان مبين .
حل رجل بالمعبد الذي يأوي الصنم الجديد ، فوجد رجلا يقرأ في ألواح من الخشب
مجموعة بخيوط ككتاب ، فسأله عن شأن الألواح فرد عليه : إن فيھا سر الأقلقول . فعاد
فسأله عن ھذا الاسم فأجابه : إنه إله لا نعرف صفاته ، إنه يتشكل في الأشخاص وفي
الحيوانات ويمنح المال وينصر في الحرب ، إنه إله الخير والشر معا ، ھكذا علمنا آباؤنا
وأجدادنا ونحن على ما كانوا عليه سائرون .
ثارت ثائرة القادم الجديد ، فاستل سيفا وھو يصرخ : إن ھذا لشرك بالله ، وما للأقلقول
ھذا من صفات ، ثم طعن الرجل صاحب الألواح فأراده قتيلا . ولما توجس خوفا على
نفسه من قوم القتيل فر ھاربا من المدينة والألواح المنقوشة بين يديه .
وصل الرجل إلى بيته وكان له ابن وحيد مع زوجته بادره بالسؤال عما دھاه فحكى له
قصته مع صاحب الألواح وأضاف : إن الناس يابني قد ضلوا السبيل وأنھم ليتبعون
الشيطان كأنه إله . ھذا ما وجدته في ألواح الأقلقول . فسأله الابن عن ھذا الأقلقول فأخبره
إن الشيطان يدعو الناس إلى الإتيان بخير مزعوم بعبادة الأقلقول الذي ليس إلا شيئا غير
مفھوم . فقال الابن وھل أصاب الناس خير من ھذه العبادة؟ فرد عليه الأب : أي ولدي
لقد در عليھم أموالا طائلة تزيد في ضلالھم ، وھي من عند الله ولا صلة لھا بالأقلقول .
فصاح الابن مھللا : إن كان القوم قد نالوا من ذلك مالا فرسالة الشيطان إذن صدق . فلم
يتمالك الرجل الصالح نفسه فضرب ابنه ضربة ألقته على الأرض وقد فارق الحياة . وظل
واجما أمام الموقف يجتر ما مر به ، وكانت زوجته ترقب الواقعة عن كتب دون أن ينتبه
إليھا فارتمت عليه فجأة من الخلف وفي يدھا خنجر أغمدته في ظھره . ثم اختطفت الألواح
وفرت إلى أبيھا الذي لم يكن قد سمع عن أي غله شيئا . ولما اطلع الأب على ما حوته
الألواح آمن بما جاء فيھا وشيد بدوره معبدا ثم سار يدعو الناس جھلا إلى عبادة الأقلقول ،
فكانوا يجتمعون حوله يعلمھم من أسرار ھذا الإله الجديد ، الذي غدوا يتقربون إليه
ويتضرعون ألا يلحق بھم ما ألحقه بسابقيھم من عذاب وھلاك ، وأن يشملھم برحمته
وخيراته . والتبس الأمر فاختلط الحق بالباطل .
في القرية الجديدة لم يقم للأقلقول صنم ، وإنما ازدھر انتشار الألواح الحاملة لتعاليمه .
وانتشر الباطل وعم الفساد ، وانطلقت طرق تطبيقية كانت بداية لأساليب السحر،
فأصبحت للناس قوة وسيطرة. وأصبح كل من له قوة فوق قوة يدعي اللوھية ويتشبه
بالأقلقول ويسبغ على نفسه صفات وأفعال المنح والمنع . وتعددت الصفات الإلھية فعادت
الأصنام إلى الظھور وتعددت بدورھا وانتشرت في المعابد والبيوت . ولم يعد أحد من
الناس يسترشد بكلمة حق ، أو يستمع إلى موعظة وقد تعددت الآلھة وتنوعت ، حتى جاء
الطوفان ، فھلك من ھلك وبقي من الناس من بقي .
بعد الطوفان ، ظھر رجل حكيم يعظ الناس فقال لھم : إنه قبل الطوفان كان أناس طغاة
يعبدون الأصنام ويقربون القرابين للجن والشياطين ، واتخذوا من دون الله آلھة فغضب
عليھم الله وأغرقھم فلم ينج منھم إلا نوح ومن كان معه ممن اتبعوا إرشاداته ، كان الحكيم
يتحدث والناس ملتفون حوله في اھتمام إلى أن اقتحم الجمع رجل فجأة وصاح في الجموع
: أيھا الناس ، إن ھذا الذي يتحدث إليكم ليس له من العلم شيء ، وإنما يريد أن يضلكم فلا
تتبعوه ، وإني قد بحثت في الأرض فوجدت حجرا منقوشا يحمل علما . فسأله الناس عن
أي علم يتحدث ، فأجابھم : إنه يحمل سر الأقلقول . فتعجب القوم وعادوا إلى السؤال عن
الأقلقول فقال لھم الحكيم : دعوني أفسر لكم ما ھو . فصاح الآخر : كلا ، إنني أولى منه
بالعلم ، فاتبعوني أريكم موضع الحجر المنقوش .
سار الناس في أثره وتركوا الحكيم وحيدا يحدث نفسه . فبلغوا مكان الحجر وقد نقش
عليه مالم يكن لھم به علم . التفوا حول مكتشف الحجر الذي جلس ليحدثھم عن أسرار وقد
جمعھم كھف لجئوا إليه وكان الحجر في إحدى زواياه . وبينما ھم كذلك إذ برجل لا
يعرفونه ينقض عليھم صارخا : إن ھذا الكھف أنا الذي وجدته وقد كان مغلقا وما كان لكم
أن تدخلوه ، وقبل أن ينتبه القوم إلى أنفسھم أستل سيفه وأخذ يعمله فيھم وھم عزل حتى
انتھى منھم . وأخذ ألواحا نقل غليھا ما كان منقوشا على الحجر. كان ذلك يمثل رموزا لھا
معان كثيرة عالجھا الرجل بالجمع والتفريق والخلط والقلب حتى اكتشف أسرارھا فإذا ھي
أصول للسحر جمعھا ورتبھا في ثلاثة كتب من رقع جلد الحيوان ، ثم أوقد نارا ووضع
أمامھا صنما ، وصار يقدس النار ويتعبد إليھا حتى ظھرت له ما يشبه كرامات جعلت
الناس يحجون إليه ليعلمھم ، فجمع بذلك مالا وشيد معبدا كساه ذھبا . كان ھذا الرجل يحمل

اسم

((رع)) .

في ذات مجلس من مجالسه طلب إلى المريدين من حوله أن يعتبروه خليفة الأقلقول في
الأرض ، ثم أوعز إليھم باسم ھذا الأخير أن يذبحوا بقرة ففعلوا دون جدال وجعلوا فيما
بعد يعبدون البقر لاعتقادھم أن فيھا سر الأقلقول ، وأن الإله


((رع)) يتقمصھا .

لم تكن ھذه ھي خاتمة القصة الطریفة التي تضمنھا كتاب الأقلقول عن ھذا الاسم اللغز، أو
الاسم الرمز إن صح التعبیر. وما ھذه سوى القصة الحقیقیة لما سارت علیھ أحداث الخلق
قبل الطوفان ، وھي تحمل الكثیر عما جاء بعده)ھكذا یجعلنا كتاب الأقلقول نعتقد) وقد
اقتضى الرأي أن تنقل ھذه القراءة ملخصا للقصة بنوع من التصرف تجنبا – كالعادة –
للغوص في رموز وطلاسم یتضمنھا الكتاب لیستأنس بھا كل باحث متخصص أن یخوض
فیھا من لھ باع في ھذا العلم .
إن كلمة اسم الأقلقول ھذا یظل مجھولا لدى إنسان ھذا العصر وحتى العصور التي سبقتھ .
إلا أن مدلولھ لم یبرح قط مجال تعامل البشر ومجال تفكیرھم العقیم . فالآلھات مازالت
متعددة الیوم وإن اختفت الأسماء والأقنعة والحیل التنكریة . والأصنام منتصبة ھنا وھناك
وإن أخذت أشكالا عصریة كأوراق النقد بدل الذھب ، وآبار النفط بدل أبطال الأساطیر
القدیمة ، والآلات والصواریخ والإیدیولوجیات الوضعیة بدل الحجارة والنجوم والكواكب .
لقد اختفى اسم الأقلقول حقیقة ، ولكن الناس لا یزالون یتداولون كتبھ التي انتقلت من
الرقع الجلدیة لتصبح أحسن شكلا وإخراجا وزخرفة ، وابلغ قولا وأكثر تنوعا في السماء
والمضامین .
قلت إن ھذه لیست ھي خاتمة قصة الإنسان مع الأقلقول(أو الشیطان في ھذا التقمص
الجدید). فالكتاب یتضمن حكایة بدایة أصول السحر الأولى إلى أن أصبحت في أوج القوة
والتطور، وغدت منبع كل اتجاه نحو الشرك، والإلحاد ، وادعاء الألوھیة ، ونشر الفتنة بین
الناس ، ویتضمن الكتاب أیضا قصة ظھور أسرار الكذب باستعمال علم الحساب ، ثم التغییر
والقلب في مجال القوى واستخراجھا بنفس علم الحساب ، ثم ظھور عاد ، وقصة إقامة مدینة
((


إرم)) ذات العماد ، ثم ظھور النبي ھود علیھ السلام الذي أصیب بعده قوم عاد بالرجفة . ثم

ظھور ثمود وقصة صخرتھ التي ألقیت في الوادي وذبحت حولھا القرابین ، والطریقة التي
وضعت بھا الصخرة وحسابات التنجیم التي اقتضت زمانئذ وضع أحجار مختلفة حولھا بم ا
یوافق أوضاع النجوم والكواكب السیارة ، ثم التفرعات السلالیة والعرقیة التي جاءت بعد عاد
وقومھ ، والتي استوطن المنحدرون عبرھا أصقاع آسیا والھند ومصر والیونان
وفارس...الخ، وما تبع ذلك من تعدد في الأنبیاء والرسل الذین كانوا یظھرون في كل قوم
وكل قبیلة ، على أن اختفوا جمیعا فظھر ذو القرنین منفردا فجعل ینتقل بین القرى والأمم
فجال بقاع الأرض جمیعا .
ویشتمل الكتاب بموازاة ھذا السرد التاریخي ، الباطني المنبع(ھو لمطابقتھ) تماما لما جاء
بھ الله تعالى في كتابھ العزیز الذي ھو المصدر الأول للباطن الدیني ، على رسوم تبین
مراحل تطور قوى الظلمات وتشكلھا في الخیال الأول والثاني والثالث وطاقاتھا في الباطن
الظلماني (غیر الحقیقي) فیخلص إلى القول :
((


إن ھذه القوى المتشكلة تسبب في أضرار كثيرة أھونھا الخمول والكسل وثقل الفكر

والأعضاء ، وھذا ما أصيب به إنسان اليوم . فھو لا يقدر على العمل ، وبه إعياء ، وآلام
عضلية وكثرة نوم دون فائدة ، لأن قوى النوم فقدت صبوتھا الأصلية ، فأصبح النوم مجرد
ثقل يھزم الجسم فلا راحة بعده


)) .

إن إنسان الیوم ینظر على نفسھ فیجد أنھ تحضر وتطور فیأخذه بنفسھ الزھو ویجره إلى
الخیلاء والتباھي ، وإنھ لا یباھى سوى نفسھ ، ولا یتطاول إلا علیھا ، ویجد نفسھ وقد امتلك
وسائل دمار ماحق ، وما یھدد بذلك سوى ذاتھ ووجوده ، ویجد نفسھ وقد اكتسب مفاھیم
حدیثة لزجة تنزلق بھ إلى مواقف التكذیب بملك الله والمجادلة في آیاتھ ظنا منھ أنھ بلغ القمة
ولم یعد بحاجة على معتقد ومتكأ ، وما فَتّت بذلك سوى علاقتھ بنفسھ بعد أن سعى إلى تفتیت
علاقتھ بخالقھ وھو الذي قال في ھذا الإنسان : إنھ نسي الله فأنساه نفسھ .
أخیرا ما أسھل ما یستطیع الإنسان بھ التكذیب والتلفیق والمراوغة . وما أسھل أن یعمل ھذ ا
الإنسان في حیاتھ ووجوده في الدنیا من ھدم وتخریب بمعاول من قیم دخیلة ومقاییس محدثة
مختلة وإیدیولوجیات كأنھا قیست على مخلوقات تشكیلیة لا تمت للإنسان بصلة . وما أبسط
أن یظل المرء فاغرا فاه في موقف المتفرج المجرد من كل إرادة ، الفاقد لكل إحساس
بإنسانیتھ ، مادام ھذا الموقف یجعلھ في حل من أي التزام أو عھد أو میثاق...لكن ما أصعب
أن یجد نفس الإنسان منفذا إلى فطرتھ ، وشفافیتھ وعافیتھ الجسدیة والنفسیة التي قال تعالى
أنھ كان بھا {


في أحسن تقویم}قبل أن یرد إلى {أسفل سافلین}،(وما أبشع أسفل سافلین الیوم،

إلا من آمن) وھذه ، ھي الكوة الوحیدة التي تركھا الخالق سبحانھ مفتوحة لمن وعي مكر الله
فخشیھ واجتنب الوقوع فیھ...فیاللھول ، وما أصعب ذلك حقا .

السيف الأسود
06-02-2012, 08:18
قصة عظيمة يا شيخ، مليئة بالعبر والحكم، وما شاء الله على دار الأعماق وكتبها الزاخرة بالمعارف ، وجزاكم الله خيراً على تعريفنا بأمثال هذه الكتب والعلوم

الملثم
01-10-2012, 10:44
لله درك يا شيخنا !
قصة الأقلقول تحكي غواية الأطماع ، ورداءة الأطباع ..
تعبر عن تقديس الرمز الزائف الذي صنع على ركام جهل وخنوع ..
الأقلقول أصبح متنفذا متناسخا في شتى المجالات .
بل ربما من يحاربه اليوم يكون تبعا له في الغد !
الأقلقول خرافة الوهم الذي صادف تعطشا في النفس اللاهثة وراء الدنيا؛
فعشش في الفكر ، وفرخ في السلوك !
وأصبح محاطا (بأقلقوات) تطبل له وتزمر ، و تجعله معيارا لدرجة الإيمان والولاء !

دمت بود وسعادة شيخنا الحبيب المبارك ..*

البرق الساطع
06-10-2012, 22:26
سلام الله عليكم وقبلة على جبينك شيخي الجليل

ضحك الشيطان على العقول بهذا الاقلقول من قبل الطوفان وفرخ ذريته من المنظرين الى يوم

الدين . جعلنا الله واياكم من المؤمنين المخلصين ونجانا من شر الاقلقوقيين الذين يعملون ويبذلون

كل الجهد في خدمة هذه الكذبه التي لااصل لها . سبحان الله

ذكرت قصة المثل المصري الذي يقول ......... احنا دافنينه سوى ......... حسب علمي انهم اثنين

من الصعاليك قديما وواحد منهم يملك حمار وذهبوا ليبحثوا عن عمل وفي منتصف الطريق مات الحمار

وقام صاحب الحمار يبكي عليه ويقول هذا حيلتي بالدنيا وماذا افعل الان . فاصر على صاحبه ان يساعده

في دفن الحمار وقاما بدفنه وبقى صاحبه يبكي حظه المتعثر وفجاة جاء مجموعة من الناس يحملون

علم ومعهم هديا ونذور ويسالون اين قبر الولي فلان فقام الصعاليك بالتفكير وكان هؤولاء القوم سذج

فقالوا هنا ثم دفعوا ماعندهم وذهبوا . وبعد ذلك اكل الصعاليك وشبعوا وناموا وفي اليوم الثاني جاءهم

قوم اخرون ودفعوا وذهبوا عندها اتفق الصعاليك على تطوير المكان وعمل قبه والخ ... واتفقا على

تقاسم الدخل . واصبح صاحب الحمار هو المسؤل عن المقام وبعد فترة من الزمن طمع صاحب الحمار

بزيادة الدخل له ونسي ان المدفون حماره فقال دا قريبي وانا احق بنسبة اكثر في الدخل ......

فذكره صاحبه قريبك مين دحنا دافنينه سوى .

فهذا اقلقون صغير في قرية نائيه صنعه جهل الناس بمساعدة الشيطان وبمكر الصعاليك .

فيصل
22-11-2012, 11:07
جزاكم الله شيخي خير الجزاء علي هزه القصه الرائعه التي بها كثير من العبر .. ونقول حينما يعشعش الجهل في عقولنا نصبح صيدا سهلا للشيطان وحزب الشيطان .. اللهم حصن عقولنا واجسامنا من الوسواس الخناس .. ولك التحيه والتجله شيخي شيخ السرار ..

هارون
16-05-2014, 12:07
بارك الله فيك وجزاك خيراً