المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيطان



شيخ الأسرار الباطنية
28-01-2012, 17:09
الشيطان




الشیطان... ھذا المعروف المجھول ، الظاھر المخفي ، البسیط المعقد المخیف..تراه - من
حیث لا تراه- -في لحظة عري وھنیھة فسق ، وتسمعھ في دقة طبل أو رنة وتر أو ترنیمة
مزمار، وتلتمسھ في ضحكة خلیعة أو بسمة صفراء تضمر الكثیر من الشر والخبث ...
ھذا الشیطان تجاھد نفسك حتى تجتنبھ فتسقط صاغرا في حبائلھ ، وتناضل حتى یغیب عن
مجال عیشك ویبعد عن نطاق تصرفك فإذا بھ متمكن من زبد تفكیرك یصنع بھ ما شاء
ویكیف فیھ ما یشاء...
ھذا الشیطان... ظل ، منذ أن نزل بھ مكر الله فغوى وتمرد ، سؤالا في حیاة الإنسان ،
واستفھاما لا یختفي إلا لیظھر ویقوم من جدید . فمن ھو ھذا المخلوق الناري الھویة؟ وأین
مقره؟ ومن جنده وقبیلھ؟ وما شكلھ وما أسلوب إغوائھ؟
إن مبدأ الفھم المبھم الذي لا یعتمد إلا على ظاھر الظواھر لا یبین ما ھو مخفي ، وإنما ینمي
ویطور الملموسات والمحسوسات ، لن یجدي شیئا في طریق تحصیل فھم صحیح خال من
الخطأ والخلط والظن . لأن ھذا المبدأ لا یتعرض لفھم ما ھو غیبي خارج عن نطاق قوى
حواس الرؤیة والسمع والشم والذوق واللمس ، ولأن الفھم الصحیح مرتبط في جوھره
بالجواھر لا بالظواھر، ولذلك فظاھر الكون یعطي غیر ظاھر فھم الكون . أما جوھر الفھم
فبعید عن المنال إلا في حالة الانطلاق من أرضیة ھي الإیمان بالغیب ، والاعتراف بالعلم
الدیني أو بعبارة أوضح ، العلوم الدینیة ، لأن الأمر في ھذه الحالة سیجعل الباحث ولا یعلم
لھ سلاحا ، ولا یجد لمحاربتھ سوى وسیلة واحدة قوامھا الاستعاذة منھ ومحاربة النفي في
جمیع ما نھیت عنھ ھذه الوسیلة من الخطورة بمكان لأنھا إذا اتبعت دون تحكیم للعلم الدیني
فإن الشیطان یجد منھا باستمرار منفذا إلى التضلیل فیضل الباحث عن الحق على حیث یعتقد
صواب سبیلھ ، ویصبح محاربا للحق بدلا من أن یحارب الباطل ، ویكون خلیلا لإبلیس
وتابعا لھ لا یخرج عن طاعتھ وھو یظن نفسھ على ھدى . الحكمة الأولى – إذن – ھي
البحث عن العلم حتى یكون الدین أحكم سلاح مظھر لحقیقة العدو المبین .
إن الشیطان لم یحدث أن غره احد فأمره بعدم السجود لآدم حثا لھ على الخروج على الأمر
الإلھي ، فلا یعقل أن یكون ھناك شخص یستطیع أن یكسب قوة وحیلة فوق قوى وحیل
الشیطان حتى یملي لھ بذلك . وأن الناس لا یفتئوا یتساءلون عن الجان والشیاطین دون أن
یجیب على أسئلتھم كاھن أو فیلسوف أو منجم ، ودون أن یعثر أحد منھم على اثر لشخص أو
أشخاص یرون الشیطان من حیث لا یراھم ، ویشاركونھ فضلا عن ذلك في أموالھ وأولاده
فیعدھم غرورا .
إن كل الكتب المنزلة جاءت تنص على أن للإنسان عدوا مبینا ھو الشیطان ، وكل الكتب
التي وضعھا من لا یؤمنون بالدین لا تشیر إلى أي شيء من ھذا القبیل . حتى ((علماء النفس) )

لم یذكر أحد منھم أن ھناك عدوا لھ علاقة بنفس الإنسان ، التي لھا بدورھا قابلیة تلقي م ا
یملیھ علیھا وما یزینھ لھا من وسائل الھلاك في قوالب من الحكمة .
إن الإنسان اتفق بدون استثناء على محاربة جمیع أشكال الاستعمال ، حتى المستعمرون
أنفسھم أقروا ذلك ، ولكن ھذا الإنسان لم یفكر أبدا في جھد جماعي لمحاربة أول مستعمر
استوطن معاقل النفس ومجالاتھا الشاسعة ، وانكب على إشاعة الفساد وإلحاق الخراب بم ا
یحیط بھا من عوالم ومعالم ، لمحاربة ھذا المستعمر الذي لا تأخذه في الله لائمة حین یدخل
جمیع البیوت من أبوابھا بدون استئذان ، وحین یحشر نفسھ تحت الفرشة وفوق الأسرة وبین
الأضلع ، فلا یترك متاعا أو ولدا أو مالا إلا وضع علیھ خاتمھ وشارك صاحبھ فیھ دون علم
أو مشورة .
إننا ھنا أمام أول من لم یسجن ولم یعذب ولم یحاكم بتنفیذ بعذاب ، وإنما أمھل على یوم
موعود ، فقرر مادام الخسران آت ولا مرد لھ أن یكون علیھ وعلى من یسكن ھذا الكوكب
من إنس وجان بلا استثناء ، وأن من نسي ھذا أو یتناساه لا یمكن إلا أن یكون إبلیس قد
أخرسھ ووضع الختم على فمھ وقلبھ وعقلھ انطلاقا من نفسھ وھواه ، فغره بالجاه والملك
والسلطان والخلود ، أو مناه بالفقر والخوف فأوقعھ بھا جمیعا في أحضان الرذیلة والكفر .
ولیس كل الكفر جلیا واضحا وإنما كثیر منھ لا یكاد حاملھ یستشعر أثره في نفسھ ، ولا یدري
عواقبھ في حالھ وترحالھ .
إننا نعلم ھذا العدو بدأ أول ما بدأ برفض السجود لآدم لاعتقاده أنھ أشرف أصلا من آدم
علیھ السلام وأكرم منزلة منھ ثم انتقل من رفضھ إلى مجال العمل فأغوى آدم الفطري الجبلة
فدلھ على الشجرة ومناه بالخلد وبالملك الذي لا یبلى ، حتى إذا قاربھا وزوجھ ظھرت لھم ا
سوءاتھما ، ووجدا نفسھما وقد نزلا من مرتبة ساكني جنان الخلد وعدا بألا یجوعا فیھ ولا
یشقیا . فلماذا انفرد بھما الشیطان على الأرض ألم یجد مدخلا جدیدا إلى عقلھما . فقد كان ا
منشغلین بتوبتھما متطلعین إلى رحمة الغفور الرحیم ، فانتقل على أحد أبنائھما فغرر بھ –
على شبابھ المشتعل – حتى إذا قتل أخاه ، أخذه وھو في أوج ندمھ وحیرتھ وارتباكھ ، فألقى
في روعھ أن النار التي التھمت قربان أخیھ القتیل ھي الله ، وأنھا غاضبة علیھ إذ لم تتقبل
قربانھ ، فیجب علیھ لذلك أن یسترضیھا ویتوجھ إلیھا بالتبتل والعبادة . ولم یقف عند ھذا الحد
إذ وجد أن رأس الفتى القاتل یعج بأفكار وأمان ترسبت عن خطأ أبیھ آدم تتصل بالجاه
والخلود ، ولما لم یجد على الأرض ما یستبدل بھ الشجرة المحظورة في الجنة ، فقد أراه
شجرة أخرى من نوع آخر، وأوھمھ أن فیھا سر الجاه والمال والبقاء الخالد ، فانشغل بھ ا
الفتى ، وكانت ھذه الشجرة الجدیدة ھي السحر. ولما كان السحر یعطي قدرات تشبھ
المعجزات ، ویجعل الخلق یلتفتون حول صاحبھا یخدمونھ ویقدمون لھ فروض الطاعة
والتبجیل فقد اتخذ فقد اتخذ منھ ابن آدم(القاتل) مذھبا ، ووسیلة لتحقیق رغائبھ وإرواء
تعطشھ إلى الاقتناء والتملك ، ثم صار السحر بعد ذلك سبیلا على التغییر والقلب وإلى
الإلحاد والشرك المقیمین . فكان السحر لذلك حتمي الظھور(تنفیذا لأمر الله) في تلك المرحلة
من عمر بني آدم . وكان سحرا قویا حقا في غیاب أي تفكیر سلیم یضاھیھ قوة وفعالیة .
كان ذلك أول عھد ، وأول میثاق یبرم بین ابن آدم والشیطان ، وقد أینع ووفرت ثماره ودنت
وتدلت إلى متناول ید كل طالب راغب في الجاه والسیطرة والكسب الحرام والقوة . ولم ا
كانت طبیعة أي شيء جدید مشترك أن یبدأ قویا فاعلا فقد كان ذلك المیثاق من المتانة
بمكان ، وكانت نتائجھ من القوة ما جعلھا تملأ آفاق عالم الفكر والتطور والخیال مما حولھ ا
إلى معقل صاخب لكل ما ھو بعید عن الدین والجادة .
إن السؤال المطروح الآن ھو ماھیة ھویة ھذا الشیطان؟ وماھي تجلیاتھ؟ وھل یمكن حصره
في شكل أو ھیئة أو أسلوب عمل معین فیسھل اجتنابھ؟
إن الإنسان عندما یرفض الإیمان والتسلیم بالغیب ، ویمتنع بالتالي عن السجود لمن خلقھ ،
فإنھ یكون كإبلیس حینما امتنع ھو عن السجود لآدم ، بل أعلى مرتبة في العصیان ، لأن الذي
طولب الإنسان بالسجود لھ ھو الخالق سبحانھ ولا مجال ھنا للمقارنة .
إن الإنسان إذن یبحث عن إبلیس وھو یمثل في حالة عصیانھ قوة تستطیع أن تخضع كل
الأبالسة وتجعلھم خداما یعملون بإشارة الید والبنان وإن معنى ھذا أن إبلیس لافائدة یرجوھ ا
من ظھوره للعیان ، بعد أن ملك القدرة على جعلھم من جنده ، بل یلبسون شخصیتھ ویقومون
مقامھ . وقد صدق في ھذا المقام شیخ علم سألوه ذات مرة عن الشیطان إن كان موجودا ،
فقال لمن سألوه: ((إنني أرجو أن تسألوا عن الإنسان لأني لا أراكم سوى شياطين )) .
وقال حكیم آخر :((إني لأرى عبادا تكفي رؤيتھم وھم في خوضھم وانحرافھم وفعلھم السوء ليستغني
المرء عن طلب رؤية إبليس نفسه ، وإني لأعجب إذ أسمعھم يبحثون عنه )) .
إن السائل عن جنود إبلیس یجد الجواب في آیات الله وفي علوم الدین المتفرعة عنھا . فالقرآن
الكریم ینص على أن الشیطان عدو مبین ، وأنھ یوسوس للإنسان ، وعلى أن الوسوسة تأتي
من الجنة والناس . فالجنة والناس إذن ھم جنود الشیطان وأدواتھ ، فكأن للشیطان كتابا أثبت
فیھ سلطانھ ولا یزال یفعل ، وقد جعل من ألسنة الناس أقلاما لھ ، ومن دمائھم المراقة إثم ا
وعدوانا مدادا لغوایاتھ ، ومن ضمن مقتضیات ھذا الكتاب أن یصر على الشر ینال أقوى م ا
في الشر، ومن یھوى الخبث یضحى مصیبا للسوء الذي في الخبث ، وھذا مطابق لما في
القرآن الكریم ، إذ الشیطان لا یخرج عن تعالیم كتب الله منذ رفض السجود لآدم . فھو یخاف
الله ولكن، یدفع ابن آدم إلى عدم إقرار ھذا الخوف وعدم الالتزام بمقتضیاتھ. ألیس ھو القائل
غدا للإنسان الكافر ((إني بريء منك وما ظلمتك وما أغویتك وإنما أغویت نفسك وظلمتھا بم ا
تحملھ من إصرار على الكفر والإثم )) ؟
إن كثیرا من الناس لا یجدون مندوحة من إنكار وجود الشیطان لأنھ یسكنھم ، وبھذ ا
الجحود یجد الشیطان السبیل لیدافع عن نفسھ بأفواھھم .
إن الفرق بین النفس والشیطان صعب إدراكھ والتفریق بینھما صعب تحقیقھ. غیر أن
الإنسان یستطیع إذا أوفى عبودیتھ حقھا، وأوفى للدین بالتزاماتھ ، فإنھ سیكون بذلك قد كرس
إنسانیتھ . وبھذه الإنسانیة الصافیة الخالصة المنعمة في كنف عبودیة الخالق یظھر فقط الفرق
بین النفس والشیطان ، لكن لیس في وسع أي إنسان ، وأیة نفس ، إلا أن تكون النفس
الراضیة المرضیة ، وذاك الإنسان المؤمن المؤمَّن على نفسھ من ھواه . وعلى قلبھ من نفسھ.
وعلى عقلھ من میل قلبھ .
إن إثبات الإنسان حقیقة كونھ إنسانا(وھذا لا یتم إلا بالعودة إلى مرتبة الخلق الأول التي
قال عنھا الله سبحانھ ((في أحسن تقویم)) ھو السبیل إلى إظھار وإدراك ھذا الفرق بین النفس
والشیطان . وما عدا ذلك فلن یتبین فرق البتة بین الاثنین ، بل سیظل الموسوس ھو
الموسوس لھ ، وسیستمر القاتل ھو المقتول في آن واحد لأنھ قتل إنسانیتھ . ویبقى الإنسان
عدو نفسھ . أي شیطانا بمعنى الكلمة .
إن المرء ھنا كأنھ أمام مثلث تكویني یقف الإنسان عند أحد زوایاه الثلاثة ، وتقف عند
الزاویة الثالثة ، ویستوي الشیطان عند رأسھ الثالث . إنھ السم الباطني الذي یرمز إلى
الإنسان في حالة امتثالھ لھوى نفسھ الأمارة بالسوء التي ینزعھا الشیطان فلا یعود ھناك فرق
أو تمییز بین زوایا المثلث ومكوناتھ .
إن الإنسان – في كثیر من الحالات والأشخاص – یسب خالقھ ویتمرد علیھ ، وبتمرده ذاك
لن یبلغ شیئا ، بینما الشیطان لا یسب الخالق أبدا ، بل یھتز خوفا منھ ویحس الصغر المتناھي
أمام عظمتھ ، رغم أنھ یأمر بالفحشاء والمنكر، ولذلك فقد لعنھ الله حین أنزلھ إلى الأرض
بینما لم تلحق بالإنسان اللعنة إلا بعد إقراره النھج الذي خطھ الشیطان لھ ، وبعد أن نزع عن
نفسھ وقلبھ الخوف من الله سبحانھ وتعالى ، واستبدلھ بالخوف من مخالفة أوامر الشیطان .
إن إبلیس لم یقتل یوما أحدا من البشر، وما كان لھ أن یفعل حتى یظل على عھده إلى یوم
القیامة ، ولكنھ أمرھم بنزغ بینھم فاقتتلوا ، وظل ھو بریئا من دمائھم لأنھم استجابوا من تلقاء
أنفسھم عندما دعاھم ، فكأن براءة إبلیس تھمة كبرى موجھة إلیھ . إنھ من العدل ھو نفسھ
بحیث لو حكمناه لقضى بالعدل وعذب الكافر حتى ولو كان بریئا . وھذه الأحكام لذلك راجعة
لله الذي جعل الشیاطین(كما قال في كتابھ العزیز) تؤز الكافرین أزا. إن الشیطان مثلا لا
یضرب أحدا وإنما یوقع لھ في نفسھ ، فیجلس ھذا إلى نفسھ كئیبا حزینا متألما وقد أخذ الیأس
بخناقھ ، فتلك وسیلة تعذیب جعلھا الله لعباده المنحرفین ، وقد قیض الله لھم شیاطینھم قرناء
لھم لھذا الغرض .


تابع ......

شيخ الأسرار الباطنية
28-01-2012, 17:11
إن الشیطان لم یقیض لھ الله قرینا من الإنس لأنھ أعلن التمرد من قبل . والشیطان كما یقول
المثل المغربي یخاف ولا یخجل ، ولذلك فھو على خوفھ لا یعرف لھ إیمان بخلاف الجان .
ولو نحن فكرنا في الجن لوجدناھم ابتلوا بنفس ما ابتلي بھ الإنسان ، ولعرفنا أنھم یتخبطون
بدورھم بین الإیمان والكفر بنزغ من الشیطان نفسھ ، ولوجنا أن لھم علاقة ما بالشیطان إلا
أنھا مجھولة . إذ علاقة الإنسان بھ تبدأ برفضھ السجود لآدم لأنھ اعتقد أنھ خیر منھ أصلا ،
أما بالنسبة لما بینھ وبین الجن ، الأمر غیر معلوم ، وفضلا عن ذلك فھو من نفس أصلھم(من
نار) وھذا ینفي احتمالا یروج لھ بعض الجاھلین في كونھ من الملائكة وربما قالوا بذلك
واعتقدوه لمجرد ملاحظتھم مركز الحظوة الذي كان لھ عند الخالق سبحانھ قبل عصیانھ .
إن الإنسان وجد على الأرض لأنھ حمل الأمانة التي عرضھا الله علیھ ولأنھ أعطى موثقا في
بدء خلقھ على ذلك ، ولیس لأن آدم أكل من الشجرة المحظورة . فآدم علیھ السلام تلقى من
ربھ كلمات فتاب علیھ ، وأبناؤه وحفدتھ لم یقربوا الشجرة ولم یروھا قط ، وإنما انحرفوا إلى
الغوایة وانساقوا وراء المحرمات فكان الأمر مشتبھا بینھم وبین أبیھم في البدایة لا غیر، أم ا
فیما بعد ذلك فآدم لم یظل في الخطأ إلى حد الكفر، بینما ذریتھ فعلوا ومازالوا یفعلون.
إن الأمانة إذا لیست ھي العبادة لذاتھا ، وإنما الأمانة ھي أن یعطى الإنسان میثاقا أخذه الله
منھ ثم یوفیھ حقھ من الاحترام والالتزام . ولوجود الشیطان النازع ، فقد أبت السماوات
والأرض والجبال حمل ھذه الأمانة وأشفقن منھا ، وحملھا الإنسان الظلوم الجھول ، فالإنسان
لذلك یخون میثاقھ وبالتالي أمانتھ بعد أن قبل حملھا بما یتبع من خطوات الشیطان فاستحق
لذلك التنكیل وسوء الخاتمة . والشیطان ما جاء إلى الأرض إلا لأجل ذلك ، أما أن تكون
العبادة نفسھا ھي الأمانة فلا یعقل ، لأن كل من في السماوات یعبدون الله وكل ما في الأرض
من دواب نباتات وأحجار یعبد الله الغني عن كل ذلك لأن ألوھیتھ سبحانھ ثابتة بذاتھا لا
بعبادة ھذا المخلوق أو ذاك .
إن الشیطان إذن یدعو الإنسان لیضع الحمل ویریح الكاھل وینطلق إلى الترف والمتعة
المحظورة فكأن الإنسان الفاعل لا یقرب الشجرة المحظورة فحسب ، وإنما یقتات علیھا عمد ا
وضدا على أمر الخالق ونھیھ .
إن للشیطان معرفة وثقافة تظھران في تكبره وتعالیھ ، ومعرفتھ تشمل كل مجال یمكن
تغییره عن الأصل ، ولذلك سماه الله بإبلیس لأنھ یلبس الأشیاء والحقائق فیبخسھا . فھذان
الاسمان یعرفان علیھ فحسب ، أما اسمھ الحقیقي فمجھول . والقوة التي یستعملھا الشیطان
ثلاثیة في شكلھا كما یقول صاحبا كتاب الشیطان اللذان یرمزان إلیھا بمثلث في أحد رؤوسھ
الشیطان ، وفي الرأس الثاني إبلیس ، وفي الرأس الثلث ، القوة المجھولة التي یستمد منھ ا
عناصر الغرور وممیزات الشیطنة وحیلھا وربما في ھذه القوة المجھولة یوجد اسمھ الحقیقي.
ینص كتاب الشیطان على :

((أن القوة الثلاثية ترجع في أصلھا لملك يعرف (بالجزء السابع).وھو الشخص العلوي الذي له سيطرة
كاملة على الشيطان . والمتصل بالباطن حتى يتعرف على حقيقة الشيطان يتصل بالملك الذي يدخله في
العالم الباطني إلى(أرض الظلمات) حيث يرى الشيطان مسجونا بقوى من نور)) .
إن الكاتبین ھنا یعنیان أن المشاھد في الباطن تتراءى لھ ھذه القوة على شكل رموز النور
یعرفھا المتصلون بالباطن الحقیقي ویعرفون ما یقابلھا من رموز للظلمات ھي نفسھا الرموز
الأولى إلا أنھا قلبت وحرفت بفعل الشیطان وقبیلھ .
ویضیف الكاتبان : عن الشيطان إذ يوجد مسجونا في أرض الظلمات فإن اتصاله بالإنسان يكون
بواسطة الجسم الثاني . أي الجسم الباطني ، وھذا الجسم يستمد من قوة الشيطان المشخصة في باطن
الأرض بنقصان لا كما في الحقيقة . وھذا الجسم الثاني للشيطان الذي يتصل عبره بالجسم الباطني
للإنسان فيوسوس له به حتى كأن نفس الإنسان ھي صاحبة الوسوسة ، أقول ، ھذا الجسم ھو الذي
أطلق عليه اسم إبليس ، بمعنى أن إبليس ھو الجسم الباطني للشيطان .

إن الاتصال الإنساني الشیطاني – حسب ما یقولھ الكاتبان – لا یتم سوى في العالم الباطني
الخیالي الثالث . حیث ھناك تلتقي الأجسام الثانیة البشریة مع الأجسام الثانیة الشیطانیة التي
بإمكانھا الدخول إلى الجسم الظاھري للإنسان .
إن الإنسان یسعى بطبیعتھ إلى السعادة الكلیة والمتعة القصوى ، ولكنھ لم یكن لیعرف
وجودھا لو لم یكن ما یدلھ علیھا . إن دلیل الإنسان في الحیاة ھو الحیاة نفسھا ، غیر أن
التطور الفكري للإنسان لم یتم سوى بواسطة الإملاء الصادر عن الشیطان الذي یملك الفكرة
الأساسیة (والتي بھا رفض السجود لآدم) وھي وسیلة الغرور، فتكون أفكار الإنسان ھي عین
أفكار الشیطان حین التفكیر في السعادة الدنیویة الخالدة . أما في التفكیر الدیني ، فإن الإنسان
إذا أصابتھ بھجة في رحابھ فإنھ یجد أمامھ أن كل نفس ذائقة الموت ، ویستشعر الراحة
لمجرد التفكیر في الموت ولقاء الخالق والمثول الیقین بین یدیھ لأن ذلك ھو الخلود السعید
الحقیقي .
ھل یمكن تسمیة ما وصل غلیھ ذكاء الإنسان الیوم من أدوات ووسائل للدمار والخراب إلا
من ذكاء الشیطان وعلمھ ومعرفتھ؟
عن الإنسان قبل التحدي بتحمل الأمانة ، ولكنھ نسي أنھ للشیطان وللغرور وللانحراف
ولیس تحد للخالق ولسنتھ وأوامره ونواھیھ . فانتباه الإنسان على السلطة والنفوذ والسعادة
الدنیویة یفقده الانتباه إلى نفسھ فیجدھا الشیطان فرصة سانحة لنسج خیوط علمھ – الذي ھو
علم ضلالة – حول ھذه النفس فتكرس ما ألھم من فجور وتسیر في ركب الشیطان الذي
یسكنھا فیبدو كل منھما كأنھ جزء من الأخر، لذلك یظل الإنسان یسأل عن الشیطان یرید أن
یراه وھو بداخل نفسھ!
إن من أراد أن یعرف مبدأ إبلیس وجنوده فما علیھ إلا أن ینظر ویتأمل أفكار من لا
یرجو لقاء ربھ ، فیجدھا جلیة واضحة في كل ما ھو بین یدي إنسان الیوم. فالعالم الحاضر
شمل المغزى العمیق المظھر للحقیقة التي أراد الشیطان أن یعیشھا بین الناس ، والتي سعى
إلیھا منذ نزولھ رفقتھم إلى الأرض . وھي حقیقة شاملة للفساد بأنواعھ والشعوذة بضروبھ ا
والمتعة بأشكالھا ومراتبھا المختلفة .
إن الفكر الشیطاني لا وجود فیھ لمسطرة معینة أو قانون محكم . فھو مثلا وعد الله فوفى
بوعده ، وكان وفاؤه في حد ذاتھ خیانة . لأنھ وفاء یشمل الإبقاء على الكذب والغدر والمكر
والفسق والحسد وغیرھا من درر الشیطان وحبات عقده وسبحتھ .
ومن أراد أن یعرف قانون عمل الشیطان، فلیعلم أن ھذا القانون مبھم ، إنھ یحكم بموجبھ
بعدل یحمل كل الظلم ، وبظلم عادل في حقیقتھ . فحین یحكم على المؤمن یأخذ بحلم ورقة
ودون عناء على الشط فإذا ھو شاطئ الغوایة والرجس فیكون قد ظلمھ من حیث رفق بھ .
وإذا حكم على الكافر ظلمھ وقسا علیھ وأزه ونكل بھ فیكون ذلك الظلم حاملا في عمقھ منتھى
الحنو الظاھري . فالویل لمن زل بنفسھ وزلت بھ نفسھ إلى حیث یمثل أمام محكمة
الشیاطین . لأنھ لن یكون في حالتي الظلم والعد إلا خاسرا مكبا على وجھ من الحسرة حین لا
تنفع الحسرة .
وحول عبقریة الشیطان جاء في الكتاب : ((إن ھذه العبقرية لم تكن نتيجة بحوث علمية ، أو تلقي
دروس مدرسية ، ولم يكن إبليس خريج كلية أو جامعة ، بل الشيطان أسس أول مدرسة ابتدائية منذ
وجود البشرية يعلم فيھا التراث الإنساني الشامل للجھل والكفر. وقد انتشرت دعوة إبليس منذ أن فتح
أول معبد عبدت فيه الأصنام ، وتطور مضمونھا (الدعوة) منذ أن كتب أول كتاب سحري مستنبط من
رجس الشيطان)) .
إن المرء لیستغرب لأمر إبلیس ویظل یسأل عن المورد الذي یمده بكل أفكاره وحیلھ
ومعلوماتھ وطرق إغرائھ وقوة سیطرتھ . ویجیب كتاب ((الشیطان)) على ھذا التساؤل بالقول:

((إن كل فكر إنساني أو شيطاني إلا وله عقلية من المستمد وموضع الاستمداد . فأما الشيطان فيستمد
من نقطة سواد بأرض بابل ، وقد جعل الله فيھا كل الأفكار الخبيثة ، وبابل فيھا الملكان ھاروت
وماروت وقد كلفا بقوانين السحر)) .
أم عن لغة الشیطان فیضبف الكتاب :

((إننا لو طلبنا من إبليس أن يكتب لنا كتابا بخط يده لملأ صفحاته بخطوط معوجة ، ولرسم أشكالا لا
معنى فيھا ، ولكتب اللغة العربية مقلوبة ، وذلك لأن إبليس يعرف الطريقة الأصلية لتغيير أسماء الله
الحسنى وكلماته وآياته)) .
إن معنى ھذا : أن الذین یودون الاطلاع على كتابة الشیاطین وطرقة تعبیرھم ما علیھم إلا
أن یتحسسوا ذلك ویلتمسوه عند أولئك الذین یكتبون الأوفاق والجداول والطلاسم بھدف زرع
الفتنة بین الناس ، بینما ھم یدعون في عملھم خیرا وبركة .
لقد كان الأنبیاء والرسل ینھون عن الخوض في الكلام الذي لا معنى لھ ، ومن باب
الخوض فیما لا معنى لھ أن یأخذ الإنسان الورق والقلم – وذلك یحل في محل القول – فیرسم
أو یكتب ما لیس لھ معنى ... فكثیرا ما یصادف رسم أو خط شكلا أو
رمزا أو طلسما من عالم الظلمات فیلصق الكاتب أو الرسام بنفسھ مالا طاقة لھ بھ ، ویغدو
في رحمة موضع استمداد ، وبالتالي ، في رحمة صاحب نقطة الاستمداد المودعة في عالم
قوى الظلمات .
إن الوسائل المتوفرة لدى إنسان الیوم من آلات وطاقات ومواد مختلفة ومركبات لن تفیده
في شيء إذا ھو أراد استعمالھا لمعرفة مكان الشیطان . فھذا المكان ونحوه لا یمكن إدراك
علم عنھ سوى بالعلم الدیني . فالشیطان من الأمور الغیبیة ، ومن یؤمن بالغیب فلا مجال لدیھ
إلى طرق ھذا الضرب من الموضوعات .
إن الشیطان انطلاقا من ھذا یظل مجھولا لإنسان المتشبث بعلم الجھل ، وھو ما یطلق
علیھ لفظ علم من حیث لا یحمل غیر الضلالة ولا یؤدي إلا على سوء العاقبة مھما كانت
مواصفاتھ وطبیعتھ العلمیة ، ومھما بلغت زخارفھ وسعادتھ الآنیة الآیلة على الأفول ، وتظل
معرفة أمر الشیطان فرصة ممكنة للمؤمن بخلاف ذلك ، لأنھ سیظل یذكر دوما أن وراءه أو
على شمالھ مخلوق یترقبھ عن قرب أو عن بعد یتحین الفرصة للإیقاع بھ ، فیراقب نفسھ
ویلزمھا وحدودھا فلا یدع لھذا المراقب فرصة للاقتراب منھ أو الإلقاء إلیھ بخیوطھ وحبالھ .
إن تجلیات عمل الشیطان كثیرة ومتنوعة ، وبینھا أن یسقط الإنسان من مرض أو عیاء
أو لسبب آخر فیغمى علیھ ثم یدخل في حالات غیر عادیة ، یتحدث بعده بلغة أو لغات غریبة
أو یكتب بھا ، فیطلب ذبائح وھدایا . فیكون الأمر في حقیقتھ لیس من عمل الجن كما یقول
البعض ، وإنما ھو الجسم الثاني(الباطني) للشیطان یكون قد اتصل بالجسم الباطني للإنسان
المعني فتندمج قواھما العقلیة فیتحدث الشیطان بلسان المریض ، ویترجم رغائبھ بمختلف
اللغات ، أو بإحداھا ، وتكون الذبائح والھدایا بمثابة قرابین تأخذ دورھا في عالم الباطن
الخیالي وتؤدي ذلك الدور إذا قامت فعلا على مستوى الظاھر. ولذلك یمكن القول إن م ا
نشاھده من ذبائح وھدایا تقدم إلى الیوم في مثل الحالة المذكورة ، لا یمكن إلا أن تكون عملا
إلحادیا وثنیا من أعمال الشیطان القدیمة . وفي الباطن لا وجود لفرق بین الأمس والیوم ،
وإنما ھي قوى موجودة إما من نور یزید الله في توھجھا ، وإما من ظلمات تسعى أعمال
الشیاطین والكفرة والملحدین إلى ترسیخھا وما ھي براسخة إلا أن یشاء اللھ .
إن جمیع أنواع اللعب واللھو التي لھا أثر في صلاح الجسم أو العقل من عمل الشیطان .
لأن ذلك ما وجد إلا لیلھي عن عبادة الله . والناس ما خلقوا إلا لیعبدوه ، ومن باب العبادة
الصلاة والصوم والزكاة والحج والعمل من أجل الرزق الحلال ، وكل ذلك یحول اللھو
واللعب دون قیام الإنسان بھ .
إن الشیطان لا یتعقب الإنسان في ظاھر الأرض فحسب ، بل یتخطى ذلك فیترصد لھ في
الباطن إن كان ممن یسلك طریقھ في الباطن نحو الحقیقة فیطرح علیھ أسئلة یرید إعجازه بھ ا
ووضعھ في موقف ضعف یسھل علیھ أن ینقض علیھ خلالھ فیسحبھ إلى السبیل المعاكس .
ومن ضمن ما یطرحھ من أسئلة ، یستفسر السالك عن الكعبة فیطلب منھ توضیح الفرق بینھ ا
وھي من الحجر وبین الأصنام ، ثم یسألھ عن حقیقة القبلة ، مع العلم أن وجھ الله یوجد حیثم ا
ولى المؤمن وجھھ . وھذه الأسئلة تشكل عقبة كأداة لمن لم یوفق في الإجابة عنھا الإجابة
الصحیحة . ویتبع الشیطان ھذا الأخیر في أفكاره فیطورھا في مفھومھا وفق احتمالات معقدة
یعجز معھا الفكر على الانطلاق صوب الاعتقاد الصحیح .
إن من الغرائب ما یمكن أن یسمعھ الإنسان ، ھو أن الشیطان لا یعرف فنون السحر إلا
عن طریق بني آدم . فإبلیس یغري الإنسان إلى الاتصال بنقط وقوى استمداد السحر وفي
قمتھا الملكان ھاروت وماروت ببابل ، ثم یتعلم الشیطان ما أراد من ذلك بواسطة الشخص
المتصل بالملكین . ((إن الشيطان – یضیف الكاتبان – لا علاقة له بالملكين ((ھاروت وماروت)) إلا أن
بداية الضلالة تكون بواسطته ، ثم بالاتصال بھاروت وماروت )) .
إن الإنسان – بھد ھذا – مخیر بین خوف وخوف بین أن یخشى الله فیكون بذلك قد حقق
نصیبا من العلم وقد قال تعالى {إنما یخشى الله من عباده العلماء}. وبین أن یخشى الشیطان
فیكون مغترفا لعلم جھلي في أصلھ . وفي الخوف الأول یكون الإنسان مطمئنا آمنا لا یخاف
شیئا البتة . وفي الخوف الثاني یفقد الإنسان أمنھ فیظل في خوف من الله رغم التظاھر
بالعكس ، ویأخذ منھ أیضا خوفھ من الشیطان ومن وعوده بالفقر والمرض والجنون
والضعف أیما مأخذ . وقد بین الله في كتابھ العزیز مجمل ذلك لمن یتفكر. وفي العلوم الدینیة
دقائق وجزئیات تعز عن الحصر والوصف .

اسرار البدوي
03-02-2012, 14:42
سبحان من علم الانسان مالم يعلم

وزادك الله علم على علمك ياشيخ

السيف الأسود
06-02-2012, 08:23
رابط الكتاب:
http://www.4shared.com/document/KN4FMcyO/_online.html

عين حورس
01-05-2017, 18:05
وما اوتيتم من العلم الا قليلا
شكرا جزيلا