سارة
23-10-2010, 10:26
http://www.ram1ram.com/RAM/images/topics.gif/lutus.gif (http://www.ram1ram.com/RAM/modules.php?name=News&new_topic=2)
مقدمة لأحد الكتب التي تبحث في الفلسفات الهندية - د. نواف الشبلي
يستغرب البعض من انتشار علوم ومدارس الروحية الحديثة و خصوصا من شبه القارة الهندية و يتساءلون ما الدافع وراءها؟ خصوصا و إننا كعرب نمتلك تراثا دينيا ضخما.
فهل ينقصنا مذاهب و تيارات بالعالم العربي لنتعرف على مذاهب و مدارس غيرنا ؟
و هنا بالذات يكمن السر، بأننا ( لسنا كائنات جسدية تمر بتجربة روحية بل على العكس، فنحن كائنات روحية نمر بتجربة جسدية)، أي إننا كُنّا هناك و أصبحنا الآن هنا، و ما سبب تعريف أنفسنا بأننا أولاد هذا المكان أوالزمان أو الدين أو المذهب فقط، إلا سيطرة الوعي الحسي علينا، و المحدود باستخدام طاقات ضئيلة من دماغنا، و الذي إذا ما انفتح أي الوعي الحسي ليستلهم الوعي الكلي، فسنرى أننا ذوي ارتباطات عميقة بكل شيء، و ما من مذهب أو معلم أو دين على وجه البسيطة إلا و يهمنا معرفته و حتى اختباره و بذلك تكتمل أسرار معرفة أسماء الله (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى)، أي أننا نعي حقيقةَََ - لإمام التوحيد تسعة و تسعين داعيا من أحصاها دخل الجنة .
و المعرفة أو الوعي هنا ليست مجرد العلم بالشيءكمعلومة، بل تجربته و اختباره من خلال التقلب ضمن قانون الزمن النسبي في العالم الأرضي ولآلاف السنين، و كأن مكانا ما و زمانا ما و معلما ما يتناسب مع واحد أو مجموعة من أسماء الله الحسنى و التي إذا نجحنا باختبارها و حسن معرفتها، فإن أنفسنا ستنتقل لوجود آخر و مكان آخر و مدرسة أخرى لنعرف حقا معنى باقي الأسماء، و كأن لكل اسمٍ من أسماء الله داعيا موكلا به برسالة معينة على الأرض،
و دليل ذلك من القرآن الكريم الذي أنبانا عن أنبياء و رسل من خلال قصص قَصَّها علينا بآيات عظيمة و بنفس الوقت فإنه أشار إلى رسل و حكماء آخرين بأماكن عديدة و يخدمون نفس الحقيقة الواحدة الوحيدة بألسنة أخرى
)وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً ... (http://www.swaidanet.com/quran_n.php?doWhat=gosoorah&soraahno=4&ayaahno=164)( سورةالنساء-164
)وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ... (http://www.swaidanet.com/quran_n.php?doWhat=gosoorah&soraahno=40&ayaahno=78)( سورة غافر- 78
، و هنا أهمية الوعي الكلي و استخدام العقل الشمولي لكي تتسع بنا الرحمة والمحبة، فنرى حكمة في المحبة لنتعرف على محبة الحكمة، و التي لا نستطيع التعرف عليها بدون نمو ملكات و طاقات كامنة بقلوبنا تنتظر زمان تفتح براعم زهورها لتعطي جمالا فوق جمال، و نورا فوق نور، فيشع عالمنا بحقيقة النور الإلهي بعيدا عن تأليه أشخاصنا و أسمائنا و أسماء معتقداتنا فقط .
فكل من هو قزم و ضحل سيتقوقع عند مذهبه و مدرسته و يتعسكر لبغلف نفسه بالحقد و الحسد، فيوجه طاقات سلبية لغيره معتقدا أنه مخلص بذلك لله، و ما كان منه شيئا لله .
فالمعرفة الحقة هي نظام كوني دقيق وفق قوانين لا متناهية الدقة و لا تخطئ أبدا، فهي تعمل على تطوير الوعي بنا ليصل لمستوى يتناغم مع الحق الواحد في الكون الواحد، بعيدا عن سكنى الأخاديد الضيقة بالتعصب و العمى و العمه و الجهل، و قمة العمى و الجهل اعتبار أنفسنا خالصين لله وما يزال بداخلنا ذرة حقد أو كراهية اتجاه الآخرين مهما كانوا على سلم التطور بالحياة، فلا يعني أننا إذا بلغنا صفا دراسياً عالياً عبر مذهب أو دين معين أنه يحق لنا الاستهزاء بطلاب الصفوف الأولى مثلا، و هنا علينا الحذر، فعادة ما يتضخم الأنا لدى طلاب الصف الأول و يعتقدون بأنفسهم أنهم أصبحوا مالكي العلم و المعرفة بمجرد معرفتهم لحروف الهجاء، و نلاحظ عادة أن طلاب الصفوف العليا بنظرتهم الشمولية و ارتباطهم مع عقولهم الكلية أنهم جزء لا ينفصل عن اللعبة الكونية، و لذا فإنهم ذوي قلوب واسعة محبة، ولديهم رحمة و رأفة، فمعرفتهم الحقة تحولت لنظرة تعتقد بأخوة الإنسان و أبوة الله، بينما يصر الصغار على التقوقع حول الأنا باسم الله و العقيدة أو الدين و لذلك فإنهم يدخلون في صراعات ضدية مع الآخرين الذين ممكن أن يكونوا متقدمين عنهم في فهم معادلات الحياة الصعبة و فهم قوانين هندستها الفراغية، و مع ذلك نلاحظ عبر التاريخ العجائب و العبر من بلوى الكبار بالصغار و من بلوى المؤمنين حقا بشمولية الحياة ببعض الجهلة القابعين تحت وطاة الأنا و الهوى و الرغبات الضحلة التي تقتل و تطرد و تُكَفَر باسم الله و المذهب و الدين .
متى سنعي حقا أننا إذا حاولنا مضادَّة الآخرين فسننسف مقاما أو إسما من أسماء الله جل اسمه، في مكان ما من الكون، و هنا أهمية نور العقل الواعي بأن يخترق الآخرين ليأخذ منهم حقيقة نورهم لا أن يحترق بعقائدهم فيتعصب لهم أو ضدهم، فنحن في عالم إذا دخلنا من باب فإننا نلج به و إذا ولجنا به ما علينا سوى الإكمال لنخرج بتجربة فلا مفر بزمن الإعلان و الإعلام عن كل شيء من الاختراق لا الاحتراق، فكيف لنا الاختراق دون إيمان حقيقة بالوجود الأوحد لله، و هل إذا رددنا باللسان فقط أننا مؤمنون بالله و بوحدانيته و أننا لا نشرك به أحدا غيره، فإننا حقا خالصون له؟
لماذا نتناسى أن الله هوعين الكُلِّيَّة؟ فما غاب عن مكان ما و زمان ما، و بالتالي الكل يوحده على قدر معرفته، و الكل دائر في فلك محبته، فلا أفضلية لأحد على أحد إلا بالتقوى، و ما فَهْمُ التقوى بالقليل عندما نعي أنها تطبيق عملي لعلوم الدين و الروحانية معا، و من هذا المنطلق فإن المسلم الحق و المسيحي الحق و البوذي الحق و الهندوسي الحق هو الذي يعيش حقيقة التسليم لله و حقيقة (إن الدين عند الله الإسلام) ضمن إطار الدين الأبدي الكوني الواحد، و الذي لا يمكن تحديده فقط بشريعة أو مذهب معين، بل يمتد ليشمل كل الشرائع و المذاهب منذ الأزل و إلى الأبد، أي إنه تسليم حقيقي للواحد الأحد، و ليس عقائد سطحية فقط، و هنا سنرى هذه النقطة بالذات في سياق هذا الكتاب التي تتدرج به المدارس لتتعدد و تختلف أحيانا على وجهات نظر سطحية نتذكر عبرها مذاهبنا العديدة و صراعاتها العنيدة، و سنرى من خلال هذا الكتاب أن قمة اليوجا هي تلك المدرسة التي تصل لمقام الرضا و التسليم، و هنا حقا وصلت اليوجا بفهمها العميق للإسلام الحق بمفهومه العميق (قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إلهٌ واحد فهل أنتم مسلمون ) - (و إذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين )، فكيف إذا حاولنا صد التيار البوذي في العالم و البالغ عدد رواده خمس سكان العالم، و هنا الأهمية أن نأخذ النور من كل مدرسة و معلم و مذهب أو دين، فنصبح عندها من الموحدين الذين تناغموا مع الوصول الراقي لمقام عالٍ بالوجود :
-أولم تسمعوا قول الحكيم الواحد المبارك بوذا، الذي أخبركم قبلنا بقولنا و قول إخواننا و ذواتنا، أن كل و جميع الأشياء هي من اصلٍ واحد، و سبب واحد، و في مكان واحد، و زمن واحد،و اسم بالحقيقة واحد، كل ذلك منبثق عن ذلك السبب الذاتي الواحد.. -
لو أننا نثق بأنفسنا و نثق بعقائدنا لدَعَّمْنَاهَا من قبل العقائد الأخرى، و لكنه الخوف أساس الأمراض كلها يحول دون ذلك، فدوما أصبح لدينا عقدة من آخرين يتربصون بنا، و نحن مقصد لهم، و كأننا ننسى أننا مخلوقات روحية تمر بتجربة جسدية، و لا فرق بين الناس بالحقيقة فتوحيد الخالق على عدد أنفاس الخلائق، وهنا إذ يصدر كتاب عن الحضارة التبيتية فإنه يصدر بعد طبعه بحوالي القرن، و كذلك نرى اكتشافات كثيرة يصلنا علمها بعد عقود من الزمن، فلماذا ؟ قد يكون الخوف هو السبب الرئيس ..إن كانت معتقداتنا هشة و ثقتنا ضعيفة بأنفسنا فإننا نخشى من غزو الآخرين لنا، أما إن كنا حقا من المسلمين و حقا من المسيحيين، فإننا سنزداد إسلاما و نزداد وعيا مسيحيا لو استخدمنا علوم شعوب أخرى أثبتت جدارتها بعد مضي آلاف السنين .
فهل نحن حقيقيون فلا نخاف من الحقيقة بأي لسان و من أي إنسان؟
أم نحن واهمون فقط نتبع رسوم الأشباح و الصور؟
اليوجا علم مفيد يستطيع العاقل أخذ ما يناسب مستواه و التناغم مع أي قسم من أقسامه ليحرر نفسه من الضيق و جسده من المرض، و بنفس الوقت و بمقدار فائدة اليوجا و المذاهب و المدارس على كافة أنواع اختلافاتها فإن خطورة كبيرة تكمن في مثل هذه المدارس إن لم يكن العقل حاضرا ليميز بين الخير و الشر و بين الهدى و الضلال، فلا ننسى أن بعض المدارس و المذاهب غايتها أنانية بتجميع أفراد تستخدمهم على مستويات متعددة وأخطرها سحب الطاقة الحيوية، ولا بد من خوض الكثير من التجارب لينمو بنا حس التمييز السليم و لكي يستطيع الفرد أن يفرق بين الحلال و الحرام، فلا يغرَنّا الغَرور إذا شاهَدْنا أحدهم يتربع بالهواء أو يمشي على الجمر أو على ظهر الماء، فهذا كله عبارة عن تطبيق لعلوم روحانية معينة قد يكون ضررها أكثر من فائدتها ، و المهم كما قال أبو يزيد البسطامي : لا يَغُرَّنَّك من تربع بالهواء، بل راقبه عند الأمر و النهي و عند الحلال و الحرام، و طبعا هذه المراقبة هي أحد أقسام اليوجا العالية، و هي مطلب ديني عالٍ بمداومة مراقبة النفس.
فاليوغا كلمة سنسكريتية تعني التوحيد، و كل دين يحوي بداخله التوحيد و لا ميزة لمدرسة على أخرى إلا بمقدار نمو التوحيد فيها، و لن نصل لحقيقة معنى ما يسمى بالتوحيد إلا إذا قبلنا بالكل كإرادة إلهية لا مفر منها، فلا نتعلق بأحد سلبا فنكون بالضد، أو نتعلق إيجابا فنكون من المُبَرمَجين على تقنية أو مدرسة أو معتقد، مع ضرورة هذه البرمجة و العقيدة لمن هو بحاجة لتقنية معينة بالبداية و من ثم يستطيع التدرج بالترفع عن التقنية ليصبح بمقام - التُقَى نِيّة - فيكون ممن تيقنوا حقا من تسيير الإرادة الإلهية لكل حدث في هذا الكون المتوسع للأبد، فيدخل في محيط اليقين أو النيرفانا ليصبح وعيه مختبرا لحالة الجنة على الأرض، منتظرا الاستقرار في دار النعيم الدائم، في أمم نقّتهَا أسماعها و رقّتْهَا قلوبها و جَعَلَتْهَا من الحق قاب قوسين بل أدنى.
مقدمة لأحد الكتب التي تبحث في الفلسفات الهندية - د. نواف الشبلي
يستغرب البعض من انتشار علوم ومدارس الروحية الحديثة و خصوصا من شبه القارة الهندية و يتساءلون ما الدافع وراءها؟ خصوصا و إننا كعرب نمتلك تراثا دينيا ضخما.
فهل ينقصنا مذاهب و تيارات بالعالم العربي لنتعرف على مذاهب و مدارس غيرنا ؟
و هنا بالذات يكمن السر، بأننا ( لسنا كائنات جسدية تمر بتجربة روحية بل على العكس، فنحن كائنات روحية نمر بتجربة جسدية)، أي إننا كُنّا هناك و أصبحنا الآن هنا، و ما سبب تعريف أنفسنا بأننا أولاد هذا المكان أوالزمان أو الدين أو المذهب فقط، إلا سيطرة الوعي الحسي علينا، و المحدود باستخدام طاقات ضئيلة من دماغنا، و الذي إذا ما انفتح أي الوعي الحسي ليستلهم الوعي الكلي، فسنرى أننا ذوي ارتباطات عميقة بكل شيء، و ما من مذهب أو معلم أو دين على وجه البسيطة إلا و يهمنا معرفته و حتى اختباره و بذلك تكتمل أسرار معرفة أسماء الله (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى)، أي أننا نعي حقيقةَََ - لإمام التوحيد تسعة و تسعين داعيا من أحصاها دخل الجنة .
و المعرفة أو الوعي هنا ليست مجرد العلم بالشيءكمعلومة، بل تجربته و اختباره من خلال التقلب ضمن قانون الزمن النسبي في العالم الأرضي ولآلاف السنين، و كأن مكانا ما و زمانا ما و معلما ما يتناسب مع واحد أو مجموعة من أسماء الله الحسنى و التي إذا نجحنا باختبارها و حسن معرفتها، فإن أنفسنا ستنتقل لوجود آخر و مكان آخر و مدرسة أخرى لنعرف حقا معنى باقي الأسماء، و كأن لكل اسمٍ من أسماء الله داعيا موكلا به برسالة معينة على الأرض،
و دليل ذلك من القرآن الكريم الذي أنبانا عن أنبياء و رسل من خلال قصص قَصَّها علينا بآيات عظيمة و بنفس الوقت فإنه أشار إلى رسل و حكماء آخرين بأماكن عديدة و يخدمون نفس الحقيقة الواحدة الوحيدة بألسنة أخرى
)وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً ... (http://www.swaidanet.com/quran_n.php?doWhat=gosoorah&soraahno=4&ayaahno=164)( سورةالنساء-164
)وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ... (http://www.swaidanet.com/quran_n.php?doWhat=gosoorah&soraahno=40&ayaahno=78)( سورة غافر- 78
، و هنا أهمية الوعي الكلي و استخدام العقل الشمولي لكي تتسع بنا الرحمة والمحبة، فنرى حكمة في المحبة لنتعرف على محبة الحكمة، و التي لا نستطيع التعرف عليها بدون نمو ملكات و طاقات كامنة بقلوبنا تنتظر زمان تفتح براعم زهورها لتعطي جمالا فوق جمال، و نورا فوق نور، فيشع عالمنا بحقيقة النور الإلهي بعيدا عن تأليه أشخاصنا و أسمائنا و أسماء معتقداتنا فقط .
فكل من هو قزم و ضحل سيتقوقع عند مذهبه و مدرسته و يتعسكر لبغلف نفسه بالحقد و الحسد، فيوجه طاقات سلبية لغيره معتقدا أنه مخلص بذلك لله، و ما كان منه شيئا لله .
فالمعرفة الحقة هي نظام كوني دقيق وفق قوانين لا متناهية الدقة و لا تخطئ أبدا، فهي تعمل على تطوير الوعي بنا ليصل لمستوى يتناغم مع الحق الواحد في الكون الواحد، بعيدا عن سكنى الأخاديد الضيقة بالتعصب و العمى و العمه و الجهل، و قمة العمى و الجهل اعتبار أنفسنا خالصين لله وما يزال بداخلنا ذرة حقد أو كراهية اتجاه الآخرين مهما كانوا على سلم التطور بالحياة، فلا يعني أننا إذا بلغنا صفا دراسياً عالياً عبر مذهب أو دين معين أنه يحق لنا الاستهزاء بطلاب الصفوف الأولى مثلا، و هنا علينا الحذر، فعادة ما يتضخم الأنا لدى طلاب الصف الأول و يعتقدون بأنفسهم أنهم أصبحوا مالكي العلم و المعرفة بمجرد معرفتهم لحروف الهجاء، و نلاحظ عادة أن طلاب الصفوف العليا بنظرتهم الشمولية و ارتباطهم مع عقولهم الكلية أنهم جزء لا ينفصل عن اللعبة الكونية، و لذا فإنهم ذوي قلوب واسعة محبة، ولديهم رحمة و رأفة، فمعرفتهم الحقة تحولت لنظرة تعتقد بأخوة الإنسان و أبوة الله، بينما يصر الصغار على التقوقع حول الأنا باسم الله و العقيدة أو الدين و لذلك فإنهم يدخلون في صراعات ضدية مع الآخرين الذين ممكن أن يكونوا متقدمين عنهم في فهم معادلات الحياة الصعبة و فهم قوانين هندستها الفراغية، و مع ذلك نلاحظ عبر التاريخ العجائب و العبر من بلوى الكبار بالصغار و من بلوى المؤمنين حقا بشمولية الحياة ببعض الجهلة القابعين تحت وطاة الأنا و الهوى و الرغبات الضحلة التي تقتل و تطرد و تُكَفَر باسم الله و المذهب و الدين .
متى سنعي حقا أننا إذا حاولنا مضادَّة الآخرين فسننسف مقاما أو إسما من أسماء الله جل اسمه، في مكان ما من الكون، و هنا أهمية نور العقل الواعي بأن يخترق الآخرين ليأخذ منهم حقيقة نورهم لا أن يحترق بعقائدهم فيتعصب لهم أو ضدهم، فنحن في عالم إذا دخلنا من باب فإننا نلج به و إذا ولجنا به ما علينا سوى الإكمال لنخرج بتجربة فلا مفر بزمن الإعلان و الإعلام عن كل شيء من الاختراق لا الاحتراق، فكيف لنا الاختراق دون إيمان حقيقة بالوجود الأوحد لله، و هل إذا رددنا باللسان فقط أننا مؤمنون بالله و بوحدانيته و أننا لا نشرك به أحدا غيره، فإننا حقا خالصون له؟
لماذا نتناسى أن الله هوعين الكُلِّيَّة؟ فما غاب عن مكان ما و زمان ما، و بالتالي الكل يوحده على قدر معرفته، و الكل دائر في فلك محبته، فلا أفضلية لأحد على أحد إلا بالتقوى، و ما فَهْمُ التقوى بالقليل عندما نعي أنها تطبيق عملي لعلوم الدين و الروحانية معا، و من هذا المنطلق فإن المسلم الحق و المسيحي الحق و البوذي الحق و الهندوسي الحق هو الذي يعيش حقيقة التسليم لله و حقيقة (إن الدين عند الله الإسلام) ضمن إطار الدين الأبدي الكوني الواحد، و الذي لا يمكن تحديده فقط بشريعة أو مذهب معين، بل يمتد ليشمل كل الشرائع و المذاهب منذ الأزل و إلى الأبد، أي إنه تسليم حقيقي للواحد الأحد، و ليس عقائد سطحية فقط، و هنا سنرى هذه النقطة بالذات في سياق هذا الكتاب التي تتدرج به المدارس لتتعدد و تختلف أحيانا على وجهات نظر سطحية نتذكر عبرها مذاهبنا العديدة و صراعاتها العنيدة، و سنرى من خلال هذا الكتاب أن قمة اليوجا هي تلك المدرسة التي تصل لمقام الرضا و التسليم، و هنا حقا وصلت اليوجا بفهمها العميق للإسلام الحق بمفهومه العميق (قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إلهٌ واحد فهل أنتم مسلمون ) - (و إذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين )، فكيف إذا حاولنا صد التيار البوذي في العالم و البالغ عدد رواده خمس سكان العالم، و هنا الأهمية أن نأخذ النور من كل مدرسة و معلم و مذهب أو دين، فنصبح عندها من الموحدين الذين تناغموا مع الوصول الراقي لمقام عالٍ بالوجود :
-أولم تسمعوا قول الحكيم الواحد المبارك بوذا، الذي أخبركم قبلنا بقولنا و قول إخواننا و ذواتنا، أن كل و جميع الأشياء هي من اصلٍ واحد، و سبب واحد، و في مكان واحد، و زمن واحد،و اسم بالحقيقة واحد، كل ذلك منبثق عن ذلك السبب الذاتي الواحد.. -
لو أننا نثق بأنفسنا و نثق بعقائدنا لدَعَّمْنَاهَا من قبل العقائد الأخرى، و لكنه الخوف أساس الأمراض كلها يحول دون ذلك، فدوما أصبح لدينا عقدة من آخرين يتربصون بنا، و نحن مقصد لهم، و كأننا ننسى أننا مخلوقات روحية تمر بتجربة جسدية، و لا فرق بين الناس بالحقيقة فتوحيد الخالق على عدد أنفاس الخلائق، وهنا إذ يصدر كتاب عن الحضارة التبيتية فإنه يصدر بعد طبعه بحوالي القرن، و كذلك نرى اكتشافات كثيرة يصلنا علمها بعد عقود من الزمن، فلماذا ؟ قد يكون الخوف هو السبب الرئيس ..إن كانت معتقداتنا هشة و ثقتنا ضعيفة بأنفسنا فإننا نخشى من غزو الآخرين لنا، أما إن كنا حقا من المسلمين و حقا من المسيحيين، فإننا سنزداد إسلاما و نزداد وعيا مسيحيا لو استخدمنا علوم شعوب أخرى أثبتت جدارتها بعد مضي آلاف السنين .
فهل نحن حقيقيون فلا نخاف من الحقيقة بأي لسان و من أي إنسان؟
أم نحن واهمون فقط نتبع رسوم الأشباح و الصور؟
اليوجا علم مفيد يستطيع العاقل أخذ ما يناسب مستواه و التناغم مع أي قسم من أقسامه ليحرر نفسه من الضيق و جسده من المرض، و بنفس الوقت و بمقدار فائدة اليوجا و المذاهب و المدارس على كافة أنواع اختلافاتها فإن خطورة كبيرة تكمن في مثل هذه المدارس إن لم يكن العقل حاضرا ليميز بين الخير و الشر و بين الهدى و الضلال، فلا ننسى أن بعض المدارس و المذاهب غايتها أنانية بتجميع أفراد تستخدمهم على مستويات متعددة وأخطرها سحب الطاقة الحيوية، ولا بد من خوض الكثير من التجارب لينمو بنا حس التمييز السليم و لكي يستطيع الفرد أن يفرق بين الحلال و الحرام، فلا يغرَنّا الغَرور إذا شاهَدْنا أحدهم يتربع بالهواء أو يمشي على الجمر أو على ظهر الماء، فهذا كله عبارة عن تطبيق لعلوم روحانية معينة قد يكون ضررها أكثر من فائدتها ، و المهم كما قال أبو يزيد البسطامي : لا يَغُرَّنَّك من تربع بالهواء، بل راقبه عند الأمر و النهي و عند الحلال و الحرام، و طبعا هذه المراقبة هي أحد أقسام اليوجا العالية، و هي مطلب ديني عالٍ بمداومة مراقبة النفس.
فاليوغا كلمة سنسكريتية تعني التوحيد، و كل دين يحوي بداخله التوحيد و لا ميزة لمدرسة على أخرى إلا بمقدار نمو التوحيد فيها، و لن نصل لحقيقة معنى ما يسمى بالتوحيد إلا إذا قبلنا بالكل كإرادة إلهية لا مفر منها، فلا نتعلق بأحد سلبا فنكون بالضد، أو نتعلق إيجابا فنكون من المُبَرمَجين على تقنية أو مدرسة أو معتقد، مع ضرورة هذه البرمجة و العقيدة لمن هو بحاجة لتقنية معينة بالبداية و من ثم يستطيع التدرج بالترفع عن التقنية ليصبح بمقام - التُقَى نِيّة - فيكون ممن تيقنوا حقا من تسيير الإرادة الإلهية لكل حدث في هذا الكون المتوسع للأبد، فيدخل في محيط اليقين أو النيرفانا ليصبح وعيه مختبرا لحالة الجنة على الأرض، منتظرا الاستقرار في دار النعيم الدائم، في أمم نقّتهَا أسماعها و رقّتْهَا قلوبها و جَعَلَتْهَا من الحق قاب قوسين بل أدنى.