شيخ الأسرار الباطنية
16-06-2011, 13:02
إن فهم العلاقات المتبادلة والراسخة بين الجسم والنفس يجعلنا ندرك
أهمية العلاج النفسي أو ما يسمى الطب الروحاني. والطب النفسي البدني هو
الذي يبحث في العلاقات المتبادلة بين الجسم والنفس، وفي تطبيق الانفعالات
وغيرها من العوامل النفسية على مشكلات المرضى، وقد سبقت تعاليم الإسلام
إلى هذا بعلاج العين والسحر وغيرهما بالرقى الشرعية من كتاب الله وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإن الدوافع الابتدائية يمكن أن تتظاهر بالتساوي في العقل وفي الأعضاء.
وإن القلق يمكن أن يصيب العضوية بآليات مختلفة وهكذا؛ فالتآثرات بين
العضوية والنفس من الأمور البدهية؛ فالانفعال والنشاط الروحي وحتى درجة
الذكاء يمكن أن تتبدل في سياق الأمراض العضوية المختلفة، ويدل على ذلك ما
نشاهده من همود وكآبة عند المصابين بعلل معدية (معوية أو تناسلية)، وكذا
الهذيان عند المصابين بالحمّى الشديدة. وعلى العكس؛ فالحالة النفسية تؤثر
في العضوية من غير شك؛ فالانفعال قد يؤدي إلى الإسهال أو توقف الهضم، وحتى
أنه يكفي عند بعض الناس إمعان الفكر في بعض الأمور حتى تحدث حركات تدل على
مجرى الحركة النفسية عندهم. وكثيراً ما يتبدل المشهد السريري بتأثير
الانفعال النفسي؛ ومن هنا شاعت طريقة المعالجة النفسية المبنية على
الإقناع لشفاء كثير من العلل الوظيفية والعصبية؛ لأن عند بعض الناس
إشعاعات لا يكبرها إلا ذكر، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن
حسد سهيل: يا عامر هلاّ تبركت؛ أي قلت: ما شاء الله تبارك الله.
ويقصد بالمعالجة الروحية أو النفسانية تطمين المريض ورفع معنوياته
والإيحاء إليه بأن مرضه سيسير عاجلاً نحو الشفاء. وقد أكد الدكتور عبد
العزيز القوصي في كتابه (أسس الصحة النفسية) أن أثر الإيحاء في الحالات
الجسمية أمر معلوم؛ ففكرة الصحة أو المرض يمكن أن تؤدي إلى الصحة أو
المرض، ويرجع قسط كبير من نجاح العلاج الدوائي إلى ما يصاحبه من إيحاء
بالشفاء، وإذا توفر الاعتقاد بالرقية الشرعيّة أمكن الوصول إلى الشفاء دون
أخذ الدواء. وقد أثبت الأطباء أن للإيحاء فوائد علاجية في كل من الأمراض
العضوية والوظيفية والنفسية.
إن فعل الرقية كعلاج يختلف بحسب درجات الإيمان واليقين وصفاء النفس وخاصة
عند الراقي، وحسب درجة الالتجاء والتذلل والرجاء من الله تعالى حين
الرقية، وعلى حسب اعتقاد المرقّى بالرقية وثقته بأهلية الرّاقي وإخلاصه.
وتعلل النتائج الحسنة للرقى الإسلامية بأحد أمرين: الإيحاء والمعونة
الإلهية أو بكلا الأمرين.
1- الإيحاء:
به ترتفع معنويات المريض وتخف الأعراض ويشعر بالتحسن أو يشفى، والطب
الحديث يقر أثر الإيحاء في الشفاء بدون شك. يقول ابن القيم: وقد جعل الله
سبحانه لكل داء دواء ولكل شيء ضداً، ونفس الراقي تفعل في نفس المرقى بين
نفسيهما فعل وانفعال، كما يقع بين الداء والدواء فتقوى نفس المرقى وقوته
بالرقية على ذلك الداء فيدفعه بإذن الله. وكلما كانت كيفية نفس الراقي
أقوى كانت الرقية أتم. وقال: إن الأذكار والأدعية التي يستشفى بها، وإن
كانت نافعة شافية، لكنها تستدعي قبول المحل وقوة همة الفاعل وتأثيره.
2- المعونة الإلهية:
يعتقد المسلمون بمعونة الله القادر على كل شيء والتي يقدمها سبحانه
استجابة لدعوة المضطر، أو معونة لعبده الصالح الذي رجاه، يقول تعالى:
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (62)
سورة النمل. وبقدر ما يكون الراقي كامل الإيمان قوي العزيمة صادق اللجوء
إلى الله، بقدر ما تكون رقيته ناجعة بإذن الله. ولقد نقل ابن حجر عن أحد
الأئمة قوله: الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطب
الروحاني، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى.
ويعتقد المسلمون أن الرقية قد تنفع وحدها بدون دواء مادي، وذلك عند عدم
تيسر الدواء المادي أو فقدانه أو فشله. وإن يقين الراقي بالله تعالى وصدق
رجائه منه حين الرقية وثقة المرقى بالله ثم بالراقي يزيد من إمكانية
الشفاء. ويستحسن تكرار الرقية لعدة أيام. هذا وإن شفاء اللديغ بالرقية
لأكبر دليل على وجود أمر زائد عن الإيحاء وحده، لأن الإيحاء لا يكفي في
شفائها فهو يزيل المخاوف والقلق حول نتائج اللدغة.
ومن أسباب فشل المعالجة بالرقية - حين فشلها - أن يتقصد المريض إهمال
الدواء المادي المتيسر له، والمعروف فائدته لمرضه؛ ففي ذلك الفشل تأديب من
الله تعالى للمهمل. ولأنه في إهماله هذا ترك الأخذ بالأسباب، وكأنه بذلك
يعترض على الحكمة الإلهية في خلق الأدوية المادية التي هي سبب الشفاء، كما
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما أنزل من داء إلا أنزل له دواء
علمه من علمه وجهله من جهله)؛ فتؤدّبه القدرة الإلهية بخيبة رقيته. وما
أجاز الإسلام الرقية - بحال من الأحوال - لتحل محل الدواء المادي كما ثبت
من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلوكه في صحته ومرضه، ولكن
لتكون تذكيراً بالله ودعماً نفسياً لروحه لبلوغ أفضل النتائج العلاجية؛
يقول - صلى الله عليه وسلم -: (عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام).
ولقد تكلم علماء المسلمين منذ القديم على أهمية الأدوية الروحية الداعمة
للأدوية المادية فقال ابن القيم: نبه الإسلام المريض على أدوية روحانية
يضمها إلى الأدوية المادية المتوفرة، وتشمل اعتماد القلب على الله والتوكل
عليه والالتجاء إليه والتذلل والصدقة والدعاء والاستغفار والإحسان إلى
الخلق وإغاثة الملهوف. وهذا جاء على قانون الحكمة الإلهية وليس خارجاً
عنه. ولكن الأسباب متنوعة فإن القلب متى اتصل برب العالمين وخالق الداء
والدواء ومدبر الطبيعة ومصرّفها على ما يشاء، كانت له أدوية أخرى غير
الأدوية التي يعاينها القلب البعيد منه، غير المرضي عنه، وقد علم أن
الأرواح متى قويت وقويت النفس والطبيعة تعاونا على دفع الداء وقهره.
وهذا الذي تكلم عنه ابن القيم، تحدث عنه الدكتور بول آرنست في كتابه (الله
يتجلى) حيث يقول: دلت الإحصائيات على أن 80 % من المرضى في جميع المدن
الأمريكية ترجع أمراضهم إلى حد كبير إلى مسببات نفسية وعصبية. ومما يؤسف
له أن كثيراً ممن يشتغلون بالعلاج النفسي يفشلون؛ لأنهم لا يلجؤون إلى بث
الإيمان بالله في نفوس المرضى، مع أن الأديان جاءت لتحريرنا من هذه
الاضطرابات، وإن تسليمي بالنواحي الروحية إلى جانب إلمامي بالمادة العلمية
يمكنني من علاج الأمراض علاجاً يتسم بالبركة الحقيقية.
وقد يعترض قائل فيقول: إن القرآن نزل هداية للبشر ودستوراً وتشريعاً
لحياتهم فما بالكم تجعلونه طباً وعلاجاً؟ يجيب الشيخ عبد الله صديق على
هذا فيقول: إن الله - سبحانه وتعالى - أنزل كتابه لحكم عدة، ومنها إخراج
الناس من الظلمات إلى النور، ومنها بيان الشرائع والأحكام التي كلف الله
بها عباده، ومنها قراءته في الصلاة، والتعبد بتلاوته، ومنها التبرك به.
قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي
بَيْنَ يَدَيْهِ} (92)سورة الأنعام، ومنها التداوي به؛ قال تعالى:
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ
لِّلْمُؤْمِنِينَ} (82) سورة الإسراء، وقوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ
آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} (44) سورة فصلت؛ فهذه الحكم لا تنافر بينها ولا
تناقض، وهي متداخلة متوافقة يمكن الأخذ بها جميعاً.
وتابع الشيخ صديق: التداوي بالقرآن يتضمن الالتجاء إلى الله في كشف الضر
عن المصاب بكلامه الذي فيه سره، وفيه ربوبيته، وفي لفت الناس إلى هذا
الجانب الروحي حكم أهمها أن يكون بين العبد وربه صلة دائمة تقوي يقينه
وتملأ قلبه طمأنينة فلا يعتريه قنوط ولا تضجره المصائب والأمراض على
كثرتها وشدتها لاعتماده في دفعها على من وسعت رحمته وعمّت نعمته سبحانه
وتعالى.
وختاماً نقول إن الإسلام كما أمر بالتداوي بالأدوية الحسية المادية والأخذ
بالأسباب العلمية فإنه رغب بمشاركتها بالأدوية الروحانية من رقى بكلام
الله العزيز وأدعية مأثورة بل جعل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - الدعاء
ضرب من العبادة فقال: (الدعاء مخ العبادة) حتى يتذكر المريض خالق الداء
والدواء، وتبقى عقيدة التوحيد خالصة له - سبحانه وتعالى - في الصحة والمرض
مما يجعل روح المريض هادئة مطمئنة متفائلة بالتجائه إلى رب الأرباب، فيقوى
صبره, لتغيب الوساوس والمخاوف والأوهام, وترتفع معنوياته، وينمو أمله
بالشفاء؛ مما يؤدي إلى ازدياد مقاومته فعلاً، وتختفي أعراض الاضطراب
النفسي، ويبدو التحسن بالطبع حتى في أعراض مرضه العضوي أو الوظيفي.
كل ذلك بمقدار ثقة المريض بالرقية والراقي وبمقدار قوة إيمان الراقي ويقينه بالله سبحانه وتعالى.
أهمية العلاج النفسي أو ما يسمى الطب الروحاني. والطب النفسي البدني هو
الذي يبحث في العلاقات المتبادلة بين الجسم والنفس، وفي تطبيق الانفعالات
وغيرها من العوامل النفسية على مشكلات المرضى، وقد سبقت تعاليم الإسلام
إلى هذا بعلاج العين والسحر وغيرهما بالرقى الشرعية من كتاب الله وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإن الدوافع الابتدائية يمكن أن تتظاهر بالتساوي في العقل وفي الأعضاء.
وإن القلق يمكن أن يصيب العضوية بآليات مختلفة وهكذا؛ فالتآثرات بين
العضوية والنفس من الأمور البدهية؛ فالانفعال والنشاط الروحي وحتى درجة
الذكاء يمكن أن تتبدل في سياق الأمراض العضوية المختلفة، ويدل على ذلك ما
نشاهده من همود وكآبة عند المصابين بعلل معدية (معوية أو تناسلية)، وكذا
الهذيان عند المصابين بالحمّى الشديدة. وعلى العكس؛ فالحالة النفسية تؤثر
في العضوية من غير شك؛ فالانفعال قد يؤدي إلى الإسهال أو توقف الهضم، وحتى
أنه يكفي عند بعض الناس إمعان الفكر في بعض الأمور حتى تحدث حركات تدل على
مجرى الحركة النفسية عندهم. وكثيراً ما يتبدل المشهد السريري بتأثير
الانفعال النفسي؛ ومن هنا شاعت طريقة المعالجة النفسية المبنية على
الإقناع لشفاء كثير من العلل الوظيفية والعصبية؛ لأن عند بعض الناس
إشعاعات لا يكبرها إلا ذكر، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن
حسد سهيل: يا عامر هلاّ تبركت؛ أي قلت: ما شاء الله تبارك الله.
ويقصد بالمعالجة الروحية أو النفسانية تطمين المريض ورفع معنوياته
والإيحاء إليه بأن مرضه سيسير عاجلاً نحو الشفاء. وقد أكد الدكتور عبد
العزيز القوصي في كتابه (أسس الصحة النفسية) أن أثر الإيحاء في الحالات
الجسمية أمر معلوم؛ ففكرة الصحة أو المرض يمكن أن تؤدي إلى الصحة أو
المرض، ويرجع قسط كبير من نجاح العلاج الدوائي إلى ما يصاحبه من إيحاء
بالشفاء، وإذا توفر الاعتقاد بالرقية الشرعيّة أمكن الوصول إلى الشفاء دون
أخذ الدواء. وقد أثبت الأطباء أن للإيحاء فوائد علاجية في كل من الأمراض
العضوية والوظيفية والنفسية.
إن فعل الرقية كعلاج يختلف بحسب درجات الإيمان واليقين وصفاء النفس وخاصة
عند الراقي، وحسب درجة الالتجاء والتذلل والرجاء من الله تعالى حين
الرقية، وعلى حسب اعتقاد المرقّى بالرقية وثقته بأهلية الرّاقي وإخلاصه.
وتعلل النتائج الحسنة للرقى الإسلامية بأحد أمرين: الإيحاء والمعونة
الإلهية أو بكلا الأمرين.
1- الإيحاء:
به ترتفع معنويات المريض وتخف الأعراض ويشعر بالتحسن أو يشفى، والطب
الحديث يقر أثر الإيحاء في الشفاء بدون شك. يقول ابن القيم: وقد جعل الله
سبحانه لكل داء دواء ولكل شيء ضداً، ونفس الراقي تفعل في نفس المرقى بين
نفسيهما فعل وانفعال، كما يقع بين الداء والدواء فتقوى نفس المرقى وقوته
بالرقية على ذلك الداء فيدفعه بإذن الله. وكلما كانت كيفية نفس الراقي
أقوى كانت الرقية أتم. وقال: إن الأذكار والأدعية التي يستشفى بها، وإن
كانت نافعة شافية، لكنها تستدعي قبول المحل وقوة همة الفاعل وتأثيره.
2- المعونة الإلهية:
يعتقد المسلمون بمعونة الله القادر على كل شيء والتي يقدمها سبحانه
استجابة لدعوة المضطر، أو معونة لعبده الصالح الذي رجاه، يقول تعالى:
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (62)
سورة النمل. وبقدر ما يكون الراقي كامل الإيمان قوي العزيمة صادق اللجوء
إلى الله، بقدر ما تكون رقيته ناجعة بإذن الله. ولقد نقل ابن حجر عن أحد
الأئمة قوله: الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطب
الروحاني، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى.
ويعتقد المسلمون أن الرقية قد تنفع وحدها بدون دواء مادي، وذلك عند عدم
تيسر الدواء المادي أو فقدانه أو فشله. وإن يقين الراقي بالله تعالى وصدق
رجائه منه حين الرقية وثقة المرقى بالله ثم بالراقي يزيد من إمكانية
الشفاء. ويستحسن تكرار الرقية لعدة أيام. هذا وإن شفاء اللديغ بالرقية
لأكبر دليل على وجود أمر زائد عن الإيحاء وحده، لأن الإيحاء لا يكفي في
شفائها فهو يزيل المخاوف والقلق حول نتائج اللدغة.
ومن أسباب فشل المعالجة بالرقية - حين فشلها - أن يتقصد المريض إهمال
الدواء المادي المتيسر له، والمعروف فائدته لمرضه؛ ففي ذلك الفشل تأديب من
الله تعالى للمهمل. ولأنه في إهماله هذا ترك الأخذ بالأسباب، وكأنه بذلك
يعترض على الحكمة الإلهية في خلق الأدوية المادية التي هي سبب الشفاء، كما
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما أنزل من داء إلا أنزل له دواء
علمه من علمه وجهله من جهله)؛ فتؤدّبه القدرة الإلهية بخيبة رقيته. وما
أجاز الإسلام الرقية - بحال من الأحوال - لتحل محل الدواء المادي كما ثبت
من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلوكه في صحته ومرضه، ولكن
لتكون تذكيراً بالله ودعماً نفسياً لروحه لبلوغ أفضل النتائج العلاجية؛
يقول - صلى الله عليه وسلم -: (عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام).
ولقد تكلم علماء المسلمين منذ القديم على أهمية الأدوية الروحية الداعمة
للأدوية المادية فقال ابن القيم: نبه الإسلام المريض على أدوية روحانية
يضمها إلى الأدوية المادية المتوفرة، وتشمل اعتماد القلب على الله والتوكل
عليه والالتجاء إليه والتذلل والصدقة والدعاء والاستغفار والإحسان إلى
الخلق وإغاثة الملهوف. وهذا جاء على قانون الحكمة الإلهية وليس خارجاً
عنه. ولكن الأسباب متنوعة فإن القلب متى اتصل برب العالمين وخالق الداء
والدواء ومدبر الطبيعة ومصرّفها على ما يشاء، كانت له أدوية أخرى غير
الأدوية التي يعاينها القلب البعيد منه، غير المرضي عنه، وقد علم أن
الأرواح متى قويت وقويت النفس والطبيعة تعاونا على دفع الداء وقهره.
وهذا الذي تكلم عنه ابن القيم، تحدث عنه الدكتور بول آرنست في كتابه (الله
يتجلى) حيث يقول: دلت الإحصائيات على أن 80 % من المرضى في جميع المدن
الأمريكية ترجع أمراضهم إلى حد كبير إلى مسببات نفسية وعصبية. ومما يؤسف
له أن كثيراً ممن يشتغلون بالعلاج النفسي يفشلون؛ لأنهم لا يلجؤون إلى بث
الإيمان بالله في نفوس المرضى، مع أن الأديان جاءت لتحريرنا من هذه
الاضطرابات، وإن تسليمي بالنواحي الروحية إلى جانب إلمامي بالمادة العلمية
يمكنني من علاج الأمراض علاجاً يتسم بالبركة الحقيقية.
وقد يعترض قائل فيقول: إن القرآن نزل هداية للبشر ودستوراً وتشريعاً
لحياتهم فما بالكم تجعلونه طباً وعلاجاً؟ يجيب الشيخ عبد الله صديق على
هذا فيقول: إن الله - سبحانه وتعالى - أنزل كتابه لحكم عدة، ومنها إخراج
الناس من الظلمات إلى النور، ومنها بيان الشرائع والأحكام التي كلف الله
بها عباده، ومنها قراءته في الصلاة، والتعبد بتلاوته، ومنها التبرك به.
قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي
بَيْنَ يَدَيْهِ} (92)سورة الأنعام، ومنها التداوي به؛ قال تعالى:
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ
لِّلْمُؤْمِنِينَ} (82) سورة الإسراء، وقوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ
آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} (44) سورة فصلت؛ فهذه الحكم لا تنافر بينها ولا
تناقض، وهي متداخلة متوافقة يمكن الأخذ بها جميعاً.
وتابع الشيخ صديق: التداوي بالقرآن يتضمن الالتجاء إلى الله في كشف الضر
عن المصاب بكلامه الذي فيه سره، وفيه ربوبيته، وفي لفت الناس إلى هذا
الجانب الروحي حكم أهمها أن يكون بين العبد وربه صلة دائمة تقوي يقينه
وتملأ قلبه طمأنينة فلا يعتريه قنوط ولا تضجره المصائب والأمراض على
كثرتها وشدتها لاعتماده في دفعها على من وسعت رحمته وعمّت نعمته سبحانه
وتعالى.
وختاماً نقول إن الإسلام كما أمر بالتداوي بالأدوية الحسية المادية والأخذ
بالأسباب العلمية فإنه رغب بمشاركتها بالأدوية الروحانية من رقى بكلام
الله العزيز وأدعية مأثورة بل جعل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - الدعاء
ضرب من العبادة فقال: (الدعاء مخ العبادة) حتى يتذكر المريض خالق الداء
والدواء، وتبقى عقيدة التوحيد خالصة له - سبحانه وتعالى - في الصحة والمرض
مما يجعل روح المريض هادئة مطمئنة متفائلة بالتجائه إلى رب الأرباب، فيقوى
صبره, لتغيب الوساوس والمخاوف والأوهام, وترتفع معنوياته، وينمو أمله
بالشفاء؛ مما يؤدي إلى ازدياد مقاومته فعلاً، وتختفي أعراض الاضطراب
النفسي، ويبدو التحسن بالطبع حتى في أعراض مرضه العضوي أو الوظيفي.
كل ذلك بمقدار ثقة المريض بالرقية والراقي وبمقدار قوة إيمان الراقي ويقينه بالله سبحانه وتعالى.