شيخ الأسرار الباطنية
14-06-2011, 20:49
الجهاز التنفسي Spiritual system
(الصدر Thorax):
ويعد الصدر بمحتوياته كجزء من الجهاز التنفسي مصدرًا
لتجميع الطاقة السحرية داخل الجسد، وتعد من أهم مصادر الطاقة السحرية
المكتسبة، هذا بخلاف الطاقة السحرية الذاتية التي يتمتع بها الشيطان،
والمختزنة في أماكن مختلفة من أنحاء جسده، وتكون موزعة بتناسق محكم في شتى
أنحاء الجسد البشري، وبالحيلولة دون حصول الشيطان على الطاقة السحرية
المكتسبة تستنفذ طاقته السحرية الذاتية تلقائيًا، حيث تشكل هذه الطاقة
عامل جذب رئيسي لاكتساب الطاقة السحرية الضرورية لاستمرار فاعلية المكونات
السحرية، والتي تنقاد لها الشياطين وفقًا لقوة مضمونها ومكوناتها السحرية،
فبهذه الطاقة المكتسبة يتمكن الشيطان من استمرار بسط سيطرته على سائر
أعضاء الجسد، ليصير قادرًا على الاستمرار في التحكم في وظائفه العضوية
وفقًا للغرض الموجود من أجله داخل الجسد، مهما كان نوع هذا الغرض والهدف
منه، وبدون تفعيل المكونات السحرية يفقد الشيطان السبب الرئيسي لوجوده في
الجسد، وهذا ينطبق على المس بأنواعه المختلفة من اللبس والسحر والنظرة،
فيستغل الشيطان الوظيفة العضوية للصدر أثناء عملية التنفس فيسحب هذه
الطاقة من خارج الجسد إلى داخل الرئتين عبر المسالك الهوائية، ثم ينقلها
إلى الدم
.
(الغرض من حركات جدار الصدر في التنفس هو سحب الهواء إلى
داخل الرئتين، ثم طرده ثانية، والرئتان pulmones lungs هما زوج من الأعضاء
يشغل الجزء الأكبر من باطن التجويف الصدري. وهما تشبهان قطعة الإسفنج _ أي
زمر من تجويفات صغيرة عديدة، لا حصر لها، ذات جدر صغيرة _ وهما قابلتان
للتمدد جدًا، وتتصل التجاويف التي بداخلها مع الخارج بطلاقة، عن طريق
المسالك الهوائية، وتلك المسالك هي: 1_ الأنفnose والفم mouth 2_ والبلعوم
أو الحلقوم pharynx. 3_ والحنجرة larynx. 4_ والقصبة الهوائية trachea. 5_
وزوج من الأنابيب يسمى بالشعب bronchi. تنقسم إليهما القصبة الهوائية،
وتدخل كل شعبة في رئة، ثم تنقسم بداخلها إلى عدد كبير من الأنابيب
الهوائية).()
علاقة الشيطان بالصدر:
إن الصدر موضع هام من أعضاء جسد الإنسان، فللشيطان عمل
واختصاص فيه، فقد أمر الله بالتعوذ من جملة شر الوسواس الخناس وهو
الشيطان، وحدد الله عز وجل موضع الوسوسة من الجسد في صدور الناس، فقال
تعالى: مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي
صُدُورِ النَّاسِ [الناس: 3، 4]، فقد حدد الصدر بوجه خاص، حيث بين أن
الشيطان يلقي وساوسه ولماته في الصدر، فلم يذكر أحد أعضاء الجهاز التنفسي
تحديدًا، ولكنه حدد الصدر بمحتوياته من القلب والرئتين، فالقلب هو أحد أهم
محتويات الصدر، وهو الموضع الأكثر تحديدًا حيث يقذف الشيطان وسوساته
ولماته، لقول رسول الله r: (إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني
خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا)،( ) وعن أنس أن رسول الله r: (إن الشيطان
واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله تعالى خنس، وإن نسي الله التقم
قلبه)،() إذًا فالصدر موضع عمل الشيطان، وإن الشرايين والأوردة هي مجرى
الدماء الذي يجري فيه الشيطان، والدماء تعد الوسيط الذي يتحرك الشيطان من
خلاله، وحتمًا ولا بد أن يحقق له الصدر الطاقة اللازمة لمنحه القوة على
على قذف البلابل والساوس بتمكن وفي أمان تام.
وتأثير هذه الوسوسات يقع في النفس ويحركها في اتجاه
المعاصي، ففي رواية قال النبي r لهما: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى
الدم، وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئا)،() فالوسوسات واللمات هي دعوة
الشيطان، وبها يبث الضلالات في صدور الناس، قال تعالى: وَقَالَ
الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ
الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم
مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ
تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا
أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ
إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم: 22]، فالوسوسة
واحدة من أهم وسائل الاتصال بين الإنس والجن، فأول من وسوس له الشيطان كان
آدم عليه السلام، قال تعالى: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا
آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى
[طه: 120].
لقد بين الله أن الرجس وهو من عمل الشيطان سببًا في ضيق
صدر من أضله الله، قال تعالى: فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ
يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ
صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ
يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام:
125]، وبين الله تعالى الفارق بين صدر المهتدي وصدر الضال بأن صدر المهتدي
منشرحًا متسعًا، بينما صدر الضال ضيقًا حرجًا، والسبب أن الضلالات التي
يلقيها الشيطان في صدر الضال تضيق صدره، وهذا شاهد على أن هذا الضيق حقيقي
وليس لمجرد التشبيه البلاغي، قال تعالى: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي
لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ
عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ
مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ
اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر: 39_42]، فالشيطان يركز عمله في صدر
الضال ويملئه بالمكونات السحرية التي تيسر له إتمام رجسه وعمله للاستمرار
في إضلاله، فيصير صدره ضيقًا لا يتسع لأية هداية أو حق بسبب تمكن الشيطان
من صدره تمكنًا حقيقيًا، وتسلطه على قلبه فلا يهتدي أبدًا، وهذا التمكن من
الصدر لا يتم إلا بالطاقة السحرية.
أما من يرد الله هدايته فيوسع صدره بأن يفرغ منه رجس
الشيطان وحظه من ابن آدم، لذلك أراد موسى الهداية من الله قبل ذهابه للقاء
فرعون، وحتى يوفق في دعوته دعى ربه بأن يشرح الله له صدره تخلصًا من رجس
الشيطان، قال تعالى: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي [طه: 25]، أما رسول
الله فله خصوصية دون سائر خلق الله تعالى، فقد شرح الله صدره، فقال تعالى:
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الانشراح:1]، وطهر قلبه من حظ الشيطان
ورجسه، فعن أنس بن مالك (أن رسول الله r أتاه جبريل r وهو يلعب مع
الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال:
(هذا حظ الشيطان منك)، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم
أعاده في مكانه..)،()
وحظ الشيطان من ابن آدم هو نصيبه منه، ومكان حظ الشيطان
من ابن آدم يقع في صدره، وفي القلب تحديدًا، وهذه العلقة موجودة في قلب كل
منا، ولكن وجودها وجود غيبي فلا نراه، فنشعر بوجود أثره من وسوسات، ونؤمن
به طالما ثبت عن النبي r، ولهذا من الله على النبي r فأسلم شيطانه أو
قرينه فصار لا يأمره إلا بخير،
فعن عائشة زوج النبي r أن رسول الله r خرج من عندها
ليلاً قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: (ما لك يا عائشة أغرت؟)
فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك! فقال رسول الله r: (أقد جاءك
شيطانك؟)، قالت: يا رسول الله أو معي شيطان؟ قال: (نعم) قلت: ومع كل
إنسان؟ قال: (نعم)، قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: (نعم ولكن ربي أعانني
عليه حتى أسلم)،() وهو ما يسمى (قرين)، وهذا ثابت من رواية أخرى عن عبد
الله بن مسعود قال: قال رسول الله r: (ما منكم من أحد إلا وقد وكل به
قرينه من الجن) قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: (وإياي، إلا أن الله
أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير)،()
ورجس الشيطان وسحره الذي في الصدر هو السبب أن بعض
حالات المس قد لا تستجيب للعلاج مطلقًا، بسبب أن الله أضلهم فتسلط عليهم
الشيطان، وتمكن من صدورهم بسحره، لذلك يفشل علاجهم نهائيًا، وعلى هذا فلا
يشترط أن يكون المريض مسلمًا لينجح علاجه، ولكن من الممكن إن كان غير مسلم
وأراد الله له الهداية نجح علاجه، فيكون رفع رجس الشيطان من صدره بالعلاج
الشرعي سببًا في انشراح صدره وإسلامه، وقد جربنا هذا ونجح بفضل الله تبارك
وتعالى، فليتنبه لهذا الدعاة، وكل من عجزوا عن إصلاح أولادهم، وفشلوا في
تربيتهم.
الوسوسة في اللغة: (حديث النفس. يقال : وسوست إليه نفسه وسوسة..والوَسواس، بالفتح: هو الشيطان. وكل ما حدثك ووسوس إليك، فهو اسم).()
والوسوسة هي لمة الشيطان قال تعالى: مِن شَرِّ
الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ
الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس: 4: 6]، وأكثر وسائل الاتصال بين الإنس
والجن انتشارًا على الإطلاق وأقدمها، فأول وسوسة كانت من إبليس إلى آدم
وزوجه، قال تعالى: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا
مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا
رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ
تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ
النَّاصِحِينَ [الأعراف: 20: 21]، قال تعالى: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ
الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ
وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى [طه: 120].
عن أبي هريرة عن النبي r قال: (إن الشيطان إذا سمع
النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس، فإذا
سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس).()
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي r: (إن أحدكم
يأتيه الشيطان فيقول: من خلقك؟ فيقول: الله فيقول: فمن خلق الله؟ فإذا
وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه).()
عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي r فقال: يا رسول
الله إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به،
قال: فقال النبي r: (الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر، الحمد لله الذي
رد كيده إلى الوسوسة). ()
والوسوسة هي واحدة من أهم وسائل الاتصال بين الجن
والإنس، وواحدة من أوضح علامات المس، وغالبًا لا تخلو شكوى مصاب بالمس من
الوسوسات التي تلاحقه بين الوقت والآخر، لدرجة أنها تحيل حياته إلى جحيم
لا يطاق، وكذلك لا يوجد شخص خال من المس إلا ويشكو من داء الوسوسة، إلا أن
الوسوسة ليست خبيثة على إطلاقها، ولكن منها وساوس حميدة تحض الموسوس على
فعل الخيرات وترك المنكرات، وربما تكون لوامة على ما يقترفه من آثام، لذلك
فمن الضروري على كل مسلم أن يدرك الفارق بين تلك الوسوسات تبعًا لمصدرها،
وأن يعرف كيف يميز بين بعضها البعض، فيأخذ بالصالح منها ويترك الطالح،
(والشيطان يستغل الوسوسة كوسيلة ليكيد بالإنسان، فيبث
إليه أفكار ومعتقدات تخالف ما يؤمن به، ليفاجئ بهذه الشركيات تتدفق إلى
ذهنه، ولم يكن يتخيل يومًا أن ترد إلى ذهنه، وهذا النوع من الوسوسات يكون
مكثفًا عند المصابين بالمس على وجه الخصوص، ويعد إشارة لوجود جن في الجسد،
فليست الوسوسة قاصرة فقط على نقل المعلومات، ولكنها تشمل أيضًا مداخلات
عقائدية الغرض منها إفساد معتقد الموسوس له بإلقاء الشبهات في نفسه، خاصة
إذا اكشف لديه خلل يدفعه لتقبلها، وهدف الجن الماس من تكثيف هذه الوساوس
للدفع بالممسوس في اتجاه الشرك ليمكن لنفسه في جسده، لذلك تجاوز الله لأمة
النبي عما توسوس به صدورهم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي r: (إن أحدكم
يأتيه الشيطان فيقول: من خلقك؟ فيقول: الله فيقول: فمن خلق الله؟ فإذا
وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه).()
عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي r فقال: يا رسول
الله إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به قال:
فقال النبي r: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى
الوسوسة).()
عن أبي هريرة قال: قال النبي r: (إن الله تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورهم ما لم تعمل أو تتكلم به و ما استكرهوا عليه).() ). ()
وسوسة النفس:
ولأن النفس شهوانية فهي تميل دائمًا مع ما يطيب لها وتلذه،
فستجد أنك تفكر في شيء ما تشتهيه، كامرأة مثلاً وكلما حاولت فكاكًا من
التفكير فيها، وجدت نفسك تعود إلى التفكير ثانية وبتعمق أكثر، حتى تفضي بك
الوسوسة إلى الهم بالمعاصي، فامرأة العزيز لم تستطع التخلص من وسوسة نفسها
من التعلق بيوسف عليه السلام، حتى شغفها حبًا، قال تعالى: وَقَالَ
نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن
نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا [يوسف: 30]، لذلك لما فضح أمرها وظهرت
براءة يوسف عليه السلام، أقرت بوسوسة النفس قال تعالى: وَمَا أُبَرِّئُ
نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ
رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ [يوسف: 53]، وكذلك طوعت نفس أحد
ابني آدم قتل أخيه فقتله، قال تعالى: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ
أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة: 30].
لمة الشيطان:
ووسوسة الشيطان أخف خطرًا من وسوسة النفس، لأن الاستعاذة
وذكر الله توقف وسوسة الشيطان، هذا بالإضافة إلى أن الشيطان يئوس بطبعه،
فكلما وسوس لك بشيء ما ولم يجد منك استجابة لها انصرف عن هذه الفكرة إلى
فكرة أخرى وهكذا، فتجد الوساوس تأتي متتابعة ومختلفة ومتنوعة.
يأمرك في غالب الأحيان بالشر، وبما يخالف شرع الله.
دائمًا يعدك إن فعلت خيرًا أنه سيصيبك بسببه شرًا، فهو يحول بينك وبين فعل الخير ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
تشعر بانقباض الصدر وغلظة في القلب.
لمة الملك:
وهذه هي اللمة المرغوبة والتي يجب أن نتبعها، بل ونحمد الله عليها، فستجد أن الملك يحضك على فعل الخير واتباع أوامر الله تعالى.
يعدك إن فعلت ذلك الخير أنه يصيبك خيرًا في المستقبل سواء في الدنيا أ و في الآخرة. تشعر بانشراح في الصدر وطمأنينة.
ونصيجة هامة هنا للمعالج الكيس الفطن، وهي كيفية
الاستفادة من لمة الملك في العلاج، فلو أتقن المعالج التمييز بين لمة
الملك والشيطان، وهذا يأتي بالتمرين والتدريب، وعلى فترة من الزمن سوف
يميز لمة الملك ويستفيد بها في أمور العلاج، وفهم وتشخيص الحالة وفقا
للمعطيات التي حصل عليها من المريض، إما إذا لم يكن هناك معطيات وورد في
ذهنك أمورا غيبية فاعلم أنها من الشيطان، فها الباب بحاجة إلى علم شرعي
متين لكي يصل إليه المعالج.
الوسوسة والمس:
إن الوسوسات المصحوبة بصداع شديد لا بد أن الجن المتلبس
إما خادم سحر أو ساحر من سحرة الجن، ويثبت هذا باختفاء الصداع بالآذان من
عدمه، أما إذا كانت غير مصحوبة بصداع فهذا من فعل القرين أو إبليس أو أحد
وزرائه.
لإنهاء الوسوسة الغير مصحوبة بصداع أنصح بقراءة سورة (ق)
والمعوذات خاصة سورة (الناس) على الرأس مع الآذان، أو غسل الرأس بماء
مقروء عليه، وسيشفى الألم سريعًا إن شاء الله تعالى، وتفسير ذلك أن الرأس
مكان مخصص لعمل القرين، وهو شيطان وظيفته المنوطة به هي الوسوسة، فهذا
مكانه الطبيعي لذلك لا يشعر المريض مع وسوسة القرين بصداع، ومن الملاحظ
عدم اعتداء أي جن على هذا المكان إلا أن يكون ساحر من سحرة الجن أو خادم
سحر، ولأن هذا الشيطان معتدى ودخيل على هذا المكان الحساس من الجسد فسيشعر
المريض بالصداع.
إذا تأكدت من وجود شيطان في رأس المريض، فعالج بهدوء
شديد جدًا، خاصة إذا اشتد إحساس المريض بالألم، وإن لم يمكن إخراجه بسهولة
فليترك في مكانه حتى ينتهي أجله ببطء تحت تأثير ختم كتاب الله تعالى كل
ثلاثة أيام ليس أقل، وخطورة الشدة في التعامل مع الجن المتواجد في الرأس
تكمن في احتمال قيامه برد فعل عكسي، ومقاومة قد تؤذى المريض وينتج عنها
عاهة مستديمة، فببساطة قد يمزق الجن أو يتلف أو يدمر بعض الخلايا والأعصاب
في المخ، لتنتهي حياة المريض بمأساة، وكذلك إذا تواجد في الخصيتين فقد
يؤثر على خصوبة الرجل، لذلك ينصح ألا تعالج مثل هذه الحالات الدقيقة إلا
على يد معالج خبير متمرس، وحسب تشخيص المعالج، ووفقًا لتقديره لخطورة
الحالة.
إذا أردت الحصول على معلومات من الجن الذى على الجسد
رغم وجود (سحر ربط لسان الجن)، أو لأن الجن لا يتحدث العربية (رغم أن تعلم
أى لغة عند الجن لا يستغرق أكثر من دقائق معدودة) فالأمر عندهم بسيط جدًا،
فيمكن إدارة الحوار بينك وبين الجن الذى على الجسد بواسطة (الوسوسة)، بحيث
توجه كلامك إلى الجن وسيسمع المريض رد الجن عليك من داخله، ثم يسرد لك
المريض ما سمعه، أى أن الحوار سيتم على لسان المريض من خلال (الوسوسة)،
فعادة المريض يسمع كلام الجن في داخله أثناء الجلسة، فيسب المعالج، أو
يهدد المريض، أو يأمره ببعض المواقف ضد المعالج، وهذا أمر معتاد في
الجلسات، ومنه اكتشفنا هذا الطريقة، وهى من أسرار كبار السحرة.
التفريق بين وسوسة الشيطان ووسوسة النفس:
اعلم أن القرين يذكرك دائمًا بالفتن والمعاصي، فإذا لم
تستجب النفس لفتنة ما انصرف عنها إلى فتنة أخرى، فتجده يتنقل من تذكيرك
بمعصية إلى الأخرى، وهكذا حتى تشرب النفس فتنة ما، وعندها تجد النفس تنشغل
بها، ليبدأ الإنسان يسبح بخياله معها فلا يستطيع فكاكًا منها، قال: حذيفة
سمعت رسول الله r يقول: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي
قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى
تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات
والأرض، والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر
منكرًا، إلا ما أشرب من هواه).() فإذا استجابت النفس يبدأ الشيطان في
تزيين ارتكاب المعصية لها، ثم تبدأ النفس في دفع الإنسان للهم بها، لاحظ
دور القلب في الهوى والتمني في قوله r: (والقلب يهوى ويتمنى) وهو استمراء
تخيل المعصية وطيب النفس بها، فعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي r قال:
(كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما
النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها
البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج
ويكذبه).()
درب نفسك على ملاحظة الآتي:
إذا وجدت أنك تتذكر ألوان المعاصي المعصية تلو الأخرى
فاعلم أن الشيطان يوسوس لك الآن، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، أما إذا
انشغلت في تخيل معصية ما، وكلما حاولت فكاكًا منها عدت إليها فاعلم أنها
وسوسة النفس، فاستعذ بالله من نفسك، وهذا مجرب كثرًا ونجح بفضل الله تعالى.
وسيان فقد يذكرك الشيطان بامرأة حسناء وربما تكون
دميمية، فلا تطيب لها نفسك فيذكرك بامرأة أخرى وأخرى حتى أنه قد يذكرك
بالمحارم، وهنا إذا استعذت بالله من الشيطان الرجيم انصرف عنك كيده، وإن
استجابت نفسك ورغبت في امرأة ما تصورتها في صور متفحشة مختلفة، وكأنك تفعل
بها الفاحشة، فاعلم حينها أن نفسك هي التي توسوس لك الآن، ولو استعذت في
هذه اللحظة من الشيطان آلاف المرات فستظل تتخيل ذلك، ولن تنصرف عنك تلك
التخيلات، لأنها في الواقع ليست وسوسة من الشيطان، ولكنها من وسوسة نفسك،
وهنا عليك الاستعاذة بالله من نفسك واستغفار الله تعالى فسينصرف عنك فورًا
ما أنت فيه، وإن لم تفعل فربما بدأت في الهم بالفاحشة، وستبدأ في التخطيط
لنيل هوى نفسك، فقد صح عن رسول الله أنه استعاذ من شر النفس ومن شر
الشيطان، وفي هذا بيان لضرورة الفصل بين مفهوم الاستعاذة منهما،
فعن يعلى بن عطاء قال سمعت عمرو بن عاصم الثقفي يحدث عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو بكر يا رسول الله مرني بشيء أقوله
إذا أصبحت وإذا أمسيت قال: (قل: اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات
والأرض، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي،
ومن شر الشيطان وشَرَكه) قال: (قله إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت
مضجعك). ()
لكي تتأكد من أن همك بفعل شيء ما هو تبعًا لوسوسة النفس
فستجدك تقول: (نفسي في كذا…؟)، فكلمة [نفسي] جاءت من النفس وتمنيها
للشهوات، واستجابة لوسوسة الشيطان، فلا تقل (نفسي في كذا) حتى لا تصير
عبدًا لرغبات نفسك، وإذا تاقت نفسك لشيء حلال فقل: (اللهم إني أسألك
كذا..)، كما صح عن رسول الله r مالا يحصى من المرات، قال تعالى: وَمَا
أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا
رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ [يوسف: 53].
قال تعالى: وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ
بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ، لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا
اكْتَسَبُواْ، وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ، وَاسْأَلُواْ
اللّهَ مِن فَضْلِهِ، إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
[النساء: 32]، فانظر أثر وسوسة النفس في قوم موسى عليه السلام أن تمنوا ما
لقارون من عرض الدنيا الزائل قال تعالى: قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ
الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ
إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص: 79]، فقد تتمنى نفسك أمنية فيها
هلاكك ولا تعلم، فارضى بما قسمه الله تعالى لك من رزق، واسأل الله من
فضله، لأن قدر الله تعالى كله خير فهو أفضل ما يلائمك، فقد ترجع فيما
تتمناه نفسك كما تراجع قوم موسى في أمنيتهم قال تعالى: وَأَصْبَحَ
الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ
اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ،
لَوْلاَ أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا، وَيْكَأَنَّهُ لاَ
يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [القصص: 82].
وسوسة الشيطان الماس لابد وأن يصاحبها شعور بالصداع،
وذلك لأنه دخيل على الرأس، لأن هذا المكان مختص بالقرين، وحتمًا ولابد أن
يكون هذا الشيطان ساحرًا يعمل تحت إمرة أحد ملوك الجن، أو خادم سحر مكلف
بالدخول إلى الرأس، فمن الممكن أن يكون المريض مصابًا بمس أو بسحر، فتنبه
(الصدر Thorax):
ويعد الصدر بمحتوياته كجزء من الجهاز التنفسي مصدرًا
لتجميع الطاقة السحرية داخل الجسد، وتعد من أهم مصادر الطاقة السحرية
المكتسبة، هذا بخلاف الطاقة السحرية الذاتية التي يتمتع بها الشيطان،
والمختزنة في أماكن مختلفة من أنحاء جسده، وتكون موزعة بتناسق محكم في شتى
أنحاء الجسد البشري، وبالحيلولة دون حصول الشيطان على الطاقة السحرية
المكتسبة تستنفذ طاقته السحرية الذاتية تلقائيًا، حيث تشكل هذه الطاقة
عامل جذب رئيسي لاكتساب الطاقة السحرية الضرورية لاستمرار فاعلية المكونات
السحرية، والتي تنقاد لها الشياطين وفقًا لقوة مضمونها ومكوناتها السحرية،
فبهذه الطاقة المكتسبة يتمكن الشيطان من استمرار بسط سيطرته على سائر
أعضاء الجسد، ليصير قادرًا على الاستمرار في التحكم في وظائفه العضوية
وفقًا للغرض الموجود من أجله داخل الجسد، مهما كان نوع هذا الغرض والهدف
منه، وبدون تفعيل المكونات السحرية يفقد الشيطان السبب الرئيسي لوجوده في
الجسد، وهذا ينطبق على المس بأنواعه المختلفة من اللبس والسحر والنظرة،
فيستغل الشيطان الوظيفة العضوية للصدر أثناء عملية التنفس فيسحب هذه
الطاقة من خارج الجسد إلى داخل الرئتين عبر المسالك الهوائية، ثم ينقلها
إلى الدم
.
(الغرض من حركات جدار الصدر في التنفس هو سحب الهواء إلى
داخل الرئتين، ثم طرده ثانية، والرئتان pulmones lungs هما زوج من الأعضاء
يشغل الجزء الأكبر من باطن التجويف الصدري. وهما تشبهان قطعة الإسفنج _ أي
زمر من تجويفات صغيرة عديدة، لا حصر لها، ذات جدر صغيرة _ وهما قابلتان
للتمدد جدًا، وتتصل التجاويف التي بداخلها مع الخارج بطلاقة، عن طريق
المسالك الهوائية، وتلك المسالك هي: 1_ الأنفnose والفم mouth 2_ والبلعوم
أو الحلقوم pharynx. 3_ والحنجرة larynx. 4_ والقصبة الهوائية trachea. 5_
وزوج من الأنابيب يسمى بالشعب bronchi. تنقسم إليهما القصبة الهوائية،
وتدخل كل شعبة في رئة، ثم تنقسم بداخلها إلى عدد كبير من الأنابيب
الهوائية).()
علاقة الشيطان بالصدر:
إن الصدر موضع هام من أعضاء جسد الإنسان، فللشيطان عمل
واختصاص فيه، فقد أمر الله بالتعوذ من جملة شر الوسواس الخناس وهو
الشيطان، وحدد الله عز وجل موضع الوسوسة من الجسد في صدور الناس، فقال
تعالى: مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي
صُدُورِ النَّاسِ [الناس: 3، 4]، فقد حدد الصدر بوجه خاص، حيث بين أن
الشيطان يلقي وساوسه ولماته في الصدر، فلم يذكر أحد أعضاء الجهاز التنفسي
تحديدًا، ولكنه حدد الصدر بمحتوياته من القلب والرئتين، فالقلب هو أحد أهم
محتويات الصدر، وهو الموضع الأكثر تحديدًا حيث يقذف الشيطان وسوساته
ولماته، لقول رسول الله r: (إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني
خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا)،( ) وعن أنس أن رسول الله r: (إن الشيطان
واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله تعالى خنس، وإن نسي الله التقم
قلبه)،() إذًا فالصدر موضع عمل الشيطان، وإن الشرايين والأوردة هي مجرى
الدماء الذي يجري فيه الشيطان، والدماء تعد الوسيط الذي يتحرك الشيطان من
خلاله، وحتمًا ولا بد أن يحقق له الصدر الطاقة اللازمة لمنحه القوة على
على قذف البلابل والساوس بتمكن وفي أمان تام.
وتأثير هذه الوسوسات يقع في النفس ويحركها في اتجاه
المعاصي، ففي رواية قال النبي r لهما: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى
الدم، وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئا)،() فالوسوسات واللمات هي دعوة
الشيطان، وبها يبث الضلالات في صدور الناس، قال تعالى: وَقَالَ
الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ
الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم
مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ
تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا
أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ
إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم: 22]، فالوسوسة
واحدة من أهم وسائل الاتصال بين الإنس والجن، فأول من وسوس له الشيطان كان
آدم عليه السلام، قال تعالى: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا
آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى
[طه: 120].
لقد بين الله أن الرجس وهو من عمل الشيطان سببًا في ضيق
صدر من أضله الله، قال تعالى: فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ
يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ
صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ
يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام:
125]، وبين الله تعالى الفارق بين صدر المهتدي وصدر الضال بأن صدر المهتدي
منشرحًا متسعًا، بينما صدر الضال ضيقًا حرجًا، والسبب أن الضلالات التي
يلقيها الشيطان في صدر الضال تضيق صدره، وهذا شاهد على أن هذا الضيق حقيقي
وليس لمجرد التشبيه البلاغي، قال تعالى: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي
لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ
عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ
مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ
اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر: 39_42]، فالشيطان يركز عمله في صدر
الضال ويملئه بالمكونات السحرية التي تيسر له إتمام رجسه وعمله للاستمرار
في إضلاله، فيصير صدره ضيقًا لا يتسع لأية هداية أو حق بسبب تمكن الشيطان
من صدره تمكنًا حقيقيًا، وتسلطه على قلبه فلا يهتدي أبدًا، وهذا التمكن من
الصدر لا يتم إلا بالطاقة السحرية.
أما من يرد الله هدايته فيوسع صدره بأن يفرغ منه رجس
الشيطان وحظه من ابن آدم، لذلك أراد موسى الهداية من الله قبل ذهابه للقاء
فرعون، وحتى يوفق في دعوته دعى ربه بأن يشرح الله له صدره تخلصًا من رجس
الشيطان، قال تعالى: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي [طه: 25]، أما رسول
الله فله خصوصية دون سائر خلق الله تعالى، فقد شرح الله صدره، فقال تعالى:
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الانشراح:1]، وطهر قلبه من حظ الشيطان
ورجسه، فعن أنس بن مالك (أن رسول الله r أتاه جبريل r وهو يلعب مع
الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال:
(هذا حظ الشيطان منك)، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم
أعاده في مكانه..)،()
وحظ الشيطان من ابن آدم هو نصيبه منه، ومكان حظ الشيطان
من ابن آدم يقع في صدره، وفي القلب تحديدًا، وهذه العلقة موجودة في قلب كل
منا، ولكن وجودها وجود غيبي فلا نراه، فنشعر بوجود أثره من وسوسات، ونؤمن
به طالما ثبت عن النبي r، ولهذا من الله على النبي r فأسلم شيطانه أو
قرينه فصار لا يأمره إلا بخير،
فعن عائشة زوج النبي r أن رسول الله r خرج من عندها
ليلاً قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: (ما لك يا عائشة أغرت؟)
فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك! فقال رسول الله r: (أقد جاءك
شيطانك؟)، قالت: يا رسول الله أو معي شيطان؟ قال: (نعم) قلت: ومع كل
إنسان؟ قال: (نعم)، قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: (نعم ولكن ربي أعانني
عليه حتى أسلم)،() وهو ما يسمى (قرين)، وهذا ثابت من رواية أخرى عن عبد
الله بن مسعود قال: قال رسول الله r: (ما منكم من أحد إلا وقد وكل به
قرينه من الجن) قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: (وإياي، إلا أن الله
أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير)،()
ورجس الشيطان وسحره الذي في الصدر هو السبب أن بعض
حالات المس قد لا تستجيب للعلاج مطلقًا، بسبب أن الله أضلهم فتسلط عليهم
الشيطان، وتمكن من صدورهم بسحره، لذلك يفشل علاجهم نهائيًا، وعلى هذا فلا
يشترط أن يكون المريض مسلمًا لينجح علاجه، ولكن من الممكن إن كان غير مسلم
وأراد الله له الهداية نجح علاجه، فيكون رفع رجس الشيطان من صدره بالعلاج
الشرعي سببًا في انشراح صدره وإسلامه، وقد جربنا هذا ونجح بفضل الله تبارك
وتعالى، فليتنبه لهذا الدعاة، وكل من عجزوا عن إصلاح أولادهم، وفشلوا في
تربيتهم.
الوسوسة في اللغة: (حديث النفس. يقال : وسوست إليه نفسه وسوسة..والوَسواس، بالفتح: هو الشيطان. وكل ما حدثك ووسوس إليك، فهو اسم).()
والوسوسة هي لمة الشيطان قال تعالى: مِن شَرِّ
الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ
الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس: 4: 6]، وأكثر وسائل الاتصال بين الإنس
والجن انتشارًا على الإطلاق وأقدمها، فأول وسوسة كانت من إبليس إلى آدم
وزوجه، قال تعالى: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا
مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا
رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ
تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ
النَّاصِحِينَ [الأعراف: 20: 21]، قال تعالى: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ
الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ
وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى [طه: 120].
عن أبي هريرة عن النبي r قال: (إن الشيطان إذا سمع
النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس، فإذا
سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس).()
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي r: (إن أحدكم
يأتيه الشيطان فيقول: من خلقك؟ فيقول: الله فيقول: فمن خلق الله؟ فإذا
وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه).()
عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي r فقال: يا رسول
الله إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به،
قال: فقال النبي r: (الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر، الحمد لله الذي
رد كيده إلى الوسوسة). ()
والوسوسة هي واحدة من أهم وسائل الاتصال بين الجن
والإنس، وواحدة من أوضح علامات المس، وغالبًا لا تخلو شكوى مصاب بالمس من
الوسوسات التي تلاحقه بين الوقت والآخر، لدرجة أنها تحيل حياته إلى جحيم
لا يطاق، وكذلك لا يوجد شخص خال من المس إلا ويشكو من داء الوسوسة، إلا أن
الوسوسة ليست خبيثة على إطلاقها، ولكن منها وساوس حميدة تحض الموسوس على
فعل الخيرات وترك المنكرات، وربما تكون لوامة على ما يقترفه من آثام، لذلك
فمن الضروري على كل مسلم أن يدرك الفارق بين تلك الوسوسات تبعًا لمصدرها،
وأن يعرف كيف يميز بين بعضها البعض، فيأخذ بالصالح منها ويترك الطالح،
(والشيطان يستغل الوسوسة كوسيلة ليكيد بالإنسان، فيبث
إليه أفكار ومعتقدات تخالف ما يؤمن به، ليفاجئ بهذه الشركيات تتدفق إلى
ذهنه، ولم يكن يتخيل يومًا أن ترد إلى ذهنه، وهذا النوع من الوسوسات يكون
مكثفًا عند المصابين بالمس على وجه الخصوص، ويعد إشارة لوجود جن في الجسد،
فليست الوسوسة قاصرة فقط على نقل المعلومات، ولكنها تشمل أيضًا مداخلات
عقائدية الغرض منها إفساد معتقد الموسوس له بإلقاء الشبهات في نفسه، خاصة
إذا اكشف لديه خلل يدفعه لتقبلها، وهدف الجن الماس من تكثيف هذه الوساوس
للدفع بالممسوس في اتجاه الشرك ليمكن لنفسه في جسده، لذلك تجاوز الله لأمة
النبي عما توسوس به صدورهم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي r: (إن أحدكم
يأتيه الشيطان فيقول: من خلقك؟ فيقول: الله فيقول: فمن خلق الله؟ فإذا
وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه).()
عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي r فقال: يا رسول
الله إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به قال:
فقال النبي r: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى
الوسوسة).()
عن أبي هريرة قال: قال النبي r: (إن الله تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورهم ما لم تعمل أو تتكلم به و ما استكرهوا عليه).() ). ()
وسوسة النفس:
ولأن النفس شهوانية فهي تميل دائمًا مع ما يطيب لها وتلذه،
فستجد أنك تفكر في شيء ما تشتهيه، كامرأة مثلاً وكلما حاولت فكاكًا من
التفكير فيها، وجدت نفسك تعود إلى التفكير ثانية وبتعمق أكثر، حتى تفضي بك
الوسوسة إلى الهم بالمعاصي، فامرأة العزيز لم تستطع التخلص من وسوسة نفسها
من التعلق بيوسف عليه السلام، حتى شغفها حبًا، قال تعالى: وَقَالَ
نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن
نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا [يوسف: 30]، لذلك لما فضح أمرها وظهرت
براءة يوسف عليه السلام، أقرت بوسوسة النفس قال تعالى: وَمَا أُبَرِّئُ
نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ
رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ [يوسف: 53]، وكذلك طوعت نفس أحد
ابني آدم قتل أخيه فقتله، قال تعالى: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ
أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة: 30].
لمة الشيطان:
ووسوسة الشيطان أخف خطرًا من وسوسة النفس، لأن الاستعاذة
وذكر الله توقف وسوسة الشيطان، هذا بالإضافة إلى أن الشيطان يئوس بطبعه،
فكلما وسوس لك بشيء ما ولم يجد منك استجابة لها انصرف عن هذه الفكرة إلى
فكرة أخرى وهكذا، فتجد الوساوس تأتي متتابعة ومختلفة ومتنوعة.
يأمرك في غالب الأحيان بالشر، وبما يخالف شرع الله.
دائمًا يعدك إن فعلت خيرًا أنه سيصيبك بسببه شرًا، فهو يحول بينك وبين فعل الخير ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
تشعر بانقباض الصدر وغلظة في القلب.
لمة الملك:
وهذه هي اللمة المرغوبة والتي يجب أن نتبعها، بل ونحمد الله عليها، فستجد أن الملك يحضك على فعل الخير واتباع أوامر الله تعالى.
يعدك إن فعلت ذلك الخير أنه يصيبك خيرًا في المستقبل سواء في الدنيا أ و في الآخرة. تشعر بانشراح في الصدر وطمأنينة.
ونصيجة هامة هنا للمعالج الكيس الفطن، وهي كيفية
الاستفادة من لمة الملك في العلاج، فلو أتقن المعالج التمييز بين لمة
الملك والشيطان، وهذا يأتي بالتمرين والتدريب، وعلى فترة من الزمن سوف
يميز لمة الملك ويستفيد بها في أمور العلاج، وفهم وتشخيص الحالة وفقا
للمعطيات التي حصل عليها من المريض، إما إذا لم يكن هناك معطيات وورد في
ذهنك أمورا غيبية فاعلم أنها من الشيطان، فها الباب بحاجة إلى علم شرعي
متين لكي يصل إليه المعالج.
الوسوسة والمس:
إن الوسوسات المصحوبة بصداع شديد لا بد أن الجن المتلبس
إما خادم سحر أو ساحر من سحرة الجن، ويثبت هذا باختفاء الصداع بالآذان من
عدمه، أما إذا كانت غير مصحوبة بصداع فهذا من فعل القرين أو إبليس أو أحد
وزرائه.
لإنهاء الوسوسة الغير مصحوبة بصداع أنصح بقراءة سورة (ق)
والمعوذات خاصة سورة (الناس) على الرأس مع الآذان، أو غسل الرأس بماء
مقروء عليه، وسيشفى الألم سريعًا إن شاء الله تعالى، وتفسير ذلك أن الرأس
مكان مخصص لعمل القرين، وهو شيطان وظيفته المنوطة به هي الوسوسة، فهذا
مكانه الطبيعي لذلك لا يشعر المريض مع وسوسة القرين بصداع، ومن الملاحظ
عدم اعتداء أي جن على هذا المكان إلا أن يكون ساحر من سحرة الجن أو خادم
سحر، ولأن هذا الشيطان معتدى ودخيل على هذا المكان الحساس من الجسد فسيشعر
المريض بالصداع.
إذا تأكدت من وجود شيطان في رأس المريض، فعالج بهدوء
شديد جدًا، خاصة إذا اشتد إحساس المريض بالألم، وإن لم يمكن إخراجه بسهولة
فليترك في مكانه حتى ينتهي أجله ببطء تحت تأثير ختم كتاب الله تعالى كل
ثلاثة أيام ليس أقل، وخطورة الشدة في التعامل مع الجن المتواجد في الرأس
تكمن في احتمال قيامه برد فعل عكسي، ومقاومة قد تؤذى المريض وينتج عنها
عاهة مستديمة، فببساطة قد يمزق الجن أو يتلف أو يدمر بعض الخلايا والأعصاب
في المخ، لتنتهي حياة المريض بمأساة، وكذلك إذا تواجد في الخصيتين فقد
يؤثر على خصوبة الرجل، لذلك ينصح ألا تعالج مثل هذه الحالات الدقيقة إلا
على يد معالج خبير متمرس، وحسب تشخيص المعالج، ووفقًا لتقديره لخطورة
الحالة.
إذا أردت الحصول على معلومات من الجن الذى على الجسد
رغم وجود (سحر ربط لسان الجن)، أو لأن الجن لا يتحدث العربية (رغم أن تعلم
أى لغة عند الجن لا يستغرق أكثر من دقائق معدودة) فالأمر عندهم بسيط جدًا،
فيمكن إدارة الحوار بينك وبين الجن الذى على الجسد بواسطة (الوسوسة)، بحيث
توجه كلامك إلى الجن وسيسمع المريض رد الجن عليك من داخله، ثم يسرد لك
المريض ما سمعه، أى أن الحوار سيتم على لسان المريض من خلال (الوسوسة)،
فعادة المريض يسمع كلام الجن في داخله أثناء الجلسة، فيسب المعالج، أو
يهدد المريض، أو يأمره ببعض المواقف ضد المعالج، وهذا أمر معتاد في
الجلسات، ومنه اكتشفنا هذا الطريقة، وهى من أسرار كبار السحرة.
التفريق بين وسوسة الشيطان ووسوسة النفس:
اعلم أن القرين يذكرك دائمًا بالفتن والمعاصي، فإذا لم
تستجب النفس لفتنة ما انصرف عنها إلى فتنة أخرى، فتجده يتنقل من تذكيرك
بمعصية إلى الأخرى، وهكذا حتى تشرب النفس فتنة ما، وعندها تجد النفس تنشغل
بها، ليبدأ الإنسان يسبح بخياله معها فلا يستطيع فكاكًا منها، قال: حذيفة
سمعت رسول الله r يقول: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي
قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى
تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات
والأرض، والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر
منكرًا، إلا ما أشرب من هواه).() فإذا استجابت النفس يبدأ الشيطان في
تزيين ارتكاب المعصية لها، ثم تبدأ النفس في دفع الإنسان للهم بها، لاحظ
دور القلب في الهوى والتمني في قوله r: (والقلب يهوى ويتمنى) وهو استمراء
تخيل المعصية وطيب النفس بها، فعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي r قال:
(كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما
النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها
البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج
ويكذبه).()
درب نفسك على ملاحظة الآتي:
إذا وجدت أنك تتذكر ألوان المعاصي المعصية تلو الأخرى
فاعلم أن الشيطان يوسوس لك الآن، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، أما إذا
انشغلت في تخيل معصية ما، وكلما حاولت فكاكًا منها عدت إليها فاعلم أنها
وسوسة النفس، فاستعذ بالله من نفسك، وهذا مجرب كثرًا ونجح بفضل الله تعالى.
وسيان فقد يذكرك الشيطان بامرأة حسناء وربما تكون
دميمية، فلا تطيب لها نفسك فيذكرك بامرأة أخرى وأخرى حتى أنه قد يذكرك
بالمحارم، وهنا إذا استعذت بالله من الشيطان الرجيم انصرف عنك كيده، وإن
استجابت نفسك ورغبت في امرأة ما تصورتها في صور متفحشة مختلفة، وكأنك تفعل
بها الفاحشة، فاعلم حينها أن نفسك هي التي توسوس لك الآن، ولو استعذت في
هذه اللحظة من الشيطان آلاف المرات فستظل تتخيل ذلك، ولن تنصرف عنك تلك
التخيلات، لأنها في الواقع ليست وسوسة من الشيطان، ولكنها من وسوسة نفسك،
وهنا عليك الاستعاذة بالله من نفسك واستغفار الله تعالى فسينصرف عنك فورًا
ما أنت فيه، وإن لم تفعل فربما بدأت في الهم بالفاحشة، وستبدأ في التخطيط
لنيل هوى نفسك، فقد صح عن رسول الله أنه استعاذ من شر النفس ومن شر
الشيطان، وفي هذا بيان لضرورة الفصل بين مفهوم الاستعاذة منهما،
فعن يعلى بن عطاء قال سمعت عمرو بن عاصم الثقفي يحدث عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو بكر يا رسول الله مرني بشيء أقوله
إذا أصبحت وإذا أمسيت قال: (قل: اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات
والأرض، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي،
ومن شر الشيطان وشَرَكه) قال: (قله إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت
مضجعك). ()
لكي تتأكد من أن همك بفعل شيء ما هو تبعًا لوسوسة النفس
فستجدك تقول: (نفسي في كذا…؟)، فكلمة [نفسي] جاءت من النفس وتمنيها
للشهوات، واستجابة لوسوسة الشيطان، فلا تقل (نفسي في كذا) حتى لا تصير
عبدًا لرغبات نفسك، وإذا تاقت نفسك لشيء حلال فقل: (اللهم إني أسألك
كذا..)، كما صح عن رسول الله r مالا يحصى من المرات، قال تعالى: وَمَا
أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا
رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ [يوسف: 53].
قال تعالى: وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ
بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ، لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا
اكْتَسَبُواْ، وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ، وَاسْأَلُواْ
اللّهَ مِن فَضْلِهِ، إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
[النساء: 32]، فانظر أثر وسوسة النفس في قوم موسى عليه السلام أن تمنوا ما
لقارون من عرض الدنيا الزائل قال تعالى: قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ
الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ
إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص: 79]، فقد تتمنى نفسك أمنية فيها
هلاكك ولا تعلم، فارضى بما قسمه الله تعالى لك من رزق، واسأل الله من
فضله، لأن قدر الله تعالى كله خير فهو أفضل ما يلائمك، فقد ترجع فيما
تتمناه نفسك كما تراجع قوم موسى في أمنيتهم قال تعالى: وَأَصْبَحَ
الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ
اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ،
لَوْلاَ أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا، وَيْكَأَنَّهُ لاَ
يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [القصص: 82].
وسوسة الشيطان الماس لابد وأن يصاحبها شعور بالصداع،
وذلك لأنه دخيل على الرأس، لأن هذا المكان مختص بالقرين، وحتمًا ولابد أن
يكون هذا الشيطان ساحرًا يعمل تحت إمرة أحد ملوك الجن، أو خادم سحر مكلف
بالدخول إلى الرأس، فمن الممكن أن يكون المريض مصابًا بمس أو بسحر، فتنبه