المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درسٌ في الأدب والسلوك



القعقاع
03-04-2023, 19:18
رفع الهمة وتأنيب المحجوب والتجرد وعدم الإلتفات للكرامات

(( قال في البرهان المؤيد )) " عليكم أي سادة " بذكر الله ، فإن الذكر مغناطيس الوصل , وحبل القرب ،من ذكر الله طاب بالله ، ومن طاب بالله وصل إلى الله ، ذكر الله يثبت في القلب ببركة الصحبة ، المرء على دين خليله ، عليكم بنا ، صحبتنا ترياق مجرب , والبعد عنا سم قاتل .

أي محجوب : تزعم أنك اكتفيت عنا بعلمك ، ما الفائدة من علم بلا عمل ، ما الفائدة من عمل بلا إخلاص ، الإخلاص على حافة طريق الخطر ، من ينهض بك إلى العمل ؟ من يداويك من سم الرياء ؟ من يدلك على الطريق الأمين بعد الإخلاص ؟ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(النحل43) هكذا أنبأنا العليم الخبير ، تظن أنك من أهل الذكر لو كنت منهم ما كنت محجوباً عنهم، لو كنت من أهل الذكر ما حرمت ثمرة الفكر ،صدك حجابك ، قطعك عملك ، قال عليه الصلاة والسلام :

(( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع )) لازم أبوابنا ، أي محجوب : فإن كل درجة وآونة تمضي لك في أبوابنا درجة وإنابة إلى الله تعالى ، صحت إنابتنا إلى الله ، قال تعالى {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}(لقمان15) أيها المتصوف , لم هذه البطالة , صر صوفيا حتى نقول لك : أيها الصوفي .

" أي حبيبي " تظن أن هذه الطريقة تورث من أبيك , تسلسل من جدك ، تأتيك باسم بكر وعمر وتصر لك في وثيقة نسبك ،تنقش لك على جيب خرقتك ،على طرف تاجك ،حسبت هذه البضاعة ثوب شعر , وتاجا وعكازا ودلقا , وعمامة كبيرة , وزيا صالحا , لا والله ، إن الله لا ينظر إلى كل هذا ينظر إلى قلبك كيف يفرغ فيه سره , وبركة قربه ،وهو غافل عنه بحجاب التاج , بحجاب الخرقة ,بحجاب السبحة , بحجاب العصا , بحجاب المسوح ،إيش هذا العقل الخالي من نور المعرفة ؟ إيش هذا الرأس الخالي من جوهر العقل ؟ ما عملت بأعمال الطائفة وتلبس لباسهم يا مسكين .

" يا أخي " لو كلفت قلبك لباس الخشية , وظاهرك لباس الأدب , ونفسك لباس الذل , وأنانيتك لباس المحو , ولسانك لباس الذكر ،وتخلصت من هذه الحجب , وبعدها تلبست بهذه الثياب كان أولى لك ثم أولى ،لكن كيف يقال لك هذا القول و أنت تظن أن تاجك كتاج القوم , وثوبك كثوبهم كلا الأشكال مؤتلفة , والقلوب مختلفة ،لو كنت على بصيرة من أمرك خلعت أباك وأمك , وجدك وعمك , وقميصك وتاجك , وسريرك ومعراجك , وأتيتنا بالله لله ،وبعد حسن الأدب لبست ،وأظنك بعد الأدب تقطع نفسك عن الثوب والعوارض القاطعة

" أي مسكين " تمشي مع وهمك , مع خيالك , مع كذبك , مع عجبك وغرورك , وتحمل نجاسة أنانيتك , وتظن أنك على شيء ،وكيف يكون ذلك تعلم علم التواضع ،تعلم علم الحيرة ،تعلم علم المسكنة والانكسار

" أي بطال " تعلمت علم الكبر ، تعلمت علم الدعوة ،تعلمت علم التعالي ، إيش حصل لك من كل ذلك ؟

تطلب هذه الدنيا الجائفة بظاهر حال الآخرة لبئس ما صنعت ،

ما أنت إلا كمشتري النجاسة بالنجاسة كيف تغفل نفسك بنفسك , وتكذب على نفسك وأبناء جنسك ؟

لا يقرب المحب من محبوبه حتى يبعد من عدوه ،رمى بعض المريدين ركوته في بعض الآبار ليستقي الماء فخرجت مملوءة بالذهب , فرمى بها في البئر , وقال : يا عزيز وحقك لا أريد غيرك ،

من أثبت نفسه مريدا صار مرادا ،من أثبت نفسه طالبا صار مطلوبا ،من عكف على الباب دخل الرحاب ،ومن أحسن القصد بعد الدخول تصدر في غرفة الوصلة ،

دخل علي كرم الله وجهه ورضي عنه مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم فرأى أعرابيا في المسجد يقول : إلهي أريد منك شويهة ، ورأى أبا بكر الصديق رضي الله عنه في زاوية أخرى يقول : إلهي أريدك ،شتان ما بين المرادين ،شتان مابين الهمتين ،تلعب الآمال بالعقول , تلعب بالهمم ،كل يطير بجناح همته إلى أمله ومقصد قلبه ، فإذا بلغ غاية همته وقف فلم يجاوزها ، قال تعالى { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}(الإسراء84) أي على نيته وهمته .

" أي أخي " لا تجعل غايه همتك , ومنتهى قصدك أن تمر على الماء ,أو تطير في الهواء يصنع الطير والحوت ما أردت ،طر بجناح همتك إلى مالا غاية له ، العارف المتمكن لا شيء عنده من العرش إلى الثرى أعظم من سروره بربه والجنة وكل ما فيها في جنب سروره بربه أصغر من خردلة ملقاة في أرض فلاة ، من خساسة النفس ودناءة الهمة وقلة المعرفة اشتغالك بالنعمة عن المنعم ،.

" العارفون " تجردوا عن الدارين وطلبوا رب العالمين تجردوا عن النفس والولد أوحى الله تعالى إلى يعقوب عليه السلام لما قال : يا أسفا على يوسف إلى متى تذكر يوسف أيوسف خلقك أو رزقك أو أعطاك النبوة فبعزتي لو كنت ذكرتني , واشتغلت بي عن ذكر غيري لفرجت عنك من ساعتك فعلم يعقوب عليه السلام أنه مخطئ في ذكره يوسف فأمسك لسانه عن ذكره ،

قال موسى عليه السلام إلهي أقريب أنت فأناجيك ،أم بعيد فأناديك فقال الله تعالى : أنا جليس لمن ذكرني , وقريب ممن أنس بي ، أقرب إليه من حبل الوريد.

عايد
04-04-2023, 23:48
مشاءالله تبارك الرحمن