أبو شاهين
24-03-2023, 16:30
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بمباركة من مولانا و شيخنا و مرشدنا و ناطقنا المبارك قدس الله سره الشريف ..شيخ و مرشد الطريقة الباطنية مولانا المهدي نفتتح هذا القسم ..
ما هو علم الباطن ؟
من أعظم وأجل أسماء الخالق العظيم لهذا الكون اسمه تعالى الباطن.. قال تعالى هو الأول والآخر والظاهر والباطن، والمعنى أنه جل وعلا.. المحتجب عن أبصار الخلائق وسائر ما أوجد في هذه الأكوان من أجساد وأرواح وأفهام وعقول وقوى الأوهام العاقلة أو العابثة.. فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم أو فهم أو اثير أو أي عقل من العقول وتحير في تحليل نوره الأفهام والادراكات..
فعقولنا نحن البشر ومدى فهمنا وادراكنا يعتبر صغيرا جدا لوعي وفهم والتحقق مما حولنا وجمع حقيقته.. و أفهامنا محدودة في إدراك الحقائق الملكوتية إلا إذا بلغنا مقامات فتحية وفهمية.. تفوق مستوى الفهم الأحادي في هذه الحياة.. حينها فقط نستطيع ان نفهم معنى تواجدنا في هذا الكون لمدة محددة و نجيب على أسئلة كثيرة قد تحيرنا و لكن سنفهمها و نفهم سرها ..
أما ما يهمنا من هذا الموضوع فهو فهم سر علم الباطن وفهم معناه الحقيقي ومعرفة مصدر العلوم الباطنية وأصولها وقوانينها المعلومة أو السرية.. لأن كثرة القيل والقال قد تحبط عزم المريد والسالك في هذا الطريق خصوصا وأن أهل التحليل والتحريم ينطحون بلا قرون ويجرمون بدون شاهد ويحرمون بلا عقل..
فنقول وبالله تعالى التوفيق.. العلم الباطني هو علم العرفان الروحاني وهو تنزيل ومدد رباني يتنزل على قلب وروح وفهم وعقل وخاطر وفؤاد من حيا واستيقظ وتيقظ من ضغط عقول أهل الظاهر والقول المكرر الفاسد الذي يقصدون به البلادة والاطاعة.. فمن تحرر عقله وفكره تحررت روحه من سجن القول الظاهر والفكر العقيم وسجن الكلمات الرنانة والمتوددة للعاطفة والجمل التي تجعله مسجون داخل نفسه اللوامة وتحرم عليه كل ما أحل الله بسبب اتباع النصوص دون استخدام العقل في تنقيحها وتمحيصها وهذا يكون كمن دخل جلباب تم خياطته له قبل أن يولد.. فمن انسلخ من جلباب النفس اللوامة ودخل إلى نور هذا العلم إن كان سعيدا وله حظ في الدنيا ووجد المرشد أو الدليل الباطني أو الناطق بالحق الذي يوصله إلى بوابات الحقيقة فيكون بأمره تعالى مريدا لها ومستمدا من حكمتها.. فإنه يكون في عداد من كان ميتا وتم احياؤه أو كمن كان نائما فتم إيقاظه..
واعلم باركك الله أن كل الأديان التوحيدية التي تؤمن بالخالق الأعظم والإله الأوحد مردها كاملة ومرجعها إلى رسول الله إبراهيم عليه السلام فهو منارة دين التوحيد و قبله كان الأنبياء يقومون بالتبليغ و التلقين و كانت تدون في اقوالهم اسفار و حكم و اقوال و حكايات عن الرب واعلم باركك الله تعالى أن البشرية مردها في الزمن القادم والسنوات المقبلات على الاجتماع على ميثاق وليس ديانة هذا الميثاق سيكون موحد ظاهري عالمي جامع وكامل مشتق بشكل جزئي من الديانة الابراهيمية ونصوصها القديمة ويعتمد على القوانيين المدنية والتشريعات الدولية..
أما العلم الباطني في حقيقته هو مشتق قبل ألف سنة من ساداتنا أهل الفكر الأول الذين تعمقوا في فهم كل العلوم و معرفة اسرار كل الحروف و الايات و سخروا ما عرفوا لخدمة العباد و المسلمين هو علم سرائر وخفيات تنبع من القلوب ومرموزات في الواضحات من الأقوال والمكتوبات والأفعال.. والمتكلم بالباطن هو المرشد والناطق العظيم الذي يكون قد جمع بين الفهم الظاهر للحياة والكون وما أراد الله تعالى في هذه البسيطة والفهم بعمق أسرار الأكوان المتوازية بعقل جامع وفهم عميق باطني نوراني.. فإن وصل إلى جمع الحكمة ووعيها وجب عليه أن يكتم ما عرفه وتعلمه ولا يبوح به إلا لأهله ويعلنه ويلقنه ويعمله فقط للذين يفهمون قوله.. فلا يمكن أن تكلم عامة الناس بما يفوق وعيهم وتفكيرهم ولا يمكن لعامة البشر أن يفهم عميق ما يقوله الناطق لهم لأنهم يكونون على ما وجدوا عليه اباءهم و ما تم تلقينهم و تعليمهم إياه و يكون عقلهم مبرمج بشدة على عدم قبول أي فكر أو قول يخالف ما تعلموه و يعتقدون انه شيء من الكفر والزندقة وسيغضب منه الخالق العظيم جل جلاله.. خصوصا في المجتمعات التي بها ضغط كبير من الدين الفقهي النقلي.. حيث لا يوجد العلماء ويوجد فقط الفقهاء المؤطرين لبرمجة والتلاعب بمشاعر المؤمنين وحشو عقولهم بالأقوال التي لا معنى لها والايمان بالتبعية وتربيهم على الخوف وليس المحبة وتكوين التابعين لهم على كراهية الأخرين وبغض الأديان الأخرى ويمنونهم بالحياة الرغيدة والفاخرة بعد الموت على أساس أن يسامحوا ويتغاضوا ويتجاهلوا حقوقهم وهم أحياء ولا يتكلموا فيها ولا يطالبوا بها.. فيفهمونهم أن الدنيا دار الأغنياء والأخرة دار الفقراء... طبعا كل المجتمعات التي تعاني من الكفر الحقيقي بالله و الظلم و القهر سيكون بها نفس ما ذكرت زيادة على اشخاص شبه أموات قد يموتون في سبيل أن يعيش من يضغطون عليهم بالقهر و الفقر و الظلم ..
فكان أن شكل الفكر الباطني النوراني قبل ألف سنة شوكة مسمومة في خاصرة الخلافة العربية التي تناحر سادتها على كرسي الخلافة والتي تم بناؤها على أنقاض الدعوة المحمدية بعد درم الإسلام الحقيقي الذي جاء به سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.. فمباشرة بعد موت رسولنا عليه أزكى الصلوات والسلام بدأ مسلسل قتل كل الخلفاء الذين كانوا يحملون فكره ومباشرة بعد تأسيس الدولة الأموية ظهر هذا الإسلام الجديد الذي لا علاقة له بما أنزل على رسولنا عليه الصلاة والسلام.. حتى اكتملت مملكة بني امية على أنقاض الأعناق المقطوعة والجماجم المحطمة والدماء التي سقت كل أرض الجزيزة العربية وتم استهداف حتى الأشخاص المسالمين في بلاد الاقباط المصريين وبلاد الامازيغ.. لم يكن الهدف من اسالة كل هذه الدماء نشر دين الله ولكن كان هدفها المال والسلطة والمتعة في الحياة الدنيا.. حيث تم اعتبار الإسلام ليس كدين إلهي منزل من العزيز الرحيم ولكن كتنظيم سياسي يتغطى بدين مزيف اسمه أيضا الإسلام – طبعا لا اقصد الإسلام الحقيقي - ويتحصن بفتاوي مخترعة تلائم الحاكم وحاشيته تمت حياكتها من مرتزقة الدين مقابل سلطة دينية ومالية وهذا لا يزال مستمرا إلى يومنا هذا فجميع الحروب التي قامت ما بعد وفاة الرسول عليه السلام كانت نزاع عن كرسي السلطة والمال والملك.. وكل البلدان التي تم احتلالها وقتل رجالها وسبي واستباحه نسائها وبيع أبنائها في أسواق النخاسة كانت من أجل السطو على خيراتها تحت غطاء ادخالهم الإسلام ونشر دين الله.. فبنوا من أموال الغزوات والنهب قصورا وملكوا الضياع والجواري والغلمان وعاقروا الخمور فكان نهارهم تمتع في الصيد وتسابق بالخيل وشراء للجواري من الأسواق وليلهم سمر وغناء ورقص وطرب ومعاقرة للخمور وممارسة للفحش ... وبالتالي صنعوا جنة لهم بالأرض على غرار الجنة التي في السماء بعد الموت حسب فهمهم وسلطوا على الشعوب المقهورة شرذمة من الجند الساديين لا يكادون يفقهون قولا يتم اختيارهم بعناية شديدة من الأشخاص الذين يسيطر عليهم حب التنكيل والتعذيب.. وممن لا يفقهون في دين الله شيئا ويؤمنون بأن ولي نعمتهم هو ربهم وإلههم.. ينكلون بمن طالب بحقه من العامة.. يسجنونه أو يقتلونه.. ويقسمون من قال حسبي الله ونعم الوكيل.. وهذا العار لا يزال في دول العرب والمسلمين إلى اليوم وهو فأصبح سنة للرؤساء والحكام ورثوها من الخلفاء والولاة..
علما أن العامة من الناس أفهمتهم دولهم عبر الخطابات الدينية و الصحفية أن سبب تخلفهم وبلائهم سببه مؤامرة كبيرة من اليهود والنصارى.. أفهمونا هكذا و لا يزال خلق كثير يردد هكذا قول و يكرره في كل مجلس ومجمع وكأنه فعلا الحقيقة المطلقة... والحقيقة أن عدونا الحقيقي هو أنفسنا و بني جلدتنا و رجال الدين الذين سكتوا عن الحق ترهيبا أو ترغيبا فالمؤامرة الحقيقة هي منا و فينا فالدول المتقدمة و المتحضرة التي تسبق العالم العربي و الإسلامي بألف سنة ليست بحاجة إلى هذه المؤامرة على هذا الإسلام لأنهم يعلمون جيدا أن الأسلام الذي بالدول العربية مجرد اسم فقط بل ان المستشرقين الأوائل دخلوا على الخط في صياغة الخطوط العريضة للخريطة الإسلامية الحديثة قبل الف سنة و هم على علم و لهم سهم و نصيب في الخيانة والسرقة التي يتعرض له الوطن العربي
هذه الفكرة الشيطانية كانت هي استغلال قذر لآيات القران الكريم وتفسيرها على غير حقيقتها حيث أن هؤلاء الفقهاء والمفسرون.. رسموا للشعوب العربية المضطهدة أن الحياة الحقيقية التي سيعيشونها هي فقط بعد الموت وأقنعوهم بالمراوغة والدجل الديني بالقبول والتسليم والرضا بضياع حقوقهم ومسامحة الصعاليك والمرتزقة من الحكام واتباعهم واذنابهم وحاشيتهم الناهبين لأقواتهم وأرزاق ابناءهم.. وترك الدنيا ومتاعها وزينتها لهم والرضا والتسليم بالعيش في تعب وفقر وفاقة وجهل ومرض على أن الله سبحانه وتعالى سيعاقب ويحاسب هؤلاء الظالمين وسارقي أرزاق هؤلاء الشعوب في الاخرة بعد أن يموتوا.. و أن الله سبحانه و تعالى سيعوض هؤلاء الفقراء الجوعى والمنهوبين بقدرته تعالى بعد الموت في الأخرة و بالتالي تجد المؤمن بهذه الفكرة الشيطانية في العالم العربي الإسلامي يعيش حياته في دار الدنيا ملعون أبو اللي جابه.. حقوقه منهوبة و مقموع لا يستطيع الكلام أو التعبير عن الظلم الذى يعيش فيه و جاهل لم يجد مدرسة يتعلم فيها و لا يجد مدرسة يتعلم فيها أبناؤه و لا يجد مستشفى يتعالج فيه و لا يجد أمن يحميه من الصعاليك وقطاع الطرق الذين تشجعهم و تسهر على بقائهم الدول المتخلفة والديكتاتورية ولا يجد قضاء عادل ينصفه ومخروب بيت أهله وقد لا يجد حتى ملابس جديدة لأبنائه ولا يجد المال لشراء ما يقتاتون به ويعيش طول حياته في الهم والغم قلبه يعتصر كمدا وحقدا ويتألم فيما يراه من ظلم محيط به و لا يستطيع أن يتكلم فيموت كمدا أو يموت قهرا .. فكانت مهمة الفقهاء أنهم يزيدون في تنويم هذا المواطن المغلوب على أمره ويصبرونه بالوعود مرة أو الوعيد من غضب الحاكم وزمرته تارة أخرى.. يقولون له اصبر فوعد الله سبحانه و تعالى هو الحق وستكون لك الجنة بعد الموت وانهار من خمر وسبعون حورية وغلمان أيضا وكل ما يشتهيه المسكين في دار الدنيا يقولون له ستحصل عليه بعد أن تموت .. المصيبة ان هذا المخروب بيته تجده أول المدافعين على القضايا الوطنية و أول الراكعين للحكام و حاشيتهم و تجدهم من أول المهللين و الداعين بطول العمر والصحة و العافية لهم و تجدهم يهاجمون بعضهم البعض بالقول و التعصب و أحيانا بالضرب عندما تقوم جماعة منهم بطلب حقوقها او تستيقض من نومها .. طبعا مصير من يعارض أو يفكر أو يتكلم أو يستفيق من هذا التنويم الشيطاني في العالم الإسلامي هو السجن أو القتل واتهامه بخيانة الوطن والتأمر على أمن الوطن وربما ألصقوا له تهما حتى إبليس لم يفكر بها ولم تخطر على باله.. هذا كان منذ زمن تأسيس الدولة الاموية إلى يومنا هذا
فبرؤية في أرض الواقع ستجد أن الأمة الإسلامية مشتتة ومفرقة ورزقها منهوب وأغلب افرادها مغربين عن أوطانهم يبحثون عن الحياة الكريمة لهم ولأبنائهم بين الدول التي وصفها رجال الدين بالمغضوب عليهم والضالين والحقيقة أنه لا يوجد مغضوب عليهم ولا ضالين الا نحن العرب والمسلمين في هذه الأرض.. فهذه الدولة التي وصفها رجال الدين بالمغضوب عليهم والضالين عرفت ان من التجأ اليها مضطهد في حريته ومسروق له رزقه في بلده فساندته ونصفته فوق ارضها وعالجته من أموالها ووفرت له الأمان و وفرت لأبنائه الدراسة والحياة التي بها الحرية.. ولم تسجنه أو تضطهد ظلما وعدوانا..
و الواقع أن سادتنا أهل الطريق الباطني قبل ألف سنة كان لهم التمكين من الله تعالى في أخد حقوقهم بأيديهم من الحكام السلاجقة و العباسيون والفاطميون فكانوا يصادرون قوافل الجبايات و الضرائب التي كانت تجمع من المدن و البلدان ويعيدون توزيعها على الفقراء والمحتاجين ويأخذون من الغني المحتكر لأرزاق الفقراء ليشبعوا المضطهدين والمنكوبين و الجائعين و كان السادة الباطنيين أول من حرروا العبيد و الجواري و هدموا أسواق النخاسة و حرروا الغلمان الذين كانوا يخصونهم و يستعبدونهم و أبادوا القضاة و الحكام و الولاة ممن كانوا يحكمون بغير حق وعلموا الناس دين الإسلام الحقيقي الذى جاء به سيدنا عليه الصلاة و الصلاة واحترموا و رفعوا قيمة الأطباء والحكماء والفلاسفة وهذا اغضب منهم الصعاليك الذين كانوا يستولون على الحكم بالقتل و المراوغة .. فوضع هؤلاء الحكام أهل الباطن على قائمة المحاربين لهم و جندوا فقهاءهم للخروج بفتاوي وكتب تحذر منهم وادعوا أن أهل الباطن هم مجوس وعبد النار ويهود ومارقين وخارجين عن الدين وشجعوا أئمة المساجد على محاربتهم من على المنابر وفي الأسواق ..
ونحن لا يهمنا شيء في السياسة وأهلها خصوصا في هذا الزمان.. ولكن فقط تبيان الحقيقة المقالة عن سادتنا أهل الطائفة الباطنية وإزلة التهم عن أشخاصهم وأنهم فقط كانوا يطبقون شرع الله في من عصى أمر الله.. وحقيقة العقيدة الباطنية كانت ولا تزال حركة إصلاحية هدفها الإصلاح الشامل للعقيدة والايمان والحقوق والميزان والعدل لكل أجزاء المجتمع مع اتفاقها مع جميع المعتقدات والمشارب..
فكان من أهم أولويات أئمة العلم الباطني النوراني رفع همم المريدين لعابري السبيل من الاخوة الباطنيين والواجبات المنوطة بهم في فهم الأسرار الحياتية والدينية والروحية على حقيقتها الحقيقية بدون زيف أو خداع أو بهتان وبالتالي هدم وانهاء ومحاربة كل الأفكار التي تحد من حرية الأشخاص أو تستهدف أرواحهم أو حرياتهم أو أرزاقهم أو صحتهم أو أمنهم أو حرياتهم الدينية أو معتقداتهم أو حرياتهم الفردية والجسدية والروحانية.. و قد أخدوا تأويل القران الكريم من أئمة الباطن كابن عربي وابن سبعين و علوم الفكر و الفلسفة من الأولين كابن سينا وأفلاطون والعلوم السابقة الخفية التي بها أسرار السابقين وحضاراتهم و اهتموا بعلم الفلك والطب والخرائط والعمارة والهندسة واللغات فكان أئمة العلوم الباطنية من العلماء الذين لا يشق لهم غبار في أي مجال وكانوا يجوبون الأرض من الأندلس إلى بلاد الهند عبر فارس و تبريز ودمشق والقسطنطينية وانشؤوا المساجد والذكر الحقيقي لله وعلموا الفكر الصوفي الباطني لعدد كبير من المريدين خصوصا في تركيا وبلاد فارس والعراق ووصل فكرهم إلى الاندلس وبلاد المغرب عن طريق خدام هذا العلم مع الدولة الفاطمية بعد ظهور دعوة عبيد الله بن المهدي أو المعروف بالقداح في الشام و وصولها إلى المغرب الأقصى .. حيث أن كل أركان الدولة الفاطمية كانوا من أهل الباطن النوراني سواء من المؤرخين أو أصحاب المواقيت الفلكية أو العمارة والهندسة وغيره..
بمباركة من مولانا و شيخنا و مرشدنا و ناطقنا المبارك قدس الله سره الشريف ..شيخ و مرشد الطريقة الباطنية مولانا المهدي نفتتح هذا القسم ..
ما هو علم الباطن ؟
من أعظم وأجل أسماء الخالق العظيم لهذا الكون اسمه تعالى الباطن.. قال تعالى هو الأول والآخر والظاهر والباطن، والمعنى أنه جل وعلا.. المحتجب عن أبصار الخلائق وسائر ما أوجد في هذه الأكوان من أجساد وأرواح وأفهام وعقول وقوى الأوهام العاقلة أو العابثة.. فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم أو فهم أو اثير أو أي عقل من العقول وتحير في تحليل نوره الأفهام والادراكات..
فعقولنا نحن البشر ومدى فهمنا وادراكنا يعتبر صغيرا جدا لوعي وفهم والتحقق مما حولنا وجمع حقيقته.. و أفهامنا محدودة في إدراك الحقائق الملكوتية إلا إذا بلغنا مقامات فتحية وفهمية.. تفوق مستوى الفهم الأحادي في هذه الحياة.. حينها فقط نستطيع ان نفهم معنى تواجدنا في هذا الكون لمدة محددة و نجيب على أسئلة كثيرة قد تحيرنا و لكن سنفهمها و نفهم سرها ..
أما ما يهمنا من هذا الموضوع فهو فهم سر علم الباطن وفهم معناه الحقيقي ومعرفة مصدر العلوم الباطنية وأصولها وقوانينها المعلومة أو السرية.. لأن كثرة القيل والقال قد تحبط عزم المريد والسالك في هذا الطريق خصوصا وأن أهل التحليل والتحريم ينطحون بلا قرون ويجرمون بدون شاهد ويحرمون بلا عقل..
فنقول وبالله تعالى التوفيق.. العلم الباطني هو علم العرفان الروحاني وهو تنزيل ومدد رباني يتنزل على قلب وروح وفهم وعقل وخاطر وفؤاد من حيا واستيقظ وتيقظ من ضغط عقول أهل الظاهر والقول المكرر الفاسد الذي يقصدون به البلادة والاطاعة.. فمن تحرر عقله وفكره تحررت روحه من سجن القول الظاهر والفكر العقيم وسجن الكلمات الرنانة والمتوددة للعاطفة والجمل التي تجعله مسجون داخل نفسه اللوامة وتحرم عليه كل ما أحل الله بسبب اتباع النصوص دون استخدام العقل في تنقيحها وتمحيصها وهذا يكون كمن دخل جلباب تم خياطته له قبل أن يولد.. فمن انسلخ من جلباب النفس اللوامة ودخل إلى نور هذا العلم إن كان سعيدا وله حظ في الدنيا ووجد المرشد أو الدليل الباطني أو الناطق بالحق الذي يوصله إلى بوابات الحقيقة فيكون بأمره تعالى مريدا لها ومستمدا من حكمتها.. فإنه يكون في عداد من كان ميتا وتم احياؤه أو كمن كان نائما فتم إيقاظه..
واعلم باركك الله أن كل الأديان التوحيدية التي تؤمن بالخالق الأعظم والإله الأوحد مردها كاملة ومرجعها إلى رسول الله إبراهيم عليه السلام فهو منارة دين التوحيد و قبله كان الأنبياء يقومون بالتبليغ و التلقين و كانت تدون في اقوالهم اسفار و حكم و اقوال و حكايات عن الرب واعلم باركك الله تعالى أن البشرية مردها في الزمن القادم والسنوات المقبلات على الاجتماع على ميثاق وليس ديانة هذا الميثاق سيكون موحد ظاهري عالمي جامع وكامل مشتق بشكل جزئي من الديانة الابراهيمية ونصوصها القديمة ويعتمد على القوانيين المدنية والتشريعات الدولية..
أما العلم الباطني في حقيقته هو مشتق قبل ألف سنة من ساداتنا أهل الفكر الأول الذين تعمقوا في فهم كل العلوم و معرفة اسرار كل الحروف و الايات و سخروا ما عرفوا لخدمة العباد و المسلمين هو علم سرائر وخفيات تنبع من القلوب ومرموزات في الواضحات من الأقوال والمكتوبات والأفعال.. والمتكلم بالباطن هو المرشد والناطق العظيم الذي يكون قد جمع بين الفهم الظاهر للحياة والكون وما أراد الله تعالى في هذه البسيطة والفهم بعمق أسرار الأكوان المتوازية بعقل جامع وفهم عميق باطني نوراني.. فإن وصل إلى جمع الحكمة ووعيها وجب عليه أن يكتم ما عرفه وتعلمه ولا يبوح به إلا لأهله ويعلنه ويلقنه ويعمله فقط للذين يفهمون قوله.. فلا يمكن أن تكلم عامة الناس بما يفوق وعيهم وتفكيرهم ولا يمكن لعامة البشر أن يفهم عميق ما يقوله الناطق لهم لأنهم يكونون على ما وجدوا عليه اباءهم و ما تم تلقينهم و تعليمهم إياه و يكون عقلهم مبرمج بشدة على عدم قبول أي فكر أو قول يخالف ما تعلموه و يعتقدون انه شيء من الكفر والزندقة وسيغضب منه الخالق العظيم جل جلاله.. خصوصا في المجتمعات التي بها ضغط كبير من الدين الفقهي النقلي.. حيث لا يوجد العلماء ويوجد فقط الفقهاء المؤطرين لبرمجة والتلاعب بمشاعر المؤمنين وحشو عقولهم بالأقوال التي لا معنى لها والايمان بالتبعية وتربيهم على الخوف وليس المحبة وتكوين التابعين لهم على كراهية الأخرين وبغض الأديان الأخرى ويمنونهم بالحياة الرغيدة والفاخرة بعد الموت على أساس أن يسامحوا ويتغاضوا ويتجاهلوا حقوقهم وهم أحياء ولا يتكلموا فيها ولا يطالبوا بها.. فيفهمونهم أن الدنيا دار الأغنياء والأخرة دار الفقراء... طبعا كل المجتمعات التي تعاني من الكفر الحقيقي بالله و الظلم و القهر سيكون بها نفس ما ذكرت زيادة على اشخاص شبه أموات قد يموتون في سبيل أن يعيش من يضغطون عليهم بالقهر و الفقر و الظلم ..
فكان أن شكل الفكر الباطني النوراني قبل ألف سنة شوكة مسمومة في خاصرة الخلافة العربية التي تناحر سادتها على كرسي الخلافة والتي تم بناؤها على أنقاض الدعوة المحمدية بعد درم الإسلام الحقيقي الذي جاء به سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.. فمباشرة بعد موت رسولنا عليه أزكى الصلوات والسلام بدأ مسلسل قتل كل الخلفاء الذين كانوا يحملون فكره ومباشرة بعد تأسيس الدولة الأموية ظهر هذا الإسلام الجديد الذي لا علاقة له بما أنزل على رسولنا عليه الصلاة والسلام.. حتى اكتملت مملكة بني امية على أنقاض الأعناق المقطوعة والجماجم المحطمة والدماء التي سقت كل أرض الجزيزة العربية وتم استهداف حتى الأشخاص المسالمين في بلاد الاقباط المصريين وبلاد الامازيغ.. لم يكن الهدف من اسالة كل هذه الدماء نشر دين الله ولكن كان هدفها المال والسلطة والمتعة في الحياة الدنيا.. حيث تم اعتبار الإسلام ليس كدين إلهي منزل من العزيز الرحيم ولكن كتنظيم سياسي يتغطى بدين مزيف اسمه أيضا الإسلام – طبعا لا اقصد الإسلام الحقيقي - ويتحصن بفتاوي مخترعة تلائم الحاكم وحاشيته تمت حياكتها من مرتزقة الدين مقابل سلطة دينية ومالية وهذا لا يزال مستمرا إلى يومنا هذا فجميع الحروب التي قامت ما بعد وفاة الرسول عليه السلام كانت نزاع عن كرسي السلطة والمال والملك.. وكل البلدان التي تم احتلالها وقتل رجالها وسبي واستباحه نسائها وبيع أبنائها في أسواق النخاسة كانت من أجل السطو على خيراتها تحت غطاء ادخالهم الإسلام ونشر دين الله.. فبنوا من أموال الغزوات والنهب قصورا وملكوا الضياع والجواري والغلمان وعاقروا الخمور فكان نهارهم تمتع في الصيد وتسابق بالخيل وشراء للجواري من الأسواق وليلهم سمر وغناء ورقص وطرب ومعاقرة للخمور وممارسة للفحش ... وبالتالي صنعوا جنة لهم بالأرض على غرار الجنة التي في السماء بعد الموت حسب فهمهم وسلطوا على الشعوب المقهورة شرذمة من الجند الساديين لا يكادون يفقهون قولا يتم اختيارهم بعناية شديدة من الأشخاص الذين يسيطر عليهم حب التنكيل والتعذيب.. وممن لا يفقهون في دين الله شيئا ويؤمنون بأن ولي نعمتهم هو ربهم وإلههم.. ينكلون بمن طالب بحقه من العامة.. يسجنونه أو يقتلونه.. ويقسمون من قال حسبي الله ونعم الوكيل.. وهذا العار لا يزال في دول العرب والمسلمين إلى اليوم وهو فأصبح سنة للرؤساء والحكام ورثوها من الخلفاء والولاة..
علما أن العامة من الناس أفهمتهم دولهم عبر الخطابات الدينية و الصحفية أن سبب تخلفهم وبلائهم سببه مؤامرة كبيرة من اليهود والنصارى.. أفهمونا هكذا و لا يزال خلق كثير يردد هكذا قول و يكرره في كل مجلس ومجمع وكأنه فعلا الحقيقة المطلقة... والحقيقة أن عدونا الحقيقي هو أنفسنا و بني جلدتنا و رجال الدين الذين سكتوا عن الحق ترهيبا أو ترغيبا فالمؤامرة الحقيقة هي منا و فينا فالدول المتقدمة و المتحضرة التي تسبق العالم العربي و الإسلامي بألف سنة ليست بحاجة إلى هذه المؤامرة على هذا الإسلام لأنهم يعلمون جيدا أن الأسلام الذي بالدول العربية مجرد اسم فقط بل ان المستشرقين الأوائل دخلوا على الخط في صياغة الخطوط العريضة للخريطة الإسلامية الحديثة قبل الف سنة و هم على علم و لهم سهم و نصيب في الخيانة والسرقة التي يتعرض له الوطن العربي
هذه الفكرة الشيطانية كانت هي استغلال قذر لآيات القران الكريم وتفسيرها على غير حقيقتها حيث أن هؤلاء الفقهاء والمفسرون.. رسموا للشعوب العربية المضطهدة أن الحياة الحقيقية التي سيعيشونها هي فقط بعد الموت وأقنعوهم بالمراوغة والدجل الديني بالقبول والتسليم والرضا بضياع حقوقهم ومسامحة الصعاليك والمرتزقة من الحكام واتباعهم واذنابهم وحاشيتهم الناهبين لأقواتهم وأرزاق ابناءهم.. وترك الدنيا ومتاعها وزينتها لهم والرضا والتسليم بالعيش في تعب وفقر وفاقة وجهل ومرض على أن الله سبحانه وتعالى سيعاقب ويحاسب هؤلاء الظالمين وسارقي أرزاق هؤلاء الشعوب في الاخرة بعد أن يموتوا.. و أن الله سبحانه و تعالى سيعوض هؤلاء الفقراء الجوعى والمنهوبين بقدرته تعالى بعد الموت في الأخرة و بالتالي تجد المؤمن بهذه الفكرة الشيطانية في العالم العربي الإسلامي يعيش حياته في دار الدنيا ملعون أبو اللي جابه.. حقوقه منهوبة و مقموع لا يستطيع الكلام أو التعبير عن الظلم الذى يعيش فيه و جاهل لم يجد مدرسة يتعلم فيها و لا يجد مدرسة يتعلم فيها أبناؤه و لا يجد مستشفى يتعالج فيه و لا يجد أمن يحميه من الصعاليك وقطاع الطرق الذين تشجعهم و تسهر على بقائهم الدول المتخلفة والديكتاتورية ولا يجد قضاء عادل ينصفه ومخروب بيت أهله وقد لا يجد حتى ملابس جديدة لأبنائه ولا يجد المال لشراء ما يقتاتون به ويعيش طول حياته في الهم والغم قلبه يعتصر كمدا وحقدا ويتألم فيما يراه من ظلم محيط به و لا يستطيع أن يتكلم فيموت كمدا أو يموت قهرا .. فكانت مهمة الفقهاء أنهم يزيدون في تنويم هذا المواطن المغلوب على أمره ويصبرونه بالوعود مرة أو الوعيد من غضب الحاكم وزمرته تارة أخرى.. يقولون له اصبر فوعد الله سبحانه و تعالى هو الحق وستكون لك الجنة بعد الموت وانهار من خمر وسبعون حورية وغلمان أيضا وكل ما يشتهيه المسكين في دار الدنيا يقولون له ستحصل عليه بعد أن تموت .. المصيبة ان هذا المخروب بيته تجده أول المدافعين على القضايا الوطنية و أول الراكعين للحكام و حاشيتهم و تجدهم من أول المهللين و الداعين بطول العمر والصحة و العافية لهم و تجدهم يهاجمون بعضهم البعض بالقول و التعصب و أحيانا بالضرب عندما تقوم جماعة منهم بطلب حقوقها او تستيقض من نومها .. طبعا مصير من يعارض أو يفكر أو يتكلم أو يستفيق من هذا التنويم الشيطاني في العالم الإسلامي هو السجن أو القتل واتهامه بخيانة الوطن والتأمر على أمن الوطن وربما ألصقوا له تهما حتى إبليس لم يفكر بها ولم تخطر على باله.. هذا كان منذ زمن تأسيس الدولة الاموية إلى يومنا هذا
فبرؤية في أرض الواقع ستجد أن الأمة الإسلامية مشتتة ومفرقة ورزقها منهوب وأغلب افرادها مغربين عن أوطانهم يبحثون عن الحياة الكريمة لهم ولأبنائهم بين الدول التي وصفها رجال الدين بالمغضوب عليهم والضالين والحقيقة أنه لا يوجد مغضوب عليهم ولا ضالين الا نحن العرب والمسلمين في هذه الأرض.. فهذه الدولة التي وصفها رجال الدين بالمغضوب عليهم والضالين عرفت ان من التجأ اليها مضطهد في حريته ومسروق له رزقه في بلده فساندته ونصفته فوق ارضها وعالجته من أموالها ووفرت له الأمان و وفرت لأبنائه الدراسة والحياة التي بها الحرية.. ولم تسجنه أو تضطهد ظلما وعدوانا..
و الواقع أن سادتنا أهل الطريق الباطني قبل ألف سنة كان لهم التمكين من الله تعالى في أخد حقوقهم بأيديهم من الحكام السلاجقة و العباسيون والفاطميون فكانوا يصادرون قوافل الجبايات و الضرائب التي كانت تجمع من المدن و البلدان ويعيدون توزيعها على الفقراء والمحتاجين ويأخذون من الغني المحتكر لأرزاق الفقراء ليشبعوا المضطهدين والمنكوبين و الجائعين و كان السادة الباطنيين أول من حرروا العبيد و الجواري و هدموا أسواق النخاسة و حرروا الغلمان الذين كانوا يخصونهم و يستعبدونهم و أبادوا القضاة و الحكام و الولاة ممن كانوا يحكمون بغير حق وعلموا الناس دين الإسلام الحقيقي الذى جاء به سيدنا عليه الصلاة و الصلاة واحترموا و رفعوا قيمة الأطباء والحكماء والفلاسفة وهذا اغضب منهم الصعاليك الذين كانوا يستولون على الحكم بالقتل و المراوغة .. فوضع هؤلاء الحكام أهل الباطن على قائمة المحاربين لهم و جندوا فقهاءهم للخروج بفتاوي وكتب تحذر منهم وادعوا أن أهل الباطن هم مجوس وعبد النار ويهود ومارقين وخارجين عن الدين وشجعوا أئمة المساجد على محاربتهم من على المنابر وفي الأسواق ..
ونحن لا يهمنا شيء في السياسة وأهلها خصوصا في هذا الزمان.. ولكن فقط تبيان الحقيقة المقالة عن سادتنا أهل الطائفة الباطنية وإزلة التهم عن أشخاصهم وأنهم فقط كانوا يطبقون شرع الله في من عصى أمر الله.. وحقيقة العقيدة الباطنية كانت ولا تزال حركة إصلاحية هدفها الإصلاح الشامل للعقيدة والايمان والحقوق والميزان والعدل لكل أجزاء المجتمع مع اتفاقها مع جميع المعتقدات والمشارب..
فكان من أهم أولويات أئمة العلم الباطني النوراني رفع همم المريدين لعابري السبيل من الاخوة الباطنيين والواجبات المنوطة بهم في فهم الأسرار الحياتية والدينية والروحية على حقيقتها الحقيقية بدون زيف أو خداع أو بهتان وبالتالي هدم وانهاء ومحاربة كل الأفكار التي تحد من حرية الأشخاص أو تستهدف أرواحهم أو حرياتهم أو أرزاقهم أو صحتهم أو أمنهم أو حرياتهم الدينية أو معتقداتهم أو حرياتهم الفردية والجسدية والروحانية.. و قد أخدوا تأويل القران الكريم من أئمة الباطن كابن عربي وابن سبعين و علوم الفكر و الفلسفة من الأولين كابن سينا وأفلاطون والعلوم السابقة الخفية التي بها أسرار السابقين وحضاراتهم و اهتموا بعلم الفلك والطب والخرائط والعمارة والهندسة واللغات فكان أئمة العلوم الباطنية من العلماء الذين لا يشق لهم غبار في أي مجال وكانوا يجوبون الأرض من الأندلس إلى بلاد الهند عبر فارس و تبريز ودمشق والقسطنطينية وانشؤوا المساجد والذكر الحقيقي لله وعلموا الفكر الصوفي الباطني لعدد كبير من المريدين خصوصا في تركيا وبلاد فارس والعراق ووصل فكرهم إلى الاندلس وبلاد المغرب عن طريق خدام هذا العلم مع الدولة الفاطمية بعد ظهور دعوة عبيد الله بن المهدي أو المعروف بالقداح في الشام و وصولها إلى المغرب الأقصى .. حيث أن كل أركان الدولة الفاطمية كانوا من أهل الباطن النوراني سواء من المؤرخين أو أصحاب المواقيت الفلكية أو العمارة والهندسة وغيره..