شيخ الأسرار الباطنية
11-06-2011, 12:38
مفهوم الثقب الأسود مهم جداً لفهم كلام الأنبياء!!!
إن النجمة تعيش لملايين وبلايين السنين لكن يوماً ما لا بد أن تموت... كل شيء يولد لا بد أن يموت لا محالة، وهذا هو الإنسان.. يعيش سبعين سنة ثم ماذا يحصل؟
يتعب وتضعف قوته ويختفي النور... يعود إلى أصله الموحد بالجذور...
إذاً الموت سوف يحدث لكل شيء عاجلاً أم آجلاً... الجبال العالية ستصير سهولاً منبسطة وحتى الأرض هذه البسيطة ستزول بكاملها وكل مَن عليها فانٍ...
شمسنا ستختفي أيضاً، لكن عندما تختفي نجمة كبيرة، فأين ستختفي؟
سوف تنطوي وتختفي ضمن ذاتها، لديها كتلة هائلة من الوزن والطاقة لكنها ستنهار.. مثل رجل عجوز يسير في الشارع وفجأة يقع ميتاً، وإذا بقي جسده ملقى على الأرض فسوف يتحلل ويتحول إلى طين وتراب، حتى عظامه ستصبح غباراً منثوراً... يوماً ما كان ذلك الرجل يعيش وينمو، يمشي ويحب ويقاتل، والآن كل هذا تحول إلى ثقب أسود!... هذا ما يحدث للنجمة:
تختفي النجمة في ذاتها وتتحول إلى ثقب أسود.. لماذا هذا الاسم: الثقب الأسود؟
لأنه الآن لم يبقى فيها أي شيء ملموس أو منظور.. مجرد خلاء نقي... وهذا ما يسميه الأولياء: الفناء.....
هذا الفناء في السماء قوي جداً، بحيث إذا مررتَ بتأثيره أو بالقرب منه سوف يسحبك إليه، وسوف تختفي وتفنى فيه أيضاً.
بالنسبة للرحلات الفضائية سيكون هذا مشكلة مستقبلية كبيرة، هناك عدة نجوم انفجرت متحولة إلى ثقوب سوداء، ولا يمكنك رؤيتها لأنها لا شيء.
لا يمكن رؤيتها لكنك قد تمرّ عبرها، وإذا مرّت سفينة فضائية بالقرب منها فسوف تُسحب إليها دون أي سبيل للعودة منها... ولن تسمع أي إشارة من هذه السفينة بعد تلك اللحظة، لا أين ذهبت ولا ماذا حصل لركابها.
هذا الثقب الأسود مماثل جداً للفناء... كل الأشياء تنهار وتختفي متحولة إلى ظلام، وبعدها بعد أن ترتاح لمدة طويلة تعود لتظهر من جديد، وتولد نجمة جديدة...
وهذا يستمر للأبد: حياة ثم موت... موت ثم حياة... ويستمر الكون بالتكون.
الفناء أولاً يتجسد في الشيء، ثم يتعب الشيء فيذهب إلى الفناء ويسترجع طاقته من الراحة والاسترخاء، فيعود من جديد إلى الظهور...
أنت تعمل طوال النهار وتصبح متعباً، في الليل تختفي في نومك في الموت الأصغر وتتحول إلى ثقب أسود مصغّر، تطفئ الإضاءة وتختفي تحت غطائك مغمض العينين، وفي بضعة دقائق يختفي الوعي... لقد اختفيت في ذاتك.. وهناك لحظات حتى الأحلام تختفي فيها ويكون النوم أعمق ما يكون، في هذا النوم أنت في ثقب أسود وكأنك ميت، من هنا نقول هذا الموت الأصغر.
في هذه اللحظة أنت تعيش الموت وترتاح فيه... وفي الصباح تعود من جديد إلى الحياة ممتلئاً بالنشاط والحيوية والطاقة... وإذا كان نومك جيداً وعميقاً دون أحلام سيكون الصباح نشيطاً جداً ومشعاً بالنور كأنك عدتَ إلى أيام الشباب.
إذا كنت تعرف كيف تنام بعمق، ستستطيع شحن نفسك وتجديد جسدك كل مرة..
ثم في المساء تعود للتعب والانهيار من تعب النهار...
تماماً ذات الشيء يحدث لكل شيء... الإنسان نموذج مصغّر عن الكون وفيه انطوى العالم الأكبر... وما يحصل للإنسان يحصل لكل الأكوان على مقياس أكبر.
كل مساء تختفي في الفناء، وكل صباح تعود لتظهر في عالم الأشياء... شيء ثم لا شيء، ثم شيء ثم لا شيء، وتستمر الحياة بالانتقال بين الطرفين....
إنك لست بحاجة لعمل أي فعل.. الفهم فقط هو المطلوب.. وهذه عبرة جوهرية يمكنها تغيير كامل حياتك إذا استطعت رؤيتها ببصيرتك.
كل شيء نور من نور... لم يظهر ولم يزول...
ليس طاهراً ولا نجساً، ليس مكتملاً ولا ناقصاً...
الله نور السموات والأرض، وأنتم نور من نور...
لم يقم أحد بصنع الأشياء ولا بإيقافها عن الوجود... وستسألونني هنا: لكن ألا يوجد خالق يتحكم ويخلق ويُميت كما يشاء؟؟؟
ارجعوا إلى أسماء الله واقرؤوها بالبصيرة.. الأول والآخر، الظاهر والباطن، الرحمن والمنتقم.. الحقيقة فوق مستوى الثنائيات... فوق مستوى إدراكنا الجزئي للأحداث، فوق الأفكار كلها... ووصولك إلى الله أو الحقيقة ليس محصوراً بمعتقد معين، خلق الخالق طرقاً بعدد ما خلق من خلق... حتى الاعتقاد بالله أو أي معتقد غالباً قد يكون عائقاً وليس إلزامياً للوصول... وهؤلاء عدة حكماء من الشرق مثل بودا وغيره، لم يحتاجوا حتى لـ "فكرة وجود الله" أو "وجود خالق متحكم ومسيطر كشخص"، بل اكتشفوا عملية الخلق والإبداع الأقرب من حبل الوريد في كل الخلق... كيف يكون هناك خالق ومخلوق منفصلين وبينهما كل هذا الحب والشوق والتوحّد؟؟ هذا يسبب فرضية متناقضة لا داعي لها... الألوهية ستحدث في قلبك طبيعياً من تلقاء نفسها، دون أن يزرعها أحد فيك...
نور من نور، يهدي الله إلى نوره مَن يشاء... الإنسان الذي يشاء الهداية تأتيه الهداية من حيث لا يدري، أي من قلبه... ليس "الله" كما نفهم بالفهم السطحي هو الذي قرر في البداية أن يخلق النور والهداية، فظهر النور في الأرض... ثم في أحد الأيام يقرر إخفاء النور فيختفي وينتهي كل شيء... صح، يُحيي ويُميت وهو على كل شيء قدير، لكن لأنه قدير فهذا فوق التفسير، ليس كشخص يفكر ويقرر ويغضب ويدمر... الحقيقة أعلى من ألعاب وانفعالات الأطفال...
لماذا نفهم الله على هوانا ونقحمه في كل أمورنا ونعمل منه تعليقة لكل جهلنا ومصائبنا؟؟؟ لماذا نتعبه معنا!! يوماً ما يخلق هذا الإنسان ويكافئه، ويوماً آخر يميته ويحاسبه ويخفيه، ثم يعود ويحييه... فكّر فقط بهذا العمل المتواصل على ملايين الناس؟
العارفون بالله يرحمونك ويريحونك من كل هذه الاعتقادات.... ويعيدونك إلى الطبيعة، إلى دين الفطرة الواحد لا إلى أدياااااان الفكرة المتعددة... انظر بعين الطبيعة إلى الأشجار التي تنتج البذور ثم البذور التي تنتج الأشجار من جديد وهكذا.. ما هي البذرة؟؟؟
البذرة هي اختفاء الشجرة...... انتقالها من الشكل إلى اللاشكل...
يمكنك حمل بذرة في جيبك بل آلاف البذور، لكن لا يمكن حمل شجرة!
الشجرة لديها أغصان وفروع وأوراق وساق وجذور، أما البذرة فشيء صغير يكاد لا يُرى... ولو أنك لم تكن تعلم أن هذه البذرة التافهة ستتحول إلى شجرة، فلن تصدّق أبداً هذا السحر العجيب الذي يحوّل البذرة إلى شجرة تحمل مئات الثمار والأزهار كل سنة... لكنك تعلم علم اليقين بهذا السحر المُبين... من البيان لسحرا... لذلك فأنت لا تولي أي اهتمام لهذا الموضوع.
تحوّل البذرة إلى شجرة معجزة بحدّ ذاتها... البذرة الصغيرة تحمل كل معلومات الشجرة وأوراقها وثمارها وكل أجزائها... بتفاصيل مذهلة لم يستطع العلم كشفها حتى اليوم...
يقول العلماء أن بذرة واحدة قادرة على جعل الأرض بكاملها خضراء... البذرة فيها طاقة كامنة مذهلة، ليست قادرة على ملئ الأرض فحسب بل الكواكب كلها..
الكون كله يمكن أن يولد من بذرة واحدة... هذه البذرة الضئيلة عظيمة القدرة... هذا الفناء الهزيل قوي جداً وضخم الإمكانيات وغير محدود!
يقول العارفون أنه لا يوجد أي شخص يخلق الوجود ولا أحد يوقفه... ولا حاجة للذهاب إلى المعابد للصلاة والدعاء والطلب المتواصل من الله: يا الله افعل هذا، ولا تفعل هذا!!... لا يوجد أحد ولا أحد سيستجيب لمثل هذا الدعاء لأنه مجرد رياء وغباء...
ما هي الرسالة وراء هذا الكلام؟؟
هل هو مجرد تحدّي وتشويش للمعتقدات المنتشرة بين العموم كما قد يشك البعض ويرجم؟؟؟؟
أبداً.... المقصود بين السطور أن يحلّ الرضى والتسليم في الصدور...
ألم نشرح لك صدرك؟... اقبَل كل الأشياء كما هي فهذه طبيعتها دون بداية ولا نهاية... تأتي وتختفي كشيء طبيعي لا يحتاج منك كثيراً من التفسير والتحليل....
في هذا الرضى، في التسليم لشيئية الأشياء والمشيئة الكونية، ستختفي كل المشاكل وكل ما يقلق حياتك... لا يمكن إيقاف شيء ولا تغييره ولا إنتاجه من جديد... الأشياء كما هي من الله وإلى الله، لذلك ليس عليك القيام بشيء.. أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد... وهو الفعل الأكبر الله أكبر، لا فاعل أكبر أو أصغر من فاعل آخر....
تستطيع الشهادة على الأشياء وحدوثها... وتستطيع المشاركة معها والسباحة في نهر تغيراتها والتغيير نظام ثابت... عندما تكون في سكون هذا الكون الداخلي سيكون هناك فرح عظيم... وهذا السكون هو الحرية الحقيقية.
في الحياة كل شيء نور... ليس طاهراً ولا نجساً... ولا يوجد كذلك إنسان خاطئ إبليس ولا إنسان صحيح وقديس...
البصيرة هي الثورة المنيرة: ترى الأشياء بنور الله كما هي، لا كما يفسرها الفكر ويصنفها حسب فكرة الطهارة، فتأتي معها فكرة النجاسة... نصنع فكرة القديس المتديّن فنجد ظهور الشرير الكافر...
هل تريد أن يختفي الأشرار والمخطئون من الحياة؟
قال الحبيب: يا أيها الكافرون، لكم دينكم ولي ديني... هذا القبول والرحمة هو السر... لا يمكن أن يختفي المذنبون الضالّون إلا عندما يختفي القديسون ومن يسمّون أنفسهم أصحاب الأديان... إنهم يتواجدون معاً كوجهين لعملة واحدة...
هل تريد أن يختفي الشر والفسق والفجور من الأرض؟
إذاً يجب على الأخلاق وفرضها أن تزول..... الأخلاق هي التي تصنع عدم الالتزام بالأخلاق... المثل والقيم الأخلاقية هي التي تسبب الإدانة لبعض الناس الذين لا يستطيعون الالتزام بها، لا يستطيعون السير والحياة معها... ويمكنك جعل أي شيء غير أخلاقي وحرام: فقط قم بنشر فكرة أن "هذا شيء أخلاقي وحلال"...!!!
يمكنك تقديس أي شيء، وراقب كيف يصبح مشكلة كبيرة وفرصة لتنجيسه أو الكفر به... يمكنك تحريم أي شيء، وراقب كيف يصبح الممنوع مسموح ومرغوب وموجود...
البصيرة ترى الحقيقة، دون تقديس ولا تنجيس، دون إعجاب ولا إدانة... الحلال والحرام أو الطهارة والنجاسة كلها مواقف فكرية.. هل يمكن أن تقول عن الشجرة أنها حلال أم حرام؟ هل يمكن أن تقول عن العصفور أنه مؤمن طاهر أم كافر عاهر؟؟؟؟ حاول أن ترى الآن بهذه النظرة التجاوزية: لا خطأ ولا صح... لا مُسيء ولا محسن.. لا شيء حلال ولا شيء حرام..... في هذا القبول اللامشروط أين هي إمكانية تشكل القلق أو أي مشكلة لديك؟؟؟
هذا الرضى هو جنة أخاذة بحد ذاته ولا يمكنك حتى أن تحسنها أو تزينها... ولا يوجد أي هدف لتحققه، لأنه من الأساس لا يوجد أي قيمة لأي عمل... وما خلقتُ الجنّ والإنسَ إلا للعبادة والتعبّد.. الرحلة رحلة داخلية دون هدف.. هدفها الرحلة نفسها، الحياة لعبة لا علبة... ولا يوجد أحد يؤديها أو يوجهها من وراء الكواليس.. كل شيء يحدث دون أن يقوم به أحد... الله فعل وليس اسم أو فاعل... إذا كان الفاعل موجوداً ستظهر المشاكل: عندها ابدأ بالصلاة له وقم بملاحقته بالدعاء والطلبات وتقرّب منه ليحبك ويحقق طلباتك، وهذا الفاعل سيساعد كل محبيه والمؤمنين به فقط، أما أولئك الغير مؤمنين به سيُحرمون من العطاء وسيعانون في نار جهنم... هذا هو ما يفكر به كل التابعين لأي دين مهما كان!
إن النجمة تعيش لملايين وبلايين السنين لكن يوماً ما لا بد أن تموت... كل شيء يولد لا بد أن يموت لا محالة، وهذا هو الإنسان.. يعيش سبعين سنة ثم ماذا يحصل؟
يتعب وتضعف قوته ويختفي النور... يعود إلى أصله الموحد بالجذور...
إذاً الموت سوف يحدث لكل شيء عاجلاً أم آجلاً... الجبال العالية ستصير سهولاً منبسطة وحتى الأرض هذه البسيطة ستزول بكاملها وكل مَن عليها فانٍ...
شمسنا ستختفي أيضاً، لكن عندما تختفي نجمة كبيرة، فأين ستختفي؟
سوف تنطوي وتختفي ضمن ذاتها، لديها كتلة هائلة من الوزن والطاقة لكنها ستنهار.. مثل رجل عجوز يسير في الشارع وفجأة يقع ميتاً، وإذا بقي جسده ملقى على الأرض فسوف يتحلل ويتحول إلى طين وتراب، حتى عظامه ستصبح غباراً منثوراً... يوماً ما كان ذلك الرجل يعيش وينمو، يمشي ويحب ويقاتل، والآن كل هذا تحول إلى ثقب أسود!... هذا ما يحدث للنجمة:
تختفي النجمة في ذاتها وتتحول إلى ثقب أسود.. لماذا هذا الاسم: الثقب الأسود؟
لأنه الآن لم يبقى فيها أي شيء ملموس أو منظور.. مجرد خلاء نقي... وهذا ما يسميه الأولياء: الفناء.....
هذا الفناء في السماء قوي جداً، بحيث إذا مررتَ بتأثيره أو بالقرب منه سوف يسحبك إليه، وسوف تختفي وتفنى فيه أيضاً.
بالنسبة للرحلات الفضائية سيكون هذا مشكلة مستقبلية كبيرة، هناك عدة نجوم انفجرت متحولة إلى ثقوب سوداء، ولا يمكنك رؤيتها لأنها لا شيء.
لا يمكن رؤيتها لكنك قد تمرّ عبرها، وإذا مرّت سفينة فضائية بالقرب منها فسوف تُسحب إليها دون أي سبيل للعودة منها... ولن تسمع أي إشارة من هذه السفينة بعد تلك اللحظة، لا أين ذهبت ولا ماذا حصل لركابها.
هذا الثقب الأسود مماثل جداً للفناء... كل الأشياء تنهار وتختفي متحولة إلى ظلام، وبعدها بعد أن ترتاح لمدة طويلة تعود لتظهر من جديد، وتولد نجمة جديدة...
وهذا يستمر للأبد: حياة ثم موت... موت ثم حياة... ويستمر الكون بالتكون.
الفناء أولاً يتجسد في الشيء، ثم يتعب الشيء فيذهب إلى الفناء ويسترجع طاقته من الراحة والاسترخاء، فيعود من جديد إلى الظهور...
أنت تعمل طوال النهار وتصبح متعباً، في الليل تختفي في نومك في الموت الأصغر وتتحول إلى ثقب أسود مصغّر، تطفئ الإضاءة وتختفي تحت غطائك مغمض العينين، وفي بضعة دقائق يختفي الوعي... لقد اختفيت في ذاتك.. وهناك لحظات حتى الأحلام تختفي فيها ويكون النوم أعمق ما يكون، في هذا النوم أنت في ثقب أسود وكأنك ميت، من هنا نقول هذا الموت الأصغر.
في هذه اللحظة أنت تعيش الموت وترتاح فيه... وفي الصباح تعود من جديد إلى الحياة ممتلئاً بالنشاط والحيوية والطاقة... وإذا كان نومك جيداً وعميقاً دون أحلام سيكون الصباح نشيطاً جداً ومشعاً بالنور كأنك عدتَ إلى أيام الشباب.
إذا كنت تعرف كيف تنام بعمق، ستستطيع شحن نفسك وتجديد جسدك كل مرة..
ثم في المساء تعود للتعب والانهيار من تعب النهار...
تماماً ذات الشيء يحدث لكل شيء... الإنسان نموذج مصغّر عن الكون وفيه انطوى العالم الأكبر... وما يحصل للإنسان يحصل لكل الأكوان على مقياس أكبر.
كل مساء تختفي في الفناء، وكل صباح تعود لتظهر في عالم الأشياء... شيء ثم لا شيء، ثم شيء ثم لا شيء، وتستمر الحياة بالانتقال بين الطرفين....
إنك لست بحاجة لعمل أي فعل.. الفهم فقط هو المطلوب.. وهذه عبرة جوهرية يمكنها تغيير كامل حياتك إذا استطعت رؤيتها ببصيرتك.
كل شيء نور من نور... لم يظهر ولم يزول...
ليس طاهراً ولا نجساً، ليس مكتملاً ولا ناقصاً...
الله نور السموات والأرض، وأنتم نور من نور...
لم يقم أحد بصنع الأشياء ولا بإيقافها عن الوجود... وستسألونني هنا: لكن ألا يوجد خالق يتحكم ويخلق ويُميت كما يشاء؟؟؟
ارجعوا إلى أسماء الله واقرؤوها بالبصيرة.. الأول والآخر، الظاهر والباطن، الرحمن والمنتقم.. الحقيقة فوق مستوى الثنائيات... فوق مستوى إدراكنا الجزئي للأحداث، فوق الأفكار كلها... ووصولك إلى الله أو الحقيقة ليس محصوراً بمعتقد معين، خلق الخالق طرقاً بعدد ما خلق من خلق... حتى الاعتقاد بالله أو أي معتقد غالباً قد يكون عائقاً وليس إلزامياً للوصول... وهؤلاء عدة حكماء من الشرق مثل بودا وغيره، لم يحتاجوا حتى لـ "فكرة وجود الله" أو "وجود خالق متحكم ومسيطر كشخص"، بل اكتشفوا عملية الخلق والإبداع الأقرب من حبل الوريد في كل الخلق... كيف يكون هناك خالق ومخلوق منفصلين وبينهما كل هذا الحب والشوق والتوحّد؟؟ هذا يسبب فرضية متناقضة لا داعي لها... الألوهية ستحدث في قلبك طبيعياً من تلقاء نفسها، دون أن يزرعها أحد فيك...
نور من نور، يهدي الله إلى نوره مَن يشاء... الإنسان الذي يشاء الهداية تأتيه الهداية من حيث لا يدري، أي من قلبه... ليس "الله" كما نفهم بالفهم السطحي هو الذي قرر في البداية أن يخلق النور والهداية، فظهر النور في الأرض... ثم في أحد الأيام يقرر إخفاء النور فيختفي وينتهي كل شيء... صح، يُحيي ويُميت وهو على كل شيء قدير، لكن لأنه قدير فهذا فوق التفسير، ليس كشخص يفكر ويقرر ويغضب ويدمر... الحقيقة أعلى من ألعاب وانفعالات الأطفال...
لماذا نفهم الله على هوانا ونقحمه في كل أمورنا ونعمل منه تعليقة لكل جهلنا ومصائبنا؟؟؟ لماذا نتعبه معنا!! يوماً ما يخلق هذا الإنسان ويكافئه، ويوماً آخر يميته ويحاسبه ويخفيه، ثم يعود ويحييه... فكّر فقط بهذا العمل المتواصل على ملايين الناس؟
العارفون بالله يرحمونك ويريحونك من كل هذه الاعتقادات.... ويعيدونك إلى الطبيعة، إلى دين الفطرة الواحد لا إلى أدياااااان الفكرة المتعددة... انظر بعين الطبيعة إلى الأشجار التي تنتج البذور ثم البذور التي تنتج الأشجار من جديد وهكذا.. ما هي البذرة؟؟؟
البذرة هي اختفاء الشجرة...... انتقالها من الشكل إلى اللاشكل...
يمكنك حمل بذرة في جيبك بل آلاف البذور، لكن لا يمكن حمل شجرة!
الشجرة لديها أغصان وفروع وأوراق وساق وجذور، أما البذرة فشيء صغير يكاد لا يُرى... ولو أنك لم تكن تعلم أن هذه البذرة التافهة ستتحول إلى شجرة، فلن تصدّق أبداً هذا السحر العجيب الذي يحوّل البذرة إلى شجرة تحمل مئات الثمار والأزهار كل سنة... لكنك تعلم علم اليقين بهذا السحر المُبين... من البيان لسحرا... لذلك فأنت لا تولي أي اهتمام لهذا الموضوع.
تحوّل البذرة إلى شجرة معجزة بحدّ ذاتها... البذرة الصغيرة تحمل كل معلومات الشجرة وأوراقها وثمارها وكل أجزائها... بتفاصيل مذهلة لم يستطع العلم كشفها حتى اليوم...
يقول العلماء أن بذرة واحدة قادرة على جعل الأرض بكاملها خضراء... البذرة فيها طاقة كامنة مذهلة، ليست قادرة على ملئ الأرض فحسب بل الكواكب كلها..
الكون كله يمكن أن يولد من بذرة واحدة... هذه البذرة الضئيلة عظيمة القدرة... هذا الفناء الهزيل قوي جداً وضخم الإمكانيات وغير محدود!
يقول العارفون أنه لا يوجد أي شخص يخلق الوجود ولا أحد يوقفه... ولا حاجة للذهاب إلى المعابد للصلاة والدعاء والطلب المتواصل من الله: يا الله افعل هذا، ولا تفعل هذا!!... لا يوجد أحد ولا أحد سيستجيب لمثل هذا الدعاء لأنه مجرد رياء وغباء...
ما هي الرسالة وراء هذا الكلام؟؟
هل هو مجرد تحدّي وتشويش للمعتقدات المنتشرة بين العموم كما قد يشك البعض ويرجم؟؟؟؟
أبداً.... المقصود بين السطور أن يحلّ الرضى والتسليم في الصدور...
ألم نشرح لك صدرك؟... اقبَل كل الأشياء كما هي فهذه طبيعتها دون بداية ولا نهاية... تأتي وتختفي كشيء طبيعي لا يحتاج منك كثيراً من التفسير والتحليل....
في هذا الرضى، في التسليم لشيئية الأشياء والمشيئة الكونية، ستختفي كل المشاكل وكل ما يقلق حياتك... لا يمكن إيقاف شيء ولا تغييره ولا إنتاجه من جديد... الأشياء كما هي من الله وإلى الله، لذلك ليس عليك القيام بشيء.. أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد... وهو الفعل الأكبر الله أكبر، لا فاعل أكبر أو أصغر من فاعل آخر....
تستطيع الشهادة على الأشياء وحدوثها... وتستطيع المشاركة معها والسباحة في نهر تغيراتها والتغيير نظام ثابت... عندما تكون في سكون هذا الكون الداخلي سيكون هناك فرح عظيم... وهذا السكون هو الحرية الحقيقية.
في الحياة كل شيء نور... ليس طاهراً ولا نجساً... ولا يوجد كذلك إنسان خاطئ إبليس ولا إنسان صحيح وقديس...
البصيرة هي الثورة المنيرة: ترى الأشياء بنور الله كما هي، لا كما يفسرها الفكر ويصنفها حسب فكرة الطهارة، فتأتي معها فكرة النجاسة... نصنع فكرة القديس المتديّن فنجد ظهور الشرير الكافر...
هل تريد أن يختفي الأشرار والمخطئون من الحياة؟
قال الحبيب: يا أيها الكافرون، لكم دينكم ولي ديني... هذا القبول والرحمة هو السر... لا يمكن أن يختفي المذنبون الضالّون إلا عندما يختفي القديسون ومن يسمّون أنفسهم أصحاب الأديان... إنهم يتواجدون معاً كوجهين لعملة واحدة...
هل تريد أن يختفي الشر والفسق والفجور من الأرض؟
إذاً يجب على الأخلاق وفرضها أن تزول..... الأخلاق هي التي تصنع عدم الالتزام بالأخلاق... المثل والقيم الأخلاقية هي التي تسبب الإدانة لبعض الناس الذين لا يستطيعون الالتزام بها، لا يستطيعون السير والحياة معها... ويمكنك جعل أي شيء غير أخلاقي وحرام: فقط قم بنشر فكرة أن "هذا شيء أخلاقي وحلال"...!!!
يمكنك تقديس أي شيء، وراقب كيف يصبح مشكلة كبيرة وفرصة لتنجيسه أو الكفر به... يمكنك تحريم أي شيء، وراقب كيف يصبح الممنوع مسموح ومرغوب وموجود...
البصيرة ترى الحقيقة، دون تقديس ولا تنجيس، دون إعجاب ولا إدانة... الحلال والحرام أو الطهارة والنجاسة كلها مواقف فكرية.. هل يمكن أن تقول عن الشجرة أنها حلال أم حرام؟ هل يمكن أن تقول عن العصفور أنه مؤمن طاهر أم كافر عاهر؟؟؟؟ حاول أن ترى الآن بهذه النظرة التجاوزية: لا خطأ ولا صح... لا مُسيء ولا محسن.. لا شيء حلال ولا شيء حرام..... في هذا القبول اللامشروط أين هي إمكانية تشكل القلق أو أي مشكلة لديك؟؟؟
هذا الرضى هو جنة أخاذة بحد ذاته ولا يمكنك حتى أن تحسنها أو تزينها... ولا يوجد أي هدف لتحققه، لأنه من الأساس لا يوجد أي قيمة لأي عمل... وما خلقتُ الجنّ والإنسَ إلا للعبادة والتعبّد.. الرحلة رحلة داخلية دون هدف.. هدفها الرحلة نفسها، الحياة لعبة لا علبة... ولا يوجد أحد يؤديها أو يوجهها من وراء الكواليس.. كل شيء يحدث دون أن يقوم به أحد... الله فعل وليس اسم أو فاعل... إذا كان الفاعل موجوداً ستظهر المشاكل: عندها ابدأ بالصلاة له وقم بملاحقته بالدعاء والطلبات وتقرّب منه ليحبك ويحقق طلباتك، وهذا الفاعل سيساعد كل محبيه والمؤمنين به فقط، أما أولئك الغير مؤمنين به سيُحرمون من العطاء وسيعانون في نار جهنم... هذا هو ما يفكر به كل التابعين لأي دين مهما كان!