شيخ الأسرار الباطنية
20-04-2021, 17:54
سورة النساء
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (ظ،))
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) احذروه في انتحال صفته عند صدور الخيرات منكم ، واتخذوا الصفة وقاية لكم في صدور ما صدر منكم من الخير ، وقولوا صدر عن القادر المطلق (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) هي النفس الناطقة الكلية ، التي هي قلب العالم ، وهو آدم الحقيقيّ (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أي : النفس الحيوانية الناشئة منها. وقيل : إنها خلقت من ضلعه الأيسر من الجهة التي تلي عالم الكون ، فإنها أضعف من الجهة التي تلي الحق ، ولو لا زوجها لما أهبط إلى الدنيا. كما اشتهر أنّ إبليس سوّل لها أولا فتوسل بإغوائها إلى إغواء آدم ولا شك في أنّ التعلق البدنيّ لا يتهيأ إلا بواسطتها (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً) أي : أصحاب قلوب ينزعون إلى أبيهم (وَنِساءً) أصحاب نفوس وطبائع ينزعون إلى أمّهم (وَاتَّقُوا اللهَ) في ذاته عن إثبات وجودكم ، واجعلوه وقاية لكم عند ظهور البقية منكم في الفناء في التوحيد حتى لا تحتجبوا برؤية الفناء (الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ) لا بكم (وَالْأَرْحامَ) أي : احذروا الأرحام الحقيقية ، أي أقربة المبادئ العالية من المفارقات وأرواح الأنبياء والأولياء في قطعها بعدم المحبة ، واجعلوها وقاية لكم في حصول سعاداتكم وكمالاتكم ، فإنّ قطع الرحم بفقد المحبة توجه عن الاتصال ، والوحدة إلى الانفصال والكثرة ، وهو المقت الحقيقيّ والبعد الكليّ عن جناب الحق تعالى ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : «صلة الرحم تزيد في العمر» ، أي : توجب دوام البقاء. واعلم أنّ الرحم من الظاهر صورة الاتصال الحقيقي في الباطن ، وحكم الظاهر في التوحيد كحكم الباطن ، فمن لا يقدر على مراعاة الظاهر فهو أحرى بأن لا يقدر على مراعاة الباطن (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) يرقبكم لئلا تحتجبوا عنه بظهور صفة من صفاتكم ، أو بقية من بقاياكم فتتعذبوا.
(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (ظ¢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (ظ£) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (ظ¤) وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (ظ¥) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (ظ¦) لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (ظ§) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (ظ¨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (ظ©) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (ظ،ظ*) يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (ظ،ظ،) وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (ظ،ظ¢) تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (ظ،ظ£) وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (ظ،ظ¤) وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (ظ،ظ¥) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (ظ،ظ¦) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (ظ،ظ§) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (ظ،ظ¨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (ظ،ظ©) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (ظ¢ظ*) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (ظ¢ظ،) وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (ظ¢ظ¢) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (ظ¢ظ£) وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (ظ¢ظ¤) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (ظ¢ظ¥) يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (ظ¢ظ¦) وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (ظ¢ظ§) يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (ظ¢ظ¨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (ظ¢ظ©) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (ظ£ظ*))
(وَآتُوا الْيَتامى) يتامى قواكم الروحانية ، المنقطعين عن تربية الروح القدسيّ الذي هو أبوهم (أَمْوالَهُمْ) أي : معلوماتهم وكمالاتهم ، وربوهم بها (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ) من المحسوسات والخياليات والوساوس ودواعي الوهم وسائر قوى النفس التي هي أموالها (بِالطَّيِّبِ) من أموالهم (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) أي : لا تخلطوها بها ، فيشتبه الحق بالباطل وتستعملوها في تحصيل لذاتكم الحسّية وكمالاتكم النفسية ، فتنتفعوا بها في مطالبكم الخسيسة الدنيوية وتجعلوها غذاء نفوسكم (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) حجبة وحرمانا.
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (ظ£ظ،) وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (ظ£ظ¢) وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (ظ£ظ£) الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (ظ£ظ¤) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (ظ£ظ¥))
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) من إثبات الغير في الوجود الذي هو الشرك ذاتا وصفة وفعلا ، فإن أكبر الكبائر إثبات وجود غير وجوده تعالى .
(نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) بظهور النفس والقلب بصفة من صفاتها أحيانا ، فإنها بعد ظهور نور التوحيد لا تثبت (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) أي : حضرة عين الجمع لا كرم إلا فيها (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) من الكمالات المرتبة بحسب الاستعدادات الأولية ، فإن كل استعداد يقتضي بهويته في الأزل كمالا وسعادة تناسبه ، وحصول ذلك الكمال الخاصّ لغيره محال. ولذلك ذكر بلفظ التمني الذي هو طلب ما يمتنع حصوله للطالب لامتناع نسبته (لِلرِّجالِ) أي : الأفراد الواصلين (نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ) بنور استعدادهم الأصليّ (وَلِلنِّساءِ) أي : الناقصين القاصرين عن الوصول (نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) بقدر استعدادهنّ (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) أي : اطلبوا منه إفاضة كمال يقتضيه استعدادكم بالتزكية والتصفية حتى لا يحول بينكم وبينه فتحتجبوا وتتعذبوا بنيران الحرمان منه (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ) مما يخفى عليكم ، كامنا في استعدادكم بالقوّة (عَلِيماً) فيجيبكم بما يليق بكم كما قال : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) (ظ،) أي : بلسان الاستعداد الذي ما دعاه أحد به إلّا أجاب ، كما قال : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (ظ¢).
(وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (ظ£ظ¦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (ظ£ظ§)) (وَاعْبُدُوا اللهَ) خصّصوه بالتوجه إليه ، والفناء فيه ، الذي هو غاية التذلّل (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) بإثبات وجوده (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وأحسنوا بالروح والنفس اللذين تولّد القلب منهما وهو حقيقتكم ، لستم إلّا إيّاه ، ووفوا حقوقهما وراعوهما حقّ المراعاة بالاستفاضة من الأول ، والتوجه إليه بالتسليم والتعظيم وتزكية الثانية ، وحفظها من أدناس محبة الدنيا ، والتذلّل بالحرص والشره وأمثالهما ، ومن شرّ الشيطان وعداوته إياها وأعينوها بالرأفة والحمية بتوفير حقوقها عليها ، ومنع الحظوظ عنها (وَبِذِي الْقُرْبى) الذي يناسبكم في الحقيقة بحسب القرب في الاستعداد الأصليّ والمشاكلة الروحانية (وَالْيَتامى) المستعدّين المنقطعين عن نور الروح القدسيّ الذي هو الأب الحقيقي ، بالاحتجاب عنه (وَالْمَساكِينِ) العاملين الذين لا مال لهم ، أي : لا حظ من العلوم والمعارف والحقائق ، فسكنوا ولم يقدروا على المسير وهم السعداء الصالحون الذين مآلهم إلى جنة الأفعال.
(وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) الذي هو في مقام من مقامات السلوك ، قريب من مقامك (وَالْجارِ الْجُنُبِ) الذي هو في مقامه بعيد من مقامك ، (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) والرفيق الذي هو في عين مقامكم ويرافقكم في سيركم (وَابْنِ السَّبِيلِ) أي : السالك في طريق الحقّ ، الداخل في الغربة عن مأوى النفس الذي لم يصل إلى مقام من مقامات أهل الله (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من أهل إرادتكم ومحبتكم ، الذين هم عبيدكم كلّا بما يناسبه ويليق به من أنواع الإحسان ، وإن شئت أوّلت ذي القربى بما يتصل به من الملكوت العالية من المجرّدات واليتامى بالقوى الروحانية كما مرّ. والمساكين بالقوى النفسانية من الحواس الظاهرة وغيرها.
والجار ذي القربى بالعقل ، والجار الجنب بالوهم ، والصاحب بالجنب بالشوق أو الإرادة ، وابن السبيل بالفكر ، والمماليك بالملكات المكتسبة التي هي مصادر الأفعال الجميلة.
(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً) يسعى في السلوك بنفسه لا بالله ، معجبا بأعماله (فَخُوراً) مبتهجا بأحواله ومقاماته وكمالاته ، محتجبا برؤيتها ورؤية اتصافه بها (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) أولا بإمساك كمالاتهم وعلومهم في مكامن قرائحهم ومطامير غرائزهم ، لا يظهرونها بالعمل بها في وقتها ثم بالامتناع عن توفير حقوق ذوي الحقوق عليهم ، لا يبذلون صفاتهم وذواتهم بالفناء في الله لمحبتهم لها ، ولا ينفقون أموال علومهم وأخلاقهم وكمالاتهم على ما ذكرنا من المستحقين. (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) يحملونهم على مثل حالهم (وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) من التوحيد والمعارف والأخلاق والحقائق في كتم الاستعداد وظلمة القوة كأنها معدومة (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) المحجوبين عن الحق (عَذاباً مُهِيناً) في ذلّ وجوههم وشين صفاتهم.
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (ظ£ظ¨) وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً (ظ£ظ©) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (ظ¤ظ*))
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) أي : يبرزون كمالاتهم من كتم العدم ، ويخرجونها إلى الفعل ، محجوبين برؤيتها لأنفسهم ، يراءون الناس بأنها لهم (وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) الإيمان الحقيقي ، فيعلمون أن الكمال المطلق ليس إلا له ، ومن أين لغيره وجود حتى يكون له؟ فيتخلصون عن حجاب رؤية الكمال لأنفسهم ، وينجون عن إثم العجب. (وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي : الفناء في الله والبروز للواحد القهّار ، فيتبرّؤون من ذنب الشرك ، وذلك لمقارنة شيطان الوهم إياهم (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) لأنه يضلّه عن الهدى ، ويحجبه عن الحقّ (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ) أي : لو صدّقوا لله بالتوحيد والفناء فيه ، ومحو كمالاتهم التي رزقهم الله بإضافتها إلى الله؟ (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) يجازيهم بالبقاء بعد الفناء ، وكونهم مع تلك الصفات والكمالات بالله لا بأنفسهم.
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ) أي : لا ينقص من تلك الكمالات بالفناء فيه (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) بل يضاعفها بالتأييد الحقانيّ (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) ولا تكون حسنة إلا إذا كانت له (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) هو ما أخفي له من قرّة أعين ، أي : الشهود الذاتي الذي لا حجبة معه عن تفاصيل الصفات.
(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (ظ¤ظ،))
(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) إلى آخره ، الشهيد والشاهد : ما يحضر كلّ أحد مما بلغه من الدرجة في العرفان ، وهو الغالب عليه ، فهو يكشف عن حاله وعمله وسعيه ومبلغ جهده مقاما كان أو صفة من صفات الحق أو ذاتا ، فلكل أمّة شهيد بحسب ما دعاهم إليه نبيهم وعرّفه لهم وما دعاهم إلا إلى ما وصل إليه من مقامه في المعرفة ، ولا يبعث نبيّ إلا بحسب استعداد أمّته فهم يعرفون الله بنور استعدادهم في صورة كمال نبيّهم. ولهذا ورد في الحديث : إن الله يتجلى لعباده في صورة معتقدهم ، فيعرفه كلّ واحد من الملل والمذاهب ، ثم يتحوّل عن تلك الصورة ، فيبرز في صورة أخرى فلا يعرفه إلّا الموحدون الداخلون في حضرة الأحدية من كل باب. وكما أنّ لكل أمّة شهيدا ، فكذلك لكل أهل مذهب شهيد ، ولكل واحد شهيد يكشف عن حال مشهوده ، وأما المحمّديون فشهيدهم الله المحبوب الموصوف بجميع الصفات لمكان كمال نبيهم وكونه حبيبا مؤتى جوامع الكلم ،
متمما لمكارم الأخلاق ، فلا جرم يعرفونه عند التحوّل في جميع الصور إذا تابعوا نبيهم حق المتابعة ، وكانوا أوحديين محبوبين كنبيهم.
(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً (ظ¤ظ¢))
(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالاحتجاب عن الحق (وَعَصَوُا الرَّسُولَ) بالاحتجاب عن الدين (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ) أرض الاستعداد ، فتنطمس نفوسهم أو تصير ساذجة لا نقش فيها من العقائد الفاسدة والرذائل الموبقة (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) أي : لا يقدرون على كتم حديث من تلك النقوش حتى لا يتعذبون بعقابه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (ظ¤ظ£) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (ظ¤ظ¤))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالإيمان العلميّ ، فإن المؤمن بالإيمان العيني لا يكون في صلاته غافلا (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) أي : لا تقربوا مقام الحضور والمناجاة مع الله في حال كونكم (سُكارى) من نوم الغفلة ، أو من خمور الهوى ومحبة الدنيا (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) في مناجاتكم ولا تشتغل قلوبكم بأشغال الدنيا ووساوسها فتذهلوا عنه ، ولا في حال كونكم بعداء عن الحق بشدّة الميل إلى النفس ومباشرة لذاتها وشهواتها وحظوظها والركون إليها (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) أي : مارّين عليها ، سالكي طريق من طرق تمتعاتها بقدر الضرورة والمصلحة كعبور طريق الاغتذاء بالمطعم والمشرب لسدّ الرمق وحفظ القوة ، والاكتساء لدفع الحرّ والبرد وستر العورة ، والمباشرة لحفظ النسل لا منجذبين إليها بالكلية بمجرّد الهوى فتنطبع فيكم فلا يمكن زوالها أو يتعذر (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) أي : تتطهروا عن تلك الهيئة الحاصلة من الانجذاب إلى الجهة السفلية بماء التوبة والاستغفار وعيون التنصل والاعتذار (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) القلوب ، فاقدي سلامتها بأمراض العقائد الفاسدة والرذائل المهلكة (أَوْ عَلى سَفَرٍ) في تيه الجهل والحيرة لطلب لذّة النفس ومادة الرجس بالحرص (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ) من الاشتغال بلوث المال وكسب الحطام ملوّثا بهيئة محبته وميله راسخة فيه تلك الهيئة (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) لازمتم النفوس وباشرتموها في لذاتها وشهواتها (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) علما يهديكم إلى التفصي منها ويهذبكم بالتطهّر عنها (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) فتوجهوا صعيد استعدادكم الطيب ، واقصدوه وارجعوا إلى أصل الاستعداد الفطريّ (فَامْسَحُوا) من نوره (بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) أي : ذواتكم الموجودة وصفاتكم بالنزول ومحو هيئات التعلق بها ، والتصرّف فيها ، فإن ذلك التراب يمحو آثارها ويذرها صافية كما كانت (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا) يعفو عن تلك الهيئات المظلمة ورسوخ تلك الملكات الحاجبة بتركها والإعراض عنها ، فيزيلها بالكلية فيصفو استعدادكم وتستعدّوا للقائه ومناجاته (غَفُوراً) يستر صفاتكم وذواتكم بصفاته وذاته.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (ظ¤ظ¤) وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً (ظ¤ظ¥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (ظ¤ظ¦))
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) أي : بعضا هو اعترافهم بالحق مع احتجابهم عن الدين (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) يستبدلون الاحتجاب عن الدين الذي هو طريق الحق بنور هداية استعدادهم ويريدون بكم ذلك أيضا وهم أعداؤكم ، علم الله عداوتهم إياكم إذا (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) يلي أمركم بالتوفيق لطريق التوحيد ، ونصيرا ينصركم على أعدائكم بالقمع.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (ظ¤ظ§) إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (ظ¤ظ¨))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) كتاب الاستعداد (آمِنُوا) إيمانا حقيقيا عيانيا بإخراج ما في كتاب استعدادكم إلى الفعل من توحيد الذات (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) بإزالة استعدادها ومحوه (فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) التي هي أسفل سافلي عالم الجسم الذي هو خلف كل عالم (أَوْ نَلْعَنَهُمْ) نعذبهم بالمسخ كما مسخنا (أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) أي : مقضيا إلى الأبد ، لا يغيّره أحد ولا ينقضه (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) إشارة إلى أنّ الشقاوة العلمية الاعتقادية مخلّدة لا تتدارك أبدا دون العملية ، أي : لا يستر بوجوده ولا يفني بذاته من يثبت غيره في الوجود وكيف وأنه يناوبه بوجوده.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (ظ¤ظ©) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (ظ¥ظ*))
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) أي : يزيلون صفات نفوسهم بنفوسهم ، وذلك غير ممكن كما لا يمكن لأحدنا حمل نفسه إذ هي لوازم النفس باقية لازمة لها ، ولهذا قال تعالى :
(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) (ظ،) ، إذ الرذائل معجونة فيها ، باقية ببقائها. وقال عليه الصلاة والسلام : «شرّ الناس من قامت عليه القيامة وهو حيّ» أي : يقف على علم التوحيد ونفسه لم تمت بالفناء حتى تحيى بالله ، فإنه حينئذ زنديق قائل بالإباحة في الأشياء.
(بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) بمحو صفاته وإزالتها بصفاته تعالى (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) أي : لا ينقصون شيئا حقيرا من صفاتهم وحقوقها فإنّ الله لا يأخذ شيئا منها مع ضعفها وسرعة انقضائها حتى يعطي بدله من صفاته مع قوتها ودوامها (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) با دعاء تزكية نفوسهم من صفاتها وما تزكّت ، أو بانتحال صفات الله إلى أنفسهم لوجود نفوسهم.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (ظ¥ظ،) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (ظ¥ظ¢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (ظ¥ظ£) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (ظ¥ظ¤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (ظ¥ظ¥))
(أَلَمْ تَرَ) إلى آخره ، (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) لإثباتهم وجود الغير ، وذلك إضلالهم عن الدين الذي هو طريق التوحيد (وَيَقُولُونَ) لأجل الذين حجبوا عن الحق (هؤُلاءِ أَهْدى) من الموحدين (سَبِيلاً) لموافقتهم في الشرك دون المؤمنين ، فإنهم يخالفونهم في الطريق والمقصد ، إذ المعترفون بالتوحيد لما ضلّوا السبيل لم يصلوا إلى المقصد الذي اعترفوا به فلزمهم شرك خفيّ قريب من حال المحجوبين عن الحق الذين أشركوا شركا جليّا فناسبوهم وصوّبوهم وزعموا أنهم أهدى الموحدين على ما نرى عليه بعض الظاهريين من الإسلاميين (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) بمسخ الاستعداد ، ومن طرده الله فلا يمكن لأحد نصرته بالهداية والتقريب والإنجاء.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (ظ¥ظ¦))
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا) أي : حجبوا عن تجليات صفاتنا وأفعالنا. إذ مطلع الآية كونه متجليا بالعلم والحكمة والملك في آل إبراهيم (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ) نار شوق الكمال لاقتضاء غرائزهم وطبائعهم بحسب استعدادهم ذلك مع رسوخ الحجاب ولزومه ، أو نار قهر من تجلّيات صفات قهره تناسب أحوالهم ، أو نار شره نفوسهم وحدّة شوقها وطلبها لما ضرّيت بها من كمالات صفاتها وشهواتها مع حرمانها عنها (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) رفعت حجبهم الجسمانية بانسلاخهم عنها (بَدَّلْناهُمْ) حجبا غيرها جديدة (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) نيران الحرمان (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً) قويا يقهرهم ويذلهم بذل صفات نفوسهم ، ويحرقهم بنيران توقانها إلى كمالاتهم مع حرمانهم أبدا (حَكِيماً) يجازيهم بما يناسبهم من العذاب الذي اختاروه لأنفسهم بدواعيهم الغضبية والشهوية وغيرها ، وميولهم إلى الملاذ الجسمانية فلذلك بدلوا حجبا ظلمانية بعد حجب.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (ظ¥ظ§))
(وَالَّذِينَ آمَنُوا) بتوحيد الصفات (وَعَمِلُوا) ما يصلحهم لقبول تجلياتها (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ) الاتصاف بها ومقاماتها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي : أنهار علوم تجلياتها من علوم القلب. والأزواج هاهنا الأرواح المقدّسة التي هي مظاهر الصفات الإلهية المطهرة بالهيئات البدنية (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) أي : ظلّ الصفات الإلهية الدائم روحها بمحو الصفات البشرية.
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (ظ¥ظ¨))
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) أي : حق كلّ ذي حق إليه بتوفية حق الاستعداد أولا ، ثم بتوفية حقوق القوى كلها من كمالاتها التي تقتضيها ، ثم بتوفية حق الله تعالى من أداء الصفات إليه ، ثم أداء الوجود فتكونوا فانين في التوحيد. فإذا رجعتم إلى البقاء بعد الفناء ، وحكمتم بين الناس ، كنتم قائمين في الأشياء بالله ، قوّامين بالقسط ، متصفين بعدل الله بحيث لا يمكن صدور الجور منكم. وأقلّ الدرجات في العدل هو المحو في الصفات ، إذ القائم بالنفس لا يقدر على العدل أبدا (إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً) بأقوالكم فيما بين الناس من المحاكمات ، هل هي صائبة بالحق أم فاسدة بالنفس؟ (بَصِيراً) بأعمالكم ، هل تصدر من صفات نفوسكم أو من صفات الحق؟.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (ظ¥ظ©))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بتوحيد الصفات (أَطِيعُوا اللهَ) بتوحيد الذات والفناء في الجمع (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) بمراعاة حقوق التفصيل في عين الجمع وملاحظة ترتيب الصفات بعد الفناء في الذات (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ممن استحق الولاية والرياسة كما مر في حكاية طالوت.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (ظ¦ظ*) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (ظ¦ظ،) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (ظ¦ظ¢))
(أَلَمْ تَرَ) أي : تعجب من (الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من علم التوحيد (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) من علم المبدأ والمعاد (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) وهو ينافي ما ادّعوه إذ لو كان إيمانهم صحيحا لما أثبتوا غيرا حتى يكون له حكم ، فإنهم بحكم الإيمان الحقيقي مأمورون بالكفر بغيره ، ومن لم ينسلخ عن صفاته وأفعاله ولم تنطمس ذاته في الله تعالى فهو غيره ، ومن توجه إلى الغير فقد أطاع الشيطان ولا يريد الشيطان بهم إلا الضلال البعيد الذي هو الانحراف عن الحق بالشرك ، إذ الزيغ عن الدين هو الضلال المبين.
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (ظ¦ظ£) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً (ظ¦ظ¤))
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) الآية ، الفرق بين الرسول والنبي هو : أن الرسالة ، باعتبار تبليغ الأحكام : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) (ظ،) والنبوّة باعتبار الإخبار عن المعارف والحقائق التي تتعلق بتفاصيل الصفات والأفعال. فإنّ النبوّة ظاهر الولاية التي هي الاستغراق في عين الجمع والفناء في الذات ، فعلمها علم توحيد الذات ومحو الأفعال والصفات. فكل رسول نبيّ ، وكل نبيّ وليّ ، وليس كل وليّ نبيا ، ولا كلّ نبي مرسلا ، وإن كانت رتبة الولاية أشرف من النبوّة ،
فلا يرسل الرسول إلا للطاعة ، إذ حكمه حكم الله باعتبار التبليغ فيجب أن يطاع ، ولا يطاع إلا بإذنه ، فإن من حجب عنه بقصور الاستعداد كالكافر الأصليّ والشقيّ الحقيقي ، أو بالرين ومحو الاستعداد كالمنافق ليس بمأذون له في الطاعة في الحقيقة. (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بمنعها عن حقوقها التي هي كمالاتها الثابتة فيها بالقوة ، وتكدير الاستعداد بالتوجه إلى طلب اللذّات الحسيّة والأغراض الفانية (جاؤُكَ) بالإرادة التي هي مقتضى استعدادهم (فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) طلبوا من الله ستر صفات نفوسهم التي هي مصادر تلك الأفعال الحاجبة لما في استعدادهم بنور صفاته (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) بإمدادهم بنور صفاته التي هي صفات الله عزوجل لرابطة الجنسية التي بينهم وبين نفسه ، ومكان الإرادة والمحبة التي تستلزم قربهم منه وامتزاجهم به (لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً) مطهرا ، مصفيّا لاستعدادهم بنوره ، إذ قبول التوبة هو إلقاء نور الصفات عليهم ، وتنوير بواطنهم بهيئة نورية تعصمهم من الخطأ في الأفعال لبعد النور عن الظلمة (رَحِيماً) يفيض عليهم رحمة الكمال اللائق بهم من الإيقان العلميّ أو العينيّ أو الحقيّ.
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (ظ¦ظ¥))
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) الإيمان الحقيقي التوحيدي (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) لكون حكمك حكم الله ، وإنما حجبت الذات بالصفات ، والصفات بالأفعال ، فإذا تشاجروا وقفوا مع صفاتهم محجوبين عن صفات الحق أو مع أفعالهم محجوبين عن أفعال الحق ، فلم يؤمنوا حقيقة. فإذا حكموك انسلخوا عن أفعالهم ، وإذا لم يجدوا في أنفسهم حرجا من قضائك انسلخوا عن إرادتهم فصاروا إلى مقام الرضا ، وعن علمهم وقدرتهم فصاروا إلى مقام التسليم فلم يبق لهم حجاب من صفاتهم واتصفوا بصفات الحق فانكشف لهم في صورة الصفات فعلموا أنك هو قائم به ، لا بنفسك ، عادل بالحقيقة بعدله ، فتحقق إيمانهم بالله.
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (ظ¦ظ¦) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (ظ¦ظ§) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (ظ¦ظ¨) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (ظ¦ظ©))
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا) أي : فرضنا (عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) بقمع الهوى الذي هو حياتها وإفناء صفاتها (أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) مقاماتكم التي هي الصبر والتوكل والرضا وأمثالها ، لكونها حاجبة عن التوحيد كما قال الحسين بن منصور قدّس الله روحه لإبراهيم بن أدهم رحمهالله ، لما سأله عن حاله ، وأجابه بقوله : أدور في الصحاري ، وأطوف في البراري ، حيث لا ماء ولا شجر ولا روض ولا مطر ، هل يصح حالي في التوكل أم لا؟ ، فقال : إذا أفنيت عمرك في عمران بطنك فأين الفناء في التوحيد؟.
(ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) وهم : المحبون المستعدّون للقائه ، الأكثرون قدر الأقلون عددا كما قال تعالى : (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) (ظ،) ، (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) بحسب كمالهم الحاصل لهم عند رفع حجب صفات النفس بالاتصاف بصفات الحق أو بالوصول إلى عين الجمع (وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) بالاستقامة في الدين عند البقاء بعد الفناء (وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً) من تجليات الصفات عند قتل النفس (وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) عند الخروج عن الديار ، أي : منازل النفس والمقامات ، وهو طريق الوحدة والاستقامة في التوحيد (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) بسلوك طرق التوحيد والجمع (وَالرَّسُولَ) بمراعاة التفصيل (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) بالهداية (مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ) الذين صدقوا بنسبة الأفعال والصفات إلى الله ، بالانخلاع عن صفاتهم والاتصاف بصفاته ولو ظهروا بصفات نفوسهم لكانوا كاذبين (وَالشُّهَداءِ) أي : أهل الحضور (وَالصَّالِحِينَ) أي : أهل الاستقامة في الدين.
(ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً (ظ§ظ*) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (ظ§ظ،) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (ظ§ظ¢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (ظ§ظ£) فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (ظ§ظ¤) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (ظ§ظ¥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (ظ§ظ¦) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (ظ§ظ§) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (ظ§ظ¨) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (ظ§ظ©) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (ظ¨ظ*) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (ظ¨ظ،) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (ظ¨ظ¢) وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (ظ¨ظ£) فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (ظ¨ظ¤) مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (ظ¨ظ¥) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (ظ¨ظ¦) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً (ظ¨ظ§) فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (ظ¨ظ¨) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (ظ¨ظ©) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (ظ©ظ*) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (ظ©ظ،) وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (ظ©ظ¢) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (ظ©ظ£) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (ظ©ظ¤) لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (ظ©ظ¥) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (ظ©ظ¦))
(ذلِكَ الْفَضْلُ) أي : التوفيق لتحصيل الكمال الذي ناسبوا به النبيين ومن معهم فرافقوهم. (عَلِيماً) يعلم ما في استعدادهم من الكمال فيظهره عليهم (خُذُوا حِذْرَكُمْ) أي : ما تحذرون من إلقاء الشيطان ووساوسه وإهلاكه إياكم بالإغواء ، ومن ظهور صفات نفوسكم واستيلائها عليكم ، فإنها أعدى عدوّكم (فَانْفِرُوا ثُباتٍ) اسلكوا في سبيل الله جماعات ، كلّ فرقة على طريقة شيخ كامل عالم (أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) في طريق التوحيد والإسلام على متابعة النبيّ (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ) إلى آخره ، ثبت أنهم قدريون يضيفون الخيرات إلى الله والشرور إلى الناس ، يتشبهون بالمجوس في الثبات ، مؤثرين مستقلين في الوجود ، وإضافتهم الشرور إلى الرسول لا إلى أنفسهم كانت لأنه باعثهم ومحرّضهم على ما يلقون بسببه الشرّ عندهم. فأمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بدعوتهم إلى توحيد الأفعال ونفي التأثير عن الأغيار والإقرار بكونه فاعل الخير والشرّ بقوله : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) لاحتجابهم بصفات النفوس وارتجاج آذان قلوبهم التي هي أوعية السماع والوعي. ثم بيّن أنّ لله فضلا وعدلا ، فالخيرات والكمالات كلها من فضله ، والشرور من عدله ، أي : يقدرها علينا ويفعلها بنا لاستعداد واستحقاق فينا يقتضي ذلك. وذلك الاستحقاق إنما يحدث من ظهور النفس بصفاتها وارتكابها المعاصي والذنوب الموجبة للعقاب لا بفعل آخر كما نسبوا ما أصابهم من الشرّ إلى الرسول ، لأن الاستحقاق مرتب على الاستعداد ، ولا يعرض ما يقتضيه استعداد أحد لغيره ، كما قال تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (ظ،) ، فكذّبهم وخطّأهم في قدريتهم بإثبات أنّ : السبب الفاعليّ للخير والشرّ ليس إلا لله وحده بمقتضى فضله وعدله. وأما السبب القابلي فهو وإن كان أيضا منه في الحقيقة إلا أن قابلية الخير هو من الاستعداد الأصلي الذي هو من الفيض الأقدس الذي لا مدخل لفعلنا واختيارنا فيه ، وقابلية الشرّ من الاستعداد الحادث بسبب ظهور النفس بالصفات والأفعال الحاجبة للقلب ، المكدّرة لجوهره ، حتى احتاج إلى الصقل بالرزايا والمصائب والبلايا والنوائب لا من قبل الرسول أو غيره.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (ظ©ظ§) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (ظ©ظ¨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (ظ©ظ©))
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) إلى آخره ، التوفي هو : استيفاء الروح من البدن بقبضها عنه ، وهو على ثلاثة أوجه : توفي الملائكة ، وتوفي ملك الموت ، وتوفي الله. أما توفي الملائكة فهو لأصحاب النفوس وهم أما سعداء وأهل الخير والصفات الحميدة والأخلاق الحسنة من الصالحين المتّقين (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (ظ£ظ¢)) (ظ¢) فمعادهم إلى جنة الأفعال. وإما أشقياء أهل الشرّ والصفات الرديئة والأخلاق السيئة فلا يقبض أرواحهم إلا القوى الملكوتية التي هي للعالم بمثابة قواهم التي هم في مقامها ، محتجبون بصفات النفس ولذّات القوى الخيالية والوهمية والسبعية والبهيمية من الكافرين : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) (ظ£) فمعادهم إلى النار. وأما توفي ملك الموت فهو لأرباب القلوب الذين برزوا عن حجاب النفس إلى مقام القلب ، ورجعوا إلى الفطرة ، فتنوّروا بنورها ، فتقبض أرواحهم النفس الناطقة الكلية التي هي قلب العالم باتصالهم بها ، هذا إذا قبض أرواحهم ملك الموت بنفسه ، أما إذا قبض بأعوانه وقواهم فهم الفريق الأول. وقد يقبض بنفسه ويذرهم في ملكوت العذاب حتى يحاسبوا ويعاقبوا بحسب رذائلهم ويتخلصوا ، وذلك للكمال العلميّ والنقصان العلميّ كما خلص من الجهل والشرك وتحلّى بالعلم والتوحيد ، ولكن تراكمت على قلبه الهيئات المظلمة والملكات الرديئة بسبب الأعمال السيئة والأخلاق الذميمة. وللعلم بالتوحيد والجهل بالمعاد كالموحد المنكر للجزاء ، فينهمك في المعاصي كما قال تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (ظ،). وأمّا توفي الله تعالى ، فهو للموحدين الذين عرجوا عن مقام القلب إلى محل الشهود فلم يبق بينهم وبين ربّهم حجاب ، فهو يتولى قبض أرواحهم بنفسه ويحشرهم إلى نفسه (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (ظ¨ظ¥)) (ظ¢) ، كما قال تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) (ظ£).
(ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) بمنعها عن حقوقها التي اقتضتها استعداداتهم من الكمالات المودعة فيها (فِيمَ كُنْتُمْ) حيث قصرتم في السعي لما قدرتم وفرّطتم في جنب الله ، وقصرتم عن بلوغ كمالكم الذي هيئ لكم وندبتم إليه (قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ) في أرض الاستعداد الذي جبلنا عليه باستيلاء قوى النفس الأمّارة وغلبة سلطان الهوى بشيطان الوهم ، أسرونا في قيودهم ، وجبرونا على دينهم ، وأكرهونا على كفرهم. (قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً) ألم تكن سعة استعدادكم بحيث تهاجروا فيها من مبدأ فطرتكم خطوات يسيرة ، بحيث إذا ارتفعت عنكم بعض الحجب انطلقتم عن أسر القوى وتخلصتم عن قيود الهوى ، وتقوّيتم بإمداد أعوانكم القوى الروحانية ، ونصرتم بأنوار القلب ، فخرجتم عن القرية ، الظالم أهلها ، التي هي مدينة النفس إلى بلد القلب الطيبة ، فتداركتم رحمة ربكم الغفور (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) نفوسهم الشديدة التوقان مع حصول الحرمان (وَساءَتْ مَصِيراًإِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ) أي : أقوياء الاستعداد الذين قويت قواهم الشهوية والغضبية مع قوّة استعدادهم فلم يقدروا على قمعها في سلوك طريق الحق ولم يذهبوا لقواهم الوهمية والخيالية ، فيبطلوا استعداداتهم بالعقائد الفاسدة فبقوا في أسر قواهم البدنية مع تنوّر استعدادهم بنور العلم وعجزهم عن السلوك برفع القيود (وَالنِّساءِ) أي : القاصرين الاستعداد عن درك الكمال العلمي ، وسلوك طريق التحقيق ، الضعفاء القوى والأحلام ، الذين قال في حقهم : «أكثر أهل الجنة البله»
(وَالْوِلْدانِ) أي : الناقصين القاصرين عن بلوغ درجة الكمال لغيرة تلحقهم من قبل صفات النفس (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) لعدم قدرتهم وعجزهم عن كسر صفات النفس وقمع الهوى بالرياضة (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) لعدم علمهم بكيفية السلوك وحرمانهم عن نور الهداية الشرعية (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) بمحو تلك الهيئات المظلمة لعدم رسوخها وسلامة عقائدهم (وَكانَ اللهُ عَفُوًّا) العفو عن الذنوب ما دامت الفطرة لم تتغير (غَفُوراً) يستر بنور صفاته صفات نفوسهم.
(وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (ظ،ظ*ظ*))
(وَمَنْ يُهاجِرْ) أي مقارّ النفس المألوفة في سبيل طريق الحق بالعزيمة (يَجِدْ) في أرض استعداده مهاجر ومساكن ومنازل كثيرة فيها رغم أنوف قوى نفسه الوهمية والخيالية والبهيمية والسبعية وإذلالها (وَسَعَةً) وانشراحا في الصدر عند الخلاص من ضيق صفات النفس وأسر الهوى (وَمَنْ يَخْرُجْ) من المقام الذي هو فيه سواء كان مقرّ استعداده الذي جبل عليه أو منزلا من منازل النفس أو مقاما من مقامات القلب (مُهاجِراً إِلَى اللهِ) بالتوجه إلى توحيد الذات (وَرَسُولِهِ) بالتوجه إلى طلب الاستقامة في توحيد الصفات (ثُمَّ يُدْرِكْهُ) الانقطاع قبل الوصول (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) بحسب ما توجه إليه ، فإن المتوجه إلى السلوك له أجر المنزل الذي وصل إليه ، أي : المرتبة من الكمال الذي حصل له إن كان ، وأجر المقام الذي وقع نظره عليه وقصده. فإنّ ذلك الكمال وإن لم يحصل له بحسب الملك والقدم لكنه اشتاق إليه بحسب القصد والنظر ، فعسى أن يؤيده التوفيق بعد ارتفاع الحجب بالوصول إليه (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) يغفر له ما يمنعه عن قصده من الموانع (رَحِيماً) يرحمه ، بأن يهب له الكمال الذي توجه إليه ووقع نظره عليه.
(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (ظ،ظ*ظ،) وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (ظ،ظ*ظ¢) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (ظ،ظ*ظ£) وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (ظ،ظ*ظ¤))
وإذا سافرتم في أرض الاستعداد بالطريق العلميّ لطلب اليقين (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا) أي : تنقصوا من الأعمال البدنية وأداء حقوق العبودية من الشكر والحضور ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «من أوتي حظه من اليقين فلا يبالي بما انتقص من صلاته وصومه».
(إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ) أي : يغويكم ويضلكم (الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : حجبوا من قوى الوهم والتخيل وشياطين الإنس الضالين المضلين لما علم من قوله صلىاللهعليهوسلم : «لفقيه واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد».
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (ظ،ظ*ظ¥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (ظ،ظ*ظ¦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (ظ،ظ*ظ§) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (ظ،ظ*ظ¨))
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أي : علم تفاصيل الصفات وأحكام تجلياتها بالحق ملتبسا بالعدل والصدق أو قائما بالحق لا بنفسك لتكون حاكما بين الخلق (بِما أَراكَ اللهُ) من عدله (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ) الذين لا يؤدّون أمانة الله التي أودعها عندهم في الأزل بما ركز في استعدادهم من إمكان كمال معرفته وخانوا أنفسهم وغيرهم بنهب حقوقهم وصرفها في غير وجهها (خَصِيماً) يدفع عنهم العذاب وتسليط الله الخلق عليهم بالإيذاء ويحج عنهم على غيرهم أو على الله بالاعتراض بأنه لم خذلهم وقهرهم فإنهم الظالمون لا حجة لهم بل الحجة عليهم (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) لنفسك بترك الاعتراض والاحتجاج عنهم لنغفر تلوينك الذي ظهر عليك بوجود قلبك وبصفاته (وَلا تُجادِلْ) ظهر تأويله من هذا (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) بكتمان رذائلهم وصفات نفوسهم التي هي معايبهم عنهم (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) بإزالتها وقلعها وهو شاهدهم يعلم بواطنهم (إِذْ يُبَيِّتُونَ) أي : يقدّرون في عالم ظلمة النفس والطبيعة (ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) من الوهميات والتخيلات الفاسدة التي يلفقونها في تحصيل أغراضهم من حطام الدنيا ولذاتها (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) يجازيهم بحسب صفاتهم وأعمالهم.
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (ظ،ظ*ظ©) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً (ظ،ظ،ظ*) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (ظ،ظ،ظ،))
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ظاهر مما مرّ (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً) بظهور صفة من صفات نفسه (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) بنقص شيء من كمالاته التي هي مقتضى استعداده بتقصير فيه وارتكاب عمل
ينافيه ثم يطلب من الله ستر تلك الصفة والهيئة الساترة لكماله بالتوجه إليه والتنصل عن الذنب (يَجِدِ اللهَ غَفُوراً) يستر ذلك السوء والهيئة المظلمة بنور صفته (رَحِيماً) يهب ما يقتضيه استعداده.
(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (ظ،ظ،ظ¢))
(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً) بظهور نفسه (أَوْ إِثْماً) يمحو ما في استعداده وكسب هيئة منافية لكماله (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) بأن قال : حملني على ذلك فلان ، ومنعني عن طلب الحق فلان ، وهذا جريمة فلان ، كما هو عادة المتعللين بالأعذار (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً) بنسبة فعله إلى الغير إذ لو لم يكن في نفسه ميل لما يضادّ كماله ومناسبة لمن وافقه وإطاعة لما قبل ذلك منه ، فما كان إلا من قبل نفسه كما قال لهم الشيطان : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) (ظ،) إذ لو لم يكن في نفوسهم ظلمة بكسبها وظهور صفاتهم لم يكن فيهم محل لوسوسته وقابلية لدعوته (وَإِثْماً مُبِيناً) ظاهرا متضاعفا لتركبه من هيئة الخطيئة والامتناع من الاعتراف ، ونسبة التقصير إلى أنفسهم لتنكسر فتضعف عن الاستيلاء على القلب وحجبه عن الكمال.
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (ظ،ظ،ظ£) لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (ظ،ظ،ظ¤) وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (ظ،ظ،ظ¥) إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (ظ،ظ،ظ¦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (ظ،ظ،ظ§) لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (ظ،ظ،ظ¨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (ظ،ظ،ظ©) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (ظ،ظ¢ظ*) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (ظ،ظ¢ظ،) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً (ظ،ظ¢ظ¢) لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (ظ،ظ¢ظ£) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (ظ،ظ¢ظ¤))
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ) أي : توفيقه وإمداده لسلوك طريقه بما يخرج كمالك إلى الفعل ويبرز ما فيك كامنا من العلم (وَرَحْمَتُهُ) هبته لذلك الكمال المطلق الذي أودعه فيك في الأزل وهي الرحمة التي ليس وراءها رحمة (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لكون الضلال ناشئا من أصل استعدادهم لكونهم مجبولين على الشقاوة أزلا فكيف يرجع ذلك الضلال المعجون فيهم إلى غيرهم.
(وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ) أي : العلم التفصيلي التامّ بعد الوجود الموهوب (وَالْحِكْمَةَ) وعلم أحكام التفاصيل وتجليات الصفات مع العمل به (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) لأنه علم الله لا يعلمه إلا هو ، فلما كشف لك عن ذاته بفنائك فيه ثم أبقاك بالوجود الحقانيّ فصار قلبك وحجبك بحجاب ذلك القلب علمك علمه ، إذ الصفة تابعة للذات (وَكانَ فَضْلُ اللهِ) في إظهار هذا الكمال عليك بالتوفيق للعمل الذي أوصلك إلى ما أوصلك (عَظِيماً* لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) فإنها فضول ، والفضول يجب تركها على السالك كما قال عليه الصلاة والسلام : «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
(إِلَّا مَنْ أَمَرَ) أي : إلا نجوى من أمر (بِصَدَقَةٍ) أي : بفضيلة السخاء التي هي من باب العفة (أَوْ مَعْرُوفٍ) قوليّ كتعليم علم وحكمة من باب فضيلة الحكمة ، أو فعليّ كإغاثة ملهوف وإعانة مظلوم من باب الشجاعة (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) من باب العدالة (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي : يجمع بين الكمالات المذكورة (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) لا لطلب المحمدة أو الرياء والسمعة ، فتصير به الفضيلة رذيلة (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) من جنات الصفات.
(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) أي : نفوسا ، إذ كل من يشرك بالله فهو عابد لنفسه بطاعة هواها ، وعابد لشيطان الوهم بقبول إغوائه وطاعته ، أو كل ما يعبد من دون الله لأنه ممكن وكل ممكن فهو متأثر عن الغير قابل لتأثيره محتاج إليه وهي صفة الإناث (نَصِيباً مَفْرُوضاً) أي : غير المخلصين الذين أخلصوا دينهم بالتوحيد (وَلَآمُرَنَّهُمْ) بالعادات الفاسدة والأهواء المردية والأفعال الشنيعة المخالفة للعقل والشرع (وَالَّذِينَ آمَنُوا) الإيمان الحقيقيّ التوحيد ، لأنهم في مقابلة المشركين (وَعَمِلُوا) ما يصلح لهم في الوصول إلى الجمع أو يصلح للناس أجمعين بالاستقامة في الله وبالله بعد الفناء وحصول البقاء (سَنُدْخِلُهُمْ) الجنات الثلاثة المذكورة (لَيْسَ) حصول الموعود (بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) أي : ما بقيتم مع نفوسكم وصفاتها وأفعالها ، فإرادتكم مجرّد تمن والتمني طلب ما يمتنع وجوده في العادة.
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (ظ،ظ¢ظ¥) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (ظ،ظ¢ظ¦) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (ظ،ظ¢ظ§) وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (ظ،ظ¢ظ¨) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (ظ،ظ¢ظ©) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً (ظ،ظ£ظ*) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً (ظ،ظ£ظ،) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (ظ،ظ£ظ¢) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (ظ،ظ£ظ£))
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً) أي طريقا (مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ) أي : وجوده (لِلَّهِ) وأخلص ذاته من شوب الآنية والإثنينية بالفناء المحض (وَهُوَ مُحْسِنٌ) مشاهد للجمع في عين التفصيل ، مراع لحقوق تجليات الصفات وأحكامها ، سالك طريق الإحسان بالاستقامة في الأعمال (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) في التوحيد (حَنِيفاً) مائلا عن كلّ شرك في ذاته وصفاته وأفعاله ، وعن كلّ دين باطل ، أي : طريق يؤدّي إلى إثبات فعل لغيره أو صفة أو ذات ، إذ دينه دين الحق ، أعني : سيره حينئذ سير إلى الله لا سير في الله بسلوك طريق الصفات ، ولا إلى الله بقطع صفات النفس ومناهل صفات القلب ، فلا دين أحسن من دينه.
(وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) يخاله ، أي : يداخله في خلال ذاته وصفاته بحيث لا يذر منها بقية ، أو يسدّ خلله ويقوم بدل ما يفنى منه عند تكميله وفقره إليه. فالخليل وإن كان أعلى مرتبة من الصفي ، لكنه أدون من الحبيب ، لأن الخليل محبّ يوشك أن يتوهم فيه بقية غيرية ، والحبيب محبوب لا يتصوّر فيه ذلك. ولهذا ألقي في نار العشق دونه.
(مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً (ظ،ظ£ظ¤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (ظ،ظ£ظ¥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (ظ،ظ£ظ¦))
(مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا) بالوقوف مع هوى النفس فما له يطلب أخسّ الأشياء ويقف في أدنى المراتب (فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ) الدارين جميعا ، بالفناء فيه لأنه الوجود المحيط بالكلّ فلا يفوته شيء (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً) بأحاديث نفوسكم (بَصِيراً) بنياتكم وإرادتكم بأعمالكم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالتوحيد العلميّ وإرادة ثواب الدارين (كُونُوا) ثابتين في مقام العدالة التي هي أشرف الفضائل (قَوَّامِينَ) بحقوقها بحيث تكون ملكة راسخة فيكم لا يمكن معها صدور جور وميل منكم في شيء ، ولا ظهور صفة نفس لاتباع هوى في جذب نفع دنيوي أو دفع مضرّة. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالإيمان التقليديّ (آمَنُوا) بالإيمان التحقيقيّ أو آمنوا بالإيمان العلمي ، أو آمنوا بالإيمان العينيّ.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (ظ،ظ£ظ§) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (ظ،ظ£ظ¨))
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) إلى آخره ، أي : تحيروا وتردّدوا بين جهتي الربوبية العلوية والسفلية لشدّة النفاق وغلبة نور الفطرة تارة واستيلاء ظلمة النفس والهوى أخرى ، لاستواء الحالتين فيهم حتى استحكمت الهيئات المظلمة وازدادت الحجب ورسخت العقائد الفاسدة والملكات الكاسدة باستيلاء صفات النفس واستعلائها مطلقا فرانت على قلوبهم (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) لمكان الرين الحاجب وفساد جوهر القلب وزوال الاستعداد (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) إلى الحق ولا إلى الكمال ولا إلى الفطرة الأصلية لعدم قبولهم الهداية وصرف عذابهم بالإيلام لمكان استعدادهم في الأصل.
(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (ظ،ظ£ظ©) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (ظ،ظ¤ظ*) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (ظ،ظ¤ظ،) إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً (ظ،ظ¤ظ¢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (ظ،ظ¤ظ£) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (ظ،ظ¤ظ¤) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (ظ،ظ¤ظ¥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (ظ،ظ¤ظ¦) ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً (ظ،ظ¤ظ§) لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً (ظ،ظ¤ظ¨) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (ظ،ظ¤ظ©))
(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) لمناسبتهم إياهم في الاحتجاب (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) لعدم الجنسية (أَيَبْتَغُونَ) التعزز بهم في الدنيا والتقوّي بمالهم وجاههم فلا سبيل إلى ذلك ، وهم قد أخطئوا لأن العزة كلها صفة من صفات الله تعالى منيع القوى والقدر ، له قوة القهر والغلبة للكل فبقدر القرب منه وقبول نوره وقوّته والاتصاف بصفاته تحصل العزة فهي بأهل الإيمان أولى وأهل الحجاب والكفر بالزلة أولى (قامُوا كُسالى) لعدم شوقهم إلى الحضور ونفورهم عنه لظلمة استعدادهم باستيلاء الهوى (لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) لئلا يتعدّى إليكم كفرهم واحتجابهم بالصحبة والمخالطة فإنه لا شيء أقوى تأثيرا من الصحبة والميل إلى ولايتهم لا يخلو عن جنسية بينهم لوجود هوى كامن فيهم وضراوة بعادة رديئة تشملهم لا يؤمن عليهم الوقوع في الكفر بغلبة الهوى والنفس.
(سُلْطاناً مُبِيناً) حجة ظاهرة في عقابكم برسوخ الهيئة التي بها تميلون إلى ولايتهم بصحبتهم ومجالستهم (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ) باعتبار زيادة عذابه وشدّة إيلامه وإحراقه لا باعتبار كونه أدون مرتبة ، إذ تأثير النار في المنافق أشدّ وأكثر إيلاما لبقية استعداد فيه. وأمّا الكافر الأصلي البهيم فلعدم استعداده لا يتألم بعذابه كما يتألم المنافق وإن كان أسوأ حالا منه وأعظم عذابا وهوانا (نَصِيراً) ينصرهم من عذاب الله لانقطاع وصلتهم وارتفاع محبّتهم مع أهل الله (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) رجعوا إلى الله ببقية نور الاستعداد وقبول مدد التوفيق (وَأَصْلَحُوا) ما أفسدوا من استعدادهم بقمع الهوى وكسر صفات النفس ورفع حجب القوى بالزهد والرياضة (وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ) بالتمسك بحبل الإرادة وقوة العزيمة في التوجه إليه (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) بإفناء موانع السلوك من صفات النفس وإزالة خفاء الشرك وقطع النظر عن الغير في السير (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) الموقنين (أَجْراً عَظِيماً) من مشاهدة تجليات الصفات وجنة الأفعال.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (ظ،ظ¥ظ*) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (ظ،ظ¥ظ،) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (ظ،ظ¥ظ¢) يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (ظ،ظ¥ظ£) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (ظ،ظ¥ظ¤) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (ظ،ظ¥ظ¥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (ظ،ظ¥ظ¦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (ظ،ظ¥ظ§) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (ظ،ظ¥ظ¨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (ظ،ظ¥ظ©))
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ) يحتجبون عن الحق والدين وعن الجمع والتفصيل (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) بالاحتجاب عن الدين دون الحق والتفصيل دون الجمع ، فينكرون الرسل لتوهمهم وحدة منافية للكثرة وجمعا مباينا للتفصيل ، وذلك هو إيمانهم بالبعض وكفرهم بالبعض.
(وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا) بين الإيمان بالكلّ جمعا وتفصيلا والكفر بالكلّ طريقا (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) المحجوبون (حَقًّا) بذواتهم وصفاتهم فإن معرفتهم وهم وغلط وتوحيدهم زندقة ليسوا من الدين ولا من الحق في شيء (مُهِيناً) يهينهم بوجود الحجاب وذل النفس وصفاتها (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) جمعا وتفصيلا (أُجُورَهُمْ) من الجنات الثلاثة (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) يستر عنهم ذواتهم وصفاتهم التي هي ذنوبهم وحجبهم بذاته وصفاته (رَحِيماً) يرحمهم بتمتيعهم بالجنات الثلاثة وبالوجود الموهوب الحقانيّ والبقاء السرمدي (كِتاباً مِنَ السَّماءِ) علما يقينيا بالمكاشفة من سماء الروح (أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) لأن المشاهدة أكبر وأعلى من المكاشفة (بِظُلْمِهِمْ) بطلبهم المشاهدة مع بقاء ذواتهم إذ وجود البقية عند المشاهدة وضع الشيء في غير موضعه وطلب المشاهدة مع البقية طغيان من النفس ينشأ من رؤيتها كمالات الصفات لنفسها وذلك ظلم (سُلْطاناً) تسلطا بالحجة عليهم بعد الإفاقة (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) إلى قوله (لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) رفع عيسى عليهالسلام اتصال روحه عند المفارقة عن العالم السفليّ بالعالم العلوي. وكونه في السماء الرابعة إشارة إلى أن مصدر فيضان روحه روحانية تلك الشمس الذي هو بمثابة قلب العالم ومرجعه إليه وتلك الروحانية نور يحرّك ذلك الفلك بمعشوقيته وإشراق أشعته على نفسه المباشرة لتحريكه ولما كان مرجعه إلى مقرّه الأصليّ ولم يصل إلى الكمال الحقيقيّ وجب نزوله في آخر الزمان ، بتعلّقه ببدن آخر وحينئذ يعرفه كل أحد فيؤمن به أهل الكتاب ، أي : أهل العلم العارفين بالمبدأ والمعاد كلهم عن آخرهم قبل موت عيسى بالفناء في الله ، وإذ آمنوا به يكون يوم القيامة أي يوم بروزهم عن الحجب الجسمانية وقيامهم عن حال غفلتهم ونومهم الذي هم عليه الآن (شَهِيداً) شاهدهم يتجلى عليهم الحق في صورته كما أشير إليه.
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (ظ،ظ¦ظ*) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (ظ،ظ¦ظ،))
(فَبِظُلْمٍ) عظيم (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) أي : بعباداتهم عجل النفس واتخاذه إلها وامتناعهم عن دخول القرية التي هي حضرة الروح واعتدائهم في السبت بمخالفة الشرع والاحتجاب عن كشف توحيد الأفعال ونقضهم ميثاق الله واحتجابهم عن تجليات الصفات الذي هو كفرهم بآيات الله والانغماس في الرذائل كلها ، كقتل الأنبياء والافتراء على الله بكون قلوبهم غلفا أي : مغشاة بحجب خلقية لا سبيل إلى رفعها وبهتانهم على مريم ، وادعائهم قتل عيسى عليهالسلام من الخصال التي اجتماعها ظلم لا يعرف كنهه (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ) جنات النعيم من تجليات الأفعال والصفات وشهود الذات التي هي طيبات لا يعرف كنهها (أُحِلَّتْ لَهُمْ) بحسب قابلية استعدادهم لو لا هذه الموانع (وَبِصَدِّهِمْ) الناس بصحبتهم ومرافقتهم ودعوتهم إلى الضلال أو بصدّ قواهم الروحانية (عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراًوَ أَخْذِهِمُ) ربا فضول العلوم كالخلاف والجدل واللذات البدنية والحظوظ التي نهوا عنها (وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) برذيل الحرص والطبع كأخذ الرشا وأجر التزويرات والتلبيسات أو استعمال علوم القوى الروحانية بين الفكر والعقل النظريّ والعلميّ في تحصيل المآكل والمشارب وكسب الحطام ، وتحصيل اللذات والشهوات الحسيّة والمآرب السبعية والبهيمية عذابا مؤلما لوجود استعدادهم.
(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (ظ،ظ¦ظ¢) إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (ظ،ظ¦ظ£) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً (ظ،ظ¦ظ¤))
(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) أي : المحققون (مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ) بالإيمان التقليدي المطابق الثابت (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) إلى آخره ، أي : يتّصفون بالتزكية والتحلية (وَالْمُؤْمِنُونَ) الموحدون بالتوحيد العيانيّ (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) المعاينون لأحوال المعاد على ما هو عليه (أَجْراً عَظِيماً) من حظوظ تجليات الصفات وجناتها.
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (ظ،ظ¦ظ¥) لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (ظ،ظ¦ظ¦) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (ظ،ظ¦ظ§) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (ظ،ظ¦ظ¨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (ظ،ظ¦ظ©) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (ظ،ظ§ظ*))
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ) بتجليات صفات اللطف (وَمُنْذِرِينَ) بتجليات صفات القهر (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ) ظهور وسلطنة بوجود صفة ما بعد رفعها ومحوها بإمداد الرسل (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) قويا يقهرهم بمحو صفاتهم وإفناء ذواتهم (حَكِيماً) لا يفعل ذلك إلا بحكمة اتصافهم بصفاته أو بقائهم بذاته. (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) لكونك في مقام الجمع وهم محجوبون لا يقرّون به بل هو يشهد (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) ملتبسا بعلمه ، أي : في حالة كونه عالما به بحيث أنه علمه الخاص لا علمك ولا علم غيرك من غيره.
(وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) لكونك مراعيا للتفصيل في غير الجمع فهو الشاهد بذاته وبأسمائه وصفاته (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أي : الذات مع الصفات تكفي في الشهادة إذ لا موجود غيره (كَفَرُوا) حجبوا عن الحق لكون ضلالهم (بَعِيداً* إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) حجبوا عن الدين (وَظَلَمُوا) منعوا استعداداتهم عن حقوقها من الكمال بارتكاب الرذائل وتسليط صفات النفس على قلوبهم (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) لرسوخ هيئات الرذائل فيهم وبطلان الاستعداد (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) لجهلهم المركب واعتقادهم الفاسد وعدم علمهم بطريق ما من طرق الكمال (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) نيران أشواق نفوسهم إلى ملاذها مع حرمانهم عنها (وَكانَ ذلِكَ) سهلا على الله لانجذابهم إليها بالطبيعة.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (ظ،ظ§ظ،))
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) أما اليهود فبالتعمق في الظاهر ونفي البواطن وحط عيسى عن درجة النبوّة ومقام الاتصاف بصفات الربوبية. وأما النصارى فبالتعمق في البواطن ونفي الظواهر ورفع عيسى إلى مقام الألوهية (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) بالجمع بين الظواهر والبواطن والجمع والتفصيل كما هو عليه التوحيد المحمديّ ، والقول : بكون عيسى مظهر الصفات الإلهية ، حيا بحياته داعيا إلى مقام توحيد الأوصاف (كَلِمَتُهُ) نفسا مجرّدة هي كلمة من كلمات الله ، أي : حقيقة من حقائقه الروحانية وروحا من أرواح (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ)
بالجمع والتفصيل (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) بزيادة الحياة والعلم على الذات ، فيكون الإله ثلاثة أشياء ويكون عيسى جزء من حياته بالنفخ أو بالتفرقة بين ذات الحق وعالم النور وعالم الظلمة ، فيكون عيسى متولدا من نوره. بل قولوا بالكل من حيث هو كلّ فيكون العلم والحياة عين الذات وكذا عالم النور والظلمة. ويكون عيسى فانيا فيه موجودا بوجوده ، حيّا بحياته ، عالما بعلمه ، وذلك وحدته الذاتية المعبر عنها بقوله (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ) نزّهه عن أن يكون موجود غيره ، فيتوّلد منه وينفصل ويجانسه بأنه موجود مثله ، بل هو الموجود من حيث هو وجود.
(لَهُ ما فِي السَّماواتِ) الأرواح (وَما فِي الْأَرْضِ) الأجساد بكونها أسماءه وظاهره وباطنه (وَكِيلاً) يقوم مقام الخلق في أفعالهم وصفاتهم وذواتهم عند فنائهم في التوحيد ، كما
قال أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام : «لا إله إلّا الله بعد فناء الخلق».
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (ظ،ظ§ظ¢))
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) في مقام التفصيل ، إذ باعتبار الجمع لا وجود للمسيح ولا لغيره فلا ممكن أصلا. وأما باعتبار التفصيل فكلّ ما ظهر بتعين فهو ممكن ، والممكن لا وجود له بنفسه فضلا عن شيء غيره فيكون عبدا محتاجا ذليلا مفتقرا غير مستنكف عن ذلّة العبودية وإن كان غنيّا عن تعلق الأجسام بالتجرّد المحض والتقدّس عن دنس الطبائع كالملائكة المقرّبين الذين هم الأرواح المجرّدة والأنوار المحضة (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ) بظهور أنيته (وَيَسْتَكْبِرْ) بطغيانه في الظهور بصفاته (فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) بظهور نور وجهه وتجليه بصفة قاهريته حتى يفنوا بالكلية في عين الجمع ، كما قال تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (ظ،) ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنّ لله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة ، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (ظ،ظ§ظ£) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (ظ،ظ§ظ¤))
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالفناء في عين الجمع بمحو الصفات وطمس الذات (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بالاستقامة في الأعمال ومراعاة تفاصيل الصفات وتجلياتها (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ)
وصفاتهم من جنات صفاته (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) بالوجود الموهوب بعد الفناء في الذات (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا) بظهور أنيتهم (وَاسْتَكْبَرُوا) طغوا عند تجليات الصفات وتنوّرهم بنورها ، فظهروا بها ونسبوها إلى أنفسهم كمن قال : أنا ربّكم الأعلى.
(فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً) باحتجابهم ببقايا ذواتهم وصفاتهم وحرمانهم عن مقام الجمع (وَلا يَجِدُونَ) غير الله (وَلِيًّا) يواليهم برفع حجاب الذات (وَلا نَصِيراً) ينصرهم في رفع حجاب الصفات البرهاني وهو التوحيد الذاتي والنور المبين وهو التفصيل في عين الجمع ، أي : القرآن الذي هو علم الجمع والفرقان الذي هو علم التفصيل.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (ظ،ظ§ظ¥) يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (ظ،ظ§ظ¦))
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالتوحيد الذاتي واعتصموا به أي : في كثرة الصفات وتفرّقها وراعوا الجمع في التفاصيل (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ) من جنات الصفات التي لا يعرف كنهها (وَفَضْلٍ) من جنات الذات (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) بالاستقامة إلى الوحدة في تفاصيل الكثرة أو رحمة من جنات الأفعال وفضل من جنات الصفات ، ويهديهم إليه صراطا مستقيما من تفاصيل الصفات إلى الفناء في الذات ، والأولى أولى بهذا المقام ، ولك التطبيق على تفاصيل وجودك وأحوالك في نفسك حيث أمكن من هذه السورة على القاعدة التي مرّت في سورة (آل عمران) والله تعالى أعلم
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (ظ،))
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) احذروه في انتحال صفته عند صدور الخيرات منكم ، واتخذوا الصفة وقاية لكم في صدور ما صدر منكم من الخير ، وقولوا صدر عن القادر المطلق (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) هي النفس الناطقة الكلية ، التي هي قلب العالم ، وهو آدم الحقيقيّ (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أي : النفس الحيوانية الناشئة منها. وقيل : إنها خلقت من ضلعه الأيسر من الجهة التي تلي عالم الكون ، فإنها أضعف من الجهة التي تلي الحق ، ولو لا زوجها لما أهبط إلى الدنيا. كما اشتهر أنّ إبليس سوّل لها أولا فتوسل بإغوائها إلى إغواء آدم ولا شك في أنّ التعلق البدنيّ لا يتهيأ إلا بواسطتها (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً) أي : أصحاب قلوب ينزعون إلى أبيهم (وَنِساءً) أصحاب نفوس وطبائع ينزعون إلى أمّهم (وَاتَّقُوا اللهَ) في ذاته عن إثبات وجودكم ، واجعلوه وقاية لكم عند ظهور البقية منكم في الفناء في التوحيد حتى لا تحتجبوا برؤية الفناء (الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ) لا بكم (وَالْأَرْحامَ) أي : احذروا الأرحام الحقيقية ، أي أقربة المبادئ العالية من المفارقات وأرواح الأنبياء والأولياء في قطعها بعدم المحبة ، واجعلوها وقاية لكم في حصول سعاداتكم وكمالاتكم ، فإنّ قطع الرحم بفقد المحبة توجه عن الاتصال ، والوحدة إلى الانفصال والكثرة ، وهو المقت الحقيقيّ والبعد الكليّ عن جناب الحق تعالى ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : «صلة الرحم تزيد في العمر» ، أي : توجب دوام البقاء. واعلم أنّ الرحم من الظاهر صورة الاتصال الحقيقي في الباطن ، وحكم الظاهر في التوحيد كحكم الباطن ، فمن لا يقدر على مراعاة الظاهر فهو أحرى بأن لا يقدر على مراعاة الباطن (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) يرقبكم لئلا تحتجبوا عنه بظهور صفة من صفاتكم ، أو بقية من بقاياكم فتتعذبوا.
(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (ظ¢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (ظ£) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (ظ¤) وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (ظ¥) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (ظ¦) لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (ظ§) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (ظ¨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (ظ©) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (ظ،ظ*) يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (ظ،ظ،) وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (ظ،ظ¢) تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (ظ،ظ£) وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (ظ،ظ¤) وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (ظ،ظ¥) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (ظ،ظ¦) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (ظ،ظ§) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (ظ،ظ¨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (ظ،ظ©) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (ظ¢ظ*) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (ظ¢ظ،) وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (ظ¢ظ¢) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (ظ¢ظ£) وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (ظ¢ظ¤) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (ظ¢ظ¥) يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (ظ¢ظ¦) وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (ظ¢ظ§) يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (ظ¢ظ¨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (ظ¢ظ©) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (ظ£ظ*))
(وَآتُوا الْيَتامى) يتامى قواكم الروحانية ، المنقطعين عن تربية الروح القدسيّ الذي هو أبوهم (أَمْوالَهُمْ) أي : معلوماتهم وكمالاتهم ، وربوهم بها (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ) من المحسوسات والخياليات والوساوس ودواعي الوهم وسائر قوى النفس التي هي أموالها (بِالطَّيِّبِ) من أموالهم (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) أي : لا تخلطوها بها ، فيشتبه الحق بالباطل وتستعملوها في تحصيل لذاتكم الحسّية وكمالاتكم النفسية ، فتنتفعوا بها في مطالبكم الخسيسة الدنيوية وتجعلوها غذاء نفوسكم (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) حجبة وحرمانا.
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (ظ£ظ،) وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (ظ£ظ¢) وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (ظ£ظ£) الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (ظ£ظ¤) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (ظ£ظ¥))
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) من إثبات الغير في الوجود الذي هو الشرك ذاتا وصفة وفعلا ، فإن أكبر الكبائر إثبات وجود غير وجوده تعالى .
(نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) بظهور النفس والقلب بصفة من صفاتها أحيانا ، فإنها بعد ظهور نور التوحيد لا تثبت (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) أي : حضرة عين الجمع لا كرم إلا فيها (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) من الكمالات المرتبة بحسب الاستعدادات الأولية ، فإن كل استعداد يقتضي بهويته في الأزل كمالا وسعادة تناسبه ، وحصول ذلك الكمال الخاصّ لغيره محال. ولذلك ذكر بلفظ التمني الذي هو طلب ما يمتنع حصوله للطالب لامتناع نسبته (لِلرِّجالِ) أي : الأفراد الواصلين (نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ) بنور استعدادهم الأصليّ (وَلِلنِّساءِ) أي : الناقصين القاصرين عن الوصول (نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) بقدر استعدادهنّ (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) أي : اطلبوا منه إفاضة كمال يقتضيه استعدادكم بالتزكية والتصفية حتى لا يحول بينكم وبينه فتحتجبوا وتتعذبوا بنيران الحرمان منه (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ) مما يخفى عليكم ، كامنا في استعدادكم بالقوّة (عَلِيماً) فيجيبكم بما يليق بكم كما قال : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) (ظ،) أي : بلسان الاستعداد الذي ما دعاه أحد به إلّا أجاب ، كما قال : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (ظ¢).
(وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (ظ£ظ¦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (ظ£ظ§)) (وَاعْبُدُوا اللهَ) خصّصوه بالتوجه إليه ، والفناء فيه ، الذي هو غاية التذلّل (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) بإثبات وجوده (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وأحسنوا بالروح والنفس اللذين تولّد القلب منهما وهو حقيقتكم ، لستم إلّا إيّاه ، ووفوا حقوقهما وراعوهما حقّ المراعاة بالاستفاضة من الأول ، والتوجه إليه بالتسليم والتعظيم وتزكية الثانية ، وحفظها من أدناس محبة الدنيا ، والتذلّل بالحرص والشره وأمثالهما ، ومن شرّ الشيطان وعداوته إياها وأعينوها بالرأفة والحمية بتوفير حقوقها عليها ، ومنع الحظوظ عنها (وَبِذِي الْقُرْبى) الذي يناسبكم في الحقيقة بحسب القرب في الاستعداد الأصليّ والمشاكلة الروحانية (وَالْيَتامى) المستعدّين المنقطعين عن نور الروح القدسيّ الذي هو الأب الحقيقي ، بالاحتجاب عنه (وَالْمَساكِينِ) العاملين الذين لا مال لهم ، أي : لا حظ من العلوم والمعارف والحقائق ، فسكنوا ولم يقدروا على المسير وهم السعداء الصالحون الذين مآلهم إلى جنة الأفعال.
(وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) الذي هو في مقام من مقامات السلوك ، قريب من مقامك (وَالْجارِ الْجُنُبِ) الذي هو في مقامه بعيد من مقامك ، (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) والرفيق الذي هو في عين مقامكم ويرافقكم في سيركم (وَابْنِ السَّبِيلِ) أي : السالك في طريق الحقّ ، الداخل في الغربة عن مأوى النفس الذي لم يصل إلى مقام من مقامات أهل الله (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من أهل إرادتكم ومحبتكم ، الذين هم عبيدكم كلّا بما يناسبه ويليق به من أنواع الإحسان ، وإن شئت أوّلت ذي القربى بما يتصل به من الملكوت العالية من المجرّدات واليتامى بالقوى الروحانية كما مرّ. والمساكين بالقوى النفسانية من الحواس الظاهرة وغيرها.
والجار ذي القربى بالعقل ، والجار الجنب بالوهم ، والصاحب بالجنب بالشوق أو الإرادة ، وابن السبيل بالفكر ، والمماليك بالملكات المكتسبة التي هي مصادر الأفعال الجميلة.
(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً) يسعى في السلوك بنفسه لا بالله ، معجبا بأعماله (فَخُوراً) مبتهجا بأحواله ومقاماته وكمالاته ، محتجبا برؤيتها ورؤية اتصافه بها (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) أولا بإمساك كمالاتهم وعلومهم في مكامن قرائحهم ومطامير غرائزهم ، لا يظهرونها بالعمل بها في وقتها ثم بالامتناع عن توفير حقوق ذوي الحقوق عليهم ، لا يبذلون صفاتهم وذواتهم بالفناء في الله لمحبتهم لها ، ولا ينفقون أموال علومهم وأخلاقهم وكمالاتهم على ما ذكرنا من المستحقين. (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) يحملونهم على مثل حالهم (وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) من التوحيد والمعارف والأخلاق والحقائق في كتم الاستعداد وظلمة القوة كأنها معدومة (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) المحجوبين عن الحق (عَذاباً مُهِيناً) في ذلّ وجوههم وشين صفاتهم.
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (ظ£ظ¨) وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً (ظ£ظ©) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (ظ¤ظ*))
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) أي : يبرزون كمالاتهم من كتم العدم ، ويخرجونها إلى الفعل ، محجوبين برؤيتها لأنفسهم ، يراءون الناس بأنها لهم (وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) الإيمان الحقيقي ، فيعلمون أن الكمال المطلق ليس إلا له ، ومن أين لغيره وجود حتى يكون له؟ فيتخلصون عن حجاب رؤية الكمال لأنفسهم ، وينجون عن إثم العجب. (وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي : الفناء في الله والبروز للواحد القهّار ، فيتبرّؤون من ذنب الشرك ، وذلك لمقارنة شيطان الوهم إياهم (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) لأنه يضلّه عن الهدى ، ويحجبه عن الحقّ (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ) أي : لو صدّقوا لله بالتوحيد والفناء فيه ، ومحو كمالاتهم التي رزقهم الله بإضافتها إلى الله؟ (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) يجازيهم بالبقاء بعد الفناء ، وكونهم مع تلك الصفات والكمالات بالله لا بأنفسهم.
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ) أي : لا ينقص من تلك الكمالات بالفناء فيه (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) بل يضاعفها بالتأييد الحقانيّ (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) ولا تكون حسنة إلا إذا كانت له (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) هو ما أخفي له من قرّة أعين ، أي : الشهود الذاتي الذي لا حجبة معه عن تفاصيل الصفات.
(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (ظ¤ظ،))
(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) إلى آخره ، الشهيد والشاهد : ما يحضر كلّ أحد مما بلغه من الدرجة في العرفان ، وهو الغالب عليه ، فهو يكشف عن حاله وعمله وسعيه ومبلغ جهده مقاما كان أو صفة من صفات الحق أو ذاتا ، فلكل أمّة شهيد بحسب ما دعاهم إليه نبيهم وعرّفه لهم وما دعاهم إلا إلى ما وصل إليه من مقامه في المعرفة ، ولا يبعث نبيّ إلا بحسب استعداد أمّته فهم يعرفون الله بنور استعدادهم في صورة كمال نبيّهم. ولهذا ورد في الحديث : إن الله يتجلى لعباده في صورة معتقدهم ، فيعرفه كلّ واحد من الملل والمذاهب ، ثم يتحوّل عن تلك الصورة ، فيبرز في صورة أخرى فلا يعرفه إلّا الموحدون الداخلون في حضرة الأحدية من كل باب. وكما أنّ لكل أمّة شهيدا ، فكذلك لكل أهل مذهب شهيد ، ولكل واحد شهيد يكشف عن حال مشهوده ، وأما المحمّديون فشهيدهم الله المحبوب الموصوف بجميع الصفات لمكان كمال نبيهم وكونه حبيبا مؤتى جوامع الكلم ،
متمما لمكارم الأخلاق ، فلا جرم يعرفونه عند التحوّل في جميع الصور إذا تابعوا نبيهم حق المتابعة ، وكانوا أوحديين محبوبين كنبيهم.
(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً (ظ¤ظ¢))
(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالاحتجاب عن الحق (وَعَصَوُا الرَّسُولَ) بالاحتجاب عن الدين (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ) أرض الاستعداد ، فتنطمس نفوسهم أو تصير ساذجة لا نقش فيها من العقائد الفاسدة والرذائل الموبقة (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) أي : لا يقدرون على كتم حديث من تلك النقوش حتى لا يتعذبون بعقابه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (ظ¤ظ£) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (ظ¤ظ¤))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالإيمان العلميّ ، فإن المؤمن بالإيمان العيني لا يكون في صلاته غافلا (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) أي : لا تقربوا مقام الحضور والمناجاة مع الله في حال كونكم (سُكارى) من نوم الغفلة ، أو من خمور الهوى ومحبة الدنيا (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) في مناجاتكم ولا تشتغل قلوبكم بأشغال الدنيا ووساوسها فتذهلوا عنه ، ولا في حال كونكم بعداء عن الحق بشدّة الميل إلى النفس ومباشرة لذاتها وشهواتها وحظوظها والركون إليها (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) أي : مارّين عليها ، سالكي طريق من طرق تمتعاتها بقدر الضرورة والمصلحة كعبور طريق الاغتذاء بالمطعم والمشرب لسدّ الرمق وحفظ القوة ، والاكتساء لدفع الحرّ والبرد وستر العورة ، والمباشرة لحفظ النسل لا منجذبين إليها بالكلية بمجرّد الهوى فتنطبع فيكم فلا يمكن زوالها أو يتعذر (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) أي : تتطهروا عن تلك الهيئة الحاصلة من الانجذاب إلى الجهة السفلية بماء التوبة والاستغفار وعيون التنصل والاعتذار (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) القلوب ، فاقدي سلامتها بأمراض العقائد الفاسدة والرذائل المهلكة (أَوْ عَلى سَفَرٍ) في تيه الجهل والحيرة لطلب لذّة النفس ومادة الرجس بالحرص (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ) من الاشتغال بلوث المال وكسب الحطام ملوّثا بهيئة محبته وميله راسخة فيه تلك الهيئة (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) لازمتم النفوس وباشرتموها في لذاتها وشهواتها (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) علما يهديكم إلى التفصي منها ويهذبكم بالتطهّر عنها (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) فتوجهوا صعيد استعدادكم الطيب ، واقصدوه وارجعوا إلى أصل الاستعداد الفطريّ (فَامْسَحُوا) من نوره (بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) أي : ذواتكم الموجودة وصفاتكم بالنزول ومحو هيئات التعلق بها ، والتصرّف فيها ، فإن ذلك التراب يمحو آثارها ويذرها صافية كما كانت (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا) يعفو عن تلك الهيئات المظلمة ورسوخ تلك الملكات الحاجبة بتركها والإعراض عنها ، فيزيلها بالكلية فيصفو استعدادكم وتستعدّوا للقائه ومناجاته (غَفُوراً) يستر صفاتكم وذواتكم بصفاته وذاته.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (ظ¤ظ¤) وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً (ظ¤ظ¥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (ظ¤ظ¦))
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) أي : بعضا هو اعترافهم بالحق مع احتجابهم عن الدين (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) يستبدلون الاحتجاب عن الدين الذي هو طريق الحق بنور هداية استعدادهم ويريدون بكم ذلك أيضا وهم أعداؤكم ، علم الله عداوتهم إياكم إذا (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) يلي أمركم بالتوفيق لطريق التوحيد ، ونصيرا ينصركم على أعدائكم بالقمع.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (ظ¤ظ§) إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (ظ¤ظ¨))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) كتاب الاستعداد (آمِنُوا) إيمانا حقيقيا عيانيا بإخراج ما في كتاب استعدادكم إلى الفعل من توحيد الذات (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) بإزالة استعدادها ومحوه (فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) التي هي أسفل سافلي عالم الجسم الذي هو خلف كل عالم (أَوْ نَلْعَنَهُمْ) نعذبهم بالمسخ كما مسخنا (أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) أي : مقضيا إلى الأبد ، لا يغيّره أحد ولا ينقضه (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) إشارة إلى أنّ الشقاوة العلمية الاعتقادية مخلّدة لا تتدارك أبدا دون العملية ، أي : لا يستر بوجوده ولا يفني بذاته من يثبت غيره في الوجود وكيف وأنه يناوبه بوجوده.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (ظ¤ظ©) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (ظ¥ظ*))
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) أي : يزيلون صفات نفوسهم بنفوسهم ، وذلك غير ممكن كما لا يمكن لأحدنا حمل نفسه إذ هي لوازم النفس باقية لازمة لها ، ولهذا قال تعالى :
(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) (ظ،) ، إذ الرذائل معجونة فيها ، باقية ببقائها. وقال عليه الصلاة والسلام : «شرّ الناس من قامت عليه القيامة وهو حيّ» أي : يقف على علم التوحيد ونفسه لم تمت بالفناء حتى تحيى بالله ، فإنه حينئذ زنديق قائل بالإباحة في الأشياء.
(بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) بمحو صفاته وإزالتها بصفاته تعالى (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) أي : لا ينقصون شيئا حقيرا من صفاتهم وحقوقها فإنّ الله لا يأخذ شيئا منها مع ضعفها وسرعة انقضائها حتى يعطي بدله من صفاته مع قوتها ودوامها (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) با دعاء تزكية نفوسهم من صفاتها وما تزكّت ، أو بانتحال صفات الله إلى أنفسهم لوجود نفوسهم.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (ظ¥ظ،) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (ظ¥ظ¢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (ظ¥ظ£) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (ظ¥ظ¤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (ظ¥ظ¥))
(أَلَمْ تَرَ) إلى آخره ، (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) لإثباتهم وجود الغير ، وذلك إضلالهم عن الدين الذي هو طريق التوحيد (وَيَقُولُونَ) لأجل الذين حجبوا عن الحق (هؤُلاءِ أَهْدى) من الموحدين (سَبِيلاً) لموافقتهم في الشرك دون المؤمنين ، فإنهم يخالفونهم في الطريق والمقصد ، إذ المعترفون بالتوحيد لما ضلّوا السبيل لم يصلوا إلى المقصد الذي اعترفوا به فلزمهم شرك خفيّ قريب من حال المحجوبين عن الحق الذين أشركوا شركا جليّا فناسبوهم وصوّبوهم وزعموا أنهم أهدى الموحدين على ما نرى عليه بعض الظاهريين من الإسلاميين (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) بمسخ الاستعداد ، ومن طرده الله فلا يمكن لأحد نصرته بالهداية والتقريب والإنجاء.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (ظ¥ظ¦))
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا) أي : حجبوا عن تجليات صفاتنا وأفعالنا. إذ مطلع الآية كونه متجليا بالعلم والحكمة والملك في آل إبراهيم (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ) نار شوق الكمال لاقتضاء غرائزهم وطبائعهم بحسب استعدادهم ذلك مع رسوخ الحجاب ولزومه ، أو نار قهر من تجلّيات صفات قهره تناسب أحوالهم ، أو نار شره نفوسهم وحدّة شوقها وطلبها لما ضرّيت بها من كمالات صفاتها وشهواتها مع حرمانها عنها (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) رفعت حجبهم الجسمانية بانسلاخهم عنها (بَدَّلْناهُمْ) حجبا غيرها جديدة (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) نيران الحرمان (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً) قويا يقهرهم ويذلهم بذل صفات نفوسهم ، ويحرقهم بنيران توقانها إلى كمالاتهم مع حرمانهم أبدا (حَكِيماً) يجازيهم بما يناسبهم من العذاب الذي اختاروه لأنفسهم بدواعيهم الغضبية والشهوية وغيرها ، وميولهم إلى الملاذ الجسمانية فلذلك بدلوا حجبا ظلمانية بعد حجب.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (ظ¥ظ§))
(وَالَّذِينَ آمَنُوا) بتوحيد الصفات (وَعَمِلُوا) ما يصلحهم لقبول تجلياتها (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ) الاتصاف بها ومقاماتها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي : أنهار علوم تجلياتها من علوم القلب. والأزواج هاهنا الأرواح المقدّسة التي هي مظاهر الصفات الإلهية المطهرة بالهيئات البدنية (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) أي : ظلّ الصفات الإلهية الدائم روحها بمحو الصفات البشرية.
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (ظ¥ظ¨))
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) أي : حق كلّ ذي حق إليه بتوفية حق الاستعداد أولا ، ثم بتوفية حقوق القوى كلها من كمالاتها التي تقتضيها ، ثم بتوفية حق الله تعالى من أداء الصفات إليه ، ثم أداء الوجود فتكونوا فانين في التوحيد. فإذا رجعتم إلى البقاء بعد الفناء ، وحكمتم بين الناس ، كنتم قائمين في الأشياء بالله ، قوّامين بالقسط ، متصفين بعدل الله بحيث لا يمكن صدور الجور منكم. وأقلّ الدرجات في العدل هو المحو في الصفات ، إذ القائم بالنفس لا يقدر على العدل أبدا (إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً) بأقوالكم فيما بين الناس من المحاكمات ، هل هي صائبة بالحق أم فاسدة بالنفس؟ (بَصِيراً) بأعمالكم ، هل تصدر من صفات نفوسكم أو من صفات الحق؟.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (ظ¥ظ©))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بتوحيد الصفات (أَطِيعُوا اللهَ) بتوحيد الذات والفناء في الجمع (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) بمراعاة حقوق التفصيل في عين الجمع وملاحظة ترتيب الصفات بعد الفناء في الذات (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ممن استحق الولاية والرياسة كما مر في حكاية طالوت.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (ظ¦ظ*) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (ظ¦ظ،) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (ظ¦ظ¢))
(أَلَمْ تَرَ) أي : تعجب من (الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من علم التوحيد (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) من علم المبدأ والمعاد (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) وهو ينافي ما ادّعوه إذ لو كان إيمانهم صحيحا لما أثبتوا غيرا حتى يكون له حكم ، فإنهم بحكم الإيمان الحقيقي مأمورون بالكفر بغيره ، ومن لم ينسلخ عن صفاته وأفعاله ولم تنطمس ذاته في الله تعالى فهو غيره ، ومن توجه إلى الغير فقد أطاع الشيطان ولا يريد الشيطان بهم إلا الضلال البعيد الذي هو الانحراف عن الحق بالشرك ، إذ الزيغ عن الدين هو الضلال المبين.
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (ظ¦ظ£) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً (ظ¦ظ¤))
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) الآية ، الفرق بين الرسول والنبي هو : أن الرسالة ، باعتبار تبليغ الأحكام : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) (ظ،) والنبوّة باعتبار الإخبار عن المعارف والحقائق التي تتعلق بتفاصيل الصفات والأفعال. فإنّ النبوّة ظاهر الولاية التي هي الاستغراق في عين الجمع والفناء في الذات ، فعلمها علم توحيد الذات ومحو الأفعال والصفات. فكل رسول نبيّ ، وكل نبيّ وليّ ، وليس كل وليّ نبيا ، ولا كلّ نبي مرسلا ، وإن كانت رتبة الولاية أشرف من النبوّة ،
فلا يرسل الرسول إلا للطاعة ، إذ حكمه حكم الله باعتبار التبليغ فيجب أن يطاع ، ولا يطاع إلا بإذنه ، فإن من حجب عنه بقصور الاستعداد كالكافر الأصليّ والشقيّ الحقيقي ، أو بالرين ومحو الاستعداد كالمنافق ليس بمأذون له في الطاعة في الحقيقة. (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بمنعها عن حقوقها التي هي كمالاتها الثابتة فيها بالقوة ، وتكدير الاستعداد بالتوجه إلى طلب اللذّات الحسيّة والأغراض الفانية (جاؤُكَ) بالإرادة التي هي مقتضى استعدادهم (فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) طلبوا من الله ستر صفات نفوسهم التي هي مصادر تلك الأفعال الحاجبة لما في استعدادهم بنور صفاته (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) بإمدادهم بنور صفاته التي هي صفات الله عزوجل لرابطة الجنسية التي بينهم وبين نفسه ، ومكان الإرادة والمحبة التي تستلزم قربهم منه وامتزاجهم به (لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً) مطهرا ، مصفيّا لاستعدادهم بنوره ، إذ قبول التوبة هو إلقاء نور الصفات عليهم ، وتنوير بواطنهم بهيئة نورية تعصمهم من الخطأ في الأفعال لبعد النور عن الظلمة (رَحِيماً) يفيض عليهم رحمة الكمال اللائق بهم من الإيقان العلميّ أو العينيّ أو الحقيّ.
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (ظ¦ظ¥))
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) الإيمان الحقيقي التوحيدي (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) لكون حكمك حكم الله ، وإنما حجبت الذات بالصفات ، والصفات بالأفعال ، فإذا تشاجروا وقفوا مع صفاتهم محجوبين عن صفات الحق أو مع أفعالهم محجوبين عن أفعال الحق ، فلم يؤمنوا حقيقة. فإذا حكموك انسلخوا عن أفعالهم ، وإذا لم يجدوا في أنفسهم حرجا من قضائك انسلخوا عن إرادتهم فصاروا إلى مقام الرضا ، وعن علمهم وقدرتهم فصاروا إلى مقام التسليم فلم يبق لهم حجاب من صفاتهم واتصفوا بصفات الحق فانكشف لهم في صورة الصفات فعلموا أنك هو قائم به ، لا بنفسك ، عادل بالحقيقة بعدله ، فتحقق إيمانهم بالله.
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (ظ¦ظ¦) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (ظ¦ظ§) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (ظ¦ظ¨) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (ظ¦ظ©))
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا) أي : فرضنا (عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) بقمع الهوى الذي هو حياتها وإفناء صفاتها (أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) مقاماتكم التي هي الصبر والتوكل والرضا وأمثالها ، لكونها حاجبة عن التوحيد كما قال الحسين بن منصور قدّس الله روحه لإبراهيم بن أدهم رحمهالله ، لما سأله عن حاله ، وأجابه بقوله : أدور في الصحاري ، وأطوف في البراري ، حيث لا ماء ولا شجر ولا روض ولا مطر ، هل يصح حالي في التوكل أم لا؟ ، فقال : إذا أفنيت عمرك في عمران بطنك فأين الفناء في التوحيد؟.
(ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) وهم : المحبون المستعدّون للقائه ، الأكثرون قدر الأقلون عددا كما قال تعالى : (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) (ظ،) ، (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) بحسب كمالهم الحاصل لهم عند رفع حجب صفات النفس بالاتصاف بصفات الحق أو بالوصول إلى عين الجمع (وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) بالاستقامة في الدين عند البقاء بعد الفناء (وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً) من تجليات الصفات عند قتل النفس (وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) عند الخروج عن الديار ، أي : منازل النفس والمقامات ، وهو طريق الوحدة والاستقامة في التوحيد (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) بسلوك طرق التوحيد والجمع (وَالرَّسُولَ) بمراعاة التفصيل (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) بالهداية (مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ) الذين صدقوا بنسبة الأفعال والصفات إلى الله ، بالانخلاع عن صفاتهم والاتصاف بصفاته ولو ظهروا بصفات نفوسهم لكانوا كاذبين (وَالشُّهَداءِ) أي : أهل الحضور (وَالصَّالِحِينَ) أي : أهل الاستقامة في الدين.
(ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً (ظ§ظ*) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (ظ§ظ،) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (ظ§ظ¢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (ظ§ظ£) فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (ظ§ظ¤) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (ظ§ظ¥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (ظ§ظ¦) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (ظ§ظ§) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (ظ§ظ¨) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (ظ§ظ©) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (ظ¨ظ*) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (ظ¨ظ،) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (ظ¨ظ¢) وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (ظ¨ظ£) فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (ظ¨ظ¤) مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (ظ¨ظ¥) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (ظ¨ظ¦) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً (ظ¨ظ§) فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (ظ¨ظ¨) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (ظ¨ظ©) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (ظ©ظ*) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (ظ©ظ،) وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (ظ©ظ¢) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (ظ©ظ£) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (ظ©ظ¤) لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (ظ©ظ¥) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (ظ©ظ¦))
(ذلِكَ الْفَضْلُ) أي : التوفيق لتحصيل الكمال الذي ناسبوا به النبيين ومن معهم فرافقوهم. (عَلِيماً) يعلم ما في استعدادهم من الكمال فيظهره عليهم (خُذُوا حِذْرَكُمْ) أي : ما تحذرون من إلقاء الشيطان ووساوسه وإهلاكه إياكم بالإغواء ، ومن ظهور صفات نفوسكم واستيلائها عليكم ، فإنها أعدى عدوّكم (فَانْفِرُوا ثُباتٍ) اسلكوا في سبيل الله جماعات ، كلّ فرقة على طريقة شيخ كامل عالم (أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) في طريق التوحيد والإسلام على متابعة النبيّ (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ) إلى آخره ، ثبت أنهم قدريون يضيفون الخيرات إلى الله والشرور إلى الناس ، يتشبهون بالمجوس في الثبات ، مؤثرين مستقلين في الوجود ، وإضافتهم الشرور إلى الرسول لا إلى أنفسهم كانت لأنه باعثهم ومحرّضهم على ما يلقون بسببه الشرّ عندهم. فأمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بدعوتهم إلى توحيد الأفعال ونفي التأثير عن الأغيار والإقرار بكونه فاعل الخير والشرّ بقوله : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) لاحتجابهم بصفات النفوس وارتجاج آذان قلوبهم التي هي أوعية السماع والوعي. ثم بيّن أنّ لله فضلا وعدلا ، فالخيرات والكمالات كلها من فضله ، والشرور من عدله ، أي : يقدرها علينا ويفعلها بنا لاستعداد واستحقاق فينا يقتضي ذلك. وذلك الاستحقاق إنما يحدث من ظهور النفس بصفاتها وارتكابها المعاصي والذنوب الموجبة للعقاب لا بفعل آخر كما نسبوا ما أصابهم من الشرّ إلى الرسول ، لأن الاستحقاق مرتب على الاستعداد ، ولا يعرض ما يقتضيه استعداد أحد لغيره ، كما قال تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (ظ،) ، فكذّبهم وخطّأهم في قدريتهم بإثبات أنّ : السبب الفاعليّ للخير والشرّ ليس إلا لله وحده بمقتضى فضله وعدله. وأما السبب القابلي فهو وإن كان أيضا منه في الحقيقة إلا أن قابلية الخير هو من الاستعداد الأصلي الذي هو من الفيض الأقدس الذي لا مدخل لفعلنا واختيارنا فيه ، وقابلية الشرّ من الاستعداد الحادث بسبب ظهور النفس بالصفات والأفعال الحاجبة للقلب ، المكدّرة لجوهره ، حتى احتاج إلى الصقل بالرزايا والمصائب والبلايا والنوائب لا من قبل الرسول أو غيره.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (ظ©ظ§) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (ظ©ظ¨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (ظ©ظ©))
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) إلى آخره ، التوفي هو : استيفاء الروح من البدن بقبضها عنه ، وهو على ثلاثة أوجه : توفي الملائكة ، وتوفي ملك الموت ، وتوفي الله. أما توفي الملائكة فهو لأصحاب النفوس وهم أما سعداء وأهل الخير والصفات الحميدة والأخلاق الحسنة من الصالحين المتّقين (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (ظ£ظ¢)) (ظ¢) فمعادهم إلى جنة الأفعال. وإما أشقياء أهل الشرّ والصفات الرديئة والأخلاق السيئة فلا يقبض أرواحهم إلا القوى الملكوتية التي هي للعالم بمثابة قواهم التي هم في مقامها ، محتجبون بصفات النفس ولذّات القوى الخيالية والوهمية والسبعية والبهيمية من الكافرين : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) (ظ£) فمعادهم إلى النار. وأما توفي ملك الموت فهو لأرباب القلوب الذين برزوا عن حجاب النفس إلى مقام القلب ، ورجعوا إلى الفطرة ، فتنوّروا بنورها ، فتقبض أرواحهم النفس الناطقة الكلية التي هي قلب العالم باتصالهم بها ، هذا إذا قبض أرواحهم ملك الموت بنفسه ، أما إذا قبض بأعوانه وقواهم فهم الفريق الأول. وقد يقبض بنفسه ويذرهم في ملكوت العذاب حتى يحاسبوا ويعاقبوا بحسب رذائلهم ويتخلصوا ، وذلك للكمال العلميّ والنقصان العلميّ كما خلص من الجهل والشرك وتحلّى بالعلم والتوحيد ، ولكن تراكمت على قلبه الهيئات المظلمة والملكات الرديئة بسبب الأعمال السيئة والأخلاق الذميمة. وللعلم بالتوحيد والجهل بالمعاد كالموحد المنكر للجزاء ، فينهمك في المعاصي كما قال تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (ظ،). وأمّا توفي الله تعالى ، فهو للموحدين الذين عرجوا عن مقام القلب إلى محل الشهود فلم يبق بينهم وبين ربّهم حجاب ، فهو يتولى قبض أرواحهم بنفسه ويحشرهم إلى نفسه (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (ظ¨ظ¥)) (ظ¢) ، كما قال تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) (ظ£).
(ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) بمنعها عن حقوقها التي اقتضتها استعداداتهم من الكمالات المودعة فيها (فِيمَ كُنْتُمْ) حيث قصرتم في السعي لما قدرتم وفرّطتم في جنب الله ، وقصرتم عن بلوغ كمالكم الذي هيئ لكم وندبتم إليه (قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ) في أرض الاستعداد الذي جبلنا عليه باستيلاء قوى النفس الأمّارة وغلبة سلطان الهوى بشيطان الوهم ، أسرونا في قيودهم ، وجبرونا على دينهم ، وأكرهونا على كفرهم. (قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً) ألم تكن سعة استعدادكم بحيث تهاجروا فيها من مبدأ فطرتكم خطوات يسيرة ، بحيث إذا ارتفعت عنكم بعض الحجب انطلقتم عن أسر القوى وتخلصتم عن قيود الهوى ، وتقوّيتم بإمداد أعوانكم القوى الروحانية ، ونصرتم بأنوار القلب ، فخرجتم عن القرية ، الظالم أهلها ، التي هي مدينة النفس إلى بلد القلب الطيبة ، فتداركتم رحمة ربكم الغفور (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) نفوسهم الشديدة التوقان مع حصول الحرمان (وَساءَتْ مَصِيراًإِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ) أي : أقوياء الاستعداد الذين قويت قواهم الشهوية والغضبية مع قوّة استعدادهم فلم يقدروا على قمعها في سلوك طريق الحق ولم يذهبوا لقواهم الوهمية والخيالية ، فيبطلوا استعداداتهم بالعقائد الفاسدة فبقوا في أسر قواهم البدنية مع تنوّر استعدادهم بنور العلم وعجزهم عن السلوك برفع القيود (وَالنِّساءِ) أي : القاصرين الاستعداد عن درك الكمال العلمي ، وسلوك طريق التحقيق ، الضعفاء القوى والأحلام ، الذين قال في حقهم : «أكثر أهل الجنة البله»
(وَالْوِلْدانِ) أي : الناقصين القاصرين عن بلوغ درجة الكمال لغيرة تلحقهم من قبل صفات النفس (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) لعدم قدرتهم وعجزهم عن كسر صفات النفس وقمع الهوى بالرياضة (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) لعدم علمهم بكيفية السلوك وحرمانهم عن نور الهداية الشرعية (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) بمحو تلك الهيئات المظلمة لعدم رسوخها وسلامة عقائدهم (وَكانَ اللهُ عَفُوًّا) العفو عن الذنوب ما دامت الفطرة لم تتغير (غَفُوراً) يستر بنور صفاته صفات نفوسهم.
(وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (ظ،ظ*ظ*))
(وَمَنْ يُهاجِرْ) أي مقارّ النفس المألوفة في سبيل طريق الحق بالعزيمة (يَجِدْ) في أرض استعداده مهاجر ومساكن ومنازل كثيرة فيها رغم أنوف قوى نفسه الوهمية والخيالية والبهيمية والسبعية وإذلالها (وَسَعَةً) وانشراحا في الصدر عند الخلاص من ضيق صفات النفس وأسر الهوى (وَمَنْ يَخْرُجْ) من المقام الذي هو فيه سواء كان مقرّ استعداده الذي جبل عليه أو منزلا من منازل النفس أو مقاما من مقامات القلب (مُهاجِراً إِلَى اللهِ) بالتوجه إلى توحيد الذات (وَرَسُولِهِ) بالتوجه إلى طلب الاستقامة في توحيد الصفات (ثُمَّ يُدْرِكْهُ) الانقطاع قبل الوصول (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) بحسب ما توجه إليه ، فإن المتوجه إلى السلوك له أجر المنزل الذي وصل إليه ، أي : المرتبة من الكمال الذي حصل له إن كان ، وأجر المقام الذي وقع نظره عليه وقصده. فإنّ ذلك الكمال وإن لم يحصل له بحسب الملك والقدم لكنه اشتاق إليه بحسب القصد والنظر ، فعسى أن يؤيده التوفيق بعد ارتفاع الحجب بالوصول إليه (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) يغفر له ما يمنعه عن قصده من الموانع (رَحِيماً) يرحمه ، بأن يهب له الكمال الذي توجه إليه ووقع نظره عليه.
(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (ظ،ظ*ظ،) وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (ظ،ظ*ظ¢) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (ظ،ظ*ظ£) وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (ظ،ظ*ظ¤))
وإذا سافرتم في أرض الاستعداد بالطريق العلميّ لطلب اليقين (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا) أي : تنقصوا من الأعمال البدنية وأداء حقوق العبودية من الشكر والحضور ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «من أوتي حظه من اليقين فلا يبالي بما انتقص من صلاته وصومه».
(إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ) أي : يغويكم ويضلكم (الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : حجبوا من قوى الوهم والتخيل وشياطين الإنس الضالين المضلين لما علم من قوله صلىاللهعليهوسلم : «لفقيه واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد».
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (ظ،ظ*ظ¥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (ظ،ظ*ظ¦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (ظ،ظ*ظ§) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (ظ،ظ*ظ¨))
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أي : علم تفاصيل الصفات وأحكام تجلياتها بالحق ملتبسا بالعدل والصدق أو قائما بالحق لا بنفسك لتكون حاكما بين الخلق (بِما أَراكَ اللهُ) من عدله (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ) الذين لا يؤدّون أمانة الله التي أودعها عندهم في الأزل بما ركز في استعدادهم من إمكان كمال معرفته وخانوا أنفسهم وغيرهم بنهب حقوقهم وصرفها في غير وجهها (خَصِيماً) يدفع عنهم العذاب وتسليط الله الخلق عليهم بالإيذاء ويحج عنهم على غيرهم أو على الله بالاعتراض بأنه لم خذلهم وقهرهم فإنهم الظالمون لا حجة لهم بل الحجة عليهم (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) لنفسك بترك الاعتراض والاحتجاج عنهم لنغفر تلوينك الذي ظهر عليك بوجود قلبك وبصفاته (وَلا تُجادِلْ) ظهر تأويله من هذا (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) بكتمان رذائلهم وصفات نفوسهم التي هي معايبهم عنهم (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) بإزالتها وقلعها وهو شاهدهم يعلم بواطنهم (إِذْ يُبَيِّتُونَ) أي : يقدّرون في عالم ظلمة النفس والطبيعة (ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) من الوهميات والتخيلات الفاسدة التي يلفقونها في تحصيل أغراضهم من حطام الدنيا ولذاتها (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) يجازيهم بحسب صفاتهم وأعمالهم.
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (ظ،ظ*ظ©) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً (ظ،ظ،ظ*) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (ظ،ظ،ظ،))
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ظاهر مما مرّ (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً) بظهور صفة من صفات نفسه (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) بنقص شيء من كمالاته التي هي مقتضى استعداده بتقصير فيه وارتكاب عمل
ينافيه ثم يطلب من الله ستر تلك الصفة والهيئة الساترة لكماله بالتوجه إليه والتنصل عن الذنب (يَجِدِ اللهَ غَفُوراً) يستر ذلك السوء والهيئة المظلمة بنور صفته (رَحِيماً) يهب ما يقتضيه استعداده.
(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (ظ،ظ،ظ¢))
(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً) بظهور نفسه (أَوْ إِثْماً) يمحو ما في استعداده وكسب هيئة منافية لكماله (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) بأن قال : حملني على ذلك فلان ، ومنعني عن طلب الحق فلان ، وهذا جريمة فلان ، كما هو عادة المتعللين بالأعذار (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً) بنسبة فعله إلى الغير إذ لو لم يكن في نفسه ميل لما يضادّ كماله ومناسبة لمن وافقه وإطاعة لما قبل ذلك منه ، فما كان إلا من قبل نفسه كما قال لهم الشيطان : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) (ظ،) إذ لو لم يكن في نفوسهم ظلمة بكسبها وظهور صفاتهم لم يكن فيهم محل لوسوسته وقابلية لدعوته (وَإِثْماً مُبِيناً) ظاهرا متضاعفا لتركبه من هيئة الخطيئة والامتناع من الاعتراف ، ونسبة التقصير إلى أنفسهم لتنكسر فتضعف عن الاستيلاء على القلب وحجبه عن الكمال.
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (ظ،ظ،ظ£) لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (ظ،ظ،ظ¤) وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (ظ،ظ،ظ¥) إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (ظ،ظ،ظ¦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (ظ،ظ،ظ§) لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (ظ،ظ،ظ¨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (ظ،ظ،ظ©) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (ظ،ظ¢ظ*) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (ظ،ظ¢ظ،) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً (ظ،ظ¢ظ¢) لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (ظ،ظ¢ظ£) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (ظ،ظ¢ظ¤))
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ) أي : توفيقه وإمداده لسلوك طريقه بما يخرج كمالك إلى الفعل ويبرز ما فيك كامنا من العلم (وَرَحْمَتُهُ) هبته لذلك الكمال المطلق الذي أودعه فيك في الأزل وهي الرحمة التي ليس وراءها رحمة (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لكون الضلال ناشئا من أصل استعدادهم لكونهم مجبولين على الشقاوة أزلا فكيف يرجع ذلك الضلال المعجون فيهم إلى غيرهم.
(وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ) أي : العلم التفصيلي التامّ بعد الوجود الموهوب (وَالْحِكْمَةَ) وعلم أحكام التفاصيل وتجليات الصفات مع العمل به (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) لأنه علم الله لا يعلمه إلا هو ، فلما كشف لك عن ذاته بفنائك فيه ثم أبقاك بالوجود الحقانيّ فصار قلبك وحجبك بحجاب ذلك القلب علمك علمه ، إذ الصفة تابعة للذات (وَكانَ فَضْلُ اللهِ) في إظهار هذا الكمال عليك بالتوفيق للعمل الذي أوصلك إلى ما أوصلك (عَظِيماً* لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) فإنها فضول ، والفضول يجب تركها على السالك كما قال عليه الصلاة والسلام : «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
(إِلَّا مَنْ أَمَرَ) أي : إلا نجوى من أمر (بِصَدَقَةٍ) أي : بفضيلة السخاء التي هي من باب العفة (أَوْ مَعْرُوفٍ) قوليّ كتعليم علم وحكمة من باب فضيلة الحكمة ، أو فعليّ كإغاثة ملهوف وإعانة مظلوم من باب الشجاعة (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) من باب العدالة (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي : يجمع بين الكمالات المذكورة (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) لا لطلب المحمدة أو الرياء والسمعة ، فتصير به الفضيلة رذيلة (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) من جنات الصفات.
(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) أي : نفوسا ، إذ كل من يشرك بالله فهو عابد لنفسه بطاعة هواها ، وعابد لشيطان الوهم بقبول إغوائه وطاعته ، أو كل ما يعبد من دون الله لأنه ممكن وكل ممكن فهو متأثر عن الغير قابل لتأثيره محتاج إليه وهي صفة الإناث (نَصِيباً مَفْرُوضاً) أي : غير المخلصين الذين أخلصوا دينهم بالتوحيد (وَلَآمُرَنَّهُمْ) بالعادات الفاسدة والأهواء المردية والأفعال الشنيعة المخالفة للعقل والشرع (وَالَّذِينَ آمَنُوا) الإيمان الحقيقيّ التوحيد ، لأنهم في مقابلة المشركين (وَعَمِلُوا) ما يصلح لهم في الوصول إلى الجمع أو يصلح للناس أجمعين بالاستقامة في الله وبالله بعد الفناء وحصول البقاء (سَنُدْخِلُهُمْ) الجنات الثلاثة المذكورة (لَيْسَ) حصول الموعود (بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) أي : ما بقيتم مع نفوسكم وصفاتها وأفعالها ، فإرادتكم مجرّد تمن والتمني طلب ما يمتنع وجوده في العادة.
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (ظ،ظ¢ظ¥) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (ظ،ظ¢ظ¦) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (ظ،ظ¢ظ§) وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (ظ،ظ¢ظ¨) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (ظ،ظ¢ظ©) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً (ظ،ظ£ظ*) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً (ظ،ظ£ظ،) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (ظ،ظ£ظ¢) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (ظ،ظ£ظ£))
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً) أي طريقا (مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ) أي : وجوده (لِلَّهِ) وأخلص ذاته من شوب الآنية والإثنينية بالفناء المحض (وَهُوَ مُحْسِنٌ) مشاهد للجمع في عين التفصيل ، مراع لحقوق تجليات الصفات وأحكامها ، سالك طريق الإحسان بالاستقامة في الأعمال (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) في التوحيد (حَنِيفاً) مائلا عن كلّ شرك في ذاته وصفاته وأفعاله ، وعن كلّ دين باطل ، أي : طريق يؤدّي إلى إثبات فعل لغيره أو صفة أو ذات ، إذ دينه دين الحق ، أعني : سيره حينئذ سير إلى الله لا سير في الله بسلوك طريق الصفات ، ولا إلى الله بقطع صفات النفس ومناهل صفات القلب ، فلا دين أحسن من دينه.
(وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) يخاله ، أي : يداخله في خلال ذاته وصفاته بحيث لا يذر منها بقية ، أو يسدّ خلله ويقوم بدل ما يفنى منه عند تكميله وفقره إليه. فالخليل وإن كان أعلى مرتبة من الصفي ، لكنه أدون من الحبيب ، لأن الخليل محبّ يوشك أن يتوهم فيه بقية غيرية ، والحبيب محبوب لا يتصوّر فيه ذلك. ولهذا ألقي في نار العشق دونه.
(مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً (ظ،ظ£ظ¤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (ظ،ظ£ظ¥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (ظ،ظ£ظ¦))
(مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا) بالوقوف مع هوى النفس فما له يطلب أخسّ الأشياء ويقف في أدنى المراتب (فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ) الدارين جميعا ، بالفناء فيه لأنه الوجود المحيط بالكلّ فلا يفوته شيء (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً) بأحاديث نفوسكم (بَصِيراً) بنياتكم وإرادتكم بأعمالكم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالتوحيد العلميّ وإرادة ثواب الدارين (كُونُوا) ثابتين في مقام العدالة التي هي أشرف الفضائل (قَوَّامِينَ) بحقوقها بحيث تكون ملكة راسخة فيكم لا يمكن معها صدور جور وميل منكم في شيء ، ولا ظهور صفة نفس لاتباع هوى في جذب نفع دنيوي أو دفع مضرّة. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالإيمان التقليديّ (آمَنُوا) بالإيمان التحقيقيّ أو آمنوا بالإيمان العلمي ، أو آمنوا بالإيمان العينيّ.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (ظ،ظ£ظ§) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (ظ،ظ£ظ¨))
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) إلى آخره ، أي : تحيروا وتردّدوا بين جهتي الربوبية العلوية والسفلية لشدّة النفاق وغلبة نور الفطرة تارة واستيلاء ظلمة النفس والهوى أخرى ، لاستواء الحالتين فيهم حتى استحكمت الهيئات المظلمة وازدادت الحجب ورسخت العقائد الفاسدة والملكات الكاسدة باستيلاء صفات النفس واستعلائها مطلقا فرانت على قلوبهم (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) لمكان الرين الحاجب وفساد جوهر القلب وزوال الاستعداد (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) إلى الحق ولا إلى الكمال ولا إلى الفطرة الأصلية لعدم قبولهم الهداية وصرف عذابهم بالإيلام لمكان استعدادهم في الأصل.
(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (ظ،ظ£ظ©) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (ظ،ظ¤ظ*) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (ظ،ظ¤ظ،) إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً (ظ،ظ¤ظ¢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (ظ،ظ¤ظ£) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (ظ،ظ¤ظ¤) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (ظ،ظ¤ظ¥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (ظ،ظ¤ظ¦) ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً (ظ،ظ¤ظ§) لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً (ظ،ظ¤ظ¨) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (ظ،ظ¤ظ©))
(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) لمناسبتهم إياهم في الاحتجاب (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) لعدم الجنسية (أَيَبْتَغُونَ) التعزز بهم في الدنيا والتقوّي بمالهم وجاههم فلا سبيل إلى ذلك ، وهم قد أخطئوا لأن العزة كلها صفة من صفات الله تعالى منيع القوى والقدر ، له قوة القهر والغلبة للكل فبقدر القرب منه وقبول نوره وقوّته والاتصاف بصفاته تحصل العزة فهي بأهل الإيمان أولى وأهل الحجاب والكفر بالزلة أولى (قامُوا كُسالى) لعدم شوقهم إلى الحضور ونفورهم عنه لظلمة استعدادهم باستيلاء الهوى (لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) لئلا يتعدّى إليكم كفرهم واحتجابهم بالصحبة والمخالطة فإنه لا شيء أقوى تأثيرا من الصحبة والميل إلى ولايتهم لا يخلو عن جنسية بينهم لوجود هوى كامن فيهم وضراوة بعادة رديئة تشملهم لا يؤمن عليهم الوقوع في الكفر بغلبة الهوى والنفس.
(سُلْطاناً مُبِيناً) حجة ظاهرة في عقابكم برسوخ الهيئة التي بها تميلون إلى ولايتهم بصحبتهم ومجالستهم (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ) باعتبار زيادة عذابه وشدّة إيلامه وإحراقه لا باعتبار كونه أدون مرتبة ، إذ تأثير النار في المنافق أشدّ وأكثر إيلاما لبقية استعداد فيه. وأمّا الكافر الأصلي البهيم فلعدم استعداده لا يتألم بعذابه كما يتألم المنافق وإن كان أسوأ حالا منه وأعظم عذابا وهوانا (نَصِيراً) ينصرهم من عذاب الله لانقطاع وصلتهم وارتفاع محبّتهم مع أهل الله (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) رجعوا إلى الله ببقية نور الاستعداد وقبول مدد التوفيق (وَأَصْلَحُوا) ما أفسدوا من استعدادهم بقمع الهوى وكسر صفات النفس ورفع حجب القوى بالزهد والرياضة (وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ) بالتمسك بحبل الإرادة وقوة العزيمة في التوجه إليه (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) بإفناء موانع السلوك من صفات النفس وإزالة خفاء الشرك وقطع النظر عن الغير في السير (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) الموقنين (أَجْراً عَظِيماً) من مشاهدة تجليات الصفات وجنة الأفعال.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (ظ،ظ¥ظ*) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (ظ،ظ¥ظ،) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (ظ،ظ¥ظ¢) يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (ظ،ظ¥ظ£) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (ظ،ظ¥ظ¤) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (ظ،ظ¥ظ¥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (ظ،ظ¥ظ¦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (ظ،ظ¥ظ§) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (ظ،ظ¥ظ¨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (ظ،ظ¥ظ©))
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ) يحتجبون عن الحق والدين وعن الجمع والتفصيل (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) بالاحتجاب عن الدين دون الحق والتفصيل دون الجمع ، فينكرون الرسل لتوهمهم وحدة منافية للكثرة وجمعا مباينا للتفصيل ، وذلك هو إيمانهم بالبعض وكفرهم بالبعض.
(وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا) بين الإيمان بالكلّ جمعا وتفصيلا والكفر بالكلّ طريقا (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) المحجوبون (حَقًّا) بذواتهم وصفاتهم فإن معرفتهم وهم وغلط وتوحيدهم زندقة ليسوا من الدين ولا من الحق في شيء (مُهِيناً) يهينهم بوجود الحجاب وذل النفس وصفاتها (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) جمعا وتفصيلا (أُجُورَهُمْ) من الجنات الثلاثة (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) يستر عنهم ذواتهم وصفاتهم التي هي ذنوبهم وحجبهم بذاته وصفاته (رَحِيماً) يرحمهم بتمتيعهم بالجنات الثلاثة وبالوجود الموهوب الحقانيّ والبقاء السرمدي (كِتاباً مِنَ السَّماءِ) علما يقينيا بالمكاشفة من سماء الروح (أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) لأن المشاهدة أكبر وأعلى من المكاشفة (بِظُلْمِهِمْ) بطلبهم المشاهدة مع بقاء ذواتهم إذ وجود البقية عند المشاهدة وضع الشيء في غير موضعه وطلب المشاهدة مع البقية طغيان من النفس ينشأ من رؤيتها كمالات الصفات لنفسها وذلك ظلم (سُلْطاناً) تسلطا بالحجة عليهم بعد الإفاقة (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) إلى قوله (لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) رفع عيسى عليهالسلام اتصال روحه عند المفارقة عن العالم السفليّ بالعالم العلوي. وكونه في السماء الرابعة إشارة إلى أن مصدر فيضان روحه روحانية تلك الشمس الذي هو بمثابة قلب العالم ومرجعه إليه وتلك الروحانية نور يحرّك ذلك الفلك بمعشوقيته وإشراق أشعته على نفسه المباشرة لتحريكه ولما كان مرجعه إلى مقرّه الأصليّ ولم يصل إلى الكمال الحقيقيّ وجب نزوله في آخر الزمان ، بتعلّقه ببدن آخر وحينئذ يعرفه كل أحد فيؤمن به أهل الكتاب ، أي : أهل العلم العارفين بالمبدأ والمعاد كلهم عن آخرهم قبل موت عيسى بالفناء في الله ، وإذ آمنوا به يكون يوم القيامة أي يوم بروزهم عن الحجب الجسمانية وقيامهم عن حال غفلتهم ونومهم الذي هم عليه الآن (شَهِيداً) شاهدهم يتجلى عليهم الحق في صورته كما أشير إليه.
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (ظ،ظ¦ظ*) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (ظ،ظ¦ظ،))
(فَبِظُلْمٍ) عظيم (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) أي : بعباداتهم عجل النفس واتخاذه إلها وامتناعهم عن دخول القرية التي هي حضرة الروح واعتدائهم في السبت بمخالفة الشرع والاحتجاب عن كشف توحيد الأفعال ونقضهم ميثاق الله واحتجابهم عن تجليات الصفات الذي هو كفرهم بآيات الله والانغماس في الرذائل كلها ، كقتل الأنبياء والافتراء على الله بكون قلوبهم غلفا أي : مغشاة بحجب خلقية لا سبيل إلى رفعها وبهتانهم على مريم ، وادعائهم قتل عيسى عليهالسلام من الخصال التي اجتماعها ظلم لا يعرف كنهه (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ) جنات النعيم من تجليات الأفعال والصفات وشهود الذات التي هي طيبات لا يعرف كنهها (أُحِلَّتْ لَهُمْ) بحسب قابلية استعدادهم لو لا هذه الموانع (وَبِصَدِّهِمْ) الناس بصحبتهم ومرافقتهم ودعوتهم إلى الضلال أو بصدّ قواهم الروحانية (عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراًوَ أَخْذِهِمُ) ربا فضول العلوم كالخلاف والجدل واللذات البدنية والحظوظ التي نهوا عنها (وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) برذيل الحرص والطبع كأخذ الرشا وأجر التزويرات والتلبيسات أو استعمال علوم القوى الروحانية بين الفكر والعقل النظريّ والعلميّ في تحصيل المآكل والمشارب وكسب الحطام ، وتحصيل اللذات والشهوات الحسيّة والمآرب السبعية والبهيمية عذابا مؤلما لوجود استعدادهم.
(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (ظ،ظ¦ظ¢) إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (ظ،ظ¦ظ£) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً (ظ،ظ¦ظ¤))
(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) أي : المحققون (مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ) بالإيمان التقليدي المطابق الثابت (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) إلى آخره ، أي : يتّصفون بالتزكية والتحلية (وَالْمُؤْمِنُونَ) الموحدون بالتوحيد العيانيّ (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) المعاينون لأحوال المعاد على ما هو عليه (أَجْراً عَظِيماً) من حظوظ تجليات الصفات وجناتها.
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (ظ،ظ¦ظ¥) لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (ظ،ظ¦ظ¦) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (ظ،ظ¦ظ§) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (ظ،ظ¦ظ¨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (ظ،ظ¦ظ©) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (ظ،ظ§ظ*))
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ) بتجليات صفات اللطف (وَمُنْذِرِينَ) بتجليات صفات القهر (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ) ظهور وسلطنة بوجود صفة ما بعد رفعها ومحوها بإمداد الرسل (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) قويا يقهرهم بمحو صفاتهم وإفناء ذواتهم (حَكِيماً) لا يفعل ذلك إلا بحكمة اتصافهم بصفاته أو بقائهم بذاته. (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) لكونك في مقام الجمع وهم محجوبون لا يقرّون به بل هو يشهد (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) ملتبسا بعلمه ، أي : في حالة كونه عالما به بحيث أنه علمه الخاص لا علمك ولا علم غيرك من غيره.
(وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) لكونك مراعيا للتفصيل في غير الجمع فهو الشاهد بذاته وبأسمائه وصفاته (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أي : الذات مع الصفات تكفي في الشهادة إذ لا موجود غيره (كَفَرُوا) حجبوا عن الحق لكون ضلالهم (بَعِيداً* إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) حجبوا عن الدين (وَظَلَمُوا) منعوا استعداداتهم عن حقوقها من الكمال بارتكاب الرذائل وتسليط صفات النفس على قلوبهم (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) لرسوخ هيئات الرذائل فيهم وبطلان الاستعداد (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) لجهلهم المركب واعتقادهم الفاسد وعدم علمهم بطريق ما من طرق الكمال (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) نيران أشواق نفوسهم إلى ملاذها مع حرمانهم عنها (وَكانَ ذلِكَ) سهلا على الله لانجذابهم إليها بالطبيعة.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (ظ،ظ§ظ،))
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) أما اليهود فبالتعمق في الظاهر ونفي البواطن وحط عيسى عن درجة النبوّة ومقام الاتصاف بصفات الربوبية. وأما النصارى فبالتعمق في البواطن ونفي الظواهر ورفع عيسى إلى مقام الألوهية (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) بالجمع بين الظواهر والبواطن والجمع والتفصيل كما هو عليه التوحيد المحمديّ ، والقول : بكون عيسى مظهر الصفات الإلهية ، حيا بحياته داعيا إلى مقام توحيد الأوصاف (كَلِمَتُهُ) نفسا مجرّدة هي كلمة من كلمات الله ، أي : حقيقة من حقائقه الروحانية وروحا من أرواح (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ)
بالجمع والتفصيل (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) بزيادة الحياة والعلم على الذات ، فيكون الإله ثلاثة أشياء ويكون عيسى جزء من حياته بالنفخ أو بالتفرقة بين ذات الحق وعالم النور وعالم الظلمة ، فيكون عيسى متولدا من نوره. بل قولوا بالكل من حيث هو كلّ فيكون العلم والحياة عين الذات وكذا عالم النور والظلمة. ويكون عيسى فانيا فيه موجودا بوجوده ، حيّا بحياته ، عالما بعلمه ، وذلك وحدته الذاتية المعبر عنها بقوله (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ) نزّهه عن أن يكون موجود غيره ، فيتوّلد منه وينفصل ويجانسه بأنه موجود مثله ، بل هو الموجود من حيث هو وجود.
(لَهُ ما فِي السَّماواتِ) الأرواح (وَما فِي الْأَرْضِ) الأجساد بكونها أسماءه وظاهره وباطنه (وَكِيلاً) يقوم مقام الخلق في أفعالهم وصفاتهم وذواتهم عند فنائهم في التوحيد ، كما
قال أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام : «لا إله إلّا الله بعد فناء الخلق».
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (ظ،ظ§ظ¢))
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) في مقام التفصيل ، إذ باعتبار الجمع لا وجود للمسيح ولا لغيره فلا ممكن أصلا. وأما باعتبار التفصيل فكلّ ما ظهر بتعين فهو ممكن ، والممكن لا وجود له بنفسه فضلا عن شيء غيره فيكون عبدا محتاجا ذليلا مفتقرا غير مستنكف عن ذلّة العبودية وإن كان غنيّا عن تعلق الأجسام بالتجرّد المحض والتقدّس عن دنس الطبائع كالملائكة المقرّبين الذين هم الأرواح المجرّدة والأنوار المحضة (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ) بظهور أنيته (وَيَسْتَكْبِرْ) بطغيانه في الظهور بصفاته (فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) بظهور نور وجهه وتجليه بصفة قاهريته حتى يفنوا بالكلية في عين الجمع ، كما قال تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (ظ،) ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنّ لله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة ، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (ظ،ظ§ظ£) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (ظ،ظ§ظ¤))
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالفناء في عين الجمع بمحو الصفات وطمس الذات (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بالاستقامة في الأعمال ومراعاة تفاصيل الصفات وتجلياتها (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ)
وصفاتهم من جنات صفاته (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) بالوجود الموهوب بعد الفناء في الذات (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا) بظهور أنيتهم (وَاسْتَكْبَرُوا) طغوا عند تجليات الصفات وتنوّرهم بنورها ، فظهروا بها ونسبوها إلى أنفسهم كمن قال : أنا ربّكم الأعلى.
(فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً) باحتجابهم ببقايا ذواتهم وصفاتهم وحرمانهم عن مقام الجمع (وَلا يَجِدُونَ) غير الله (وَلِيًّا) يواليهم برفع حجاب الذات (وَلا نَصِيراً) ينصرهم في رفع حجاب الصفات البرهاني وهو التوحيد الذاتي والنور المبين وهو التفصيل في عين الجمع ، أي : القرآن الذي هو علم الجمع والفرقان الذي هو علم التفصيل.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (ظ،ظ§ظ¥) يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (ظ،ظ§ظ¦))
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالتوحيد الذاتي واعتصموا به أي : في كثرة الصفات وتفرّقها وراعوا الجمع في التفاصيل (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ) من جنات الصفات التي لا يعرف كنهها (وَفَضْلٍ) من جنات الذات (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) بالاستقامة إلى الوحدة في تفاصيل الكثرة أو رحمة من جنات الأفعال وفضل من جنات الصفات ، ويهديهم إليه صراطا مستقيما من تفاصيل الصفات إلى الفناء في الذات ، والأولى أولى بهذا المقام ، ولك التطبيق على تفاصيل وجودك وأحوالك في نفسك حيث أمكن من هذه السورة على القاعدة التي مرّت في سورة (آل عمران) والله تعالى أعلم