شيخ الأسرار الباطنية
10-09-2010, 01:19
الصوفية و الفكر الباطنى و العلم الشرعى
سنذكر بعض العوامل والصفات المشتركة التي ساعدت على تشكل الصوفية وإظهارها بصورتها الحالية , وأعطتها ملامحها الأساسية التي تعرف بها وتميزها عن غيرها , وبذلك يسهل على المسلم معرفة الخير من الشر ويسهل عليه تمييز الواقع الحالي لدعاتها ومنتسبيها , وسنذكر هذه الصفات والعوامل بإيجاز مركز .
أولاً : ضعف العلم الشرعي :
وهو – كما يقول ابن الجوزي – من أول تلبيس إبليس عليهم , إذ قالوا: المقصود هو العمل , ونحن نعبد الله ونذكره دائماً و وقد تركنا الدنيا واتجهنا إلى الله . ومن هذا التصور بدأ مصباح العلم يخفت ضوؤه شيئاً فشيئاً و فعرضوا عن العلم الشرعي الذي هو طريق العمل الصحيح كالحديث والفقه والتفسير , فغلب عليهم الجهل وانتشرت البدعة والخرافة بينهم . فعبادات أكثر المتصوفة وخاصة العوام منهم حشوها البدع , وذلك لما أشاعه مشايخهم من مفاهيم مغلوطة عن البدع حسنتها في عقولهم .
ثانياً : التأويل :
وهي مشكلة عامة الفرق , البلاء المشرك بينها , فقد جنحوا إلى تأويل النصوص وتحريفها عن ظاهرها المتبادر إلى معان لا تليق بها حتى يستدلوا بها على مذهبهم وأقوالهم الفاسدة , وقد رأينا من قبل أمثلة من تأويلهم للآيات القرآنية في مبحث ( الشريعة والحقيقة ) وأنهم قد أغروا بالإتيان بمفهوم مخالف للفهم المستقيم ظناً منهم أن تلك هي مرتبة الخواص, والتأويل بهذا المعنى من شيم الباطنية , وخصلة من خصال أهل الكتاب الذي قال الله فيهم : " من الذين هادوا يحرفون الكلم عــن مواضـعـه " .
ثالثاً : الغلو في المشايخ :
تحدثنا عن هذه الظاهرة خلال سردنا لمعتقداتهم في الأقطاب والأوتاد وفي الأولياء والكرامات وانعكاس ذلك على التربية الذليلة التي يراض بها المريدون خضوعاً لذوي العصمة من مشايخهم , ولا شك أن هذه الظاهرة من الصفات المميزة المقبوحة لدى الصوفية , وهي كالتأويل صفة مشتركة بينهم وبين الشيعة , وبينهم وبين النصارى , فالشيعة غالوا في أئمتهم فقالوا بعصمتهم والنصارى غالوا في المسيح عليه السلام فرفعوه إلى مرتبة الألوهية , وهو ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنــــا عبد الله ورسوله " . وقد قال بعض العلماء : " من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود , ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى " والموفق من أنجاه الله من براثن الغلو ومن التشبه بإحدى هاتين الطائفتين .
رابعاً : البعد عن منهج السَّــلف :
كانت النتيجة الطبيعية لابتداع الأفكار والأعمال لدى الصوفية أن بعدت مناهجهم في الاعتقادات والعبادات جميعاً عن السنة وعن مناهج الصحابة والتابعين , وانحط تقديرهم للسلف – وإن أظهروا غير ذلك – لأنهم ربما نظروا إليهم على أنهم فهموا الإسلام فهماً سطحياً وأن المشايخ والأولياء قد تقربوا إلى الله بما لم يتقرب إليه أحد من الرعيل الأول , وأنهم وصلوا إلى مراتب لم يصلها أحد من السابقين الأولين , وكان من نتيجة ذلك عدم العودة إلى منهج الصحابة والتابعين عند الاختلاف و وحرموا الاستفادة من خير الأجيال .
خامساً : الصِّلة بين التصَّـوف والتشيع :
إن صلة الصوفية بالتشيع شيء مؤكد , فمرجعهم دائماً من الصحابة هو علي بن أبي طالب أو الحسن بن علي " الذي هو أول الأقطاب " وقالت الصوفية بالقطب والأبدال وهذا من أثر الإسماعيلية والشيعة . وعوامل نشأة الفرقتين وطبيعة كل منها توجب أن يقترب التشيع والتصوف , فالشيعة انهزموا في ميدان السياسة , والصوفية انهزموا في ميدان الحياة , وأهل فارس هم أكثر الناس تصوفاً بين الأمم الإسلامية , وقد أخذ الصوفية فكرة الحياة المستمرة لبعض الأشخاص من الشيعة الذين يقولون بمهدية فلان أو فلان وأنه حي إلى الآن . قال ابن حزم : " وسلك في هذا السبيل بعض نوكي الصوفية فزعموا أن الخضر وإلياس عليهما السلام حيّـان إلى اليوم " .
وقد اعتمد السلمي في تفسيره على ما يروى عن جعفر الصادق من تأويلات للقرآن مخالفة للمنهاج الصحيح في التفسير , فإذا قالت الشيعة في تفسير قوله تعالى " وعلى الأعراف رجال " هو علي بن أبي طالب يعرف أنصاره بأسمائهم , قال السلمي : أصحاب المعرفة أصحاب الأعراف , وقال ابن عربي : " رجال هم العرفاء أهل الله وخاصته " .
ويذكر السراج أنه " لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من بين جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصية بمعان جليلة و إشارات لطيفة وألفاظ مفردة وعبارة وبيان للتوحيد والمعرفة والعلم , تعلق وتخلق بها أهل الحقائق من الصوفية " , وعلي رضي الله عنه من علماء الصحابة وأفضلهم بعد سابقيه في الخلافة فلماذا هذه الخصوصية ؟
كما أخذ الصوفية مسألة عصمة الولي من الشيعة الذين يقولون بعصمة الأئمة ولكنهم أخفوها فترة من الزمن فسموها ( الحفظ ) ثم صرح بها القشيري فقال : " واعلم أن من أجل الكرامات التي تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعات والعصمة من المعاصي والمخالفات , ويجوز أن يكون من جملة كرامات ولي الله أن يعلم أنه ولي " . ومن الموافقات الغريبة أن كل زعماء الطرق الصوفية يرجع نسبهم إلى علي بن أبي طالب ويتوارثون زعامة الطريقة كالإمامة عند الشيعة , وإذا كانت المشيخة هي محصول المجاهدة والسلوك فهل ولد الشيخ يجب أن يكون شيخاً ؟
إن الشيخ عبد القادر الجيلاني يرجع نسبه إلى آل البيت وكذلك الشيخ أحمد الرفاعي والبدوي وأبو الحسن الشاذلي والبكتاشي والسنوسي والمهدي وكل زعماء الطرق حتى في البلاد الأعجمية مثل محمد نور بخش وخواجه اسحق وباليم سلطان ... .
وأخيراً فإننا لم نكتب عن الصوفية إلا لتوضيح منهج أهل السنة ونميزه عن غيره لأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها , ولأنه دين الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفهمه السلف وهو لا يحتمل هذه الطرق التي تفرق به عن سبيله , ولا يمكن أن تكون الصوفية – وبأقل درجاتها وأقصى اعتدالها – لا يمكن أن تكون هي منهج الإسلام, لهذه الأسباب كتبنا عنها وأما الذين يقولون : إن الصوفية ما هي إلا سلوك وتهذيب للنفس ورياضة روحية , هؤلاء يقال لهم : إذا لم تكن توجيهات القرآن الكريم وتوجيهات السنة النبوية فيهما تهذيب للنفس والسمو بها إلى درجات يحبها الله ورسوله فلا خير فيما خالف هذه التوجيهات في سواء الصوفية أو غيرها وإذا كان قدماء الصوفية قد تكلموا بكلمات مقبولة عن خبايا النفس الإنسانية وتعرجاتها , ومعالجة أمراض القلوب , فهذا شيء طيب وهو من أمر الله ورسوله ولا نسميه صوفية لأنها أصبحت علماً على كل ما ذكرناه من البدع , ولا بد لمن يأخذ بها أن يصيبه شيء منها , فالغزالي الذي تكلم فأجاد عن أمراض القلوب قد وقع في حبائلهم الوجودية عندما قال : " ترقى العارفون من حضيض المجاز إلى ذروة الحقيقة فرأوا بالمشاهدة أن ليس في الوجود إلا الله " وهذا هو القول بوحدة الوجود .
شيء آخر لا بد أن يكون واضحاً وهو أنه عند توضيحنا لمنهج الصوفية فهذا لا يعني أن كل فرد من أفرادهم قد حكمنا عليه بفساد المعتقد وسوء المنقلب , فكثيراً ما يلتبس الحق بالباطل ويجتمع في الرجل الواحد الخير والشر والسنة والبدعة ومن العدل أن نذكر هذا وهذا لأن بعض الناس يظنون أن الصوفية هي الطريق الصحيح لما نشأوا عليه من صغرهم أو ما شاهدوه من آبائهم ومشايخهم , ولكن لا بد من تبصيرهم بدينهم الحق وإبعادهم عن البدع التي يحسبونها صغيرة وهي عند الله كبيرة .
إن ابن تيمية – الذي يعتبرونه العدو الأكبر لهم – عند مفاضلته بين الصوفية والمتكلمين يفضل الجانب العبادي العملي عند المتصوفة بالمقارنة مع الجدل النظري عند المتكلمين , والظاهر أنه لاحظ ما عليه أوائل الصوفية من استقامة على المنهج الصحيح في موضوع الأسماء والصفات مع كثرة عبادتهم , ولكنه لم يلاحظ أنهم هم أنفسهم يخلطون في أمور التوحيد والعلم والعمل و فالكلاباذي الذي يوصف بأنه معتدل يعرف التوحيد " أن لا يشهدك الحق إياك " وهو تعريف يحتمل الحق والباطل , ونجد القشيري يتكلم عن عصمة الأولياء , وأخطاء السلمي في التفسير عجيبة , وقصص الغزالي في الإحياء أعجب , حتى القدامى منهم كالجنيد والشبلي والمحاسبي لهم أخطاء واضحة , وهؤلاء يوصفون بالاعتدال .
وابن تيمية كثيراً ما يقرن بينهم وبين المتكلمين فيقول : هؤلاء انحرفوا في كذا , وهؤلاء انحرفوا في كذا , والمقصود طبعاً غلاة المتكلمين كالرازي والآمدي , و إلا فهل يقارن بين أبي بكر الباقلاني وأمثاله من متكلمي الأشاعرة وبين خزعبلات الصوفية , وأين علم أبي بكر ودفاعه عن الإسلام وفقهه من شطحات وغموض الصوفية ؟ ولذلك كان عالم آخر كابن عقيل صريحاً أكثر في رأيه عندما يقول : " والمتكلمون عندي خير من الصوفية لأن المتكلمين قد يزيلون الشك والصوفية يوهمون التشبيه , ومن قال حدثني قلبي عن ربي صرح بأنه غني عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
والقشيري يعتبر الصوفية أفضل الناس بعد الأنبياء والرسل , وهم غياث الخلق !! ولا أدري ماذا ترك للصحابة والتابعين والعلماء العالمين . وصدق الله تعالى : " كل حزب بما لديهم فرحون " ولو أنصفوا وقاسوا أنفسهم بمقياس الشريعة المعصومة لعلموا أنهم مبتدعون , ولكنه التعصب والإعجاب بالنفس . والقضية ليست في قول فلان من الناس : هذا هو طريقي أو ما أرضاه لنفسي ولكن القضية أنه ليس هناك إلا طريق واحد هو الحق , طريق أهل السنة والجماعة , وليس بعده إلا الظلال .
ونحن ندعو دائماً مع الرسول صلى الله عليه وسلم :
" اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل , فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة , أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون , اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك , إنــك تهـدي من تشاء إلى صـــراط مستقيم " .
سنذكر بعض العوامل والصفات المشتركة التي ساعدت على تشكل الصوفية وإظهارها بصورتها الحالية , وأعطتها ملامحها الأساسية التي تعرف بها وتميزها عن غيرها , وبذلك يسهل على المسلم معرفة الخير من الشر ويسهل عليه تمييز الواقع الحالي لدعاتها ومنتسبيها , وسنذكر هذه الصفات والعوامل بإيجاز مركز .
أولاً : ضعف العلم الشرعي :
وهو – كما يقول ابن الجوزي – من أول تلبيس إبليس عليهم , إذ قالوا: المقصود هو العمل , ونحن نعبد الله ونذكره دائماً و وقد تركنا الدنيا واتجهنا إلى الله . ومن هذا التصور بدأ مصباح العلم يخفت ضوؤه شيئاً فشيئاً و فعرضوا عن العلم الشرعي الذي هو طريق العمل الصحيح كالحديث والفقه والتفسير , فغلب عليهم الجهل وانتشرت البدعة والخرافة بينهم . فعبادات أكثر المتصوفة وخاصة العوام منهم حشوها البدع , وذلك لما أشاعه مشايخهم من مفاهيم مغلوطة عن البدع حسنتها في عقولهم .
ثانياً : التأويل :
وهي مشكلة عامة الفرق , البلاء المشرك بينها , فقد جنحوا إلى تأويل النصوص وتحريفها عن ظاهرها المتبادر إلى معان لا تليق بها حتى يستدلوا بها على مذهبهم وأقوالهم الفاسدة , وقد رأينا من قبل أمثلة من تأويلهم للآيات القرآنية في مبحث ( الشريعة والحقيقة ) وأنهم قد أغروا بالإتيان بمفهوم مخالف للفهم المستقيم ظناً منهم أن تلك هي مرتبة الخواص, والتأويل بهذا المعنى من شيم الباطنية , وخصلة من خصال أهل الكتاب الذي قال الله فيهم : " من الذين هادوا يحرفون الكلم عــن مواضـعـه " .
ثالثاً : الغلو في المشايخ :
تحدثنا عن هذه الظاهرة خلال سردنا لمعتقداتهم في الأقطاب والأوتاد وفي الأولياء والكرامات وانعكاس ذلك على التربية الذليلة التي يراض بها المريدون خضوعاً لذوي العصمة من مشايخهم , ولا شك أن هذه الظاهرة من الصفات المميزة المقبوحة لدى الصوفية , وهي كالتأويل صفة مشتركة بينهم وبين الشيعة , وبينهم وبين النصارى , فالشيعة غالوا في أئمتهم فقالوا بعصمتهم والنصارى غالوا في المسيح عليه السلام فرفعوه إلى مرتبة الألوهية , وهو ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنــــا عبد الله ورسوله " . وقد قال بعض العلماء : " من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود , ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى " والموفق من أنجاه الله من براثن الغلو ومن التشبه بإحدى هاتين الطائفتين .
رابعاً : البعد عن منهج السَّــلف :
كانت النتيجة الطبيعية لابتداع الأفكار والأعمال لدى الصوفية أن بعدت مناهجهم في الاعتقادات والعبادات جميعاً عن السنة وعن مناهج الصحابة والتابعين , وانحط تقديرهم للسلف – وإن أظهروا غير ذلك – لأنهم ربما نظروا إليهم على أنهم فهموا الإسلام فهماً سطحياً وأن المشايخ والأولياء قد تقربوا إلى الله بما لم يتقرب إليه أحد من الرعيل الأول , وأنهم وصلوا إلى مراتب لم يصلها أحد من السابقين الأولين , وكان من نتيجة ذلك عدم العودة إلى منهج الصحابة والتابعين عند الاختلاف و وحرموا الاستفادة من خير الأجيال .
خامساً : الصِّلة بين التصَّـوف والتشيع :
إن صلة الصوفية بالتشيع شيء مؤكد , فمرجعهم دائماً من الصحابة هو علي بن أبي طالب أو الحسن بن علي " الذي هو أول الأقطاب " وقالت الصوفية بالقطب والأبدال وهذا من أثر الإسماعيلية والشيعة . وعوامل نشأة الفرقتين وطبيعة كل منها توجب أن يقترب التشيع والتصوف , فالشيعة انهزموا في ميدان السياسة , والصوفية انهزموا في ميدان الحياة , وأهل فارس هم أكثر الناس تصوفاً بين الأمم الإسلامية , وقد أخذ الصوفية فكرة الحياة المستمرة لبعض الأشخاص من الشيعة الذين يقولون بمهدية فلان أو فلان وأنه حي إلى الآن . قال ابن حزم : " وسلك في هذا السبيل بعض نوكي الصوفية فزعموا أن الخضر وإلياس عليهما السلام حيّـان إلى اليوم " .
وقد اعتمد السلمي في تفسيره على ما يروى عن جعفر الصادق من تأويلات للقرآن مخالفة للمنهاج الصحيح في التفسير , فإذا قالت الشيعة في تفسير قوله تعالى " وعلى الأعراف رجال " هو علي بن أبي طالب يعرف أنصاره بأسمائهم , قال السلمي : أصحاب المعرفة أصحاب الأعراف , وقال ابن عربي : " رجال هم العرفاء أهل الله وخاصته " .
ويذكر السراج أنه " لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من بين جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصية بمعان جليلة و إشارات لطيفة وألفاظ مفردة وعبارة وبيان للتوحيد والمعرفة والعلم , تعلق وتخلق بها أهل الحقائق من الصوفية " , وعلي رضي الله عنه من علماء الصحابة وأفضلهم بعد سابقيه في الخلافة فلماذا هذه الخصوصية ؟
كما أخذ الصوفية مسألة عصمة الولي من الشيعة الذين يقولون بعصمة الأئمة ولكنهم أخفوها فترة من الزمن فسموها ( الحفظ ) ثم صرح بها القشيري فقال : " واعلم أن من أجل الكرامات التي تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعات والعصمة من المعاصي والمخالفات , ويجوز أن يكون من جملة كرامات ولي الله أن يعلم أنه ولي " . ومن الموافقات الغريبة أن كل زعماء الطرق الصوفية يرجع نسبهم إلى علي بن أبي طالب ويتوارثون زعامة الطريقة كالإمامة عند الشيعة , وإذا كانت المشيخة هي محصول المجاهدة والسلوك فهل ولد الشيخ يجب أن يكون شيخاً ؟
إن الشيخ عبد القادر الجيلاني يرجع نسبه إلى آل البيت وكذلك الشيخ أحمد الرفاعي والبدوي وأبو الحسن الشاذلي والبكتاشي والسنوسي والمهدي وكل زعماء الطرق حتى في البلاد الأعجمية مثل محمد نور بخش وخواجه اسحق وباليم سلطان ... .
وأخيراً فإننا لم نكتب عن الصوفية إلا لتوضيح منهج أهل السنة ونميزه عن غيره لأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها , ولأنه دين الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفهمه السلف وهو لا يحتمل هذه الطرق التي تفرق به عن سبيله , ولا يمكن أن تكون الصوفية – وبأقل درجاتها وأقصى اعتدالها – لا يمكن أن تكون هي منهج الإسلام, لهذه الأسباب كتبنا عنها وأما الذين يقولون : إن الصوفية ما هي إلا سلوك وتهذيب للنفس ورياضة روحية , هؤلاء يقال لهم : إذا لم تكن توجيهات القرآن الكريم وتوجيهات السنة النبوية فيهما تهذيب للنفس والسمو بها إلى درجات يحبها الله ورسوله فلا خير فيما خالف هذه التوجيهات في سواء الصوفية أو غيرها وإذا كان قدماء الصوفية قد تكلموا بكلمات مقبولة عن خبايا النفس الإنسانية وتعرجاتها , ومعالجة أمراض القلوب , فهذا شيء طيب وهو من أمر الله ورسوله ولا نسميه صوفية لأنها أصبحت علماً على كل ما ذكرناه من البدع , ولا بد لمن يأخذ بها أن يصيبه شيء منها , فالغزالي الذي تكلم فأجاد عن أمراض القلوب قد وقع في حبائلهم الوجودية عندما قال : " ترقى العارفون من حضيض المجاز إلى ذروة الحقيقة فرأوا بالمشاهدة أن ليس في الوجود إلا الله " وهذا هو القول بوحدة الوجود .
شيء آخر لا بد أن يكون واضحاً وهو أنه عند توضيحنا لمنهج الصوفية فهذا لا يعني أن كل فرد من أفرادهم قد حكمنا عليه بفساد المعتقد وسوء المنقلب , فكثيراً ما يلتبس الحق بالباطل ويجتمع في الرجل الواحد الخير والشر والسنة والبدعة ومن العدل أن نذكر هذا وهذا لأن بعض الناس يظنون أن الصوفية هي الطريق الصحيح لما نشأوا عليه من صغرهم أو ما شاهدوه من آبائهم ومشايخهم , ولكن لا بد من تبصيرهم بدينهم الحق وإبعادهم عن البدع التي يحسبونها صغيرة وهي عند الله كبيرة .
إن ابن تيمية – الذي يعتبرونه العدو الأكبر لهم – عند مفاضلته بين الصوفية والمتكلمين يفضل الجانب العبادي العملي عند المتصوفة بالمقارنة مع الجدل النظري عند المتكلمين , والظاهر أنه لاحظ ما عليه أوائل الصوفية من استقامة على المنهج الصحيح في موضوع الأسماء والصفات مع كثرة عبادتهم , ولكنه لم يلاحظ أنهم هم أنفسهم يخلطون في أمور التوحيد والعلم والعمل و فالكلاباذي الذي يوصف بأنه معتدل يعرف التوحيد " أن لا يشهدك الحق إياك " وهو تعريف يحتمل الحق والباطل , ونجد القشيري يتكلم عن عصمة الأولياء , وأخطاء السلمي في التفسير عجيبة , وقصص الغزالي في الإحياء أعجب , حتى القدامى منهم كالجنيد والشبلي والمحاسبي لهم أخطاء واضحة , وهؤلاء يوصفون بالاعتدال .
وابن تيمية كثيراً ما يقرن بينهم وبين المتكلمين فيقول : هؤلاء انحرفوا في كذا , وهؤلاء انحرفوا في كذا , والمقصود طبعاً غلاة المتكلمين كالرازي والآمدي , و إلا فهل يقارن بين أبي بكر الباقلاني وأمثاله من متكلمي الأشاعرة وبين خزعبلات الصوفية , وأين علم أبي بكر ودفاعه عن الإسلام وفقهه من شطحات وغموض الصوفية ؟ ولذلك كان عالم آخر كابن عقيل صريحاً أكثر في رأيه عندما يقول : " والمتكلمون عندي خير من الصوفية لأن المتكلمين قد يزيلون الشك والصوفية يوهمون التشبيه , ومن قال حدثني قلبي عن ربي صرح بأنه غني عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
والقشيري يعتبر الصوفية أفضل الناس بعد الأنبياء والرسل , وهم غياث الخلق !! ولا أدري ماذا ترك للصحابة والتابعين والعلماء العالمين . وصدق الله تعالى : " كل حزب بما لديهم فرحون " ولو أنصفوا وقاسوا أنفسهم بمقياس الشريعة المعصومة لعلموا أنهم مبتدعون , ولكنه التعصب والإعجاب بالنفس . والقضية ليست في قول فلان من الناس : هذا هو طريقي أو ما أرضاه لنفسي ولكن القضية أنه ليس هناك إلا طريق واحد هو الحق , طريق أهل السنة والجماعة , وليس بعده إلا الظلال .
ونحن ندعو دائماً مع الرسول صلى الله عليه وسلم :
" اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل , فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة , أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون , اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك , إنــك تهـدي من تشاء إلى صـــراط مستقيم " .