المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما هو التامل



القناص
05-08-2016, 18:13
ماهو التأمل؟




هي رحلة، من التأمل إلى الصمت.
التأمل ليس غاية، بل وسيلة، تتعدد الصور والأشكال والمفاهيم.
وكثيرا ممن يسألون ما هو التأمل؟
ما هو تعريف التأمل باختصار؟
هل نجلس ونسترخي ... أم نركز على تنفسنا أم على شمعه؟
أم نتخيل أننا في حديقة أو غابة و/أو بجانب بحيرة؟
هل نركز أم نطلق لعقلنا العنان للغوص في عالم الأفكار؟
وما هو الفرق بين التأملات التقليدية أمام الشمعة، وتأملات أوشو النشيطة؟
وأي كتاب يمكن أن نتعلم من خلاله التأمل؟
وهل الموسيقى ضرورية أثناء التأمل؟ ولماذا موسيقى هادئة بدل الموسيقى الصاخبة؟
التأمل في بساطة شديدة، نقدمها لكم باختصار شديد، وجمع ما في معظم الكتب القديمة والحديثة، وبعد الاختبار الشخصي نقول:


(التأمل وسيلة تؤدي إلى السلام الداخلي، والصمت العميق، والوعي الأسمى)





... أنت لست بحاجة إلى أي طريقة للتأمل، ولا تقنية ولا مانترا، بل فقط تحتاج إلى الفهم وتوسيع وعيك، لكن إذا كان هذا الفهم لفظيا سطحيا، فلن يتغير فيك شيء.
إن كل التقنيات والطرق والمفاهيم تختصر في هذه الجملة... وكل تقنية تأمل تهدف إلى إيصال المتأمل إلى الصمت الداخلي. وهي طريقة لتجاوز كل "النقابات" أو "الحجابات" أو الحواجز التي تفصلك أنت عن ذاتك الحقيقية وعن الصفاء والسكينة التي يجب أن تكون. ومن دون تخطي هذه الحواجز، فإنك ستبقى على هامش الحياة وتظن أنك منعم فيها، تستقبل القدر الكبير من النعمة الإلهية والفيض الإلهي، وتبقى الحياة أكذوبة لم تختبر حقيقتها بعد.

كل التأملات بأنواعها وصورها المتعددة، وطرقها وتقنياتها تهدف إلى إيصال الإنسان إلى حالة السلام الداخلي والصمت العميق والوعي الأسمى.


ولكن السؤال هنا، لماذا السلام الداخلي وحالة الصمت والوعي العميق؟
هناك ثلاث مستويات للوعي الإنساني... ثلاث طبقات يمكن للإنسان أن يخترقها للوصول إلى السلام الداخلي، وعندما يدخل للسلام الداخلي، يمكن أن يشارك في السلام العالمي لأنه جزء منه.

وكلنا نعيش في المستوى الأول للوعي، المستوى السطحي والآلي.. والتأمل يأخذنا إلى المستوى الثاني ، ثم الثالث... مستوى الوعي العميق أو الوعي الصافي.




المستوى الأول: الأفكــار: ويكون الإنسان فيه ساكن داخل أفكاره.

المستوى الثاني: الإنتــباه: وهنا يعير الإنسان أفكاره وطريقة تفكيره ومشاعره ودوافعه بعض الانتباه.

المستوى الثالث: الصمت: وهنا يكون الإنسان قد وصل إلى الحالة الصمدية التي تتلاشى فيها الأفكار، ويكون للإرادة دور في أفعال الإنسان. ويعي الإنسان فيه السلام واللامتجلي الذي لا يمكن التعبير عنه، ومالا يمكن أن يختبره في المستوى الأول أو يتعلمه في الجامعات أو المدارس.

***





شرح للمستويات الثلاثة للوعي


المستوى الأول:

"الأفكار، العواطف، الجنس"

(العقل، القلب، الجسد)



هذا المستوى، نجد فيه أفكار العقل، ومشاعر القلب، وحاجات الجسد التي نختصرها بكلمة "جنس"، هي التي تقود الإنسان للقيام بالأفعال، هي الدوافع التي تتحكم بالإنسان، والذي يكون الإنسان مسلوب الإرادة، ينقاد حيث أفكاره ومشاعره تقوده دون أن يكون له قرار فيها أو وعي .. لهذا فهو مستوى آلي.
كأن تتملكك فكرة أن "الأموال تجعل صاحبها سعيدا" فتقودك هذه الفكرة التي تعيش داخلها إلى ترسيخ حياتك كلها لجمع المال، لأنك حريص على السعادة... وتظل طوال حياتك تجمع المال من دون وعي ، ومن دون مبرر... وما إن تضيع هذه الأموال، أو تُسرق، أو تحترق، حتى تشعر باليأس والإحباط، وقد يغمى عليك أو يقودك هذا الأمر للجنون أو الانتحار حيث الموت. وكل هذا لأنك عشت داخل الفكرة، ولم تكون الفكرة تعيش فيك.
ومثال آخر، شخص يعشق فتاة ما، ويظل هيمان بحبها طوال الوقت، في الليل والنهار وهو يحلم بها ويتخيلها ويشتاق لها... ولا يعلم أنه يفكر بها أكثر من اللازم، ولم يدرك إنه يعيش داخل مشاعره، الأمر الذي يجب أن تعيش المشاعر فيه ويتحكم بها وليس العكس... من يقود من، الفكرة تقود صاحبها أم صاحب الفكرة يقودها ويمحوها وقت ما شاء؟ وكذلك مع المشاعر.

كما نجد عندما نراجع هرم الكيان الإنساني، بأن الجسد والمشاعر والعقل هي من الطبقات الأدنى من الإرادة ، والإرادة هي من أعلى الطبقات، ويعني هذا أن الإرادة هي التي يجب أن تتحكم بكل ما دونها، وليس العكس.



http://baytalsafa.com/imagen/hgdgh233.gif

وهنا، عندما أندمج مع الفكرة، فأرى العالم من منظور أفكاري، فأصبح أنا والفكرة واحد، ولكن في الحقيقة، الفكرة جزء منك... وعندما تصبح انت والفكرة واحد، فإن مات الفكرة أو لم تتحقق، سوف تتهدم حياتك كلها، كذلك سوف تصبح ياتك كما الفكرة، فإن كانت سيئة سوف تتهدم حياتك بناء على الفكرة التي تعيش فيها...
أما الركن التالي، من هذا المستوى فهو (الجنس) وهي اختصار لكل الحاجات البيلوجية التي يحتاجها الجسد، كالطعام والغذاء والتنفس وغيرها مثل النوم والراحة ... إلخ.
وهي حاجات أساسية ، تقوم عليها حياة الإنسان... ليس الإنسان، بل كل كائن حي.
وهي مهمة، فهي تساوي الحياة، ولهذا فإن لم يشبعها الإنسان بالقدر الكافي الموزون، فإنه يتعذب حتى الموت، كما لا يستطيع أن يستمر بالحياة فيقوم بأعماله أو يفكر أو يتخذ قرار. ولهذا نجد في الحروب أو الاستعمارات الأجنبية، تمنع الموارد الطبيعية كالماء والغذاب والزراعة عن الدول المعادية.
وفي مقابل ذلك، نجد في الجماعات الخاصة في الشرق الأقصى، تمارس التأمل، فتعيش أيام على التنفس، فيمكن للفرد منهم السيطرة على جسده، وعلى الحاجات البيلوجية التي تم ذكرها سابقا، فيضل أسابيع بل شهور لا يأكل شيء... وهو أمر غريب بالنسبة للعامة، ومن لم يطلع على هذه الأمور سابقا.
وبعد كل هذا الكلام، يبقى لدينا (الجنس) أو (شهوة الجنس)، ما إن يثيرنا أمر، لا يمكن السيطرة عليه مثل الجوع، كما يمكن الاستغناء عنه... ولكن هذه أسرار خاصة لعلم النكاح، وسوف نتناوله بزاوية خاصة فيما بعد.
ويمكن اختصاره بالآتي:

"الكبت الجنسي ألد أعداء التأمل والصمت" وهناك عدة طرق يمكن تفريغ هذه الطاقة المكبوتة.


ولكننا نجد هذه الأيام، أناس يعيشون من أجل الجنس والممارسات الجنسية، حتى لو كانت ضمن الإطار الشرعي، وتحت سقف الزوجية، ولكن حتى الديانات لا تحبذ الإفراط في الجنس، والحكمة الشرقية تطلب من الإنسان الاعتدال، وألا تستحوذ الأفكار الجنسية، أو الحاجة الجنسية على إرادة الإنسان... فخير الأمور أوسطها.
وهذا الأمر له القول الكثير الذي يحتم علينا تناوله في زاوية خاصة له.
ولكن من ناحية القناعات الفكرية، فعلى الراغب بالتأمل أن يفرغ الكبت الجنسي، والكبت الفكري والعاطفي، حتى يدخل في محراب الصمت التام والسلام الداخلي.
لهذا، نجد أن الأفكار، المشاعر، الجنس هي الأمور التي تتحكم بالإنسان هذه الأيام، بالناس والبشر... إن الأمر انقلب، عبارة أن "الإنسان خليفة الله على الأرض" أصبحت عبارة جوفاء لا معنى لها، وكيف سيصبح الإنسان خليفة على كوكب الأرض، وهو لم يستطيع أن يصبح خليفة على نفسه، ويقود أفكاره ومشاعره وحاجاته البيولوجية كيفما أراد؟ أليس من الأولى له والأجدر به أن يسيطر أولا على هذه النواحي الثلاثة قبل أن يستولي على كرسي الحكم؟ أو يكون رب أسرة أو أم تحتها أقدامها جنات السماء.
وفي الخلاصة نقول، في هذا المستوى الأول، نجد الأفكار تقودنا سواء أدركنا ذلك أو لم ندرك. لهذا لابد أن ندفع بعجلة التأمل أن تحركنا، من خلال الانتباه لهذه الأفكار، مجرد (الوعي)، مجرد الإنتباه، مجرد إدراك هذه الأفكار والمشاعر وكل التصرفات، مجرد أن نعمل بإرادة ونية وقرار... نكون قد تخطينا المستوى الأول، ووصلنا إلى المستوى الثاني.

، إننا لا ننبذها أبدا، والعكس هو الصحيح، نحن نحترمها ونهتم بها.. كما أن كل من هذه الثلاثة باب للدخول إلى الخشوع والحبة الإلهية والصمت العميق، بل ومزيد من ذلك، هي هبة إلهية عظيمة لو كشفنا الأسرار التي فيها. ولكنها خطرة، بحيث أن من يدخل للخشوع عن طريق هذه الحجبات الثلاثة تستهويه ممارستها للأبد، فيتعلق بالأفكار أو العواطف أو الجنس وينسى الهدف المنشوذ الذي يحتاجه.
لا بد من احترام هذه الحجبات الثلاثة لانها نعمة عظيمة من الله، ولا بد أن نهتم بها وننميها، لأن لها وعي خاص بها- يمكن أن نتناوله في مقالة اخرى.
هذه الحجبات الثلاثة، هي حجبات بحيث أن التوتر الذي يكون فيها يمنع السالك الوصول إلى الصمت التام، كما أنها تعتبر قنوات يمكن للسالك الوصول للخشوع من خلالها. هي قنوات وحجبات لا تحتوي على حقيقة أبدا، بل هي مجرد وسيلة، ليس إلا.
فمن خلال الأفكار أو العقل أو المنطق الوصول إلى التوحيد، ولكن لا يمكن الشعور به بل التصديق فقط، فينحصر التوحيد عند الأفكار، ويمكن للفكر أن يضيع بالأفكار والمنطق ويغوص أكثر بالدراسات الفلسفية والعلمية الميتة والجامدة.
أما العواطف، يمكن الإنسان أن يصل إلى التوحيد، من خلال حاجته لهذا الإله العطوف الرحيم الذي لا يمكن الاستغناء عنه، والذي يشكل مصدر اطمئنان وقوة للأقوياء والضعفاء عاطفيا، كما إنه الواحد الوحيد الذي يستحق الحب العظيم، لانه لا يفنى ولا يموت ولا يبتعد عن حبيبه أبدا، ولا يبعد بطول المسافات، أو يكون الشوق حيث طول الأيام والساعات، بل هو حاضر لمن يحب ويعشق. ولكن ربما يتعلق الإنسان بالعواطف فقط، فيغيب المنطق والعقل عنه، فيتوهم الكثير من الأمور ويضيع، فتضيع الحقيقة من بين يدي العاشق.
كذلك الجنس، فإنه نعمة للبشرية، وفرصة بسيطة وواضحة المعالم، لكي تختبر الجمال والصفاء والنشوة الجنسية، التي هي علامة من الله بأن هناك نشوة روحية تدوم للأبد، أما الجنسية فهي تموت ولن تستمر، هي شهوة مؤقتة. كما إنها إشارة عابرة ليس إلا... لهذا نجد بعض الشعوب الوثنية كالشعب اليوناني قبل ولادة المسيح بخمسة قرون، يعبدون الإله ديونيزوس (إله الخمر والشهوة)، يعبدونه من خلال الغناء له والاتصال الجنسي، حيث يعتقدون بان اللذة الجنسية عبارة عن قوة روحية، أودعها ديونيزوس للمتعبدين له. ولهذا نجد أن الإسلام حفظ هذا السر ونظم آيته، عندما قال بأن الزواج نصف الدين.
يمكن للإنسان الذي يحاول الوصول من هذه الطريقة أن يضيع ويظل، حيث يتعلق بالجنس دون أن يتخطاه إلى ما هو أفضل منه وأعلى وأسمى من ذلك بكثير.
كما أن الحجبات الثلاثة هذه محدودة وتقيدنا كثيرا، وربما المجتمع لا يحبذها، أو نجد أن الشرع يرفض بعضها... لهذا هناك كبت في هذه الحجبات الثلاثة، يجب التخلص منه. والتأمل يأتي عندما نتخلص من الكبت، كما في اليد الأخرى يحررنا التأمل من هذه الحجبات الثلاثة ، فلا نعد محتاجين للوصول إلى الخشوع أي أفكار ولا عواطف ولا شهوات جنسية..
هي عملية تعكس الأخرى، التأمل يحرر من هذه الحجبات، وإن تخلصنا من هذه الحجبات وتقليل التوتر فيها يوصلنا إلى التأمل.

المستوى الثاني:
في هذا المستوى، نعيش حالة من الوعي بالأفكار ودوافع سلوكنا، وهي حالة نقف فيها لندرك أيهما يعيش في الآخر، الفكرة تعيش فينا أن نحن من نعيش فيها؟
ونحاول في هذا المستوى تذكير أنفسنا دائما، بما يجب علينا أن نفعله، وهو أن نوقف تأثير الأفكار والمشاعر والحاجات البيولوجية لتحركنا وتأثر علينا، بل نحاول أن نسيطر عليها ونقودها ونتحكم بها.. نلغي فكرة، نغير فكرة، نجد أخرى...

إنه بمجرد الانتباه للأفكار، سوف يتوقف تأثير الأفكار على تصرفاتك وتبدأ بالتحكم فيها.

المستوى الثالث:
هنا يختفي الانتباه، وتختفي الأفكار، ويبقى الصمت والتسبيح وتذوق الجمال هوالموجود فقط، وهنا تجد النشوة الروحية. سوف تشعر بالمحبة الإلهية التي تغمرك دائما وأبدا، وسوف يكون التوكل والإيمان، وهذا هو مقام الإحسان، أي أن يتوقف عقلك عند ترديد التسابيح والكلمات، وتبدأ تعيشها وتختبرها.. فتعيش التوكل بدل التصديق به، تعيش الخشوع بدل المعرفة عنه.
لأن كل القراءات والأفكار والفلسفات لا تغني عن اختبارك الشخصي لهذه اللحظات المباركة المقدسة العميقة.
وسوف تشعر بالعناية الإلهية التي هي موجودة فعلا حولك ومن أجلك (الآن)... ولكنك بعيدا عنها لأنك لم تسقط الحجبات بعد.. ولم تتخلص من الكبت الجسدي والعقلي والعاطفي..
سوف تعيش هذه اللحظة (الآن).
وعندما تصل إلى الصمت والسلام الداخلي، تتوقف رغباتك والأطماع الخارجية، ستعيش في الغنى الداخلي الذي لا يفنى ولا يصدأ ولا يسرقه اللصوص.
ستتخلص من كل مظاهر الحياة، لأنك تكون قد اختبرت الجمال الموجود... وهنا سوف تعيش الخشوع.. وعندها تشعر بموجات النور عندما تصلي على النبي محمد أو تقول لا إله إلا الله أو أي تسبيحه أخرى.
السلام الداخلي يجعلنا نعي الجمال حولنا:
إنسان هذا الزمن، لديه كل شيء ، لكنه غير سعيد. تحيط به الطبيعة والجمال، إنما غير سعيد ولا يشعر بالجمال الموجود حوله... وهذا مرض وجهل وغباء.
انظر إلى القطة عندما تسترخي، إنها تسترخي على الطريق، أو أمام القمامة، وتستمتع بالجو حولها، وتستطيع أن تسترخي أمام القمامة، كما تستطيع أن تسترخي على صوفا تحت سقف المنزل الفخم وتستمع للموسيقى، مع أحد العجائز الأثرياء.
تعلم الاسترخاء والجمال من الحيوانات، فهي تعيش هذه الفطرة.
كما إن إنسان هذا الزمن لديه كل شيء في المنزل، إنما غير سعيد بها.
كما في المقابل، إلى هذه اللحظة، هناك أسر ليس لديها تلفاز ولا أي من هذه التقنيات، ومكتفية وسعيدة بحياتها...
كلنا أصبحنا عبيد لهذه الآلات... مسلوبي الإرادة، وإن أردت الدليل، فهذا هو الدليل:
هل يمكنك أن تأخذ طعام معد دون هاتف ولا تلفاز ولا مذياع، لتقضي رحلة في أحضان الطبيعة، على البر أو البحر أو في الغابة؟ هي يمكن أن تستمتع بها دون أن تشعر بأن هناك شيء مفقود؟ هي يمكن أن تخرج يوم واحد وتستغني عن هاتفك المحمول؟
لقد تعلقنا بالآلات وأصبحت تسيطر علينا.
أما التأمل فهو يحررنا من هذا كله، لأن بوصولنا إلى الصمت ومعرفتنا لأنفسنا ، وللساكن في هذا الجسد، سوف نغتني عما سوى المطلق بجماله وجلاله.
ومنذ هذه اللحظة، حاول أن تستشعر الجمال الموجود حولك.. حاول أن تعيش هذه اللحظة بكل ما فيها من يقظة.. وكن شاهدا. لأن هذا المستوى من الوعي ، مستوى الشهادة. وهي غاية الدين (أشهد أن لا إله إلا الله).. فلا ترددها ، بل عشها الآن. ولا يمكن أن تشهد على التوحيد، عندما لا تكون واعيا بالجمال المحيط حولك، كل الأنبياء تأملوا في الكون والطبيعة، والنبي محمد اختلى في غار حراء ، لكي يتأمل في الكون الذي فيه ظاهر وباطن الجمال والجلال. الكون هو ملكوت الله الذي يتجلى جماله في كل لحظة. لهذا حياتك على هذه الأرض غالية، كل لحظة يمكنها أن تحيي فيك وعي ويقظة.
حاول أن تستشعر الجمال الموجود حولك.. حاول أن تعيش هذه اللحظة بكل ما فيها من يقظة...
وأنت تأكل، وأنت تشرب، أو تكنس الطريق، تذكر ... (الآن) هي كل ما لديك، (الآن) هي الحياة... ليس هناك ماضي لأنه ميت، وليس هناك مستقبل لأنه غيب.. هذه اللحظة التي أنت فيها وهي فيك... عشها الآن.
في المستوى الثالث يمكن أن نشهد على أن لا إله إلا الله. وتكون في كينونتنا ونعيش هذا التوحيد بدل ان نصدقه في عقلنا، بل نشعر فيه حولنا وبحياتنا ... لهذا الشهادة تعتبر الوعي الكلي والمثالي الذي هو مشروع الحياة كلها ، لان ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدون من خلال التوحيد الذي هو الهدف والغاية... وكل الطرق والشرائع والديانات تقنيات للتذكر والتبتل والإحسان للوصول إلى الوعي أي الشهادة بالتوحيد.ولهذا هناك فرق بين صمت الجهلاء وصمت العلماء.

***


بين صمت الجاهلين وصمت العارفين:
لا يعني الصمت ألا نتحدث أو ألا نصدر صوتا، الصمت لا يعني السكوت عن الكلام... يمكن أن نتوقف عن الكلام والثرثرة، وهذا سهل جدا، ومع هذا، تستمر ثرثرة أفكارنا وانفعالاتنا الداخلية، كما جميعنا نعاني من ضجيج الأفكار... وهذا ليس صمتا.
الصمت هو الهدوء الداخلي، والصمت العميق والسلام الداخلي، الذي فيه تختفي الأفكار والرغبات والأطماع كلها... في هذه الحالة يكتفي الإنسان ويغتني عن كل شيء، وعندها يتحكم ويسيطر على حياته ويقودها، ويصبح عارفا بالخير الموجود وبالشر، ويصبح خليفة شاهد على الحق والباطل...
الصمت لا يعني الموت ولا يعني اللامبالاة، بل يعني اليقظة ووجود الإرادة التي يمكنها أن تتحكم في سيل الأفكار وتوقف هذا السيل وقتما شاء المريد.
كما أن صمت الجاهلين، يختلف عن صمت العارفين.
الجاهل صامت لأنه ليس لديه شيء يقوله، فهو فارغ من الداخل ولم يختبر الحياة أو الجمال. وهو يصمت لأنه مسلوب الإرادة.
أما العارفون يصمتون لأنهم يدركون بأن الحياة والحقيقة والحكمة لا يمكن أن تحملها الكلمات أو تعبر عنها... لهذا يصمتون، ربما يتحدثون مع الآخرين لكي يفتحون مداركهم وعقولهم، ويحيون حواسهم حتى يختبروا الجمال والسلام الموجود فيهم وحولهم.
لهذا لقد وجد العلماء أن أعلى حالة من الخشوع يمكن للإنسان أن يصل لها، هو الخشوع الذي لا يتصاحب معه موسيقى ولا كلمات ولا دعاء أو أفكار. مثل الطفل الذي يكتفي بوجود أمه، يتوقف عن البكاء أو الصراخ أو اللحيح.. وهكذا نحن، عندما نصل إلى اليقظة، وإدراك والشعور بهذا الجمال والكمال والتوحيد، وهذه الحضرة الإلهية، يدخل في محراب الخشوع، ونصمت حينها، دون دعاء أو طلب أو ترتيل أي من الكلمات، لأنه لم يأذن لنا بالبوح عنها.
كما قالوا أن من يصل إلى هذه الحضرة، يمكن أن يعرف الاسم الأعظم، الذي لا يمكن له أن ينطق به أبدا. بل هو سر ينتقل من قبل مؤمن إلى آخر.

**



- هل اختبرنا سابقا الصمت العميق والسلام الداخلي أو حالة الصفا؟
نعم
- وكيف وأنت أخبرتنا سابقا بأننا نحتاج لتأمل لكي نصل إلى حالة الصفاء، كما إننا لم نتأمل بعد؟!
نعم، إنك لم تتأمل قط، ولكن، الله وضع السر في حياتك وأعطاك رموز ومفاتيح وإشارات، يجعلك من خلالها تستشعر الجمال والمحبة والسلام الداخلي، وتشعر بهذه النشوة الموجودة فيك.
- كيف ذلك ؟؟ ومتى شعرت بها؟
هل تذكر يوما، إنك استرخيت وسمعت موسيقى هادئة، ثم شعرت بنشوة ما؟
- نعم. هذه تسمى النشوة الفنية أو الفكرية. وهل يمكن أن تتذكر مشاعرك عندما عشقت فتاة/ أو رجل ؟ وشعرت بفرح غامر ومحبة عميقة، لاسيما في اللحظات الحميمية؟
- نعم
هذه تسمى نشوة عاطفية. وهل تذكر الصفاء الذهني والسلام الداخلي والنشوة عندما وصلت فيك الحالة الجنسية إلى ذروتها قبل القذف أو أثناءه؟
- نعم.
هذه هي النشوة الجنسية.
- وماذا عن النشوة الروحية ، أو الخشوع؟
نعم، إن النشوة الروحية هي الخشوع، ويمكن لك أن تعيشها 24 ساعة، إن الله يدعونا لها مراراً، ولكن لأننا نعيش في المستوى الأول من الوعي، ونعيش داخل الفكرة أو العاطفة، لهذا لا نستطيع أن ندرك هذه الإشارات الإلهية. ولكن، إن كنت تحاول الانتباه لأفكارك ومشاعرك وباقي تصرفاتك، فإنك يمكنك أن تلمح هذه الإشارات الإلهية التي تدعوك للدخول إلى محراب النشوة الروحية الخالدة.
هذه النشوة الفنية، الفكرية، العاطفية، الجنسية نشوة ميتة، ومؤقتة، وتنتهي وتذهب في مقتها. ولكنها كافية لأن تيقظك وتحرك فيك شيء ما، شيء جميل، يطمح للوصول إلى الكمال والجمال المطلق، كافية لان تجعلك تشعر بأن هناك أفضل من هذا كله. وأن هناك شيء لا يموت، وجمال ليس بعده جمال. إنها كافية لأن تجعلك تبحث عن تلك النشوة الروحة.
- وكيف أشعر بحالة الحضور، أو أتذوقها؟
لا يمكنني أن أحدثك عن الحضور، ولا يمكن لعقلك أن يفهمه، ويكن كن حاضرا حتى تشعر بالحضور.
- وكيف يكون ذلك؟
قم بهذا الاختبار. أغمض عينك وقل لنفسك:"أتسائل ماذا تكون الفكرة التالية التي ستراودني" ثم كن متيقظا تماماَ وانتظر الفكرة التالية لتراودك كما يترقب الهر الثقب الذي تختبئ فيه الفأرة. ماذا تكون الفكرة التي ستخرج من الثقب؟ حاول أن تقوم بذلك (الآن).

(بعد التجربة)
- لقد كان علي أن أنتظر وقت طويل قبل أن تراودني الفكرة.
بالضبط، طالما أنك في حالة حضور مكثف، تتحرر من الفكر، أنت ساكن وهادئ ولكنك في حالة من اليقظة. هذا هو الحضور، وهذا ما يجب أن نكون عليه حينما نحضر للصلاة أو الدعاء أو الخشوع. أن نكون هنا الآن.









(تم بعون الله)

* * *

* *

*















صور توضيحية لآلية المستويات الثلاثة للوعي:




http://baytalsafa.com/imagen/kkro94j.gif

المستوى الاول:

في المستوى الأول يعيش الإنسان في الفكرة أو العاطفة أو الجنس، فتكون الفكرة تحيط بالإنسان، ويعيش الإنسان داخلها، فإن ماتت الفكرة التي تمثل الحياة بالنسبة له، فإنه يتأثر جدا، وقد يشعر بأن ذاته وكينونته قد ماتت هي الاخرى، لأنه تمثل بها وعاش تحت رحمة هذه الفكرة.








http://baytalsafa.com/imagen/ktjgi8r,.gif
المستوى الثاني:

وهنا يكون الإنسان قد انتبه لأفكاره وأحاطها علما، فتصبح الفكرة داخل الإنسان وتحت سيطرته، وهنا تصبح الفكرة جزء من الإنسان، ولا يكون الإنسان جزء منها كما في المستوى الاول، ومن هذا المستوى، يبدأ الإنسان يفهم نفسه ودوافعه، ويبدأ في ملاحظة أفكاره.







http://baytalsafa.com/imagen/lgfkjjgi08.gif
المستوى الثالث :

وهنا يكون وعي الإنسان أكبر منه بكثير، وأكبر من الفكرة نفسها. ونجد من خلال الصورة أن وعي الإنسان يحيط بالإنسان مثل الهالة النورانية، ويستوعب الآخرين، بل قد يستوعب الأرض كلها وقد يمتد أكثر من هذا، ويحيط الوعي بعملية العقل الذي يصبح خادما للإنسان وليس سلطان عليه، وهنا يبدأ الإنسان بالتحكم في المستويات الأدنى من الكيان الإنساني.

منقول للفائده

سالم نور
17-02-2017, 04:53
بارك الله تعالى فيكم موضوع رائع

بواب سقر
17-02-2017, 10:50
رائع

الإدريسي
26-01-2018, 19:28
\üä

الجلندى
20-02-2018, 03:12
موضوع جميل بمعنى الكلمة ... سأعود لقراءته لاحقا..

شكرا ماستر قناص

المؤمن القوي
06-07-2020, 01:47
بارك الله فيك

ماريا
20-12-2021, 17:39
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

شكرا لك ي أخي القناص

بسطام
04-08-2022, 19:10
السلام عليكم
شكر جزييلا