شيخ الأسرار الباطنية
26-03-2011, 11:35
في يوم من الأيام حكَم ساحرٌ أرضاً وقصراً لا يسكنه سواه، فالجميع شعب وخدم وحاشية فرّوا من ظلمه وطغيانه هاربين. لم يبقَ سوى قطيع من الغنم مستسلمين غير ثائرين. وحين علموا بأن الساحر ينوي قتلهم وأكلهم انتابهم القلق وأصبحوا من الساحر خائفين فاتفقوا على الهرب إلى الجبال منه فارّين. علِم الساحر بنواياهم وقرر استغلالهم بتنويم كالذي يقوم به السياسيون لغسل أدمغة الشعوب وإبقاءهم تحت سيطرتهم فتهدأ ثورتهم وتستكين ويكونوا لأوامرهم طائعين. ما حدث أن الساحر اقترح على الغنم وهُم نيام يحييون حياة المنام أنهم بشراً وليسوا أغنام وما من شيء يخافوه... اقترح عليهم أن أرواحهم خالدة وأن الموت لن ينال منهم فلا شيء يخشوه. آمن الغنم بكلام الساحر وصدّقوه يوماً بعد يوم قلّ العدد حتى أكلهم جميعاً ولم يتبقّ منهم أحد.
هذه الحكاية الرمزية هي تجسيد لحياتنا العادية، تجسيد لحياة الإنسان الآلية. يولد البشر في زماننا هذا كالآلات ويموتون كالآلات دون أن يذوقوا طعم الحياة. لم يولد الإنسان ولم يأتِ هذا البُعد الكوني من الوجود ليكون آلة. الإنسان هنا لأجل أن يعي قدَره ويتعرّف على نفسه، أين كان، من أين أتى وما دوره الآن وهنا وإلى أين المصير... الإنسان هنا لأجل أن يحيا مجد ألوهيته، ليقرأ آيته ويعيش نعمته... لكن هذا لم يحدث...
لكن هذا لم يحدث فالتنويم والنوم هو الحال الذي حدث وطال الإنسان وهو الآن في حال من النسيان... نسيان قدَره وأصله وما بإمكانه فعله لينبض قلب العالم بالسلام وتكون جنة الله هنا على هذه الأرض. ومن المسؤول؟ السائل هو المسؤول... أنا وأنت يا أخي قبل غيري... نفسي المسؤولة قبل غيري فهي التي قبِلت وسمَحَت للمجتمع، للمؤسسات الإجتماعية والطائفية والسياسية بأن ترمي السحر وتكون الساحر. المجتمع بحاجة للعبيد، وأنا ارتضيت حياة العبودية، المجتمع يمنح الهوية والإحترام والفرص للعبيد وبعد أن يرحلوا عن الدنيا جهلاء كما جاؤوها، يطلب المزيد.
لا خوف ولا قلق من تمرد العبيد وثورتهم طالما أن أحداً من أصحاب الأمر والنهي لم ولن يسمح لهم برؤية جوهرتهم وحقيقتهم، بالدخول إلى أنفسهم واكتشاف معنى وجودهم وحقيقة ألوهيتهم وقدرهم الذي ينتظرهم هذا هو الهدف من إنشاء مؤسساتنا وجامعاتنا ومدارسنا ومعابدنا وتسويق ثقافتنا وإلصاقنا بهويتنا... الهدف تنويم الإنسان وإبعاده قدر الإمكان عن ما لا يدركه بصر ولا يفهمه عقل أو ثقافة أو حضارة ولا يُعرف له مكاناً ولا عنوان.
منذ الولادة والبداية حاول المجتمع إقناع الطفل بأنه موجود لصالحه، لحمايته، بأنه في خدمته وتهمّه مصلحته ومع هذا الإقتراح تبدأ الكذبة الأولى. تلي الكذبة الأولى سلسلة من الأكاذيب لإقناع الإنسان فكرياً وفلسفياً عن طريق المعتقدات بأنه روح خالدة لا تفنى. غير صحيح... الأمر صحيح وجودياً لكنه خاطىء فكرياً وكيف للفكر أن يعرف شيئاً عن الخلود؟ الفكر يولد ويموت وأنت تحدّثه عن ما لا يولد ولا يموت؟ وحين تخاطب الإنسان أنت تخاطب فكره ولا تستطيع الدخول والإبحار في كيانه أكثر... سيؤمن بما قلته أو يكفر به لا أكثر... من هنا أقول بأن الأمر غير صحيح. سيكون صحيحاً إذا مشى الإنسان درب التدين، إذا دخل نفسه وتأمل ليولد روحاً تحيا وتمشي وتتكلم حتى يختبر معنى خلوده وقبل هذا فكلامنا عن الروح والخلود مجرد نظريات وأوهام ليس إلا.
نحن نحيا حياة الفناء في حال التنويم هذا، أو هل أقول حال البلاء؟... نحيا البلاء وقريباً الفناء لأن حضارتنا ومجتمعاتنا أوهمتنا وأقنعتنا بأننا جسد نحيا الحياة كجسد... نحيا لأجل أن نأكل ونشرب ونمارس الجنس ونجمع المال ونعتلي المراكز لنتباهى ونتفاخر بالمال والمنصب والعيال.
الأكل والشرب والجنس والمال والعيال جميعها لم تكن موجودة يوماً ما في أبدية الوجود التي لا تعرف تاريخاً ولا تأريخاً ولا صفحات ولا لحظات قبل أو بعد. جميع هذه الألعاب وُلِدت وطوّرها الإنسان... وما يولد يموت وما الولادة سوى بداية لحياة الجسد لكنها ليست بداية حياتك أنت، وما الموت سوى نهاية لحياة الجسد لكنه ليس نهايتك أنت وهل نعلم شيء عن وجود ما هو أبعد من جسدنا وعقلنا وطموحنا وأملنا وحلمنا؟ هل تطوّع أحد وعلّمنا؟ ماذا نتعلم في مدارسنا؟ هل اختبرنا يوماً ما تجارب أبعد من حدود أجسادنا؟ هل ذقنا حلاوة نعمة أرواحنا؟ هل تعرّفنا على شيء بداخلنا حملناه معنا قبل ولادتنا؟ إلى أن يحدث هذا فالإنسان فانياً وليس خالداً، الإنسان مشغول بتفاصيل حياته اليومية ولم يشرب بعد من كأس الأبدية.
أعرف اليوم كل شيء عن جسدي ولكني أجهل كل نور من أنوار روحي. أجهل روحي لأن المجتمع لا تهمه الروح، المجتمع يهتم بالجسد. المجتمع بإمكانه استخدام أجسادنا سلعة وتحويلها سوقاً يعرض فيه وعليه آخر صيحات الموضة والأزياء والماكياج والأحذية والمجوهرات والطعام، فيتاجر ونأكل الطُّعْم ونشتري ونهتري بين المحلات والتجمّعات لكن الروح؟ ما حاجة المجتمع لها؟ على العكس، فإنسان الروح بالنسبة للمجتمع هو خطر شديد، أما إنسان الجسد فمجرد واحد من ضمن قطيع مطيع، مجرد عبْد من العبيد عبْد للدولة والوطن والثقافة ورجال الدين وللأغبياء السياسيين. إنسان الروح هويّته الحرية، فقد تحرر من إغواء الانتماء وعقائد وسياسات هدفها الأساسي أسره وإبقاءه في سجن العبودية إنسان الروح التزم بوفاءه للوجود، لله وتخلى عن التزاماته وواجباته وحياته الإجتماعية والقومية والوطنية والثقافية وغيرها من أوهام هدفها أسره وإبقاءه في سجن العبودية، في سجن الشخصية بعيداً عن الحقيقة الإلهية الكليّة الكونية.
إنسان الروح لا يمكنه العيش بشخصية شيعية أو سنيّة أو مارونية أو هندوسية، لا يمكنه أن ينتمي لأي حشد أو تجمّع تخفّى في رداء الجماعة وما أبعد هذا التجمّع وهذه الحشود عن فهم علم وحياة الجماعة إنسان الروح يحيا حياة الأفراد والحقيقة لا يعلمها إلا الأفراد، نخبة النخبة وصفوة الصفوة.
المجتمع يهتم بالجسد، والمتمرّد الحقيقي هو من بدأ بالبحث عن أصوله وبذور ألوهيته المزروعة في تربة روحه ومتى بدأ البحث شعر المجتمع وكياناته ومؤسساته بالخطر الآن يوجد إنسان لا يهتم بالبضائع والأسواق والشهادات والمظاهر والمعارض، الآن يوجد إنسان يصادق الأكوان ويبحث في نفسه عن علوم ومودّة ورحمة الرحمن، وما حاجة المجتمع لهكذا إنسان؟ هذا الإنسان بدأ الآن رحلته الداخلية ولن يقع بعد اليوم ضحيّة للألعاب الخارجية. والمجتمع خارج الإنسان، ويريد أن يستهلك طاقة هذا الإنسان لأجل أن يكون سلعة خارجية تنظر وتسمع وتقرأ بعيونها وأذنيها ولسانها، لا ببصيرتها ووعيها وصمتها.
خارج هذا المجتمع وداخل كهف القلب يصبح الإنسان خارج حسابات المجتمع والحشود والثقافة والسياسة والمذهب والطائفة خارج المجتمع يرمي الإنسان الشخصية ويخسر الهوية حيث تتراءى له سخيفة صغيرة أمام عظمة الكونية الإلهية داخل كهف القلب يفرِد هذا الفرد شراعه وحده ويُبحر في ذاته بحثاً عن مصدر خلوده وبقاءه.
للمجتمع خطة بديلة، سحر جميل لتنويم عقول البشر وإقناع كل واحد منهم بأنه يبحث عن الله، عن ذاته، بأنه متدين وصالح نعم للمجتمع خطة بديلة توهم الإنسان بأنه صاحب حق وفضيلة وأنه بعيد كل البعد عن الرذيلة وكما أقنع صديقنا الساحر قطيع الغنم وأوهمهم بأنهم بشر خالدين، كذلك يقنعنا المجتمع بأننا صالحين وفاضلين وبأحوال كل شيء عارفين، وأين هي المعرفة من العرفان؟ الذهاب إلى الكنيسة والمسجد والمعبد لا يعني تديّناً وبحثاً عن الذات أو عن الله لكن شريعة المجتمع وأعرافه وتقاليده أخبرت وشفّرت كل إنسان بأن الذهاب إلى هذه الأماكن يعني التديّن والصلاح، وما بالنا نذهب كل يوم ورغم هذا ما من أحد قال بأن نور فجر المحبة والرحمة في الأفق لاح؟ الكل نيام ويظنون أنهم في حال صلاة وحجّ وصيام... هذا تنويم المجتمع، فالكنيسة والجامع والمعبد، جميعها أماكن خارجية تماماً كما كل مكان
أخبرت شريعة المجتمع وأعرافه وتقاليده كل إنسان بأنه إن أراد أن يمشي درب التدين بحثاً عن الله والخلاص والنجاة فرجل الدين هو العارف والفقيه والعالِم بأحوال الدين والموت والحياة وفي الحقيقة رجل الدين ليس سوى منفّذ لأوامر وأنظمة المجتمع والدولة، رمز آخر من رموز السلطة.
خارج هذا المجتمع وداخل كهف القلب يدخل الإنسان معبد الأسرار فيعرف ويتعرّف بالعرفان لا بالمعرفة ويتعلّم ما علّمه الوجود للأنبياء والحكماء والقديسين والأولياء... يتعلّم ويفهم أن الحياة ما هي سوى فرصة يتحضّر من خلالها للقاء الحضرة الإلهية حين يأتيه الموت فيكون مستعداً لرحلة أبدية لم تبدأ ولن تنتهي. أشقياء هُم من غفلوا ونسوا أو تناسوا ساعة الموت ولحظة النشوة التي ترافقه، فسكنوا إلى قصورهم واختبأوا في أبراجهم واحتموا بمالهم وعيالهم وأحاطوا أنفسهم بوَهم وجحيم أفكارهم الحياة كما نعرفها ليست بالحياة الحقيقية، ليست داراً للحق الحياة كما نعرفها هي فرصة تحضير لحياة حقيقة، لدار وبيت الحق.
الحياة كما نعرفها تخبأ في صدرها وفي أعماقها حياة حقيقية لها حضرة تخشع لها النفوس وفيها بركة تنتشي بها النفوس ورحمة وسعادة تطيب لمجالستها ومؤانستها النفوس. ما علينا سوى أن نشرح صدورنا ونفتح قلوبنا ونُفرغ عقولنا حتى نستقبل ونفهم ونعي دار الحق والأبدية المحجوب خلف ستار حياتنا الواقعية. بإمكان الإنسان بناء جسر يصل حياته الواقعية بحياته الحقيقية، وهذا دوره وعمله وعبادته وصلاته، وما لم يبدأ هذا العمل وهذه العبادة فحياتنا الواقعية مجرد حلم قصير جميل لأمل بعيد طويل.
خلق الله الإنسان آية من الجمال.... جمال يبوح به نور الله حين يشعّ من قلب كل إنسان.... نور يشع بالرحمة والرأفة والمحبة، بالمودّة والوفاء والسلام فلماذا حجبت غيوم الظلام، غيوم المكر والدهاء والجاه وعشق ما في الجيوب، حجبت وبغَت وطغَت على نور القلوب؟ لا زالت الحيوانات تحتفظ بجمالها... الأسد جميل والببغاء والغزال والعصفور أما الإنسان... للأسف فقَدَ جماله ولم يقرأ آيته وكتابه فضلّ رشده وصوابه، وأصبح القبح صفة بشرية. الغزال لا زال غزالاً والطير لا زال طيراً أما الإنسان فليس بالضرورة أن يكون إنساناً. ليس بالضرورة أن يكون إنساناً فالإنسان لا يكون إنساناً ما لم يبلغ وعيه قمم محمديّته ومسيحيّته وألوهيّته، ما لم يكون مسيحاً آخر. خُلُقه القرآن وفعله غفران وفي نفسه سلاماً ورضوان قبل هذا ليس الإنسان بإنسان. كيف أكون إنساناً وأنا أحيا في ظلام نفسي اللوامة؟ لاوعيي ليله شديد وأنا أحاول إخفاءه وأبذل جهد جهيد إهانة واحدة، كلمة إهانة واحدة يوجهّها أحدهم إلينا وسيل من الغضب والعنف سيملأ عينينا، وستسري رعشة في يدينا فنرغب بضرب أو معاقبة من أساء إلينا.
في لحظة تختفي إنسانيتنا وتتنحّى لتظهر حقيقتنا، وتتجلى بربريّتنا. وبإمكان الإنسان أن يهبط من جنّة إنسانيته إلى ما قبل مرحلة الحيوان إنه هبوط آدم من الجنة... فالهبوط والوقوع من الجنة لا قرار له، لا نهاية له ولا شيء أسهل من الوقوع حتى الوصول إلى أسفل سافلين وبإمكان الإنسان أن يرتفع إلى مقام الأبرار والصالحين والقديسين ويكون في أعلى عليّين، لكن الدرب طويل ولن يبلغ هذا المقام سوى من اغتنى بربّه وعن نفاق وكذب المجتمع استغنى واستعان بالصبر الجميل.
ملايين الناس تولد وتموت دون أن تعيش فلا حياة لمن يحيا الحياة دون وعي لمعناها وقداستها وحكمتها لا حياة لمن ادعى الحياة كما يفعل الجميع يأكلون ويشربون ويتناسلون وينتخبون ويظنون أنهم بالحياة ينعمون لا حياة لهم لذلك احتاج سيغموند فرويد أن يدخل في أحلام البشر ليعرف من هُم حقاً، ليكشف لهم حقيقة موتهم ويُبطِل ادعاءاتهم الكاذبة بأنهم أحياء يُرزقون هذا هو الحال المائل... أن ترى حقيقة الإنسان، أن تتعرف على حقيقة الإنسان من أحلامه ومنامه لا من عيْشه وصحوته وتصرفاته وكلامه.
لسان حالنا يكذب وأحلامنا تبوح بحقيقة ذاتنا وتتكلم... لا صدق في كلامنا فأي لسان يتكلم؟ أي وجه يتحدث؟ أقنعتنا كثيرة لا عدد لها فأي قناع هو أنت؟ أنت حتى لا تذكر لذا فأحلامنا أصدق منّا، تعبّر عن حالنا وأحوالنا بلسانها لا بلساننا. حالنا المائل لا يقف عند حدّ فهو حالٌ واقع تماماً كما وقع الإنسان في أحضان بربريته حالنا المائل يقول أن حتى أحلامنا لن تبوح بحقيقتنا الكاملة لن تخبر أحد عن سر كياننا ولن تحكي حكاية أرواحنا أحلامنا ستبوح بحقيقة ذاتنا اللوامة، ذاتنا المكبوتة والمظلومة، المنهارة والمقهورة. لكنها لن تبوح بحقيقة ذاتنا الإلهية وتروي قصتنا الأبدية فمن سيسمع الحكاية؟ سيغموند فرويد يحيا في ظلام لاوعيه تماماً كما يحيا كل إنسان... لن يسمع روايتك الإلهية... سيسمع فقط ما تخبره به أحلامك عن أمراضك النفسية وآلامك... هذا هو حالنا المائل وهذا ما نسميه بالطب النفسي الذي أصبح تجارة رابحة ورائجة في كل مكان. وما هو هذا الطب النفسي؟ إنسان لاواعي، إنسان تخفي أحلامه حقيقة ذاته المكبوتة يحاول أن يشفي ويفهم ويسبر أغوار أحلام نفس إنسان آخر لاواعي، إنسان تخفي أحلامه أيضاً حقيقة ذاته المكبوتة يا لها من مسرحية مضحكة تُعرض يومياً على مسرح الحياة لن يفهمك الطبيب النفسي ولن يبوح لك بما تخفيه ذاتك الأصيلة بل وحتى ذاتك الواهمة التي صنعَتها آلامك وآمالك وأخبرته عنها أحلامك في الواقع سيبوح لك الطبيب النفسي بأحلامه هو، ستكون أنت مرآة تعكس آلامه وما تخفيه أحلامه هو، سيحدّثك عن نفسه لا عنك ستختلف التفسيرات كلما انتقلت من طبيب نفسي إلى آخر، وستتفاجأ. حلمٌ واحد وكل هذه التفسيرات؟ نعم كل هذه التفسيرات لأنهم لا يقولون لك شيئاً عنك، بل عن أنفسهم إنهم يخبروك بحكايتهم.
ما الحل إذاً لنتحوّل ونعتدل ويعتدل حالنا المائل؟... الحلّ ليس في الأحلام بل أبعد من عالم الأحلام. الحل في بلوغ حالة من الوعي يكون فيها العقل خالياً من أيّ فكر، من أي حلم ومن أيّ رغبة في حال من الوعي التجاوزي حين تتجاوز أفكارك وأفكارك تحوي أحلامك وأوهامك ورغباتك، حينها أنت تعود من جديد إلى جنّة عدن، للجنة التي وقعت منها وتركتها منذ زمن.
الحلّ في خلع أقنعتنا الكثيرة... أقنعة كثيرة صنعت لنا شخصية مهمة وكبيرة... مزيفة لكن من يهتم؟ ما يهمنا أنها كبيرة وفي عيون المجتمع تساوي الكثير... لنخلع الأقنعة واحداً تلو الآخر فنخرج من قيد الشخصية، وندخل في ذاتنا الإلهية الحقيقية لنحيا حياة حقيقية فردية لا حياة شخصية واقعية. الحقيقة هي الحق أما الواقع فهو الحق بعد أن حرّفه المجتمع وعدّله ليتناسب وقوانينه وأحكامه وأعرافه وطريقة حياته وحاله المائل. الحقيقة هي فردية وألوهية كل فرد منّا، والواقع هو شخصية المجتمع وكل شخص فيه. الواقع هو المجتمع وشخصياته يتخفّون خلف الأقنعة والشخصية عند اليونان تعني القناع... فقد كان القناع الذي يرتديه الممثلون في مسرحياتهم يُسمى بالشخصية .
يتبــــــــــــع....
هذه الحكاية الرمزية هي تجسيد لحياتنا العادية، تجسيد لحياة الإنسان الآلية. يولد البشر في زماننا هذا كالآلات ويموتون كالآلات دون أن يذوقوا طعم الحياة. لم يولد الإنسان ولم يأتِ هذا البُعد الكوني من الوجود ليكون آلة. الإنسان هنا لأجل أن يعي قدَره ويتعرّف على نفسه، أين كان، من أين أتى وما دوره الآن وهنا وإلى أين المصير... الإنسان هنا لأجل أن يحيا مجد ألوهيته، ليقرأ آيته ويعيش نعمته... لكن هذا لم يحدث...
لكن هذا لم يحدث فالتنويم والنوم هو الحال الذي حدث وطال الإنسان وهو الآن في حال من النسيان... نسيان قدَره وأصله وما بإمكانه فعله لينبض قلب العالم بالسلام وتكون جنة الله هنا على هذه الأرض. ومن المسؤول؟ السائل هو المسؤول... أنا وأنت يا أخي قبل غيري... نفسي المسؤولة قبل غيري فهي التي قبِلت وسمَحَت للمجتمع، للمؤسسات الإجتماعية والطائفية والسياسية بأن ترمي السحر وتكون الساحر. المجتمع بحاجة للعبيد، وأنا ارتضيت حياة العبودية، المجتمع يمنح الهوية والإحترام والفرص للعبيد وبعد أن يرحلوا عن الدنيا جهلاء كما جاؤوها، يطلب المزيد.
لا خوف ولا قلق من تمرد العبيد وثورتهم طالما أن أحداً من أصحاب الأمر والنهي لم ولن يسمح لهم برؤية جوهرتهم وحقيقتهم، بالدخول إلى أنفسهم واكتشاف معنى وجودهم وحقيقة ألوهيتهم وقدرهم الذي ينتظرهم هذا هو الهدف من إنشاء مؤسساتنا وجامعاتنا ومدارسنا ومعابدنا وتسويق ثقافتنا وإلصاقنا بهويتنا... الهدف تنويم الإنسان وإبعاده قدر الإمكان عن ما لا يدركه بصر ولا يفهمه عقل أو ثقافة أو حضارة ولا يُعرف له مكاناً ولا عنوان.
منذ الولادة والبداية حاول المجتمع إقناع الطفل بأنه موجود لصالحه، لحمايته، بأنه في خدمته وتهمّه مصلحته ومع هذا الإقتراح تبدأ الكذبة الأولى. تلي الكذبة الأولى سلسلة من الأكاذيب لإقناع الإنسان فكرياً وفلسفياً عن طريق المعتقدات بأنه روح خالدة لا تفنى. غير صحيح... الأمر صحيح وجودياً لكنه خاطىء فكرياً وكيف للفكر أن يعرف شيئاً عن الخلود؟ الفكر يولد ويموت وأنت تحدّثه عن ما لا يولد ولا يموت؟ وحين تخاطب الإنسان أنت تخاطب فكره ولا تستطيع الدخول والإبحار في كيانه أكثر... سيؤمن بما قلته أو يكفر به لا أكثر... من هنا أقول بأن الأمر غير صحيح. سيكون صحيحاً إذا مشى الإنسان درب التدين، إذا دخل نفسه وتأمل ليولد روحاً تحيا وتمشي وتتكلم حتى يختبر معنى خلوده وقبل هذا فكلامنا عن الروح والخلود مجرد نظريات وأوهام ليس إلا.
نحن نحيا حياة الفناء في حال التنويم هذا، أو هل أقول حال البلاء؟... نحيا البلاء وقريباً الفناء لأن حضارتنا ومجتمعاتنا أوهمتنا وأقنعتنا بأننا جسد نحيا الحياة كجسد... نحيا لأجل أن نأكل ونشرب ونمارس الجنس ونجمع المال ونعتلي المراكز لنتباهى ونتفاخر بالمال والمنصب والعيال.
الأكل والشرب والجنس والمال والعيال جميعها لم تكن موجودة يوماً ما في أبدية الوجود التي لا تعرف تاريخاً ولا تأريخاً ولا صفحات ولا لحظات قبل أو بعد. جميع هذه الألعاب وُلِدت وطوّرها الإنسان... وما يولد يموت وما الولادة سوى بداية لحياة الجسد لكنها ليست بداية حياتك أنت، وما الموت سوى نهاية لحياة الجسد لكنه ليس نهايتك أنت وهل نعلم شيء عن وجود ما هو أبعد من جسدنا وعقلنا وطموحنا وأملنا وحلمنا؟ هل تطوّع أحد وعلّمنا؟ ماذا نتعلم في مدارسنا؟ هل اختبرنا يوماً ما تجارب أبعد من حدود أجسادنا؟ هل ذقنا حلاوة نعمة أرواحنا؟ هل تعرّفنا على شيء بداخلنا حملناه معنا قبل ولادتنا؟ إلى أن يحدث هذا فالإنسان فانياً وليس خالداً، الإنسان مشغول بتفاصيل حياته اليومية ولم يشرب بعد من كأس الأبدية.
أعرف اليوم كل شيء عن جسدي ولكني أجهل كل نور من أنوار روحي. أجهل روحي لأن المجتمع لا تهمه الروح، المجتمع يهتم بالجسد. المجتمع بإمكانه استخدام أجسادنا سلعة وتحويلها سوقاً يعرض فيه وعليه آخر صيحات الموضة والأزياء والماكياج والأحذية والمجوهرات والطعام، فيتاجر ونأكل الطُّعْم ونشتري ونهتري بين المحلات والتجمّعات لكن الروح؟ ما حاجة المجتمع لها؟ على العكس، فإنسان الروح بالنسبة للمجتمع هو خطر شديد، أما إنسان الجسد فمجرد واحد من ضمن قطيع مطيع، مجرد عبْد من العبيد عبْد للدولة والوطن والثقافة ورجال الدين وللأغبياء السياسيين. إنسان الروح هويّته الحرية، فقد تحرر من إغواء الانتماء وعقائد وسياسات هدفها الأساسي أسره وإبقاءه في سجن العبودية إنسان الروح التزم بوفاءه للوجود، لله وتخلى عن التزاماته وواجباته وحياته الإجتماعية والقومية والوطنية والثقافية وغيرها من أوهام هدفها أسره وإبقاءه في سجن العبودية، في سجن الشخصية بعيداً عن الحقيقة الإلهية الكليّة الكونية.
إنسان الروح لا يمكنه العيش بشخصية شيعية أو سنيّة أو مارونية أو هندوسية، لا يمكنه أن ينتمي لأي حشد أو تجمّع تخفّى في رداء الجماعة وما أبعد هذا التجمّع وهذه الحشود عن فهم علم وحياة الجماعة إنسان الروح يحيا حياة الأفراد والحقيقة لا يعلمها إلا الأفراد، نخبة النخبة وصفوة الصفوة.
المجتمع يهتم بالجسد، والمتمرّد الحقيقي هو من بدأ بالبحث عن أصوله وبذور ألوهيته المزروعة في تربة روحه ومتى بدأ البحث شعر المجتمع وكياناته ومؤسساته بالخطر الآن يوجد إنسان لا يهتم بالبضائع والأسواق والشهادات والمظاهر والمعارض، الآن يوجد إنسان يصادق الأكوان ويبحث في نفسه عن علوم ومودّة ورحمة الرحمن، وما حاجة المجتمع لهكذا إنسان؟ هذا الإنسان بدأ الآن رحلته الداخلية ولن يقع بعد اليوم ضحيّة للألعاب الخارجية. والمجتمع خارج الإنسان، ويريد أن يستهلك طاقة هذا الإنسان لأجل أن يكون سلعة خارجية تنظر وتسمع وتقرأ بعيونها وأذنيها ولسانها، لا ببصيرتها ووعيها وصمتها.
خارج هذا المجتمع وداخل كهف القلب يصبح الإنسان خارج حسابات المجتمع والحشود والثقافة والسياسة والمذهب والطائفة خارج المجتمع يرمي الإنسان الشخصية ويخسر الهوية حيث تتراءى له سخيفة صغيرة أمام عظمة الكونية الإلهية داخل كهف القلب يفرِد هذا الفرد شراعه وحده ويُبحر في ذاته بحثاً عن مصدر خلوده وبقاءه.
للمجتمع خطة بديلة، سحر جميل لتنويم عقول البشر وإقناع كل واحد منهم بأنه يبحث عن الله، عن ذاته، بأنه متدين وصالح نعم للمجتمع خطة بديلة توهم الإنسان بأنه صاحب حق وفضيلة وأنه بعيد كل البعد عن الرذيلة وكما أقنع صديقنا الساحر قطيع الغنم وأوهمهم بأنهم بشر خالدين، كذلك يقنعنا المجتمع بأننا صالحين وفاضلين وبأحوال كل شيء عارفين، وأين هي المعرفة من العرفان؟ الذهاب إلى الكنيسة والمسجد والمعبد لا يعني تديّناً وبحثاً عن الذات أو عن الله لكن شريعة المجتمع وأعرافه وتقاليده أخبرت وشفّرت كل إنسان بأن الذهاب إلى هذه الأماكن يعني التديّن والصلاح، وما بالنا نذهب كل يوم ورغم هذا ما من أحد قال بأن نور فجر المحبة والرحمة في الأفق لاح؟ الكل نيام ويظنون أنهم في حال صلاة وحجّ وصيام... هذا تنويم المجتمع، فالكنيسة والجامع والمعبد، جميعها أماكن خارجية تماماً كما كل مكان
أخبرت شريعة المجتمع وأعرافه وتقاليده كل إنسان بأنه إن أراد أن يمشي درب التدين بحثاً عن الله والخلاص والنجاة فرجل الدين هو العارف والفقيه والعالِم بأحوال الدين والموت والحياة وفي الحقيقة رجل الدين ليس سوى منفّذ لأوامر وأنظمة المجتمع والدولة، رمز آخر من رموز السلطة.
خارج هذا المجتمع وداخل كهف القلب يدخل الإنسان معبد الأسرار فيعرف ويتعرّف بالعرفان لا بالمعرفة ويتعلّم ما علّمه الوجود للأنبياء والحكماء والقديسين والأولياء... يتعلّم ويفهم أن الحياة ما هي سوى فرصة يتحضّر من خلالها للقاء الحضرة الإلهية حين يأتيه الموت فيكون مستعداً لرحلة أبدية لم تبدأ ولن تنتهي. أشقياء هُم من غفلوا ونسوا أو تناسوا ساعة الموت ولحظة النشوة التي ترافقه، فسكنوا إلى قصورهم واختبأوا في أبراجهم واحتموا بمالهم وعيالهم وأحاطوا أنفسهم بوَهم وجحيم أفكارهم الحياة كما نعرفها ليست بالحياة الحقيقية، ليست داراً للحق الحياة كما نعرفها هي فرصة تحضير لحياة حقيقة، لدار وبيت الحق.
الحياة كما نعرفها تخبأ في صدرها وفي أعماقها حياة حقيقية لها حضرة تخشع لها النفوس وفيها بركة تنتشي بها النفوس ورحمة وسعادة تطيب لمجالستها ومؤانستها النفوس. ما علينا سوى أن نشرح صدورنا ونفتح قلوبنا ونُفرغ عقولنا حتى نستقبل ونفهم ونعي دار الحق والأبدية المحجوب خلف ستار حياتنا الواقعية. بإمكان الإنسان بناء جسر يصل حياته الواقعية بحياته الحقيقية، وهذا دوره وعمله وعبادته وصلاته، وما لم يبدأ هذا العمل وهذه العبادة فحياتنا الواقعية مجرد حلم قصير جميل لأمل بعيد طويل.
خلق الله الإنسان آية من الجمال.... جمال يبوح به نور الله حين يشعّ من قلب كل إنسان.... نور يشع بالرحمة والرأفة والمحبة، بالمودّة والوفاء والسلام فلماذا حجبت غيوم الظلام، غيوم المكر والدهاء والجاه وعشق ما في الجيوب، حجبت وبغَت وطغَت على نور القلوب؟ لا زالت الحيوانات تحتفظ بجمالها... الأسد جميل والببغاء والغزال والعصفور أما الإنسان... للأسف فقَدَ جماله ولم يقرأ آيته وكتابه فضلّ رشده وصوابه، وأصبح القبح صفة بشرية. الغزال لا زال غزالاً والطير لا زال طيراً أما الإنسان فليس بالضرورة أن يكون إنساناً. ليس بالضرورة أن يكون إنساناً فالإنسان لا يكون إنساناً ما لم يبلغ وعيه قمم محمديّته ومسيحيّته وألوهيّته، ما لم يكون مسيحاً آخر. خُلُقه القرآن وفعله غفران وفي نفسه سلاماً ورضوان قبل هذا ليس الإنسان بإنسان. كيف أكون إنساناً وأنا أحيا في ظلام نفسي اللوامة؟ لاوعيي ليله شديد وأنا أحاول إخفاءه وأبذل جهد جهيد إهانة واحدة، كلمة إهانة واحدة يوجهّها أحدهم إلينا وسيل من الغضب والعنف سيملأ عينينا، وستسري رعشة في يدينا فنرغب بضرب أو معاقبة من أساء إلينا.
في لحظة تختفي إنسانيتنا وتتنحّى لتظهر حقيقتنا، وتتجلى بربريّتنا. وبإمكان الإنسان أن يهبط من جنّة إنسانيته إلى ما قبل مرحلة الحيوان إنه هبوط آدم من الجنة... فالهبوط والوقوع من الجنة لا قرار له، لا نهاية له ولا شيء أسهل من الوقوع حتى الوصول إلى أسفل سافلين وبإمكان الإنسان أن يرتفع إلى مقام الأبرار والصالحين والقديسين ويكون في أعلى عليّين، لكن الدرب طويل ولن يبلغ هذا المقام سوى من اغتنى بربّه وعن نفاق وكذب المجتمع استغنى واستعان بالصبر الجميل.
ملايين الناس تولد وتموت دون أن تعيش فلا حياة لمن يحيا الحياة دون وعي لمعناها وقداستها وحكمتها لا حياة لمن ادعى الحياة كما يفعل الجميع يأكلون ويشربون ويتناسلون وينتخبون ويظنون أنهم بالحياة ينعمون لا حياة لهم لذلك احتاج سيغموند فرويد أن يدخل في أحلام البشر ليعرف من هُم حقاً، ليكشف لهم حقيقة موتهم ويُبطِل ادعاءاتهم الكاذبة بأنهم أحياء يُرزقون هذا هو الحال المائل... أن ترى حقيقة الإنسان، أن تتعرف على حقيقة الإنسان من أحلامه ومنامه لا من عيْشه وصحوته وتصرفاته وكلامه.
لسان حالنا يكذب وأحلامنا تبوح بحقيقة ذاتنا وتتكلم... لا صدق في كلامنا فأي لسان يتكلم؟ أي وجه يتحدث؟ أقنعتنا كثيرة لا عدد لها فأي قناع هو أنت؟ أنت حتى لا تذكر لذا فأحلامنا أصدق منّا، تعبّر عن حالنا وأحوالنا بلسانها لا بلساننا. حالنا المائل لا يقف عند حدّ فهو حالٌ واقع تماماً كما وقع الإنسان في أحضان بربريته حالنا المائل يقول أن حتى أحلامنا لن تبوح بحقيقتنا الكاملة لن تخبر أحد عن سر كياننا ولن تحكي حكاية أرواحنا أحلامنا ستبوح بحقيقة ذاتنا اللوامة، ذاتنا المكبوتة والمظلومة، المنهارة والمقهورة. لكنها لن تبوح بحقيقة ذاتنا الإلهية وتروي قصتنا الأبدية فمن سيسمع الحكاية؟ سيغموند فرويد يحيا في ظلام لاوعيه تماماً كما يحيا كل إنسان... لن يسمع روايتك الإلهية... سيسمع فقط ما تخبره به أحلامك عن أمراضك النفسية وآلامك... هذا هو حالنا المائل وهذا ما نسميه بالطب النفسي الذي أصبح تجارة رابحة ورائجة في كل مكان. وما هو هذا الطب النفسي؟ إنسان لاواعي، إنسان تخفي أحلامه حقيقة ذاته المكبوتة يحاول أن يشفي ويفهم ويسبر أغوار أحلام نفس إنسان آخر لاواعي، إنسان تخفي أحلامه أيضاً حقيقة ذاته المكبوتة يا لها من مسرحية مضحكة تُعرض يومياً على مسرح الحياة لن يفهمك الطبيب النفسي ولن يبوح لك بما تخفيه ذاتك الأصيلة بل وحتى ذاتك الواهمة التي صنعَتها آلامك وآمالك وأخبرته عنها أحلامك في الواقع سيبوح لك الطبيب النفسي بأحلامه هو، ستكون أنت مرآة تعكس آلامه وما تخفيه أحلامه هو، سيحدّثك عن نفسه لا عنك ستختلف التفسيرات كلما انتقلت من طبيب نفسي إلى آخر، وستتفاجأ. حلمٌ واحد وكل هذه التفسيرات؟ نعم كل هذه التفسيرات لأنهم لا يقولون لك شيئاً عنك، بل عن أنفسهم إنهم يخبروك بحكايتهم.
ما الحل إذاً لنتحوّل ونعتدل ويعتدل حالنا المائل؟... الحلّ ليس في الأحلام بل أبعد من عالم الأحلام. الحل في بلوغ حالة من الوعي يكون فيها العقل خالياً من أيّ فكر، من أي حلم ومن أيّ رغبة في حال من الوعي التجاوزي حين تتجاوز أفكارك وأفكارك تحوي أحلامك وأوهامك ورغباتك، حينها أنت تعود من جديد إلى جنّة عدن، للجنة التي وقعت منها وتركتها منذ زمن.
الحلّ في خلع أقنعتنا الكثيرة... أقنعة كثيرة صنعت لنا شخصية مهمة وكبيرة... مزيفة لكن من يهتم؟ ما يهمنا أنها كبيرة وفي عيون المجتمع تساوي الكثير... لنخلع الأقنعة واحداً تلو الآخر فنخرج من قيد الشخصية، وندخل في ذاتنا الإلهية الحقيقية لنحيا حياة حقيقية فردية لا حياة شخصية واقعية. الحقيقة هي الحق أما الواقع فهو الحق بعد أن حرّفه المجتمع وعدّله ليتناسب وقوانينه وأحكامه وأعرافه وطريقة حياته وحاله المائل. الحقيقة هي فردية وألوهية كل فرد منّا، والواقع هو شخصية المجتمع وكل شخص فيه. الواقع هو المجتمع وشخصياته يتخفّون خلف الأقنعة والشخصية عند اليونان تعني القناع... فقد كان القناع الذي يرتديه الممثلون في مسرحياتهم يُسمى بالشخصية .
يتبــــــــــــع....