بكير
20-12-2015, 17:55
لم تكن الفلسفة في حد ذاتها علما ، أو أما للعلوم كما يحلو للبعض أن يسميها ، إنما هي وظيفة يقوم بها العقل انطلاقا من ذاته واعتمادا على ملكاته التأملية .
ويرى الشيخ أبو حامد الغزالي ، الفلسفة شاملة لأربعة أجزاء من المعرفة :
* الهندسة والحساب ، ويرى أنهما مباحان ولا يصد عنهما إلا من يخشى أن يتجاوزا بهما الحدود المعقولة ويمارس بهما أفعالا مذمومة ، مثل الأوفاق وحساب الحروف والتنجيم والجداول...أي السحر .
* المنطق ، وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه وعن وجه الحد وشروطه ويدخل هذان العنصران في نطاق علم الكلام .
* الإلهيات ، وتبحث في ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته ، وتدخل أيضا في نطاق الكلام ، وقد انفرد الفلاسفة في هذا المنحى بمذاهب مختلفة بعضها كفر مقيم وبعضها شبهة وبدعة .
* الطبيعيات ، وهذه يرى الغزالي أن بعضها مخالف للشرع ، وليس بعلم ، وبعضها بحث في صفات الأجسام وخواصها وكيفية تحولها وتطورها وتغيرها ، وهذا يراه شبيها بنظر الأطباء .
وتبقى الفلسفة عملا عقليا يحاول العقل أن يدرك بواسطته ومن تلقاء نفسه الأسرار الكامنة في الخلق ، وفي الكون ، وفي الطبيعة ، ويتخطى كل ذلك فيحاول أن يدرك بالفلسفة كنه الخالق ذاته (سبحانه وتعالى عن ذلك مطلق العلو) ويجتهد العقل في هذا المنحى بدون اعتماد على مسلمة دينية وبدون الإيمان سوى بقدرته وعمله ، وقدرته وعمله محدودان ولا يرقيان بالتالي إلى مستوى هذه المسؤولية ، وقد جاء الدين خصيصا لينقذ الإنسان من هذا الارتباك الفكري وليجد له مخرجا بواسطة حقائق ثابتة ينبغي له أن يسلم بها حتى يتسنى له أن يدرك ما كان يتعب ويفنى في البحث له عن الإجابات الشافية .
الفلسفة إذن ، ليست إلا مشروعا ناقصا وغير ثابت وقابل بالتالي للتغيير في كل حين ، لأنه ينبني على مقدمات من تقدير عقل الإنسان نفسه .
107
وهكذا يجد العقل نفسه مسجونا داخل النسق الذي يشكل سجنا من صنع العقل ذاته ، فلا يستطيع من داخله أن يدرك ويستوعب العلم بالله تعالى وبخلقه وبالأسباب وبالنفس وبالعقل وبالمسؤولية والجزاء ..
إلى غيرها من القضايا التي تطرحها الفلسفة دون أن تتمكن من البث نهائيا في أي منها .
إن العقل ليحتاج في الرد على هذه المساءلات إلى الدين ، أي العلم الديني الذي جاء ، إلا ليقدم معلومات يقينية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها لأنها صادرة عن عليم خبير حكيم مطلق العلم والخبرة والحكمة وهذا بالذات ، ما يجعل الفلاسفة مختلفين متضاربين حتى داخل المدرسة الواحدة ، بينما نجد هذا الاختلاف والتنافر منعدمين في الدين والعلم الديني .
إن الفيلسوف قد يرى في غمرة تأملاته نورا له لون يختلف عما يراه فيلسوف آخر ، فيعتقد كلاهما بأن ما يراه نور للحكمة ودليل على صواب الأفكار المستنبطة بالتأمل ، بينما الأمر في حقيقته لم يكن سوى تمثل لقوى العقل ، إذ لهذه القوى ألوان تختلف باختلاف أحوال النفس والعقل ويراها كل المتصلين بالباطن سواء كانوا من المؤمنين أو من الكفرة .
إن الفلاسفة يختلفون أيضا في المقدمات التي ينطلقون منها في دراسة الموضوع الواحد ، فنجدهم يصلون إلى نهايات تختلف هي الأخرى بين النفر والآخر ، فلا يحصل الاتحاد والاتفاق حول الموضوع الواحد ولا تتفق الرؤية حوله .
إن مقارعة الفلاسفة والكلاميين لم تفعل على امتداد الأزمنة سوى أنها أكدت عجزها عن الحسم في الموضوعات المطروحة بل إنها زادت الطين بلة بطرحها لأسئلة يفتقر العقل إلى أجوبتها الصائبة .
يفهم من هذا أن العقل داخل النسق الفلسفي ، مهما كان اتجاه هذا النسق ، لا يسعه أن يمارس وظيفته بكامل الحرية مستعملا جميع ملكاته وقواه. ذلك لأن النسق الفلسفي -كما سبق القول-إنما هو من صنع محدودية العقل نفسه ، وبقبول مسلماته كمرحلة أولى ، ثم الإقبال بعد ذلك على العلم لتحقيق اليقين بكل ما سبق التسليم به .
إن ((العقل)) في مفهومه الشمولي و ((الشيء)) في كينونته التامة ليس إلا حالتين عابرتين من حالات الوجود ،وهما متقابلتان ومتكاملتان في آن واحد باجتماع كل منهما إلى الآخر ، وفي هذا الاجتماع والتكامل والتقابل في آن واحد دليل على أن العملية ليست من خصائص أي منهما ولا من خصائصها معا. ولذلك فإن العلة الوجودية لا تزال بكرا ولم يطأها عقل الإنسان وفكره . وهذا بالذات ما يجعل البحث عن الحقيقة مستحيلا بنور العقل وميسرا بنور الحقيقة ذاتها ، وهذا ما يسره الدين والعلم الديني لكل باحث
ويرى الشيخ أبو حامد الغزالي ، الفلسفة شاملة لأربعة أجزاء من المعرفة :
* الهندسة والحساب ، ويرى أنهما مباحان ولا يصد عنهما إلا من يخشى أن يتجاوزا بهما الحدود المعقولة ويمارس بهما أفعالا مذمومة ، مثل الأوفاق وحساب الحروف والتنجيم والجداول...أي السحر .
* المنطق ، وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه وعن وجه الحد وشروطه ويدخل هذان العنصران في نطاق علم الكلام .
* الإلهيات ، وتبحث في ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته ، وتدخل أيضا في نطاق الكلام ، وقد انفرد الفلاسفة في هذا المنحى بمذاهب مختلفة بعضها كفر مقيم وبعضها شبهة وبدعة .
* الطبيعيات ، وهذه يرى الغزالي أن بعضها مخالف للشرع ، وليس بعلم ، وبعضها بحث في صفات الأجسام وخواصها وكيفية تحولها وتطورها وتغيرها ، وهذا يراه شبيها بنظر الأطباء .
وتبقى الفلسفة عملا عقليا يحاول العقل أن يدرك بواسطته ومن تلقاء نفسه الأسرار الكامنة في الخلق ، وفي الكون ، وفي الطبيعة ، ويتخطى كل ذلك فيحاول أن يدرك بالفلسفة كنه الخالق ذاته (سبحانه وتعالى عن ذلك مطلق العلو) ويجتهد العقل في هذا المنحى بدون اعتماد على مسلمة دينية وبدون الإيمان سوى بقدرته وعمله ، وقدرته وعمله محدودان ولا يرقيان بالتالي إلى مستوى هذه المسؤولية ، وقد جاء الدين خصيصا لينقذ الإنسان من هذا الارتباك الفكري وليجد له مخرجا بواسطة حقائق ثابتة ينبغي له أن يسلم بها حتى يتسنى له أن يدرك ما كان يتعب ويفنى في البحث له عن الإجابات الشافية .
الفلسفة إذن ، ليست إلا مشروعا ناقصا وغير ثابت وقابل بالتالي للتغيير في كل حين ، لأنه ينبني على مقدمات من تقدير عقل الإنسان نفسه .
107
وهكذا يجد العقل نفسه مسجونا داخل النسق الذي يشكل سجنا من صنع العقل ذاته ، فلا يستطيع من داخله أن يدرك ويستوعب العلم بالله تعالى وبخلقه وبالأسباب وبالنفس وبالعقل وبالمسؤولية والجزاء ..
إلى غيرها من القضايا التي تطرحها الفلسفة دون أن تتمكن من البث نهائيا في أي منها .
إن العقل ليحتاج في الرد على هذه المساءلات إلى الدين ، أي العلم الديني الذي جاء ، إلا ليقدم معلومات يقينية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها لأنها صادرة عن عليم خبير حكيم مطلق العلم والخبرة والحكمة وهذا بالذات ، ما يجعل الفلاسفة مختلفين متضاربين حتى داخل المدرسة الواحدة ، بينما نجد هذا الاختلاف والتنافر منعدمين في الدين والعلم الديني .
إن الفيلسوف قد يرى في غمرة تأملاته نورا له لون يختلف عما يراه فيلسوف آخر ، فيعتقد كلاهما بأن ما يراه نور للحكمة ودليل على صواب الأفكار المستنبطة بالتأمل ، بينما الأمر في حقيقته لم يكن سوى تمثل لقوى العقل ، إذ لهذه القوى ألوان تختلف باختلاف أحوال النفس والعقل ويراها كل المتصلين بالباطن سواء كانوا من المؤمنين أو من الكفرة .
إن الفلاسفة يختلفون أيضا في المقدمات التي ينطلقون منها في دراسة الموضوع الواحد ، فنجدهم يصلون إلى نهايات تختلف هي الأخرى بين النفر والآخر ، فلا يحصل الاتحاد والاتفاق حول الموضوع الواحد ولا تتفق الرؤية حوله .
إن مقارعة الفلاسفة والكلاميين لم تفعل على امتداد الأزمنة سوى أنها أكدت عجزها عن الحسم في الموضوعات المطروحة بل إنها زادت الطين بلة بطرحها لأسئلة يفتقر العقل إلى أجوبتها الصائبة .
يفهم من هذا أن العقل داخل النسق الفلسفي ، مهما كان اتجاه هذا النسق ، لا يسعه أن يمارس وظيفته بكامل الحرية مستعملا جميع ملكاته وقواه. ذلك لأن النسق الفلسفي -كما سبق القول-إنما هو من صنع محدودية العقل نفسه ، وبقبول مسلماته كمرحلة أولى ، ثم الإقبال بعد ذلك على العلم لتحقيق اليقين بكل ما سبق التسليم به .
إن ((العقل)) في مفهومه الشمولي و ((الشيء)) في كينونته التامة ليس إلا حالتين عابرتين من حالات الوجود ،وهما متقابلتان ومتكاملتان في آن واحد باجتماع كل منهما إلى الآخر ، وفي هذا الاجتماع والتكامل والتقابل في آن واحد دليل على أن العملية ليست من خصائص أي منهما ولا من خصائصها معا. ولذلك فإن العلة الوجودية لا تزال بكرا ولم يطأها عقل الإنسان وفكره . وهذا بالذات ما يجعل البحث عن الحقيقة مستحيلا بنور العقل وميسرا بنور الحقيقة ذاتها ، وهذا ما يسره الدين والعلم الديني لكل باحث