الغريب2009
07-02-2015, 07:23
بسم الله الرحمن الرحيم
علم الباراسيكولوجيا من منظور شرعي
قال ابن القيم:
"ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام، فإنه أمر مشاهد محسوس... والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها ... "
زاد المعاد ،3/78 - 79
مقـدمـة :
الباراسيكولوجيا علم حديث النشأة، وله في الغرب أساتذة مختصون وباحثون متفرغون ومكتبات ومجلات... وقد رأيت أن أعرّف بهذا الفن وبقضاياه ومناهجه ونتائجه... ثم أعرج على بحث جذور هذا العلم في التراث العربي الإسلامي.. وجعلت هذا كله تمهيدا لبيان حكم الباراسيكولوجيا المعاصرة في الميزان الشرعي. ولذا ينقسم هذا البحث إلى فصول ثلاثة.
وهذه دوافعي لاختيار هذا الموضوع:
1-إن الباراسيكولوجيا علم قائم الذات، وعمره اليوم يقرب من قرن من الزمان.
2-ولست أعرف أحدا تصدى لبيان حكم الشرع فيه وفي تعلمه واستخدامه، وإن كان في العلماء من تعرض لبعض ظواهر الباراسيكولوجيا بالذكر أو الدرس، خصوصا منها ما يعرف باستحضار الأرواح، لكنه نظر جزئي لا بحث فقهي كلي. فالأمر يحتاج إلى فتوى.
3-كما أظن أنه ليس لهذا العلم – في العالم العربي- أساتذة ولا معاهد أسوة بالعلوم الإنسانية الأخرى كعلم النفس مثلا.
4-إن بعض الطلبة العرب والمسلمين يدرس الباراسيكولوجيا في أوربا وأمريكا، وهؤلاء يحتاجون إلى معرفة حكم مشروعية هذا الفن في الإسلام.
5-ثم إن لبعض الأوساط العسكرية بالدول الكبرى اهتماما بالباراسيكولوجيا الحديثة بغية اكتشاف إمكان توظيف بعض نتائجها في المجهود الحربي والاستخباراتي.
لهذا كله وجب أن ندرس حقيقة هذا العلم، وما إذا كان على الأمة إهماله بالكلية أم الاعتناء به أو ببعضه.
الفصل الأول: تقديم عام للباراسيكولوجيا المعاصرة
التعريف بهذا العلم :
الباراسيكولوجيا هو علم دراسة الظواهر غير المعتادة التي لا يفسرها العلم التقليدي، والتي يمكن أن تكـون من عمل قدرات إنسانية مجهولة، أو من عمـل مخلـوقات أخرى عاقلة 1. وبعض العلماء يحذف من هذا التعريف الجملة الأخيرة: " أو من عمل مخلوقات أخرى عاقلة" 2.
ويمكن أن نذكر تعريفا آخر أدق وأكثر إحاطة ، فنقول: الباراسيكولوجيا هي دراسة ما وراء علم النفس من الأمور الخفية والتي لايفسرها أو يعتني بها العلم العادي.
الظواهر التي تدرسها الباراسيكولوجيا :
أذكر من هذه الظواهر غير العادية :
-التخاطر عن بعد، أو التليباثي. وهو عبارة عن تفاهم ذهني بين شخصين بغير طريق الكلام أو الإشارة أو نحو ذلك...
-التنبؤ بالمستقبل، والعرافة. أي الإخبار عن أحداث جزئية قادمة، ثم تقع بالفعل.
-الجلاء البصري، أي رؤية الأشياء التي تقع بعيدا عنا، والتي لا يمكن للإنسان العادي أن يراها.
-الاستشفاف، أو قراءة أفكار الغير وما يدور بذهنه، وكذا سماع الأصوات البعيدة.
-التأثير في الأشياء بمجرد النظر إليها أو لمسها.
-ارتفاع أشياء ثقيلة في الهواء، دون رافع مادي لها. ودوران الطاولات حول نفسها.
-أعمال السحر ومختلف أفعال السحرة.
-الشفاء من المرض، دون سبب طبي ظاهر.
-"الأشباح "، والمنازل المسكونة، والأصوات التي ليس لها مصدر معلوم.
-بروز أضواء مجهولة المصدر 1.
ويمكن أن نضيف إلى هذا أيضا: ظاهرة الأطباق الطائرة، والتي دار حولها- ولا يزال- جدل كبير منذ أكثر من نصف قرن، وهي لوحدها تحتاج لدراسة مستقلة2 .
الباراسيكولوجيا وعلم النفس :
إذن فالباراسيكولوجيا تدرس الظواهر التي أهملها علم النفس الحديث. ويرى بعض المختصين أنه لابد في النهاية من توحيد هذين العلمين في علم واحد. ولكن المشكلة أن هذا التركيب يحتاج إلى رؤية مازالت في حكم المفقود3. بل لا تزال حقيقة علم النفس نفسه مضطربة، وفي هذا يقول الدكتور علي منصور : " مادام علم النفس لم يصبح بعد علما واضح الموضوع والحدود والأبعاد، فإن تعريفه وبالتالي تعريف الظواهر التي يدرسها مازال أمرا عسيرا للغاية".4
لقد اهتم علم النفس بالقدرات العقلية للإنسان، خاصة منها الذكاء، ووضع حولها نظريات كثيرة. لكن تعتبر مجمل هذه القدرات عادية لا غرابة فيها، وذلك كالتعبير اللغوي والاستنباط والتذكر5... ولا يعني هذا أن هذه القدرات ونحوها.. واضحة، يقول علي منصور: " لاشك أن الذكاء بمعانيه المتعددة ودرجاته المتفاوتة يؤلف أعقد الظواهر التي يدرسها علم النفس وأشدها تشابكا" 1. فالمقصود أن الذكاء –مثلا- قدرة بشرية غير استثنائية بل كثيرة في الوجود، ولذلك فهي عادية، بخلاف ظواهر الباراسيكولوجيا فهي نادرة أو قليلة الوجود.
لهذا يقدم علماء الباراسيكولوجيا علمهم هذا على أنه : علم نفس اللاشعور، وغايته أن يكتشف في النفس الإنسانية وظائف لاشعورية جديدة 2.
الباراسيكولوجيا والإخفائية :
كما تتقاطع الباراسيكولوجيا مع حقل معرفي آخر هو الإخفائية، وذلك بسبب اهتمامهما المشترك بالظواهر الغريبة. لكن الباراسيكولوجيا علم منضبط يعتمد على الملاحظة والمقارنة والشهادات الموثقة والتجارب... بخلاف الإخفائية التي هي مزيج من النظرات والتأملات الفلسفية والدينية والروحية... لا تتقيد بشيء 3.
نشأة هذا العلم :
من الصعوبة بمكان تحديد بداية لهذا العلم، فكثير من قضاياه سبق للأديان والفلسفات القديمة أن أشارت إليه أو قالت عنه كلاما أو رأيا ما.
والمؤرخون الغربيون يذكرون عادة : " مِسْمِر" باعتباره أحد أوائل الذين اهتموا بصفة خاصة بظواهر الباراسيكولوجيا، خصوصا تلك التي كانت معروفة باسم " المغناطيسية الحيوانية " 4.
وقد تعـددت الأسمـاء وكثـرت البحـوث في النصف الثـاني من القـرن التاسع عشر، وكـذا في بـداية القرن العشـرين. وأهـم علماء هـذه الفتـرة – بالنسبة إلى هـذا المجال – هو "كروكس" الذي يعتبر المؤسس الفعلي للباراسيكولوجيا الحديثة، حوالي سنة 1872 1.
ثم ترسخ هذا العلم وشق طريقه وظهرت ملامحه، واكتسب الصفة العلمية، بداية من سنة 1930، وذلك بفضل الأستاذ " رين" وتلامذته الكثيرين، وأكثرهم أنجلوساكسونيون.
بعد ذلك ظهرت جمعيات مختصة في الباراسيكولوجيا، وتأسست مراكز بحوث خاصة به، وأصبح له في بعض الجامعات أقسام مستقلة، ومجلات وكتابات.. بمعنى آخر أصبحت الباراسيكولوجيا علما قائما بذاته، ومعترفا به في الوسط الأكاديمي العالمي.2
وقد استفادت الباراسيكولوجيا من الدراسات التي أجريت على ظواهر: التنويم المغناطيسي، والمغناطيسية الحيوانية، و ما يعرف بـ"استحضار الأرواح"، واللاشعور في مدرسة التحليل النفسي، وفن اكتشاف ينابيع المياه الباطنية...3.
الباراسيكولوجيا قطيعة مع الوضعية المتطرفة :
يمثل هايكل هذا الاتجاه الوضعي شديد التطرف، فهو يقول: إن كل ما لا يمكن للعلم أن يثبته فهو غير موجود4. وهذا الاتجاه ما زال مستمرا، وإن صار اليوم بعد تطور العلوم أضعف. ويمكن أن نمثل له بمارسيل بول وكتاباته5.
وهذا العلم- الباراسيكولوجيا- هو أحد العلوم التي بينت تهافت فلسفة هايكل، وأنها بدورها رؤية ميتافيزيقية، وجعلت كثيرا من العلماء يسلمون بوجود ظواهر كانت إلى حد قريب تعتبر خارج نطاق العلوم. ولذلك يقول الفيلسوف أراكو: " الذي يتكلم عن المستحيل – خارج الرياضيات الخالصة- يفتقد إلى الحكمة والاحتياط " 1.
منهج البحث :
وتهدف الباراسيكولوجيا إلى أن تكون علما يقوم على الملاحظة والتجربة والمقارنة وتسجيل الأحداث. ولذلك تبدأ بملاحظة الوقائع وسبرها، فتصل بذلك إلى حصر الأحداث غير العادية Le paranormal، بينما تدع الأخرى متى تبين إمكان تفسيرها بقواعد العلم الكلاسيكي. وفي هذا الإطار أيضا تكشف الحوادث المكذوبة أو القائمة على التدليس 2.
ثم يحاول علماء الباراسيكولوجيا- ما أمكن- إعادة بعض هذه الوقائع في مختبرات خاصة، تتوفر فيها مختلف أجهزة القياس والمتابعة والمراقبة، ويكون الحضور في العادة مختلطا يضم علماء من اختصاصات أخرى .3
ولا يخفى أن إعادة إنتاج الظواهر الغريبة أمر لا يتحقق بسهولة 4. لكن العلماء نجحوا في بعض ذلك.
وهذه الدراسة التي يقوم بها المختصون في الباراسيكولوجيا تكون على مستويين:
الأول : كمي، حيث تجري التجارب بالآلاف ويعتمد في تصنيفها ودرس نتائجها على علم الإحصاء.
الثاني: نوعي، يخص – في أكثر الحالات- بعض الأشخاص الموهوبين الذين يظهر أنهم يتمتعون بملكات غير عادية.
يكفي هذا القدر في تعريف القارئ بهذا العلم الحديث، ويمكنه الاطلاع على تفاصيل أخرى بالملحق الذي بآخر هذا البحث.
الفصل الثاني: من قضايا الباراسيكولوجيا في التراث الإسلامي
ليس في تراثنا علم خاص اسمه الباراسيكولوجيا، ولا علم آخر مقابل له يستخدم المناهج نفسها والأساليب ذاتها التي تسير عليها الباراسيكولوجيا.. فهذا فن معاصر. لكن المسلمين عرفوا أكثر ظواهر الباراسيكولوجيا، بل عرفوا أشياء أخرى لا توجد عند المعاصرين. ثم كانت لعلمائنا آراء ودراسات ونظريات في هذا المجال... ولذلك كانوا واعين بأن هذه الظواهر يمكن أن تشكل علما مستقلا، بل علوما متعددة. وفي هذا الإطار اعتبر بعض المصنفين في أقسام العلوم أن من فروع العلم الطبيعي: الفراسة، وتفسير الرؤيا، وأحكام النجوم، والسحر والطلسمات والسيمياء والكيمياء.. وهذا التقسيم هو الذي اختاره حاجي خليفة الذي جعل من فروع السحر أيضا: الكهانة والنيرنجات والخواص والعزائم والاستحضار والشعبذة والاستعانة بخواص الأدوية...1 وعرّفوا علم السيمياء – مثلا- بأنه الذي يُحدث مثالات خيالية لا وجود لها في الحس، ولذلك يطلق على غير الحقيقي من السحر2.
وفيما يلي تعريف ببعض الظواهر الغريبة وبحقيقتها عند العلماء المسلمين، وهو ما سيعيننا لا حقا في استنباط الحكم الفقهي للباراسيكولوجيا الحديثة:
الكهانة والعرافة :
كانت الكهانة من أهم الأسباب التي ركزت الشرك قديما، لأن إصابتها في الإخبار ببعض المغيبات أقنع الناس بصحتها وصحة استشارة الآلهة، وهي الاستشارة التي كان يقوم الكهنة بالتوسط فيها بين البشر والآلهة3.
وفن الكهانة –كما قال حاجي خليفة- " المراد منه مناسبة الأرواح البشرية مع الأرواح المجردة، أي الجن والشياطين، والاستعلام بهم عن الأحوال الجزئية الحادثة فـي عالم الكون والفساد، المخصوصة بالمستقبل"1. ويقول الخطابي: " الكاهن هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب، ويخبر الناس عن الكوائن "2. وقال الكتاني: "الكاهن من يدعي معرفة الغيب بأسباب، وهي مختلفة، فلذا كانت الكهانة أنواعا مختلفة... بما فيها من يدعي له صاحبا من الجن"3. والعراف مثله، لكنه اختص أكثر بمن يخبر عن الأحوال الماضية. وقد لخص الأستاذ جواد علي بعض ظروف التكهن- خصوصا حالة المسTranse التي سبقت الإشارة إليها -، فقال: " ويكون الكاهن في أثناء تكهنه في غيبوبة أو شبه غيبوبة في الغالب، ذلك لأنه متصل في هذه الأثناء بعالم مجهد صعب لا يتحمله كل إنسان... واتصال الروح بجسم الكاهن شيء جد عسير، يتصبب العرق منه، خاصة إذا كان المتكلم الكاهنَ نفسه. ويكون التكهن في الغالب في مكان هادئ تكتنفه ظلمة أو عتمة..."4.
والجدير بالذكر أن علماءنا أدركوا ببصرهم النافذ أن الكهانة نوعان: نوع يتم بوساطة من الجن، ونوع بدونها. قال الخطابي: " كان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرا من الأمور، فمنهم من كان يزعم أن له رئيا من الجن وتابعة تلقي إليه الأخبار. ومنهم من كان يدعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه"5. وهذا الفهم عبارة عن مقدرة ذاتية، فهي- كما قال القاضي عياض – نوع من " الحزر والتخمين، وهذا يخلق الله تعالى لبعض الناس فيه قوة"6. ولذلك اعتبر الرازي وابن خلدون أن القسم الثاني – من الكهانة- يكون من خواص بعض النفوس وليس بمكتسب7.
ويدل الحديث النبوي على وجود اتصال مادي للكاهن بالجني، أي اتصال محسوس، ليس هو من باب الوسوسة أو الحديث النفسي. فقد قال الرسول الكريم للنفر الذين سألوه عن الكهان: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليّه كقرقرة الدجاجة، فيخلطون فيه أكثر من مائة كذبة1.
ولهذا خطَّأ العلماء بعض المعتزلة ومن قال برأيهم. قال ابن تيمية: إنهم " أنكروا كرامات الصالحين، وأنكروا أن يكون السحر والكهانة إلا من جنس الشعبذة والحيل، لم يعلموا أن الشياطين تعين على ذلك... فصار كثير من الناس لا يعلمون ما للسحرة والكهان، وما يفعله الشياطين من العجائب..."2.
وقد حاول العلامة ابن عاشور شرح كيفية هذا الاتصال بين الكاهن أو العراف وبين الجني التابع، فقال: " بعض ظواهر الأخبار من السنة تقتضي أن صنفا )أي من الجن( له اتصال بنفوس ذات استعداد خاص لاستفادة معرفة الواقعات قبل وقوعها، أو الواقعات التي يبعد في مجاري العادات بلوغ وقوعها، فتسبق بعض النفوس بمعرفتها قبل بلوغ المعتاد. وهذه النفوس هي نفوس الكهان وأهل الشعوذة... ثم هذه التموجات التي تخلص إلى عقول أهل هذه النفوس المستعدة لها تخلص إليها مقطعة مجملة فيستعين أصحاب تلك النفوس على تأليفها وتأويلها بما في طباعهم من ذكاء وزكانة، ويخبرون بحاصل ما استخلصوه من بين ما تلقفوه وما ألفوه وما أولوه. وهم في مصادفة بعض الصدق متفاوتون..." 3
نموذج ابن صياد :
ويبدو أن ابن صياد من هؤلاء الكهنة والعرافين الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم. وهو من بني النجار من أهل المدينة، أو من حلفائهم من اليهود. وقد جرت له قصة مع الرسول الكريم رواها الحفاظ، إذ سأله مرة عن ماذا يرى، فقال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب. فقال له صلى الله عليه وسلم : خُلط عليك الأمر. ثم خبأ له النبي شيئا- إما في نفسه، وهي آية الدخان، وإما في يده أو كُمه-، ثم سأله عنه ليختبره. فأجاب ابن صياد: هو الدخ. فقال له: اخسأ فلن تعدو قدرك. أي أن ابن صياد أجاب بجواب صحيح، لكنه ناقص. ولذلك اعتبره العلماء من الكهان1.
فكرة ملكة التنبؤ في التراث الإسلامي :
يوجد توافق كبير بين آراء بعض العلماء المسلمين ونتائج الباراسيكولوجيا المعاصرة حول هذا الموضوع. وقد سبق أن رأينا أن علماءنا يقسمون الكهانة إلى نوعين: كهانة بوسيط، وأخرى ذاتية بلا وسيط.
ومن الذين تعرضوا لهذا الموضوع وقالوا بأن لبعض الناس قدرة خاصة على إدراك بعض المغيبات: المسعودي، وابن سينا، وابن القيم، وابن خلدون... وكثيرون سواهم2. وعدّ حاجي خليفة – ومن سبقه كصاحب مفتاح السعادة – العرافة علما يكتسبه أصحابه "بالتجارب أو بالحالة المودعة في نفوسهم".3
قال ابن خلدون: "إنا نجد في النوع الإنساني أشخاصا يخبرون بالكائنات قبل وقوعها بطبيعة فيهم يتميز بها صنفهم عن سائر الناس، ولا يرجعون في ذلك إلى صناعة ولا يستدلون عليه بأثر من النجوم ولا غيرها، إنما نجد مداركهم في ذلك بمقتضى فطرتهم التي فطروا عليها، وذلك مثل العرافين والناظرين في الأجسام الشفافة... وأهل الزجر.. والطرق.. وهذه كلها موجودة في عالم الإنسان لا يسع أحد جحدها ولا إنكارها.."4
الهاتف :
الهاتف صوت تسمعه ولا ترى قائله، فهو مجهول المصدر، ولذلك يعتبر اليوم من ظواهر الباراسيكولوجيا وألغازها. وقد كان الهاتف كثيرا في الجاهلية، ولذلك كان العرب يؤمنون به ويتعجبون ممن ينكره 1. ومن أصح أمثلته ما حكاه عمر رضي الله عنه، قال: بينما أنا نائم عند آلهتهم، إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ لم أسمع قط صارخا أشد صوتا منه، يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا أنت. فوثب القوم. قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا. ثم نادى بمثل الكلام الأول. فقمت، فما نشبنا أن قيل هذا نبي2.
المحدَّثون:
وهذه حالة أخرى عزيزة الوجود، ولكنها موجودة. وأشهر أصحابها في تاريخنا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر3. قال الخطابي: " المحدث الملهم يًُلقى الشيء في روعه فكأنه قد حدث به، فيظن فيصيب، ويخطر الشيء بباله فيكون.." 4 وقيل: هم الذين تكلمهم الملائكة. وقيل : بل هو من باب الفراسة والتوسم، لبعض الناس فيه قوة خاصة...5. ولاشك أن هذه الحالة شيء فوق علم النظر وزائد عليه6. قال ابن العربي: " طريق ذلك أن الله يخلق في القلب الصافي – أو بواسطة إلقاء الملك إليه – الكلمةَ، كما يلقي الشيطان إلى الكاهن. وقد تنتهي الحال إلى أن يسمع الصوت.."7.
التخاطر عن بعد:
ومما يتعلق بموضوع المحدَّثين مسألة التخاطر عن بعد، وإن كان بينهما نوع اختلاف يحتاج إلى دراسـة. وهذه الظـاهرة معـروفة في الباراسيكـولوجيا باسم التليباثي، وأبـرز نمـاذجها في تراثنا الإسـلامي هو نـداء عمر لسارية. وملخص القصة – كما رواها أهل الحديث1- أنه بينما كان الخليفة عمر يخطب فوق المنبر بالمدينة، إذا به يقطع خطبته وينادي: ياسارية ! الجبل الجبل ! مكررا ذلك ثلاث مرات. قال عمر حين سئل عن ذلك: والله ما ملكت ذلك، رأيتهم يقاتلون عند جبل يؤتون من بين أيديهم ومن خلفهم، فلم أملك أن قلت : يا سارية الجبل، ليلحقوا بالجبل. وبعد مدة جاء رسول القائد المسلم سارية الذي كان يحارب الفرس بنهاوند وحدث أنهم في تلك الجمعة نفسها انهزموا أمام عدوهم. ثم سمعوا نداء عمر فأسندوا ظهورهم إلى الجبل، وكان ذلك سببا لانتصارهم على الفرس2.
فهذه تجربة حقيقية وكبيرة من تجارب الباراسيكولوجيا، كأن صوت الفاروق عمر اخترق مئات الكيلومترات لينتقل من المدينة بالحجاز إلى نهاوند بفارس. ويبقى الإشكال في تعليل هذه التجربة، والتعليل هو المقام الضنك في الباراسيكولوجيا كما تقدم. وفيه رأي لابن تيمية أذكره، قال: ".. وعمر رضي الله عنه لما نادى ياسارية الجبل ! قال: إن الله جنودا يبلغون صوتي. وجنود الله هم من الملائكة ومن صالحي الجن. فجنود الله بلغوا صوت عمر إلى سارية، وهو أنهم نادوه بمثل صوت عمر، وإلا نفس صوت عمر لا يصل نفسه في هذه المسافة البعيدة "3.
ابن القيم ...رائدا للباراسيكولوجيا:
ويمكن أن نعتبر ابن القيم رحمه الله من أبرز العلماء الذين اعتنوا بظواهر الباراسيكولوجيا في تاريخنا الإسلامي، فكتبوا عنها وحللوها ودرسوها 4.
والحقيقة أن أكثر كلام ابن القيم هو في عالم الغيب، لكن بالنظر إلى سعة آثاره ومؤلفاته تبقى جملة وافرة من دراساته تندرج تحت مسمى الباراسيكولوجيا. وأرى أنه من الأهمية بمكان أن نفرق بين عالم الغيب وعالم الباراسيكولوجيا الذي يتناول ظواهر تقع الآن في دنيا الناس، وإن كان لبعضها علاقة بالغيبيات، أي أن هذه الظواهر تنتمي أساسا إلى عالم الشهادة.
لهذا الذي يهمنا هنا – على سبيل المثال – ليس هو مسألة تلاقي أرواح الموتى، فهذه من الغيب الذي يرجع فيه إلى النص الشرعي، بل تلاقي أرواح الأحياء والذي يكون من ثماره أحيانا ما يسمى بالتليباثي، بل حتى قضية التقاء أرواح الأحياء بالموتى بطريق المرائي يمكن إدراجه في حقل الباراسيكولوجيا .
وقد رأينا أن لكثير من الظواهر الغريبة صلة بالروح وعالمها الخفي. وابن القيم من أفضل من درس موضوع الروح في التراث الإسلامي، فالروح عنده " جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد ..." 1
واستدل ابن القيم – في بحثه القيم – على جسمية الروح بوجوه كثيرة بلغت ست عشرة ومائة، إضافة إلى ردود واسعة على مذاهب الخصوم...وأبطل القول بأن " الروح عبارة عن عرض من أعراض البدن، أو جوهر مجرد ليس بجسم ولا حال فيه"2. وذكر تنبيها حسنا في مسألة المصطلح، قال: "إن مسمى الجسم في اصطلاح المتفلسفة والمتكلمين أعم من مسماه في لغة العرب وعرف أهل العرف، فإن الفلاسفة يطلقون الجسم على مقابل الأبعاد الثلاثة خفيفا كان أو ثقيلا، مرئيا كان أو غير مرئي، فيسمون الهواء جسما والنار جسما.. ولا يعرف في لغة العرب تسمية شيء من ذلك جسما البتة.. ( فعندهم) الجسم الجسد.. ونحن إذا سمينا النفس جسما فإنما هو باصطلاحهم وعرف خطابهم، وإلا فليست جسما باعتبار وضع اللغة. ومقصودنا بكونها جسما إثبات الصفات والأفعال والأحكام التي دل عليها الشرع والعقل والحس من الحركة والانتقال والصعود والنزول ومباشرة النعيم والعذاب واللذة والألم وكونها تحبس وترسل وتقبض وتدخل وتخرج. فلذلك أطلقنا عليها اسم الجسم تحقيقا لهذه المعاني، وإن لم يطلق عليها أهل اللغة اسم الجسم." 1
وقال أيضا: " ولا يجب اشتراك الأجسام في جميع الكيفيات والصفات.. (فـ) للنفس من الكيفيات المختصة بها ما لا يشاركها فيها البدن." 2وفي هذا جواب عن الاعتراض المفترض بأن علم التشريح اليوم لم يجد بجسد الإنسان عضوا يكون هو الروح.
كما صحح ابن القيم أن الروح تأخذ من بدنها صورة تنطبع بها وتتميز بها عن غيرها، 3ومما قال في هذه المسألة: " أخبرك بأمر إذا تأملت أحوال النفس والأبدان شاهدته عيانا: قل أن ترى بدنا قبيحا وشكلا شنيعا إلا وجدته مركبا على نفس تشاكله وتناسبه."4
وقال أيضا: " ومما ينبغي أن يعلم أن ما ذكرنا من شأن الروح يختلف بحسب حال الأرواح من القوة والضعف، والكبر والصغر." 5
وينبهنا ابن القيم إلى أمر هام يسلم به اليوم علم الباراسيكولوجيا: " عالم الأرواح عالم آخر أعظم من عالم الأبدان، وأحكامه وآثاره أعجب من آثار الأبدان، بل كل ما في العالم من الآثار الإنسانية فإنما هي من تأثير النفوس بواسطة البدن، فالنفوس والأبدان يتعاونان على التأثير تعاون المشتركين في الفعل، وتنفرد النفس بآثار لا يشاركها فيها البدن، ولا يكون للبدن تأثير لا تشاركه فيه النفس. " 6
وقد تكلم ابن القيم مطولا في إثبات تلاقي أرواح الأحياء بأرواح الأموات، وهي مسألة الرؤيا، إلى حد كبير . 7 وذكر- مما له علاقة بالنوم - أمرا عجيبا استدل له بشواهد كثيرة، وهو أن " روح النائم يحصل لها في المنام آثار فتصبح يراها على البدن عيانا، وهي من تأثير الروح في الروح " 8.
وفي باب التخاطر يقول رحمه الله: " ومن العجب أن أرواح المومنين المتحابين المتعارفين تتلاقى وبينها أعظم مسافة وأبعدها ، فتتألم وتتعارف فيعرف بعضها بعضا، كأنه جليسه وعشيره، فإذا رآه طابق ذلك ما كان عرفته روحه قبل رؤيته ." 1
ويتحدث ابن القيم أيضا عن الإلهام والأحوال الخارقة، فيفرق بين إلهام الملك وإلقاء الشيطان، وكذا بين الحال الإيماني والحال الشيطاني.2
ومن المعروف أن بعض الظواهر الغريبة تتعب أصحابها جدا، بحيث يحصل لهم إعياء جسدي عظيم، وابن القيم يعرف هذا جيدا:"وكيف يستنكر من يعرف الله سبحانه ويقر بقدرته أن يحدث حوادث يصرف عنها أبصار بعض خلقه، حكمة منه ورحمة بهم، لأنهم لا يطيقون رؤيتها وسماعها." 3
وكذلك يشير ابن القيم إلى فكرة الاستعداد الذاتي لتقبل بعض الظواهر الغريبة، وإلى تفاوت النفوس في ذلك، فيقول في السحر: " وبالجملة فسلطان تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة التي يكون ميلها إلى السفليات، قالوا: والمسحور هو الذي يعين على نفسه، فإنا نجد قلبه متعلقا بشيء، كثير الالتفات إليه، فيتسلط على قلبه بما فيه من الميل والالتفات ..". 4 وهذا صحيح بحسب العلم المعاصر الذي يثبت علاقة جدلية من تبادل التأثير والتأثر بين النفس والجسم.
وتعرض ابن القيم أيضا لموضوع الفراسة، وهو– في الواقع – ليس من موضوعات الباراسيكولوجيا، بل هو أقرب إلى علم النفس، لصلته بمباحث الذكاء البشري والقدرات الذهنية. لكن من الإدراك البشري نوع لا علاقة له بالعقل، لعله المقصود في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله.5
لذلك يعتبر ابن القيم بأن الفراسة " نور يقذفه الله في القلب، فيخطر له الشيء فيكون كما خطر له، وينفذ إلى العين فترى ما لا يراه غيرها " 1.
وأوسع موضع درس فيه ابن القيم مسألة الفراسة هو كتابه الطرق الحكمية، والذي ابتدأه ببحث جواز القضاء بالفراسة، لكن عامة الأخبار والحكايات التي ذكرها هي من باب القرائن والأمارات، أي حكم القاضي بالاستناد إلى قرينة ما، قد تكون جد خفية2.
ولابن القيم كذلك اعتناء بظواهر التأثير عن بعد (ظواهر PK في الاصطلاح الباراسيكولوجي)، وأبرز مثال لذلك هو الإصابة بالعين. وقد شرحه ابن القيم وبين منشأه، قال: " تأثيرات النفوس بعضها في بعض أمر لا ينكره ذو حس سليم ولا عقل مستقيم، ولا سيما عند تجردها نوع تجرد عن العلائق البدنية، فإن قواها تتضاعف وتتزايد بحسب ذلك... فإن تأثيرها في العالم يقوى جدا تأثيرا يعجز عنه البدن. وأعراضه أن تنظر إلى حجر عظيم فتشقه أو حيوان كبير فتتلفه أو إلى نعمة فتزيلها، وهذا أمر قد شاهدته الأمم على اختلاف أجناسها وأديانها، وهو الذي سمي إصابة العين، فيضيفون الأثر إلى العين ، وليس لها في الحقيقة، وإنما هو للنفس المتكيفة بكيفية ردية سمية . وقد تكون بواسطة نظر العين ، وقد لا تكون، بل يوصف له الشيء من بعيد فتتكيف عليه نفسه بتلك الكيفية فتفسده، وأنت ترى تأثير النفس في الأجسام صفرة وحمرة وارتعاشا بمجرد مقابلتها لها وقوتها، وهذه وأضعافها آثار خارجة عن تأثير البدن وأعراضه، فإن البدن لا يؤثر إلا فيما لاقاه وماسه تأثيرا مخصوصا. ولم تزل الأمم تشهد تأثير الهمم الفعالة في العالم، وتستعين بها، وتحذر أثرها.." .3
وبعد إثبات العين ومحاولة تعليلها أورد ابن القيم أنواعا من العلاج بالأذكار والرقي وغيرها ... وذلك في كتابه: زاد المعاد 4.
هذه إشارات سريعة لنظرات بعض علمائنا في ظواهر الباراسيكولوجيا، والغرض منها تنبيه القراء والباحثين إلى هذا الحقل الفريد في تراثنا الإسلامي العتيد، عل الهمم تنهض إلى تخصيصه بدراسات واسعة و علمية.
جهود ابن خلدون في الباراسيكولوجيا :
أريد من هذه الفقرات أن أنبه على جانب هام في " المقدمة "، رأيت أكثر الكاتبين عنها أهملوه... فقد اعتنى ابن خلدون – خصوصا في أوائل المقدمة وآواخرها – بالظواهر الغريبة في الوجود أو التي لها علاقة بالغيب وشؤونه، فقدم لها وشرحها، ثم حاول تعليلها... فهو لذلك رائد من رواد الباراسيكولوجيا، يستحق أن يذكر في تاريخها وضمن علمائها أو مفكريها. ولو أنك قارنت بين المقدمة وأي كتاب معتمد في هذا الفن.. لوجدت أن أكثر الظواهر الغريبة التي تحدث عنها ابن خلدون توجد اليوم ضمن القضايا أو الإشكالات الأساسية للباراسيكولوجيا المعاصرة، مع اختلاف – بالطبع- في أسلوب المعالجة ومناهجها.
ومن المعروف أن ابن خلدون خصص في مقدمته حيزا كبيرا لقضايا نظريات المعرفة والأسس المنهجية لمختلف أنواع العلوم، فدرسها وميز صحيحها من سقيمها ... وكان من ضمن ذلك فنون ذات صلة بحقل الباراسيكولوجيا، من أهمها: الكهانة والعرافة والكيمياء والسحر والتصوف والرؤيا...يقول الأستاذ الجابري في ذلك: " لقد كان عصر ابن خلدون يعج بأنواع من المعارف والعلوم المتداخلة المتنافرة، منها ما ينتسب للعقل، ومنها ما ينتسب إلى الدين، ومنها ما ينتسب لقدرة خارقة للعادة تتحدى العقل وتتجاوز النقل، معارف غير منظمة ولا مؤطرة في إطار معرفي عام. وتأتي محاولة صاحب المقدمة لتعمل على تنظيم هذه المعارف والعلوم وتوضيح العلاقات بينها وبيان الصحيح من الزائف فيها، وذلك من خلال نقد منهجي لمبادئها وأسسها المنطقية وحصيلتها الموضوعية. " 1
لقد فسّر ابن خلدون النبوة، ثم ظاهرة الكهانة، وفرق بينهما، " فالكهانة من خواص النفس الإنسانية التي لها استعداد للانسلاخ من البشرية إلى الروحانية التي فوقها، من غير اكتساب ولا تسبب، لكن إدراكها يكون في الجزئيات أكثر من الكليات، ولذلك تكون المخيلة في الكهان في غاية القوة، لأنها آلة الجزئيات.. " 2
ثم درس الرؤيا والأحلام المنامية. وكانت له عناية خاصة بقضية الإخبار عن المستقبل، من غير طريق التجربة أو النظر العقلي، أي بأساليب غيبية... وغير ذلك كثير2. ثم " وضع " ابن خلدون لتعليل هذه الظواهر نظرية في تدرج عوالم المخلوقات واتصال بعضها ببعض، وكيف يمكن أن يسـتحيل بعضها إلى ما فوقها أو ما دونـها3... وربط هذا بأنواع قوى الإدراك الإنساني من الحس والحس المشترك والخيال والوهم والقوة الحافظة وقوة الفكر. كما قسم النفوس إلى ثلاثة أصناف، بحسب استعدادها للعالم الأعلى...4 ذلك " أن النفوس البشرية وإن كانت واحدة بالنوع فهي مختلفة بالخواص، وهي أصناف، كل صنف مختص بخاصية واحدة بالنوع لا توجد في الصنف الآخر، وصارت تلك الخواص فطرة وجبلة لصنفها..." 5
واهتم ابن خلدون أيضا بالتجربة الصوفية، لكنه رأى أنها ذوقية لا يمكن تبليغها للآخر باللغة المعتادة، ولذلك كانت المعرفة الصوفية قاصرة على أهلها. وأبعد المدارك عن جنس الفنون والعلوم هي مدارك الصوفية، " لأنهم يدعون فيها الوجدان ويفرون عن الدليل، والوجدان بعيد عن المدارك العلمية وأبحاثها وتوابعها" 6.
وحين تعرض ابن خلدون لحالة الغيبوبة Transe ، وبيَّن كيف يستعمل الوسطاء أشياء معينة كالمرايا والبلورات.. تعينهم على التلبس بحالة المس هذه... كان دقيقا جدا حيث نبّه على أن تلك الأشياء ليست مقصودة لذاتها، بل لتجميع القدرة وتركيزها1. وهذا تعليل صحيح في رأي الباراسيكولوجيا.
ويمكن أن أقول في المقارنة بين الرجلين – ابن القيم وابن خلدون - : إن الأول أكثر تتبعا وملاحظة وتسجيلا للظواهر الغريبة، بينما جهد الثاني أعمق في التنظير والتعليل.
ولعل في طلبة الدكتوراه من يخصص بحثه لعلم الباراسيكولوجيا في التاريخ الإسلامي، وحسبي مما تقدم التنبيه على هذا المجال من علومنا في الإسلام.
الفصل الثالث : البحث الفقهي
وإذ أدرك القارئ بعض معالم هذا الفن الحديث، وعرف بعض قضاياه في تراثنا الإسلامي... أمكن أن أقدم له رأيي الفقهي فيه. وقد رأينا أن الباراسيكولوجيا تدرس ظواهر من عمل الإنسان، وأخرى من عمل مخلوقات عاقلة يسميها أهل الفن بالأرواح، والغالب أنها أو بعضها- عندنا معشر المسلمين- من الجن. لهذا سأبدأ بدراسة حكم التعامل مع هذا الخلق.
المبحث الأول: حكم الاتصال بعالم الجن.
إن اتصال الإنسان بهذا العالم الخاص ممكن وواقع، وهي علاقة يسميها القرآن الكريم بالاستمتاع، قال تعالى: ]ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس. وقال أولياؤهم من الإنس: ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا[الأنعام آية 128.
قال ابن أبي العز: " استمتاع الإنسي بالجني في قضاء حوائجه وامتثال أوامره، وإخباره بشيء من المغيبات، ونحو ذلك. واستماع الجن بالإنس: تعظيمه إياه واستعانته به واستغاثته وخضوعه له "1.
ولذلك يقبل الجن التسخير، وقد وقع ذلك لبعض الأنبياء، وأهمهم سليمان عليه السلام، قال سبحانه: ]فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطينَ كل بنّاء وغواص[ سورة ص، 36-37.
وفي هذا المعنى يقول ابن تيمية: " الذين يستخدمون الجن في المباحات يشبه استخدام سليمان، لكن أعطي ملكا لا ينبغي لأحد بعده، وسخرت له الإنس والجن، وهذا لم يحصل لغيره"2. ويرى الألوسي "أن استخدام الجن الثابت لسليمان لم يكن بواسطة أسماء ورياضات، بل هو تسخير إلهي من غير واسطة شيء، وكان أيضا على وجه أتم، وهو مع ذلك بعض الملك الذي استوهبه..." 3
إذن فالاتصال بعالم الجن واستخدامها أو سؤالها أمر ممكن وواقع، وله أسبابه الخاصة1. ولذلك قال الألوسي:" الظاهر عدم إكفار من يدعي استخدام شيء من الجن. ونحن قد شاهدنا مرارا من يدعي ذلك وشاهدنا آثار صدق دعواه على وجه لا ينكره إلا سوفسطائي أو مكابر"2.
بقي أن نعرف حكم هذا الاتصال أو الاستخدام، خصوصا في السؤال عن بعض الغيوب الماضية أو الحاضرة، حيث إن الإجماع منعقد على تحريم سؤالهم عن المستقبل على سبيل التصديق لهم في ذلك. وفي هذا الموضوع رأيان فقهيان :
1-عقد العلامة الشبلي الحنفي بابا عنوانه: في جواز سؤال الجن عن الأحوال الماضية والأشخاص النائية دون الأمور المستقبلة. وذكر آثارا عن بعض الصحابة تعضد هذا التفصيل3. ثم قال: " ولاشك أن الله تعالى أقدر الجن على قطع المسافة الطويلة في الزمن القصير4 بدليل قوله تعالى ]قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك...[. فإذا سأل سائل عن حادثة وقعت أو شخص في بلد بعيد، فمن الجائز أن يكون الجني عنده علم من تلك الحادثة وحال ذلك الشخص فيخبر، ومن الجائز أن لا يكون عنده علم فيذهب فيكشف ثم يعود فيخبر. ومع هذا فهو خبر واحد لا يفيد غير الظن ولا يترتب عليه حكم غير الاستئناس... وأما سؤالهم عما لم يقع فهو حرام، وتصديقهم فيه بناء على أنهم يعلمون الغيب كفر، وعليه يحمل قوله عليه الصلاة والسلام: لا تاتوهم، وقوله صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافا... الحديث" 5.
وقال ابن تيمية:" وأما سؤال الجن، وسؤال من يسألهم، فهذا إن كان على وجه التصديق لهم في كل ما يخبرون به والتعظيم للمسؤول فهو حرام.. وأما إن كان يسأل المسؤول ليمتحن حاله ويختبر باطن أمره، وعنده ما يميز به صدقه من كذبه، فهذا جائز..."1. واستدل له بخبر سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم ابن صياد.
وقسم ابن تيمية أنواع استخدام الجن إلى ثلاثة أقسام: استخدامهم في المحرمات، فهذا حرام. واستخدامهم في أمور مباحة، إما إحضار مال المستخدم أو دلالته على شيء أو دفع من يؤذيه، فهذا كاستعانة الإنس بعضهم ببعض. وأخيرا استعمالهم في طاعة الله ورسوله، كما يستعمل الإنس في ذلك2.
2-الرأي الثاني سد الذريعة مطلقا ومنع سؤال الجن واستحضارها. قال الشيخ ابن باز – في قوله تعالى: ]ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس. وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض[ الأنعام، 128- : و " ذكر علماء التفسير أن استمتاع الجن بالإنس بعبادتهم إياهم بالذبائح والنذور والدعاء، وأن استمتاع الإنس بالجن قضاء حوائجهم التي يطلبونها منهم وإخبارهم ببعض المغيبات التي يطلع عليها الجن في بعض الجهات النائية أو يسترقونها من السمع أو يكذبونه وهو الأكثر. ولو فرضنا أن هؤلاء الإنس لا يتقربون إلى الأرواح التي يستحضرونها بشيء من العبادة فإن ذلك لا يوجب حل ذلك وإباحته، لأن سؤال الشياطين والعرافين والكهنة والمنجمين ممنوع شرعا وتصديقهم فيما يخبرون به أعظم تحريما وأكبر إثما، بل هو من شعب الكفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة"، وفي مسند أحمد والسنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم". فلا يجوز سؤالها ]أي الجن[ ولا استحضارها ولا تصديقها، بل كل ذلك محرم ومنكر، بل وباطل..." 3
أصول هذا الخلاف الفقهي :
ومناط الاختلاف هنا هو في كيفية تفسير النصوص الواردة في النهي عن الكهانة، وهذه بعضها:
1- روى البزار والطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من تطير أو تطير له، أو تَكهن أو تُكهن له، أو تسحَّر أو تُسحر له. 1
2- وروى أبو داود في كتاب الطب من سننه عن أبي هريرة رفعه، قال: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل الله على محمد. 2
3- وقال صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد.3
فلذلك وقع الاحتمال في مناط الحرمة، هل هو مجرد إتيان العراف بغض النظر عن مقاصد المكلف ونيته، أم هو في التصديق بما يقوله الكاهن. قال الخطابي – في الحديث الثاني - : " الحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم والرجوع إلى قولهم وتصديقهم على ما يدعونه من هذه الأمور". 4 وقال الكتاني :" يحرم إتيان الكهنة والعرافين وتصديقهم…"5.
وأكثر العلماء فصَّل، فقال: الكفر كفران: كفر حقيقي، وذلك في حالتين: إذا استحل من أتى العراف سؤال الكهنة ونحوهم. أو إذا صدقهم فيما يقولون واعتقد أنهم يطلعون فعلا على الغيب. يقول الشوكاني: " العلة الموجبة للحكم بالكفر ليست إلا اعتقاد أنه مشارك لله تعالى في علم الغيب"6. والكفر الآخر هو كفر مجازي، أي كفر النعمة، وذلك إذا لم يصدقهم7.
وعمدة من جوَّز سؤال العرافين والكهان إذا كان للسائل غرض صحيح ومشروع هو اختبار النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد ومحاولته استكشاف حقيقة أمره؛ إضافة إلى شرط التصديق الذي في النص.
ويظهر لي أن الأولى منع الاتصال بالجن والاشتغال بشؤونها، بواسطة من الكاهن أو بدونه، إلا في الضرورة كما في حالة المصروع. فهذا الاشتغال ليس من شأن المؤمن، و"من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه". ومازلت أذكر شكوى المرحوم محمد الغزالي من كثرة اهتمام المسلمين بعالم الجن، وتساءل هل اختصت الجن بالمسلمين، حتى إنه لا يتكلم عنها غيرهم من الأمم. ومن مظاهر هذا الغلو في الاهتمام بالموضوع كثرة الكتب التجارية عن الجن، وبعضها على شكل حوارات مطولة… وأكثر هذه الكتب لا تفيد. ولو قلت الأوْلى منعها وحظر نشرها لكان ذلك مذهبا، وكان دليله جواز تصرف الإمام في المباحات بالتقييد. ويكفي في هذا الباب كتب العقائد، فكثير منها يعقد فصولا عن الاعتقاد الواجب في موضوع الجن، ويكفي أيضا بعض الكتب الجامعة ككتاب الشبلي.
لكن يبقى للنظر مجال فيمن يقصد العراف أو الكاهن لغرض البحث والدراسة، وهو ما تفعله الباراسيكولوجيا منذ نشأتها إلى اليوم. فمن الواضح أننا لو أخذنا بالرأي الفقهي الأول لخرَّجنا عليه القول بجواز هذا اللون من الدرس. ولو أخذنا بالرأي الثاني لخرجنا عليه حكم المنع. ولي رأي خاص ليس بذا ولا ذاك هذا تفصيله:
المبحث الثاني : رأيي في الباراسيكولوجيا.
تنقسم الظواهر الغريبة التي تدرسها الباراسيكولوجيا إلى قسمين:
الأول: ظواهر ذات علاقة بمخلوقات عاقلة، يسميها أكثر أهل الاختصاص بـ: الأرواح Esprits، في حين يقول بعضهم إنها الجن الذين جاء ذكرهم في الأديان السماوية.
الثاني: ظواهر ذات علاقة بقدرات إنسانية خاصة وغير عادية.
وينبغي أن يكون لكل قسم حكم خاص به :
حكم القسم الأول من ظواهر الباراسيكولوجيا :
أما الظواهر الأولى ذات العلاقة بالجن، وربما بشيء آخر… فيمكن أن نستخرج لها الحكم من خلال ما تقدم عن حكم الاتصال بعالم الجن، وقد رأينا أن في ذلك قولين: الجواز، بشروط، أو التحريم.
والذي يظهر لي أن في الباراسيكولوجيا المهتمة بهذه الظواهر شائبتين:
1- من حيث إن هذا البحث علم ودراسة، فهو جائز، بل مستحب، والتحبيذ حكم عام للعلوم، أي هو الأصل. وفي العلم تغتفر أشياء لا تغتفر في غيره. والله تعالى يقول: )قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون(، ويقول: )وقل رب زدني علما(. ولذلك قال حاجي خليفة: " العلم من حيث إنه علم فضيلة لا تنكر ولا تذم، فالعلم بكل شيء أولى من جهله"1.
وعلى هذا لا يدخل الباحث في هذا الميدان في الوعيد النبوي على إتيان الكهان والعرافين، وفي الباراسيكولوجيا يتم قسم من التجارب مع هؤلاء وبمعونتهم.
2- من حيث إنه اتصال بالشياطين وعالمها… فهذا بحث غير محبذ. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرض له جني ليشوش عليه صلاته أمسك به وأراد أن يكتِّفه حتى الصباح ليراه الناس، ثم بدا له أن يطلق سراحه2. وأنا أفهم من هذا الحديث رغبة المشرِّع في الفصل بين العالمين: الإنس والجن. فهذان عالمان مستقلان ومنفصلان بعضهما عن بعض، برغم الاتصال الظاهري النادر أو القليل بينهما.
فهذه الباراسيكولوجيا إذن يتجاذبها أصلان، ولذلك تحتمل قولين: الحظر أو الإباحة. وأستأنس في هذا بمسألة مماثلة تعرّض لها الفقهاء، وهي حكم تعلم السحر. فالخلاف فيه قائم3. إذ من جوَّزه استند إلى أصل الإباحة، قال ابن الأكفاني: علم السحر "منفعته أن يعلم ليحذر لا ليعمل. ولا نزاع في تحريم عمله. أما مجرد علمه فظاهر الإباحة"4. ولذلك جوزه الفخر الرازي5. وقال بعض الحنفية: إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه فلا يكفر6. وكذلك اختار القرافي مذهب الجواز وربط ذلك بمقاصد المكلف1. أما من منعه فقد استند – في الأكثر – إلى مبدأ سد الذرائع2.
ولذلك أقول: إن البحث في هذه الظواهر الأولى بحث تنازعه أصلان، فما هو بمباح ولا هو بحرام، فهو– إذن – مكروه. وهذا الحكم هو مراعاة للخلاف قبل الوقوع.
قاعدة مراعاة الخلاف:
مراعاة الخلاف هي إعطاء كل واحد من الدليلين حكمه وأثره. مثاله: النكاح الفاسد، بعض الفقهاء أبطله تماما، وبعضهم أمضاه بعد تصحيحه، وتوسط المالكية فقالوا: يفسخ بطلاق، ويثبت به الإرث والنسب، وفيه العدة…
وأصل هذه القاعدة حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت:" اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام. فقال سعد: هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إليّ أنه ابنه، انظر إلى شبهه. وقال عبد: هذا أخي يارسول الله، ولد على فراش أبي من وليدته. فنظر رسول الله إلى شبهه فرأى شبها بعتبة. فقال: هو لك يا عبد، الولد للفراش وللعاهر الحجر. واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة. قالت عائشة: فلم ير سودة قط"3. والقياس يقتضي ألا تحتجب سودة من " أخيها " عبد.
ومراعاة الخلاف نوعان: قبل الوقوع، أي قبل وقوع النازلة، وذلك بالنظر إلى الأدلة في ذاتها والموازنة بينها. ومراعاة بعد الوقوع، أي أن الفقيه يراعي كون الحادثة قد وقعت، والواقع لا يرتفع، ولهذا أثره في الحكم، بحيث لو لم تقع النازلة كان له نظر آخر وحكم آخر. ويرجع النوع الأول من مراعاة الخلاف إلى الاحتياط، والثاني إلى الاستحسان، وذلك في أكثر الحالات.
والذي يهمنا هنا هو النوع الأول، قال عنه ابن فرحون:" راعِيّته يراد بها اعتباره من وجه لا مطلقا. مثال ذلك أن يترجح دليل الإباحة عنده، ومذهب غيره التحريم، فإذا توسط الأمر قال بالكراهة؛ كما توسطوا –في المشهور– في الماء المستعمل بأنه مكروه للخلاف توسطا بين القول بنجاسته وبين القول بأنه طاهر غير مطهر"4.
فهذا هو الأصل الذي بنيت عليه حكم دراسة الظواهر الأولى للباراسيكولوجيا1.
حكم القسم الثاني :
النوع الثاني : ظواهر ذات علاقة بقدرات إنسانية خاصة وغير عادية.
ولا أرى أي حرج شرعي في دراسة الظواهر الثانية، فالبحث في مواهب الاستشفاف والجلاء البصري وتأثير الفكر في المادة… مثله مثل البحث المعروف في علم النفس التربوي عن قدرات الذكاء والذاكرة والانتباه… ونحو ذلك. فهذا كله جائز، بل ومستحب. وإذا ثبت أن الأمة تحتاج إلى هذا البحث، فإنه يصبح من فروض الكفاية. وكما يجوز أن يدرس المسلم هذا العلم، يجوز أيضا أن تخصص له الدولة مركزا للبحث أو قسما من أقسام التعليم الجامعي.
وذلك لأن البحث في هذه المواهب الخارقة ممكن، بل إنه لا يزال يتواصل في علم النفس اكتشاف القدرات العقلية للإنسان، يقول الأستاذ منصور: " أدت البحوث المتواترة في ميدان الذكاء إلى الكشف عن عدد من القدرات العقلية بلغ في الخمسينيات من القرن العشرين حوالي خمسين قدرة عقلية، مما استدعى العمل من أجل تنظيمها وتصنيفها…"2.ومن أحدث هذه القدرات اكتشافا: القدرة الابتكارية، والتي حظيت بعدد كبير من الدراسات إلى اليوم3.
وقد كان علماؤنا على وعي تام بأن بعض الناس يمتلك مواهب غير عادية، ومنها – على سبيل المثال-: الفراسة. يقول القاضي ابن أبي العز: الفراسة ثلاثة أنواع: إيمانية، وسببها نور يقذفه الله في قلب عبده.. وفراسة خَلقية، وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم، وهي استدلال بالخَلق على الخُلق.. وأخيرا- وهي التي يمكن أن تنتمي إلى ميدان الباراسيكولوجيا- : " فراسة رياضية: وهي التي تحصل بالجوع والسهر والتخلي. فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها. وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر، ولا تدل على إيمان ولا على ولاية…"4.
ومن هذه المواهب أيضا: القدرة على التأثير الفكري عن بُعد )وهي ظواهر (PK1، أو التأثير بالهِمَّة في التعبير القديم، وبعضهم يسميها سحرا نفسيا. يقول ابن كثير: "هذا.. هو التصرف بالحال، وهو على قسمين : تارة يكون حالا صحيحة شرعية يتصرف بها فيما أمر الله ورسوله.. وهذه الأحوال مواهب من الله تعالى… ولا يسمى هذا سحرا في الشرع. وتارة تكون الحال فاسدة لا يمتثل صاحبها ما أمر الله ورسوله ولا يتصرف بها في ذلك. فهذه حال الأشقياء…"2 ومفهومه أن التصرف بالحال في المباح مباح.
ولا يؤثر في شيء كون هذه المواهب خارقة للعادة، كما هو شأن أكثر الظواهر التي تدرسها الباراسيكولوجيا، لذلك يقول ابن أبي العز: " ثم الخارق : إن حصل به فائدة مطلوبة في الدين كان من الأعمال الصالحة المأمور بها دينا وشرعا، إما واجب أو مستحب. وإن حصل به أمر مباح، كان من نعم الله الدنيوية التي تقتضي شكرا، وإن كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه، كان سببا للعذاب أو البغض… فالخارق ثلاثة أنواع: محمود في الدين، ومذموم، ومباح، فإن كان المباح فيه منفعة كان نعمة، وإلا فهو كسائر المباحات التي لا منفعة فيها3".
المبحث الثالث : ضوابط البحث الباراسيكولوجي الإسلامي
توجد ثمة ضوابط شرعية يستعين بها الباراسيكولوجي المسلم في طريق بحثه وعمله، وهذه أهمها فيما ظهر لي:
1-عقيدة الغيب: إذ من أصول الاعتقاد عندنا أن الله تعالى هو وحده من يعلم الغيب المطلق على سبيل الإحاطة والشمول: ) قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيبَ إلا الله(. النمل67. فلا يمكن أن يوجد أحد من الموهوبين يعرف الغيب بتفصيل، سواء كان بادعاء اتصال بالجن أو بمخلوق عاقل، أو بادعاء مقدرة خاصة في التنبؤ. آية ذلك في الحالة الأولى قوله سبحانه- في موت سليمان-: ) فلما خرَّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين(. سبأ 14. ولذلك يقول الهيتمي: " الخواص يجوز أن يعلموا الغيب في قضية أو قضايا، كما وقع لكثير منهم واشتهر، والذي اختص تعالى به إنما هو علم الجميع وعلم مفاتح الغيب المشار إليها بقوله تعالى: )إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث...) وينتج من هذا التقرير أن من ادعى علم الغيب في قضية أو قضايا لا يكفر … ومن ادعى علمه في سائر القضايا كفر"1.
ولهذا يخطئ العراف كثيرا، بل حتى المحدث – وهو أفضل من الأول علما وحالا- يخطئ أحيانا في ظنونه. يقول ابن تيمية: "المحدث يجوز أن يُقرَّ على بعض الخطأ، ويدخل الشيطان في أمنيته بعض ما يلقيه فلا ينسخ، بخلاف الرسول والنبي، فإنه لا بد من نسخ ما يلقي الشيطان … والمحدث مأمور بأن يعرض ما يحدَّثه على ما جاء به الرسول. ولهذا ألقى الشيطان لعمر – وهو محدث – في قصة الحديبية، وقصة موت النبي صلى الله عليه وسلم، وقصة اختلافه وحكيم بن حزام في سورة الفرقان. فأزاله عنه نور النبوة"2.
والحقيقة أن علماء الباراسيكولوجيا أنفسهم من أدرى الناس بهذه الحقيقة، بل إن بعضهم خصها بدراسات وبحوث مستقلة، ومن أبرزهم "أوستي".
فقد ركز الدكتور أوستي بحوثه وجهوده على مقدرة التنبؤ، واعتنى خصوصا بأخطاء المتنبئين ودرس عللها. ومن النتائج التي قررها:
أ-بعض التنبؤات لا تخطئ من كل وجه، كالذي يتوقع موت شخص ما، لكن الذي يموت فعلا هو أب ذلك الشخص … فهذه وأمثالها كثير في إخبارات الموهوبين.
لكن لاحظ أوستي أنه يوجد دائما عدد من التنبؤات الخاطئة الخالصة، أي التي ليس فيها أي صواب، لا قليل ولا كثير، لا من وجه قريب ولا بعيد… فهذه أخطاء محضة. ولذلك فملكة التنبؤ نسبية وظنية.
ب-وكذلك نادرا ما تتعلق نبوءات الوسطاء بأحداث عامة، فهي في الأكثر تمس الأفراد وتتعلق بوقائع خاصة. ولذلك لا يتوقع الوسيط الحرب، وإن كان يمكن أن يتنبأ بمكروه يصيب شخصا قريبا منه… ويمضي الزمان وتقع الحرب فيصاب فيها هذا القريب1.
وأخيرا فإن هذه الملكة تتغير وتتقلب، فهي ليست على الدرجة ذاتها من القوة أو الضعف، حتى بالنسبة إلى الشخص الواحد2.
2- المعجزة والظاهرة الغريبة: لا يمكن بحال أن تشبه الأعمال الخارقة – في الباراسيكولوجيا – المعجزة أو تقترب منها. كلا من الأمرين خارق للعادة الجارية، لكن طبيعتهما مختلفة: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.) الإسراء 88. يقول الهيتمي عن الظواهر الخارقة: "كلها في العالم أمور غريبة قليلة الوقوع، وإذا وُجدت أسبابها جرت على العادة فيها، وكذا أسباب السحر إذا وجدت حصل، وكذلك السيميا وغيرها كلها جارية على أسبابها العادية، غير أن الذي يعرف تلك الأسباب قليل في الناس. وأما المعجزات فليس لها سبب في العادة أصلا"3.
3- احترام النص الشرعي: وعلى الباراسيكولوجي المسلم أن يقف عند دلالة النصوص الثابتة، فلا يفسر ظاهرة ما – مثلا – بأنها من فعل روح الميت التي عادت لتختلط بالأحياء؛ اللهم إلا في الرؤى والمنامات، وهو الاستثناء الثابت بالنص أيضا.
فروح الميت لا ترجع إلى الدنيا أبدا، كما تعتقد الروحية الحديثة4. يقول الشيخ ابن باز: "هذا هو الذي عليه السلف من أن أرواح الأموات باقية إلى ما شاء الله وتسمع، ولكن لم يثبت أنها تتصل بالأحياء في غير المنام، كما أنه لا صحة لما يدعيه المشعوذون من قدرتهم على تحضير أرواح من يشـاءون من الأمـوات ويكلمونها ويسألونها، فهذه ادعاءات باطلة".1
لكن في جلسات استحضار "الأرواح" بعض الصدق، فهذا لا شك فيه2. ومن تعليلات ذلك عند العلماء المعاصرين أن الروح التي تحضر هي الجني قرين الميت3، ويشهد له قول النبي صلى الها عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن.4 والجن مخلوقات عاقلة، لها قدرة على فهم العالم الذي يحيط بها، ولذلك أجمع المسلمون على أنها مكلفة، تؤمر وتنهى5.
وليست جميع ظواهـر الروحية الحـديثة تتعلق بالجن. ولهذا كان موقف الباراسيكـولوجيا المعاصرة صحيحا حين اعترفت بهذه "الأرواح" المحضرة، لكنها – بالمقابل – اعتبرت بعض أحداث أو وقائع الروحية من آثار مقدرة بشرية غير معروفة جيدا… وهي المقدرة التي لا تبرز ولا تعمل إلا ضمن ظروف خاصة وعند أفراد قلائل هم الوسطاء Médium6.
4- ومن الضوابط أيضا ما يلي:
أ- في بعض كتـابات البـاراسيكولوجيا روح من الوضعية لا تخـفى، فهـي تسعـى جـاهـدة إلى تفسيـر كل شـيء بالقـدرات غيـر العـادية (ESP + PK)، قطـعـا للطـريق أمـام تفسيـر بعـض الظـواهـر بخلـق آخـر كالجـن7…أو ربما حتى الملك.
ب-لا تطـرح عنـدنا مشكـلة توثيق الأخبار على نحو ما تطرح عند الباراسيكولوجيين الغربيين1. ولذلك ينبغي استعمال منهج الجرح والتعديل ودراسة الروايات، سواء تعلق ذلك بأحداث مضت أو بأخرى معاصرة لنا.
ج-ينبغي أيضا أن يكون الدين أحد مصادر الباراسيكولوجيا، ولذلك فإن الرؤية المفقودة في الربط بين علم النفس والباراسيكولوجيا، وفي تقديم نظرية عامة لهذا العلم2…هذه الرؤية يمكن تلمس كثير منها في الإسلام وفي التراث البشري الذي دار حوله.
د-ويجب على الباحث المسلم في ميدان الباراسيكولوجيا أن لا يحصر أسباب الظواهر الغريبة في القدرات الباطنية للإنسان، وفي الجن… فقد يكون لبعض الظواهر علاقة بأشكال من الغيب لا نعرفها، ولم يخبرنا بها الوحي، كما لم يخبرنا عن كل الغيبيات التي لها اتصال ما بحياتنا على الأرض، ولا يوجد في النصوص ما يمنع من إمكانية وجود مخلوقات أخرى3 أو ظواهر غير عادية لا نعرفها الآن. إذن ينبغي ترك الباب مفتوحا لطريق ثالث لا أدري ما هو، فالمقصود هو عدم الجمود على نظر واحد وأسلوب واحد في هذا البحث.
خاتمة:
وأختم هذا البحث بعرض سريع لأهم النتائج التي وصلت إليها:
الباراسيكولوجيا هو علم دراسة الظواهر غير العادية التي يمكن أن تكون من أثر قدرات بشرية غير معروفة، أو من عمل مخلوقات أخرى عاقلة. وهذه الظواهر لاتدخل في نطاق علم النفس الحديث.
وقد نشأت الباراسيكولوجيا منذ حوالي قرن من الزمان، وتطورت بالبلاد الأنجلوساكسونية خاصة، وذلك بفضل منهج بحث دقيق يستعمل كثيرا الإحصاء، مما سمح بتصنيف الظواهر الغريبة إلى نوعين: ظواهر الاستشفاف ESP، وظواهر التأثير في المادة بغير المادة PK. ومن أبرز أمثلة الظواهر الأولى: ملكة التوقع. لكن يظل الإشكال العام في الباراسيكولوجيا هو عدم قدرتها على تفسير مجمل هذه الظواهر تفسيرا نهائيا، رغم غناها بالنظريات.
ولتراثنا الإسلامي اهتمام بقضايا الباراسيكولوجيا، ومن ذلك: الكهانة والعرافة، والهاتف، والمحدَّثون. ولذلك نجد أن فكرة وجود ملكة إنسانية للتنبؤ حاضرة في الكتابات الإسلامية القديمة، ويعتبر ابن خلدون من أهم مفكري الإسلام الذين كتبوا في بعض مواضيع الباراسيكولوجيا.
ولعل من أهم ما جاء به هذا التراث في هذا المجال هو تقسيم الكهانة إلى نوعين: الأول بوسيط من الجن، والثاني بمقدرة ذاتية واستثنائية.
لكن الفقهاء اختلفوا في حكم الاتصال بعالم الجن، بعد اتفاقهم على إمكان استخدام الإنسان لبعض الجن. فبعضهم فصّل الحكم بحسب مقاصد المكلف، وبعضهم منع مطلقا سدا للذريعة. ومن أسباب هذا الاختلاف كيفية تعليل النصوص الواردة في إتيان الكهنة، وكذا قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن صياد.
والذي بدا لي أنه يجوز دراسة الظواهر التي تعود إلى موهبة إنسانية خاصة، بل هي دراسة محبذة، أما الظواهر التي يحتمل أن لها علاقة بالجن، فقد تنازعها أصلان: الأول هو أن العلم مطلوب على كل حال، والثاني أن الاتصال بعالم الجن أمر غير مطلوب ولا مرحب به شرعا. ولذلك خرَّجتُ حكم البحث في هذه الظواهر على قاعدة مراعاة الخلاف، وقلت إن هذا البحث مكروه، لا هو مباح ولا ممنوع.
ثم ختمت هذه الدراسة بذكر بعض أهم الضوابط التي على الباراسيكولوجي المسلم اعتبارها في عمله، ومن أهمها: عقيدة الغيب، والفرق بين المعجزة والظاهرة الغريبة، والالتزام بدلالة النص الشرعي..
فهذا رأيي في الباراسيكولوجيا، وهو يحتمل الصواب والخطأ. ويسعدني جدا أن يُعقب عليه السادة الأساتذة والكتاب على صفحات المجلة، لما في ذلك من إغناء للموضوع وتسديد للاجتهاد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ملحق:
لم يكن من الملائم أن أفصل الحديث عن الباراسيكولوجيا الغربية بصلب البحث، حيث إن الذي يهم القارئ لهذه المجلة – الفقهية الإسلامية – هو الحكم الشرعي بالأساس. لهذا وضعت هذه التفاصيل بالهامش، لمن شاء من القراء التوسع في الموضوع، ولمن شاء من الكتاب أن يطور معنا البحث في هذه القضية:
تعتمد الباراسيكولوجيا – بالخصوص- على منهج كمي تجريبي، ومن أهم أساليبها في هذا المنهج: الأسلوب الإحصائي.
الأسلوب الإحصائي:
يعتمد هذا الأسلوب طرقا كثيرة، وأهمها في البداية طريقة البطاقات، ثم تنوعت هذه الطرق وكثرت وغدت أكثر دقة وفائدة. مثالها أن يأخذ العالم مجموعة من البطاقات ويخفيها عن الشخص الذي يخضع للتجربة، ثم يبدأ في إخراجها أو ترتيبها على نظام معين، ويحاول ذلك الشخص اكتشاف عمل العالم وتخمينه1.
هذه التجارب – وأمثالها – تتكرر بالمئات، وأحيانا بالآلاف، بل بعشرات الآلاف. وغاية هذا التكرار مقارنتها بنتائج حساب الاحتمالات، على الوجه الآتي :
يكون بين يدي العلماء النتائج الواقعية المحصل عليها من طريق التجارب، ثم يدرسون الاحتمال الرياضي لهذه النتائج؛ فإن كانت النتائج الواقعية مشابهة للاحتمال فهذا معناه أن الأشخاص الذين خاضوا هذه التجارب اختاروا أجوبتهم بالاتفاق فقط.
أما إن كانت النتائج المحصل عليها أكبر من الاحتمال الرياضي، فهذا يدل على وجود عامل غير الصدفة والاتفاق يكون هو سبب كثرة الإصابة2.
مثاله: بين يدي العالم عشر بطاقات: 5 باللون الأحمر، و2 بالأخضر، و2 بالأصفر، و1 بالأبيض. يخلط العالم البطاقات ويستخرج واحدة بالأخضر، ويسأل الشخص الآخــر الذي يشاركه بالتجربة، فإن أجاب بالصواب، كان الاحتمال الرياضي هو1 . فإن أجاب عن5 السؤال الذي يتعلق بالبطاقة الموالية، وقال إن لونها أبيـض، وأصاب، كان الاحـتمال :
1 = 1 x 1 . وإذا قال البطاقة الثالثـة صفراء وأصاب، أصبح الاحتمال كالآتي :
50 10 5
1 = 1 x 1 ... وهكذا. وإذا تكررت أجوبـتـه الصائبة وكـثرت كان الاحتـمال
50 5 250
الرياضي ضئيلا للغاية، فلابد لحدوثه من تصور قدرة ما لهذا الشخص على الجواب الصحيح.
ومن التجارب النوعية: اختبار انتقال الرسوم عن طريق التليباثي، فالعالم يرسم شيئا على الورق، بحيث لا يراه الشخص الآخر الذي يحاول في الوقت نفسه محاكاة الرسم الغائب عنه3.
النتائج :
كان " رين " هو صاحب فكرة الأسلوب الإحصائي، وقد انتهى بعد سلسلة من التجارب إلى إثبات وجود ظواهر الاستشفاف وقراءة الأفكار ونحوها، وهي النتائج التي أقرها مؤتمر الإحصاء الرياضي – سنة 1937 بأنديابوليس-، واعتبرها سليمة من الناحية الرياضية1.
لقد أثبت رين وتلامذته، وكذلك الدكتور " ساول"، وجود هذه الظواهر بصفة قطعية، وتم تأكيدها بالمؤتمر الدولي للباراسيكولوجيا بأوتريخت سنة 1953. وكانت هذه النتيجة ثمرة عمل دام حوالي خمسة وسبعين سنة. والآن لم يعد الشك في وجود هذه الظواهر أمرا يعتبر، فهو يدل فقط على الجهل بالنتائج التجريبية المحصلة والتي تعد بالمئات2.
لقد خضع 4612 شخصا لتجارب عددها 3600634 تجربة تصنف كلها ضمن 145 سلسلة تجارب.. وكان هذا بين سنتي 1882 و 1939 فقط 3.
ويقول علم الاحتمالات الرياضية: إن حظ نجاح بعض التجارب بمحض الصدفة فقط هو : 1 . وبالنسبة لبعض الأشخاص الموهوبين فإن احتمال تفسير إصاباتهـــم
10.000
بالاتفاق هو 1 6.
100 مليون
تصنيف الظواهر الغريبة :
بدون أن أطيل على القارئ بتفاصيل جهود العلماء في هذا التصنيف7.. أكتفي بأن أقدم له التصنيف المعتمد اليوم، وهو التصنيف الأمريكي8:
ظواهر الباراسيكولوجيا نوعان :
الأول : الاستشفاف والمعرفة بغير الأساليب المعتادة، وهي التي تسمى بالإنكليزية: Extra-sensory perception. وتكتب في تصانيف الباراسيكولوجيا اختصارا هكذا: ESP.
وهذه الظواهر بدورها نوعان:
1- الرؤية عبر المكان. وفيها: التخاطر عن بعد، أو التليباثي؛ والإبصار عن بعد، أو الجلاء البصري.
من أمثلة التخاطر أن السيدة " ميلس" كانت تقترح صورا بذهنها فقط، فترسمها سيدة أخرى – هي رمسديم- تبعد عنها بـ: 700 كلم، وكانت رسومها أحيانا دقيقة9.
2- الرؤية عبر الزمان: بما فيها العلم بأحداث ستقع في المستقبل.
الثاني: تأثير العقل أو الفكر أو النفس في المادة، (P K ظواهر)، بطريق اللمس أو بدونه. واليوم فإن كلا من ظواهر الاستشفاف والتأثير على المادة ثابتة، وإن كانت الأولى أقوى ثبوتا وأرسخ1.
مثال ملكة التوقع :
ومن أهم ظواهر ESP التي أثبتت الباراسيكولوجيا وجودها عند الإنسان: المقدرة على التنبؤ ببعض الوقائع المستقبلية2. ويقول المختصون : إن هذه الملكة – وسواها مــن
قدرات الاستشفاف – توجد عند كل الناس، ولذلك فهي ملكة إنسانية عامة. بل لوحظ وجود بعضها حتى عند بعض الحيوانات. لكن هذه المقدرة لا تعمل عند كل أحد، فهي في الأكثر خامدة هامدة في أعماق النفس3. ثم هي في غيرهم تظهر بطريقتين:
1-إما في مرات قليلة في العمر كله، وأحيانا مرة واحدة فقط إثر حادثة كبيرة يتعرض لها الشخص، أو واحد قريب له.
2-وإما أكثر من ذلك، حتى إن بعض الموهوبين يستحضر قدرته هذه متى يشاء؛ إلا أن دراسة نشاط المخ عند هؤلاء لم تكشف عن شيء يميزهم عن الناس العاديين4.
المؤهلون – أكثر- لهذه المقدرة :
ويظهر أن هؤلاء المؤهلين – أكثر من سواهم – للتصرف في هذه المقدرة هم من النوع العاطفي الحساس اللاعقلاني، والذي يعتمد كثيرا على الحدس. ولوحظ أيضا أنهم شديدو الثقة في أنفسهم5.
لكن أهم ما يميز هؤلاء هو أنهم أكثر الناس استعدادا للدخول في نوع من المس أو الغيبوبة Transe، وبسهولة6.
حالة المس أو الغيبوبة، Transe:
تتميز هذه الحالة بضعف القدرات الواعية والجسدية لمن يدخل فيها، فهي وهن شامل وحال بين اليقظة والنوم7.
وهذه الحالة أنواع، فمنها شكل يشبه التنويم المغناطيسي، ومنها شكل يشبه التملك "الشيطاني" في جلسات استحضار الأرواح8.
وقد كشفت الدراسة الفيزيولوجية لنشاط الدماغ أن حالة الغيبوبة هذه – التي تحدث لبعض الموهوبين – تشبه مرحلة معينة في النوم، ولذلك يُعتقد أن الأحلام التنبؤية تحدث في هذه المرحلة بالضبط9.
وهذه الحالة من الضعف والغيبوبة هي – في الأصل – تلقائية، لكن يمكن لبعض الأشخاص أن يحدثوها، إما بمحض الإرادة، أو بالاستعانة بعوامل خارجية، ومنها:
1-الأساليب القديمة، كجلسات السحر.
2-استعمال أشياء، مثل: البلورات والمرايا اللامعة...
3-بعض المواد المخدرة. وقد درس العلماء بعضها: نبات البيتول، وإيبوكا، والكحول، حتى القهوة لها أثرها1.
فهذه عبارة عن محفزات تدفع بملكة التنبؤ والاستشفاف إلى الظهور والعمل. وقد أصاب ابن خلدون حين نبه على أن هذه الأشياء – مثل المرايا- ليست مقصودة لذاتها، بل لجمع القدرة وتركيزها2.
إشكالية تفسير قدرات الاستشفاف (ESP):
هذا كله مما انتهت الباراسيكولوجيا منه ومن إثباته منذ زمان، لكن تبقى المشكلة الأساسية في تفسير هذه القدرات الغريبة3.
وقد كانت هذه المشكلة سببا لهجران كثير من الناس هذا العلم فترة محددة، بأوربا عامة وبفرنسا خاصة، وذلك حين قام عالم كبير في البيولوجيا – وهو " ريشي " – بدراسة الظواهر الغريبة، فانتهى – بعد جهد ضخم- إلى القول بأن الإنسان يملك حاسة سادسة، لكنه اعترف بأنه لم يجد أي تفسير لها. فيئس الناس من جدوى البحث. ويرجع فضل العودة بالناس إلى الباراسيكولوجيا إلى أبحاث العلماء الأنجلوساكسونيين الذين حققوا بعض التقدم في فهم ظواهر الاستشفاف خاصة4.
وتوجد في هذا الموضوع نظريات قديمة، مثل نظريات: مسمر، ورايشنباخ، وثوري...5 لكنني أفضل أن أقتصر على ذكر النظريات المعاصرة، وباختصار شديد.
يوجد بالباراسيكولوجيا اتجاهان رئيسيان في التنظير للظواهر الغريبة:
الأول: يعتبر أن الرابط بين الشخص والموضوع –كالفردين في حالة التخاطر عن بعد، أو فرد وشيء كبطاقة أو نرد أو طاولة ...في حالة ظواهر تأثير الفكر في المادة (Pk)- ... الرابط فيزيولوجي، وهو عبارة عن طاقة. ومبنى هذه النظرية القياس على طريقة عمل الحواس الخمسة. ثم تفرع هذا الاتجاه إلى ثلاثة آراء:
أ-نظرية المذياع العقلي، أي يوجد تواصل طاقي بين دماغي الشخصين، في حالة التليباثي مثلا.
ب-نظرية أخرى تقول إن الأشياء نفسها تبعث للإنسان إشارات تعينه على أن يدركها ويعرفها.
ج-نظرية الحاسة السادسة، بمعنى أن في كل إنسان حاسة أخرى غير الحواس الخمس، وغاية ما في الأمر أنها خامدة في الأغلب1.
الثاني: يقول إن الرابط بين الشخص والموضوع غير مادي، فهو نفسي، ولذلك فظواهر الاستشفاف ثمرة عمل لاشعوري. واعتبر هؤلاء أن الاتجاه الأول مجرد تهرب من حقيقة وجود الروح2.
وهذا رأي أكثر علماء الباراسيكولوجيا، خصوصا من الأنجلوساكسونيين، ولذلك يوجد اتفاق عام اليوم على أن الظواهر الغريبة (ESP+PK) لها علاقة وطيدة بعالم النفس – أو الروح- الإنسانية3.
ويقول بعض علماء هذه المدرسة: إن اللاشعورات تتلاقى فيما بينها وتتواصل كما تتلاقى العقول وتتناقش، وهذا ما يفسر وقائع الاستشفاف، ففي ذلك العالم لا يوجد زمان ولا مكان، لا ماض ولا مستقبل...4.
ويرى أمادو5 بأن جميع هذه النظريات يمكن أن تكون خاطئة، فمجال الباراسيكولوجيا غامض ومعقد. ويضرب لذلك مثلا، وهو نظرية يونغ:
رأي يونغ :
يعتقد هذا العالم النفساني الكبير أن الظواهر الغريبة تجري في عالم آخر فوق حدود الزمان والمكان، ولهذا لا يمكننا دراستها بأسلوبنا المعتاد الذي هو بحث عن الأسباب والمسببات، في إطار مفهومي الزمان والمكان. ولذلك نخطئ حين نتصور أن الشخص الذي يتنبأ مثلا يشعر بأمر يحدث خارج ذاته، أو يقرأ أفكار غيره. بل الصواب – يقول يونغ- هو أن هذين الأمرين مختلفان، إلا أنهما يحدثان معا، دون أية علاقة سببية. إن في الوجود عالمين متجاورين، وهذه المدارك الغريبة في الإنسان )مثل ظواهر (ESP تتصل بالعالم الآخر وتتلاقى معه.
هكذا يقترح يونغ مفهوم " التزامن "، ففي الوجود نظامان: نظام الأسباب، ونظام المعاني، وكلاهما يُسير العالم. وفي نظام المعاني يوجد فقط قران بين الأمرين، كما في التخاطر مثلا، لا سببية بينهما... لكن هذا القران يحمل معنى ويفيد مغزى6.
الخلاصة :
الموضوع إذن معقد، وبعضهم يرى أنه من المستحيل أن نصل إلى اكتشاف حقيقة قدرات الاستشفاف عند الإنسان7. ومن المختصين في الباراسيكولوجيا من يرجع بعض الظواهر الغريبة إلى ما يسمونه بـ: " الأرواح"8. كما توجد نظريات خاصة بتفسير ملكـة التوقع لكنها لا تقوم على أساس صلب، ولا تفسر جيدا هذه القضية9. فلنكتف الآن بما ثبت من وجود قدرات إنسانية غير طبيعية، وإن عجزنا عن تعليلها. فهذا مثال هام لقضايا الباراسيكولوجيا ، ويبقى الاطلاع على كتاب ما في هذا الفن مما يكتبه المختصون لا المشعوذون أمرا ضروريا لاستيعاب"علم الغرائب هذا""‼
__________
* أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس، المغرب.
1 راجع : Yvonne Castellan : La parapsychologie P 7
Robert Amadou : La parapsychologie, essai historique et critique P 45
2 Amadou : la parapsychologie P 31
في أكثـر الحـالات تستعمل في اللغـات اللاتينية كلمـات: Métapsychologie parapsychologie، بمعنى واحد. راجع Amadou : La parapsychologie P 13-14 وكلمة باراسيكولوجيا أحدث.
1 Robert Amadou: La parapsychologie, P30-31 Castellan : La parapsychologie, P25. 42-43.48.61
وفي هذه الكتب أمثلة وقصص واقعية كثيرة لهذه الظواهر، وكذلك في كتاب ويلسون : الإنسان وقواه الخفية. وانظر أيضا: السحر وتحضير الأرواح، خاصة الفصل الثالث: البصيرة النافذة، ص 52 فما بعدها. عدا ما في تراثنا الإسلامي مما يحتاج إلى دراسة مستقلة.
2 راجع: الأطباق الطائرة والأشباح،لصبحي سليمان، ومقالة سعد شعبان:"تصوير زوار قادمين من الفضاء " بمجلة العربي، عدد 449، أبريل 1998".
3 Amadou : la parapsychologie. p32.36
4 علم النفس التربوي ، ص 435.
5 راجع : مقدمة في التربية وعلم النفس، لعبد الرحمن النقيب وصلاح مراد، ص 136 فما بعدها. وعلم النفس التربوي، ص 464 فما بعدها.
1 علم النفس التربوي ، ص 435.
2 Amadou : La parapsychologie. P 35
3 تهتم الإخفائية بالكيمياء الخفية والقبلانية اليهودية والتصوف والباطنية .. وبظواهر السحر والتنجيم .. وما إلى ذلك. راجع كتابا في هذا التيار "الروحاني" الغربي، وهو : L'ésotérisme خصوصا ص: 120 إلى 124.
4 انظر: Castellan : La parapsychologie, P 15 à 17. والمغناطيسية الحيوانية هي : Le magnétisme animal. أما Franz Mesmer فطبيب ألماني كان يقول إنه اكتشف هذه المغناطيسية ويستطيع توجيهها واستعمالها لعلاج أمراض كثيرة. وقد نجح في بعض ذلك، خصوصا بباريس، حيث تأسست جمعية خاصة من أتباعه. توفي سنة 1815. وانظر تفاصيل أخرى عن مسمر وعمله في : الإنسان وقواه الخفية، ص 149 إلى 154. وأكثر تراجم الأعلام الأجنبية هنا مأخوذة من موسوعة: Petit Robert.
1 راجع حول جهود علماء نهاية القرن 19 في هذا المضمار:
Amadou: la parapsychologie.p43.57 à 62. 93 à 107 و William Crookes كيميائي وفيزيائي بريطاني، له اكتشافات هامة في الغازات تعرف باسمه. توفي سنة 1919.
2 انظر : Amadou : La parapsychologie. P 47-48 و Joseph Banks Rhine مؤسس الباراسيكولوجيا المعاصرة، له كتاب عن ظواهر ESP وأسس " مجلة الباراسيكولوجيا ". وهو أمريكي توفي سنة 1980.
Amadou : La parapsychologie, p 57 à 62, 90. 104 à 117 3
4 Amadou : La parapsychologie P 293 هايكل فيلسوف سويسري من القرن 19 وهو غير البيولوجي الألماني إرنست هايكل الذي توفي سنة 1919.
5 راجـع رأيه في الباراسيكولوجيا في كتابه : Quelques sciences captivantes P 151 et après، لكنه – بصفة عامة- يحاول أن يتجاهلها.
1 عن: Castellan : La parapsychologie, P 9 والقائل هو Arago
2– Amadou : La parapsychologie. P 21-22.25-26.73 أكثر ظواهر التدليس انتهت حين أصبح علماء الباراسيكولوجيا يحضرون معهم خبراء في الشعوذة وممارسين لها، انظر: p72.
3 Amadou : La parapsychologie P 28-29
4 Amadou : La parapsychologie P 29
1 كشف الظنون، مقدمة في أحوال العلوم، 1/15.
2 إرشاد القاصد، ص 70.
3 راجع أول دراسة كاملة ومتخصصة –بالعربية- لموضوع الكهانة، وهي كتابي: النظرية الإسلامية للكهانة. مؤسسة الرسالة، بيروت، 2003.
1 كشف الظنون، 2/1525.
2 معالم السنن، كتاب الطب، باب النهي عن إتيان الكاهن، 4/211.
3 تبليغ الأمانة، ص 197.
4 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 6/761.
5 معالم السنن، 4/211. من هؤلاء الكهنة سواد بن قارب الدوسي، وقد تاب وصحب النبي صلى الله عليه وسلم. راجع قصته في: هواتف الجنان، ص 41 فما بعدها.
6 المفهم، 5/633.
7 كشف الظنون، 2/1525. المقدمة، ص 76-77.
1 رواه البخاري في كتاب الطب، باب 46، وكتاب الأدب، باب 117، وكتاب التوحيد باب 57. ورواه مسلم في كتاب السلام، حديث 123. وأحمد في المسند... عن عائشة.
2 الفتاوى، 10/90-91.
3 التحرير والتنوير، 14/32-33، سورة الحجر.
1 راجع قصة ابن صياد:صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي . وكتاب الجهاد والسير، باب كيف يعرض الإسلام على الصبي. وفي صحيح مسلم، كتاب الفتن، باب ذكر ابن صياد. وفي سنن أبي داود، أبواب الملاحم، والترمذي، أبواب الفتن.
2 راجع : مروج الذهب، 2/172 فما بعدها. مفتاح دار السعادة، ص 493. لباب الإشارات والتنبيهات، ص 195،196، 199، 200. ومن المعاصرين سيد قطب في : "في ظلال القرآن" ، 1/128، البقرة 102. وانظر: تهافت الفلاسفة، للعلاء الطوسي، ص 311.
3 كشف الظنون، 2/1131. وانظر: مفتاح السعادة ومصباح دار السيادة، 1/332، لطاش كبرى زاده. وانظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 6/755، 773.
4 المقدمة ، ص 80.
1 راجع التفاصيل في : مروج الذهب، 2/160. المفصل ، 6/737.
2 رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب إسلام عمر. والجليح: الوقح المكافح بالعداوة، أو هواسم علم. والنجيح من النجاح.
3 رواه الشيخان، وأصحاب السنن كالترمذي في الرؤيا. وهذا لفظ البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب 53، حديث 3469.
4 الكواكب الدراري، 14/101.
5 انظر : المفهم، كتاب النبوات، باب فضائل عمر، 6/259-260. فتح الباري، 7/407-408.
6 عارضة الأحوذي، كتاب الرؤيا، باب ما جاء في رؤيا النبي الميزان والدلو، 9/147.
7 عارضة الأحوذي، كتاب المناقب، باب 17، 13/149-150.
1 ومنهم : البيهقي وأبو نعيم وابن مردويه واللالكائي والخطيب عن ابن عمر بإسناد حسن، كما قال الهيثمي في الصواعق المحرقة، ص 155.
2 عن : الصواعق المحرقة، ص 155-156.
3 الفتاوى، 10/88.
4 خصوصا في كتبه: الروح، وزاد المعاد، والطرق الحكمية، ومدارج السالكين .. وأهم هذه المراجع على الإطلاق هو كتاب الروح. أما " مفتاح دار السعادة "، و"حادي الأرواح" ونحوها .. فليس فيها - عكس ما قد يعتقد- كلام مفصل في قضايا الباراسيكولوجيا.
1 الروح، ص 268.
2 الروح، ص 287.
1 الروح، ص 296.
2 الروح، ص 310.
3 الروح، ص 64.
4 الروح، ص 67-68.
5 الروح، ص 158.
6 الروح، ص 313.
7 انظر: الروح، ص 38 فما بعدها. وراجع مقالي: الرؤى و الأحلام، رؤية شرعية ونفسية، بمجلة " الرابطة " السعودية، عدد467، وفيه بحث مقارن لقضية الرؤيا بين الإسلام والباراسيكولوجيا.
8 الروح، ص 281.
1 الروح، ص: 159.
2 الروح، ص: 369، 383.
3 الروح، ص: 111.
4 زاد المعاد في هدي خير العباد، 3/61.
5 رواه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الحجر ، والطبراني في المعجم الكبير.
1 الروح، ص 347.
2 راجع: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، ص 13 إلى 70.
3 الروح ص، 312. ومثل هذا الكلام تجده أيضا في زاد المعاد، 3/78-79.
4 3/ ص 79 فما بعدها.
1 من مقال: ابستيمولوجيا المعقول واللامعقول في مقدمة ابن خلدون، ص 65، لمحمد عابد الجابري. مجلة أقلام، مارس 1979.
1 المقدمة، ص: 76.
2 راجع: المقدمة، صفحات 76 إلى 90، 354 ... وجاء أكثر ذلك ضمن " المقدمة السادسة في أصناف المدركين للغيب من البشر بالفطرة أو بالرياضة، وكذلك ضمن الفصل السادس في آخر المقدمة: في العلوم وأصنافها... خاصة فصول: تعبير الرؤيا، وعلوم السحر والطلسمات، وعلم الكيمياء، والطب الروحاني ...
3 انظر : المقدمة، ص 72-73.( في تفسير حقيقة النبوة في أول المقدمة السادسة)
4 المقدمة، ص 369، ( فصل علوم السحر والطلسمات ).
5 المقدمة ، ص 73 إلى 75. ( المقدمة السادسة ).
6 المقدمة ، ص 350-351، 354-355، 369.(فصل علم التصوف ضمن الفصل السادس :في العلوم وأصنافها،بآخر المقدمة).
1 المقدمة، ص: 73.(المقدمة السادسة).
1 شرح العقيدة الطحاوية، 2/766. وراجع أيضا: مجموع فتاوى ابن تيمية، 10/ص 80 إلى 83.
2 مجموع الفتاوى، 10/89.
3 روح المعاني، 23/201، سورة ص .
1 راجع للتوسع: آكام المرجان، للشبلي، الباب 44: في تسخير الجن للإنس وطاعتهم لهم، ص 87. والباب 48: في السبب الذي من أجله تنقاد الجن والشياطين للعزائم والطلاسم، ص 97. فتاوى ابن تيمية، 11/307. الجن في القرآن والسنة، ص 119 فما بعدها.
2 روح المعاني ، 23/202.
3 آكام المرجان، ص 134. وانظر فيه من الباب 64 إلى 67، وفيه بعض إخبارات الجن عن بعض الأحداث التي غابت عن علم الناس. ص 130 فما بعدها. وفي فتاوى ابن تيمية أيضا بعض هذه الأخبار، 19/63، ومنها سؤال أبي موسى الأشعري لامرأة لها قرين من الجن عن بعض أحوال عمر، فأخبره أنه تركه يسم إبل الصدقة.
4 وهم في الغالب الجن القادر على الطيران، كما يشير إلى ذلك الحديث الصحيح الذي رواه أبو ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم: " الجن على ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلّون ويظعنون". انظر : هواتف الجنان، ص 34.
5 آكام المرجان ، ص 135
1 مجموع الفتاوى، 19/62.
2 راجع التفاصيل في : الفتاوى، 10/87 إلى 89. 19/34-35 .
3 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، 3/312-313.
1 عن : مجمع الزوائد ، 5/117.
2 قال الهيثمي: رواه أيضا البزار عن جابر بن عبد الله، ورجاله رجال الصحيح، خلا عقبة بن سنان، وهو ضعيف. مجمع الزوائد، 5/117. وللحديث طرق أخرى، فهو إذن حسن.
3 رواه الحاكم وأحمد، وهو حسن، كما في الجامع الصغير، 2/549. ومثله عند البزار والطبراني في الكبير، وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد، 5/118.
4 معالم السنن، 4/212.
5 تبليغ الأمانة، ص 195.
6 الدر النضيد، 13.
7 راجع: المفهم، 5/635. نيل الأوطار، 7/367. السراج المنير، 3/314.
1 كشف الظنون، مقدمة في أحوال العلوم، 1/13. وراجع ما قاله ابن الأكفاني في : إرشاد القاصد، ص 6-7.
2 راجع تمام الحديث في : صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب 40. أو في سنن النسائي، في السهو، باب 19. رواه ايضا أحمد في المسند.
3 راجع : تفسير ابن كثير، 1/181-182، البقرة آية 101.
4 إرشاد القاصد، ص 67.
5 مفاتيح الغيب، 3/232.
6 تفسير ابن كثير، 1/198.
1 الفروق، 4/164-165.
2 الإعلام بقواطع الإسلام، ص 99.
3 رواه الأئمة الستة ومالك وأحمد.. خصوصا في كتابي النكاح والقضاء.
4 كشف النقاب، ص 168.
1 لا يمكنني أن أفصل هنا الكلام في قضية اختلف فيها الفقهاء المالكية منذ قرون، وجرت بينهم بصددها مناقشات ومراسلات. لكنني أحيل القارئ على بعض المصادر في الموضوع: المعيار المعرب، لأحمد الونشريسي، الجزءان السادس والثاني عشر. الموافقات، للشاطبي، الجزء الأخير. شرح حدود ابن عرفة، لأبي عبد الله الرصاع. وفي كتابي:" من أصول الشريعة الإسلامية: الاحتياط" فصل واف في مراعاة الخلاف، وهو الثاني من الباب الرابع.
2 علم النفس التربوي، ص 474.
3 مقدمة في التربية وعلم النفس، ص 140.
4 شرح العقيدة الطحاوية، 2/753-754.
1 للرازي كلام جيد في هذه الظواهر، راجعه إن شئت في تفسيره: 3/226 إلى 228، البقرة 102. كما علَّل واقع كون كثير من أصحاب بعض هذه القدرات غير العادية هم من النساء، انظر: مفاتيح الغيب، 32/195، سورة الفلق.
2 تفسير ابن كثير، 1/182-183، البقرة 101.
3 شرح العقيدة الطحاوية، 2/747.
1 الإعلام بقواطع الإسلام، ص 39.
2 مجموع الفتاوى، 2/52.
1 انظـر: Castellan: La parapsychologie. P 71 à 74. (واسـم البـاحـث بالحـرف اللاتينـي: (Dr Eugène Osty
2 Amadou: La parapsychologie, p 191.
3 الإعلام، ص 108، وراجع في هذا الكتاب، ص 107، الفرق بين المعجزة والسحر.
4 راجع مقالي: الروحية الحديثة وحكمها في الإسلام، المنشور في مجلة: التقوى، لبنان، عدد، أبريل3 200.
1 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، 3/311.
2 أنظر حول هذه الجلسات: Le spiritisme, P 15 à 21.
3 راجع: عالم الجن والشياطين، ص 96، 99 .مجموع فتاوى ابن باز، 3/312.
4 هذا لفظ أحمد في مسنده عن ابن عباس، ورواه أيضا مسلم في الصحيح والدارمي في الرقاق.
5 راجع: آكام المرجان، ص 35. الجن في القرآن والسنة، ص 139 فما بعدها، الباب الثالث: تكليف الجن وما كلفوا به.
6 Le spiritisme, P 90 à 95
7 أنظر: Le spiritisme, P 90 à 95.
1 انظر: Amadou : La parapsychologie, p 27 – 28, 81.
2 راجع في هذه المسألة: Amadou : La parapsychologie, p 32, 36.
3 روى أبو الشيخ في العظمة بأسانيد ضعيفة، أحاديث 956 إلى 960، ص 324، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله مسيرة شمسنا هذه أربعين يوما، وفيها خلق كثير لا يعصون الله، بل لا يعلمون أن الله تعالى يُعصى في الأرض. قالوا: يا رسول الله، من ولد آدم؟ قال: لا يعلمون أن الله خلق آدم، قالوا: يا رسول الله، فأين إبليس منهم؟ قال: لا يعلمون أن الله خلق إبليس. ثم تلا النبي الكريم: (ويخلق ما لا تعلمون)، النحل 8.
1 Amadou : La parapsychologie. Essai historique et critique. p 165. 176.
2 راجع : Amadou : La parapsychologie. p 142 à 150. 160 à 162
3 Amadou : La parapsychologie. p 174.
1 Amadou : La parapsychologie. p 163
2 Amadou : La parapsychologie. p 184 – 185
3 Amadou : La parapsychologie. p 169
6 Amadou : La parapsychologie. P 167.182
7 راجع : Amadou : La parapsychologie. p 40-41
8 انظر التفاصيل في: Amadou : La parapsychologie. p 46.211.275
Castellan : La parapsychologie. p 100-101.
9 Amadou. p 119 راجع أمثلة أخرى في : Amadou : La parapsychologie. p 79, 110
1 Amadou : La parapsychologie, p 36. Castellan : La parapsychologie, p 100-101.
2 Amadou : La parapsychologie, p 224, 226.
3 . Amadou : La parapsychologie. p190 وراجع: الإنسان وقواه الخفية، ص 28 .
4 .Amadou : La parapsychologie. p191 وانظر: الإنسان وقواه الخفية، ص 162 إلى 164.
5 Amadou : La parapsychologie. p199-200 La Voyance. p 21. .وراجع كذلك ما كتبه ويلسون في الفصل الثالث: الشاعر عالما بالغيب، من كتابه: الإنسان وقواه الخفية، ص 51 فما بعدها.
6 La parapsychologie, p 197.
7 La parapsychologie, p 192. Amadou : وانظر وصفا مفصلا لهذه الحالة في : ص 202. وقارن بـ : ص 98. وراجع أيضا: السحر وتحضير الأرواح، ص 147.
8 La parapsychologie, p 194-195. Amadou : وانظر حول التملك الشيطاني أيضا : 92-91 p.
9 Amadou : La parapsychologie. p 196-197.
1 Amadou : La parapsychologie. p 193 وقـارن بـ : La Voyance. P 7.22.24 .. و العشبتان هما : Iboga, Peytol
2 المقدمة ، ص 76 .
3 Castellan : La parapsychologie. p 33, 60, 105-106
4 Castellan : La parapsychologie, p 79 à 83
5 راجعها في : Castellan : La parapsychologie, p15 à 18, 20 à 22, 49,57. Amadou: La parapsychologie, p 64 à 69 (Marc Thury, Von Reichenbach
1 Amadou : La parapsychologie, p 242 et aprèsوانظر أيضا : الإنسان وقواه الخفية، ص 11 فما بعدها.
2 Amadou : La parapsychologie. p 203. 250.
3 Castellan : La parapsychologie, p 101.Amadou : La parapsychologie. p 250.
4 Castellan : La parapsychologie, p 41. Amadou : La parapsychologie, p 251.
5 Robert Amadou كاتب فرنسي في المجال الغيبي والباطني، وهو صاحب كتاب هام في الباراسيكولوجيا في الفرنسية. وهو الذي اعتمدته هنا.
6 راجع التفاصيل في : Amadou : La parapsychologie, p 237 et après وانظر الخلاصة في : Castellan : la parapsychologie , p 113.115 والمفهوم هو Synchronicité بالحرف اللاتيني.
7 La Voyance, p 7.
8 Castellan : La parapsychologie, p 65-66.
9 راجع هذه النظريات – وهي أشبه بالتخمينات – في : Amadou : La parapsychologie, p 262 à 271.
علم الباراسيكولوجيا من منظور شرعي
قال ابن القيم:
"ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام، فإنه أمر مشاهد محسوس... والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها ... "
زاد المعاد ،3/78 - 79
مقـدمـة :
الباراسيكولوجيا علم حديث النشأة، وله في الغرب أساتذة مختصون وباحثون متفرغون ومكتبات ومجلات... وقد رأيت أن أعرّف بهذا الفن وبقضاياه ومناهجه ونتائجه... ثم أعرج على بحث جذور هذا العلم في التراث العربي الإسلامي.. وجعلت هذا كله تمهيدا لبيان حكم الباراسيكولوجيا المعاصرة في الميزان الشرعي. ولذا ينقسم هذا البحث إلى فصول ثلاثة.
وهذه دوافعي لاختيار هذا الموضوع:
1-إن الباراسيكولوجيا علم قائم الذات، وعمره اليوم يقرب من قرن من الزمان.
2-ولست أعرف أحدا تصدى لبيان حكم الشرع فيه وفي تعلمه واستخدامه، وإن كان في العلماء من تعرض لبعض ظواهر الباراسيكولوجيا بالذكر أو الدرس، خصوصا منها ما يعرف باستحضار الأرواح، لكنه نظر جزئي لا بحث فقهي كلي. فالأمر يحتاج إلى فتوى.
3-كما أظن أنه ليس لهذا العلم – في العالم العربي- أساتذة ولا معاهد أسوة بالعلوم الإنسانية الأخرى كعلم النفس مثلا.
4-إن بعض الطلبة العرب والمسلمين يدرس الباراسيكولوجيا في أوربا وأمريكا، وهؤلاء يحتاجون إلى معرفة حكم مشروعية هذا الفن في الإسلام.
5-ثم إن لبعض الأوساط العسكرية بالدول الكبرى اهتماما بالباراسيكولوجيا الحديثة بغية اكتشاف إمكان توظيف بعض نتائجها في المجهود الحربي والاستخباراتي.
لهذا كله وجب أن ندرس حقيقة هذا العلم، وما إذا كان على الأمة إهماله بالكلية أم الاعتناء به أو ببعضه.
الفصل الأول: تقديم عام للباراسيكولوجيا المعاصرة
التعريف بهذا العلم :
الباراسيكولوجيا هو علم دراسة الظواهر غير المعتادة التي لا يفسرها العلم التقليدي، والتي يمكن أن تكـون من عمل قدرات إنسانية مجهولة، أو من عمـل مخلـوقات أخرى عاقلة 1. وبعض العلماء يحذف من هذا التعريف الجملة الأخيرة: " أو من عمل مخلوقات أخرى عاقلة" 2.
ويمكن أن نذكر تعريفا آخر أدق وأكثر إحاطة ، فنقول: الباراسيكولوجيا هي دراسة ما وراء علم النفس من الأمور الخفية والتي لايفسرها أو يعتني بها العلم العادي.
الظواهر التي تدرسها الباراسيكولوجيا :
أذكر من هذه الظواهر غير العادية :
-التخاطر عن بعد، أو التليباثي. وهو عبارة عن تفاهم ذهني بين شخصين بغير طريق الكلام أو الإشارة أو نحو ذلك...
-التنبؤ بالمستقبل، والعرافة. أي الإخبار عن أحداث جزئية قادمة، ثم تقع بالفعل.
-الجلاء البصري، أي رؤية الأشياء التي تقع بعيدا عنا، والتي لا يمكن للإنسان العادي أن يراها.
-الاستشفاف، أو قراءة أفكار الغير وما يدور بذهنه، وكذا سماع الأصوات البعيدة.
-التأثير في الأشياء بمجرد النظر إليها أو لمسها.
-ارتفاع أشياء ثقيلة في الهواء، دون رافع مادي لها. ودوران الطاولات حول نفسها.
-أعمال السحر ومختلف أفعال السحرة.
-الشفاء من المرض، دون سبب طبي ظاهر.
-"الأشباح "، والمنازل المسكونة، والأصوات التي ليس لها مصدر معلوم.
-بروز أضواء مجهولة المصدر 1.
ويمكن أن نضيف إلى هذا أيضا: ظاهرة الأطباق الطائرة، والتي دار حولها- ولا يزال- جدل كبير منذ أكثر من نصف قرن، وهي لوحدها تحتاج لدراسة مستقلة2 .
الباراسيكولوجيا وعلم النفس :
إذن فالباراسيكولوجيا تدرس الظواهر التي أهملها علم النفس الحديث. ويرى بعض المختصين أنه لابد في النهاية من توحيد هذين العلمين في علم واحد. ولكن المشكلة أن هذا التركيب يحتاج إلى رؤية مازالت في حكم المفقود3. بل لا تزال حقيقة علم النفس نفسه مضطربة، وفي هذا يقول الدكتور علي منصور : " مادام علم النفس لم يصبح بعد علما واضح الموضوع والحدود والأبعاد، فإن تعريفه وبالتالي تعريف الظواهر التي يدرسها مازال أمرا عسيرا للغاية".4
لقد اهتم علم النفس بالقدرات العقلية للإنسان، خاصة منها الذكاء، ووضع حولها نظريات كثيرة. لكن تعتبر مجمل هذه القدرات عادية لا غرابة فيها، وذلك كالتعبير اللغوي والاستنباط والتذكر5... ولا يعني هذا أن هذه القدرات ونحوها.. واضحة، يقول علي منصور: " لاشك أن الذكاء بمعانيه المتعددة ودرجاته المتفاوتة يؤلف أعقد الظواهر التي يدرسها علم النفس وأشدها تشابكا" 1. فالمقصود أن الذكاء –مثلا- قدرة بشرية غير استثنائية بل كثيرة في الوجود، ولذلك فهي عادية، بخلاف ظواهر الباراسيكولوجيا فهي نادرة أو قليلة الوجود.
لهذا يقدم علماء الباراسيكولوجيا علمهم هذا على أنه : علم نفس اللاشعور، وغايته أن يكتشف في النفس الإنسانية وظائف لاشعورية جديدة 2.
الباراسيكولوجيا والإخفائية :
كما تتقاطع الباراسيكولوجيا مع حقل معرفي آخر هو الإخفائية، وذلك بسبب اهتمامهما المشترك بالظواهر الغريبة. لكن الباراسيكولوجيا علم منضبط يعتمد على الملاحظة والمقارنة والشهادات الموثقة والتجارب... بخلاف الإخفائية التي هي مزيج من النظرات والتأملات الفلسفية والدينية والروحية... لا تتقيد بشيء 3.
نشأة هذا العلم :
من الصعوبة بمكان تحديد بداية لهذا العلم، فكثير من قضاياه سبق للأديان والفلسفات القديمة أن أشارت إليه أو قالت عنه كلاما أو رأيا ما.
والمؤرخون الغربيون يذكرون عادة : " مِسْمِر" باعتباره أحد أوائل الذين اهتموا بصفة خاصة بظواهر الباراسيكولوجيا، خصوصا تلك التي كانت معروفة باسم " المغناطيسية الحيوانية " 4.
وقد تعـددت الأسمـاء وكثـرت البحـوث في النصف الثـاني من القـرن التاسع عشر، وكـذا في بـداية القرن العشـرين. وأهـم علماء هـذه الفتـرة – بالنسبة إلى هـذا المجال – هو "كروكس" الذي يعتبر المؤسس الفعلي للباراسيكولوجيا الحديثة، حوالي سنة 1872 1.
ثم ترسخ هذا العلم وشق طريقه وظهرت ملامحه، واكتسب الصفة العلمية، بداية من سنة 1930، وذلك بفضل الأستاذ " رين" وتلامذته الكثيرين، وأكثرهم أنجلوساكسونيون.
بعد ذلك ظهرت جمعيات مختصة في الباراسيكولوجيا، وتأسست مراكز بحوث خاصة به، وأصبح له في بعض الجامعات أقسام مستقلة، ومجلات وكتابات.. بمعنى آخر أصبحت الباراسيكولوجيا علما قائما بذاته، ومعترفا به في الوسط الأكاديمي العالمي.2
وقد استفادت الباراسيكولوجيا من الدراسات التي أجريت على ظواهر: التنويم المغناطيسي، والمغناطيسية الحيوانية، و ما يعرف بـ"استحضار الأرواح"، واللاشعور في مدرسة التحليل النفسي، وفن اكتشاف ينابيع المياه الباطنية...3.
الباراسيكولوجيا قطيعة مع الوضعية المتطرفة :
يمثل هايكل هذا الاتجاه الوضعي شديد التطرف، فهو يقول: إن كل ما لا يمكن للعلم أن يثبته فهو غير موجود4. وهذا الاتجاه ما زال مستمرا، وإن صار اليوم بعد تطور العلوم أضعف. ويمكن أن نمثل له بمارسيل بول وكتاباته5.
وهذا العلم- الباراسيكولوجيا- هو أحد العلوم التي بينت تهافت فلسفة هايكل، وأنها بدورها رؤية ميتافيزيقية، وجعلت كثيرا من العلماء يسلمون بوجود ظواهر كانت إلى حد قريب تعتبر خارج نطاق العلوم. ولذلك يقول الفيلسوف أراكو: " الذي يتكلم عن المستحيل – خارج الرياضيات الخالصة- يفتقد إلى الحكمة والاحتياط " 1.
منهج البحث :
وتهدف الباراسيكولوجيا إلى أن تكون علما يقوم على الملاحظة والتجربة والمقارنة وتسجيل الأحداث. ولذلك تبدأ بملاحظة الوقائع وسبرها، فتصل بذلك إلى حصر الأحداث غير العادية Le paranormal، بينما تدع الأخرى متى تبين إمكان تفسيرها بقواعد العلم الكلاسيكي. وفي هذا الإطار أيضا تكشف الحوادث المكذوبة أو القائمة على التدليس 2.
ثم يحاول علماء الباراسيكولوجيا- ما أمكن- إعادة بعض هذه الوقائع في مختبرات خاصة، تتوفر فيها مختلف أجهزة القياس والمتابعة والمراقبة، ويكون الحضور في العادة مختلطا يضم علماء من اختصاصات أخرى .3
ولا يخفى أن إعادة إنتاج الظواهر الغريبة أمر لا يتحقق بسهولة 4. لكن العلماء نجحوا في بعض ذلك.
وهذه الدراسة التي يقوم بها المختصون في الباراسيكولوجيا تكون على مستويين:
الأول : كمي، حيث تجري التجارب بالآلاف ويعتمد في تصنيفها ودرس نتائجها على علم الإحصاء.
الثاني: نوعي، يخص – في أكثر الحالات- بعض الأشخاص الموهوبين الذين يظهر أنهم يتمتعون بملكات غير عادية.
يكفي هذا القدر في تعريف القارئ بهذا العلم الحديث، ويمكنه الاطلاع على تفاصيل أخرى بالملحق الذي بآخر هذا البحث.
الفصل الثاني: من قضايا الباراسيكولوجيا في التراث الإسلامي
ليس في تراثنا علم خاص اسمه الباراسيكولوجيا، ولا علم آخر مقابل له يستخدم المناهج نفسها والأساليب ذاتها التي تسير عليها الباراسيكولوجيا.. فهذا فن معاصر. لكن المسلمين عرفوا أكثر ظواهر الباراسيكولوجيا، بل عرفوا أشياء أخرى لا توجد عند المعاصرين. ثم كانت لعلمائنا آراء ودراسات ونظريات في هذا المجال... ولذلك كانوا واعين بأن هذه الظواهر يمكن أن تشكل علما مستقلا، بل علوما متعددة. وفي هذا الإطار اعتبر بعض المصنفين في أقسام العلوم أن من فروع العلم الطبيعي: الفراسة، وتفسير الرؤيا، وأحكام النجوم، والسحر والطلسمات والسيمياء والكيمياء.. وهذا التقسيم هو الذي اختاره حاجي خليفة الذي جعل من فروع السحر أيضا: الكهانة والنيرنجات والخواص والعزائم والاستحضار والشعبذة والاستعانة بخواص الأدوية...1 وعرّفوا علم السيمياء – مثلا- بأنه الذي يُحدث مثالات خيالية لا وجود لها في الحس، ولذلك يطلق على غير الحقيقي من السحر2.
وفيما يلي تعريف ببعض الظواهر الغريبة وبحقيقتها عند العلماء المسلمين، وهو ما سيعيننا لا حقا في استنباط الحكم الفقهي للباراسيكولوجيا الحديثة:
الكهانة والعرافة :
كانت الكهانة من أهم الأسباب التي ركزت الشرك قديما، لأن إصابتها في الإخبار ببعض المغيبات أقنع الناس بصحتها وصحة استشارة الآلهة، وهي الاستشارة التي كان يقوم الكهنة بالتوسط فيها بين البشر والآلهة3.
وفن الكهانة –كما قال حاجي خليفة- " المراد منه مناسبة الأرواح البشرية مع الأرواح المجردة، أي الجن والشياطين، والاستعلام بهم عن الأحوال الجزئية الحادثة فـي عالم الكون والفساد، المخصوصة بالمستقبل"1. ويقول الخطابي: " الكاهن هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب، ويخبر الناس عن الكوائن "2. وقال الكتاني: "الكاهن من يدعي معرفة الغيب بأسباب، وهي مختلفة، فلذا كانت الكهانة أنواعا مختلفة... بما فيها من يدعي له صاحبا من الجن"3. والعراف مثله، لكنه اختص أكثر بمن يخبر عن الأحوال الماضية. وقد لخص الأستاذ جواد علي بعض ظروف التكهن- خصوصا حالة المسTranse التي سبقت الإشارة إليها -، فقال: " ويكون الكاهن في أثناء تكهنه في غيبوبة أو شبه غيبوبة في الغالب، ذلك لأنه متصل في هذه الأثناء بعالم مجهد صعب لا يتحمله كل إنسان... واتصال الروح بجسم الكاهن شيء جد عسير، يتصبب العرق منه، خاصة إذا كان المتكلم الكاهنَ نفسه. ويكون التكهن في الغالب في مكان هادئ تكتنفه ظلمة أو عتمة..."4.
والجدير بالذكر أن علماءنا أدركوا ببصرهم النافذ أن الكهانة نوعان: نوع يتم بوساطة من الجن، ونوع بدونها. قال الخطابي: " كان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرا من الأمور، فمنهم من كان يزعم أن له رئيا من الجن وتابعة تلقي إليه الأخبار. ومنهم من كان يدعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه"5. وهذا الفهم عبارة عن مقدرة ذاتية، فهي- كما قال القاضي عياض – نوع من " الحزر والتخمين، وهذا يخلق الله تعالى لبعض الناس فيه قوة"6. ولذلك اعتبر الرازي وابن خلدون أن القسم الثاني – من الكهانة- يكون من خواص بعض النفوس وليس بمكتسب7.
ويدل الحديث النبوي على وجود اتصال مادي للكاهن بالجني، أي اتصال محسوس، ليس هو من باب الوسوسة أو الحديث النفسي. فقد قال الرسول الكريم للنفر الذين سألوه عن الكهان: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليّه كقرقرة الدجاجة، فيخلطون فيه أكثر من مائة كذبة1.
ولهذا خطَّأ العلماء بعض المعتزلة ومن قال برأيهم. قال ابن تيمية: إنهم " أنكروا كرامات الصالحين، وأنكروا أن يكون السحر والكهانة إلا من جنس الشعبذة والحيل، لم يعلموا أن الشياطين تعين على ذلك... فصار كثير من الناس لا يعلمون ما للسحرة والكهان، وما يفعله الشياطين من العجائب..."2.
وقد حاول العلامة ابن عاشور شرح كيفية هذا الاتصال بين الكاهن أو العراف وبين الجني التابع، فقال: " بعض ظواهر الأخبار من السنة تقتضي أن صنفا )أي من الجن( له اتصال بنفوس ذات استعداد خاص لاستفادة معرفة الواقعات قبل وقوعها، أو الواقعات التي يبعد في مجاري العادات بلوغ وقوعها، فتسبق بعض النفوس بمعرفتها قبل بلوغ المعتاد. وهذه النفوس هي نفوس الكهان وأهل الشعوذة... ثم هذه التموجات التي تخلص إلى عقول أهل هذه النفوس المستعدة لها تخلص إليها مقطعة مجملة فيستعين أصحاب تلك النفوس على تأليفها وتأويلها بما في طباعهم من ذكاء وزكانة، ويخبرون بحاصل ما استخلصوه من بين ما تلقفوه وما ألفوه وما أولوه. وهم في مصادفة بعض الصدق متفاوتون..." 3
نموذج ابن صياد :
ويبدو أن ابن صياد من هؤلاء الكهنة والعرافين الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم. وهو من بني النجار من أهل المدينة، أو من حلفائهم من اليهود. وقد جرت له قصة مع الرسول الكريم رواها الحفاظ، إذ سأله مرة عن ماذا يرى، فقال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب. فقال له صلى الله عليه وسلم : خُلط عليك الأمر. ثم خبأ له النبي شيئا- إما في نفسه، وهي آية الدخان، وإما في يده أو كُمه-، ثم سأله عنه ليختبره. فأجاب ابن صياد: هو الدخ. فقال له: اخسأ فلن تعدو قدرك. أي أن ابن صياد أجاب بجواب صحيح، لكنه ناقص. ولذلك اعتبره العلماء من الكهان1.
فكرة ملكة التنبؤ في التراث الإسلامي :
يوجد توافق كبير بين آراء بعض العلماء المسلمين ونتائج الباراسيكولوجيا المعاصرة حول هذا الموضوع. وقد سبق أن رأينا أن علماءنا يقسمون الكهانة إلى نوعين: كهانة بوسيط، وأخرى ذاتية بلا وسيط.
ومن الذين تعرضوا لهذا الموضوع وقالوا بأن لبعض الناس قدرة خاصة على إدراك بعض المغيبات: المسعودي، وابن سينا، وابن القيم، وابن خلدون... وكثيرون سواهم2. وعدّ حاجي خليفة – ومن سبقه كصاحب مفتاح السعادة – العرافة علما يكتسبه أصحابه "بالتجارب أو بالحالة المودعة في نفوسهم".3
قال ابن خلدون: "إنا نجد في النوع الإنساني أشخاصا يخبرون بالكائنات قبل وقوعها بطبيعة فيهم يتميز بها صنفهم عن سائر الناس، ولا يرجعون في ذلك إلى صناعة ولا يستدلون عليه بأثر من النجوم ولا غيرها، إنما نجد مداركهم في ذلك بمقتضى فطرتهم التي فطروا عليها، وذلك مثل العرافين والناظرين في الأجسام الشفافة... وأهل الزجر.. والطرق.. وهذه كلها موجودة في عالم الإنسان لا يسع أحد جحدها ولا إنكارها.."4
الهاتف :
الهاتف صوت تسمعه ولا ترى قائله، فهو مجهول المصدر، ولذلك يعتبر اليوم من ظواهر الباراسيكولوجيا وألغازها. وقد كان الهاتف كثيرا في الجاهلية، ولذلك كان العرب يؤمنون به ويتعجبون ممن ينكره 1. ومن أصح أمثلته ما حكاه عمر رضي الله عنه، قال: بينما أنا نائم عند آلهتهم، إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ لم أسمع قط صارخا أشد صوتا منه، يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا أنت. فوثب القوم. قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا. ثم نادى بمثل الكلام الأول. فقمت، فما نشبنا أن قيل هذا نبي2.
المحدَّثون:
وهذه حالة أخرى عزيزة الوجود، ولكنها موجودة. وأشهر أصحابها في تاريخنا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر3. قال الخطابي: " المحدث الملهم يًُلقى الشيء في روعه فكأنه قد حدث به، فيظن فيصيب، ويخطر الشيء بباله فيكون.." 4 وقيل: هم الذين تكلمهم الملائكة. وقيل : بل هو من باب الفراسة والتوسم، لبعض الناس فيه قوة خاصة...5. ولاشك أن هذه الحالة شيء فوق علم النظر وزائد عليه6. قال ابن العربي: " طريق ذلك أن الله يخلق في القلب الصافي – أو بواسطة إلقاء الملك إليه – الكلمةَ، كما يلقي الشيطان إلى الكاهن. وقد تنتهي الحال إلى أن يسمع الصوت.."7.
التخاطر عن بعد:
ومما يتعلق بموضوع المحدَّثين مسألة التخاطر عن بعد، وإن كان بينهما نوع اختلاف يحتاج إلى دراسـة. وهذه الظـاهرة معـروفة في الباراسيكـولوجيا باسم التليباثي، وأبـرز نمـاذجها في تراثنا الإسـلامي هو نـداء عمر لسارية. وملخص القصة – كما رواها أهل الحديث1- أنه بينما كان الخليفة عمر يخطب فوق المنبر بالمدينة، إذا به يقطع خطبته وينادي: ياسارية ! الجبل الجبل ! مكررا ذلك ثلاث مرات. قال عمر حين سئل عن ذلك: والله ما ملكت ذلك، رأيتهم يقاتلون عند جبل يؤتون من بين أيديهم ومن خلفهم، فلم أملك أن قلت : يا سارية الجبل، ليلحقوا بالجبل. وبعد مدة جاء رسول القائد المسلم سارية الذي كان يحارب الفرس بنهاوند وحدث أنهم في تلك الجمعة نفسها انهزموا أمام عدوهم. ثم سمعوا نداء عمر فأسندوا ظهورهم إلى الجبل، وكان ذلك سببا لانتصارهم على الفرس2.
فهذه تجربة حقيقية وكبيرة من تجارب الباراسيكولوجيا، كأن صوت الفاروق عمر اخترق مئات الكيلومترات لينتقل من المدينة بالحجاز إلى نهاوند بفارس. ويبقى الإشكال في تعليل هذه التجربة، والتعليل هو المقام الضنك في الباراسيكولوجيا كما تقدم. وفيه رأي لابن تيمية أذكره، قال: ".. وعمر رضي الله عنه لما نادى ياسارية الجبل ! قال: إن الله جنودا يبلغون صوتي. وجنود الله هم من الملائكة ومن صالحي الجن. فجنود الله بلغوا صوت عمر إلى سارية، وهو أنهم نادوه بمثل صوت عمر، وإلا نفس صوت عمر لا يصل نفسه في هذه المسافة البعيدة "3.
ابن القيم ...رائدا للباراسيكولوجيا:
ويمكن أن نعتبر ابن القيم رحمه الله من أبرز العلماء الذين اعتنوا بظواهر الباراسيكولوجيا في تاريخنا الإسلامي، فكتبوا عنها وحللوها ودرسوها 4.
والحقيقة أن أكثر كلام ابن القيم هو في عالم الغيب، لكن بالنظر إلى سعة آثاره ومؤلفاته تبقى جملة وافرة من دراساته تندرج تحت مسمى الباراسيكولوجيا. وأرى أنه من الأهمية بمكان أن نفرق بين عالم الغيب وعالم الباراسيكولوجيا الذي يتناول ظواهر تقع الآن في دنيا الناس، وإن كان لبعضها علاقة بالغيبيات، أي أن هذه الظواهر تنتمي أساسا إلى عالم الشهادة.
لهذا الذي يهمنا هنا – على سبيل المثال – ليس هو مسألة تلاقي أرواح الموتى، فهذه من الغيب الذي يرجع فيه إلى النص الشرعي، بل تلاقي أرواح الأحياء والذي يكون من ثماره أحيانا ما يسمى بالتليباثي، بل حتى قضية التقاء أرواح الأحياء بالموتى بطريق المرائي يمكن إدراجه في حقل الباراسيكولوجيا .
وقد رأينا أن لكثير من الظواهر الغريبة صلة بالروح وعالمها الخفي. وابن القيم من أفضل من درس موضوع الروح في التراث الإسلامي، فالروح عنده " جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد ..." 1
واستدل ابن القيم – في بحثه القيم – على جسمية الروح بوجوه كثيرة بلغت ست عشرة ومائة، إضافة إلى ردود واسعة على مذاهب الخصوم...وأبطل القول بأن " الروح عبارة عن عرض من أعراض البدن، أو جوهر مجرد ليس بجسم ولا حال فيه"2. وذكر تنبيها حسنا في مسألة المصطلح، قال: "إن مسمى الجسم في اصطلاح المتفلسفة والمتكلمين أعم من مسماه في لغة العرب وعرف أهل العرف، فإن الفلاسفة يطلقون الجسم على مقابل الأبعاد الثلاثة خفيفا كان أو ثقيلا، مرئيا كان أو غير مرئي، فيسمون الهواء جسما والنار جسما.. ولا يعرف في لغة العرب تسمية شيء من ذلك جسما البتة.. ( فعندهم) الجسم الجسد.. ونحن إذا سمينا النفس جسما فإنما هو باصطلاحهم وعرف خطابهم، وإلا فليست جسما باعتبار وضع اللغة. ومقصودنا بكونها جسما إثبات الصفات والأفعال والأحكام التي دل عليها الشرع والعقل والحس من الحركة والانتقال والصعود والنزول ومباشرة النعيم والعذاب واللذة والألم وكونها تحبس وترسل وتقبض وتدخل وتخرج. فلذلك أطلقنا عليها اسم الجسم تحقيقا لهذه المعاني، وإن لم يطلق عليها أهل اللغة اسم الجسم." 1
وقال أيضا: " ولا يجب اشتراك الأجسام في جميع الكيفيات والصفات.. (فـ) للنفس من الكيفيات المختصة بها ما لا يشاركها فيها البدن." 2وفي هذا جواب عن الاعتراض المفترض بأن علم التشريح اليوم لم يجد بجسد الإنسان عضوا يكون هو الروح.
كما صحح ابن القيم أن الروح تأخذ من بدنها صورة تنطبع بها وتتميز بها عن غيرها، 3ومما قال في هذه المسألة: " أخبرك بأمر إذا تأملت أحوال النفس والأبدان شاهدته عيانا: قل أن ترى بدنا قبيحا وشكلا شنيعا إلا وجدته مركبا على نفس تشاكله وتناسبه."4
وقال أيضا: " ومما ينبغي أن يعلم أن ما ذكرنا من شأن الروح يختلف بحسب حال الأرواح من القوة والضعف، والكبر والصغر." 5
وينبهنا ابن القيم إلى أمر هام يسلم به اليوم علم الباراسيكولوجيا: " عالم الأرواح عالم آخر أعظم من عالم الأبدان، وأحكامه وآثاره أعجب من آثار الأبدان، بل كل ما في العالم من الآثار الإنسانية فإنما هي من تأثير النفوس بواسطة البدن، فالنفوس والأبدان يتعاونان على التأثير تعاون المشتركين في الفعل، وتنفرد النفس بآثار لا يشاركها فيها البدن، ولا يكون للبدن تأثير لا تشاركه فيه النفس. " 6
وقد تكلم ابن القيم مطولا في إثبات تلاقي أرواح الأحياء بأرواح الأموات، وهي مسألة الرؤيا، إلى حد كبير . 7 وذكر- مما له علاقة بالنوم - أمرا عجيبا استدل له بشواهد كثيرة، وهو أن " روح النائم يحصل لها في المنام آثار فتصبح يراها على البدن عيانا، وهي من تأثير الروح في الروح " 8.
وفي باب التخاطر يقول رحمه الله: " ومن العجب أن أرواح المومنين المتحابين المتعارفين تتلاقى وبينها أعظم مسافة وأبعدها ، فتتألم وتتعارف فيعرف بعضها بعضا، كأنه جليسه وعشيره، فإذا رآه طابق ذلك ما كان عرفته روحه قبل رؤيته ." 1
ويتحدث ابن القيم أيضا عن الإلهام والأحوال الخارقة، فيفرق بين إلهام الملك وإلقاء الشيطان، وكذا بين الحال الإيماني والحال الشيطاني.2
ومن المعروف أن بعض الظواهر الغريبة تتعب أصحابها جدا، بحيث يحصل لهم إعياء جسدي عظيم، وابن القيم يعرف هذا جيدا:"وكيف يستنكر من يعرف الله سبحانه ويقر بقدرته أن يحدث حوادث يصرف عنها أبصار بعض خلقه، حكمة منه ورحمة بهم، لأنهم لا يطيقون رؤيتها وسماعها." 3
وكذلك يشير ابن القيم إلى فكرة الاستعداد الذاتي لتقبل بعض الظواهر الغريبة، وإلى تفاوت النفوس في ذلك، فيقول في السحر: " وبالجملة فسلطان تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة التي يكون ميلها إلى السفليات، قالوا: والمسحور هو الذي يعين على نفسه، فإنا نجد قلبه متعلقا بشيء، كثير الالتفات إليه، فيتسلط على قلبه بما فيه من الميل والالتفات ..". 4 وهذا صحيح بحسب العلم المعاصر الذي يثبت علاقة جدلية من تبادل التأثير والتأثر بين النفس والجسم.
وتعرض ابن القيم أيضا لموضوع الفراسة، وهو– في الواقع – ليس من موضوعات الباراسيكولوجيا، بل هو أقرب إلى علم النفس، لصلته بمباحث الذكاء البشري والقدرات الذهنية. لكن من الإدراك البشري نوع لا علاقة له بالعقل، لعله المقصود في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله.5
لذلك يعتبر ابن القيم بأن الفراسة " نور يقذفه الله في القلب، فيخطر له الشيء فيكون كما خطر له، وينفذ إلى العين فترى ما لا يراه غيرها " 1.
وأوسع موضع درس فيه ابن القيم مسألة الفراسة هو كتابه الطرق الحكمية، والذي ابتدأه ببحث جواز القضاء بالفراسة، لكن عامة الأخبار والحكايات التي ذكرها هي من باب القرائن والأمارات، أي حكم القاضي بالاستناد إلى قرينة ما، قد تكون جد خفية2.
ولابن القيم كذلك اعتناء بظواهر التأثير عن بعد (ظواهر PK في الاصطلاح الباراسيكولوجي)، وأبرز مثال لذلك هو الإصابة بالعين. وقد شرحه ابن القيم وبين منشأه، قال: " تأثيرات النفوس بعضها في بعض أمر لا ينكره ذو حس سليم ولا عقل مستقيم، ولا سيما عند تجردها نوع تجرد عن العلائق البدنية، فإن قواها تتضاعف وتتزايد بحسب ذلك... فإن تأثيرها في العالم يقوى جدا تأثيرا يعجز عنه البدن. وأعراضه أن تنظر إلى حجر عظيم فتشقه أو حيوان كبير فتتلفه أو إلى نعمة فتزيلها، وهذا أمر قد شاهدته الأمم على اختلاف أجناسها وأديانها، وهو الذي سمي إصابة العين، فيضيفون الأثر إلى العين ، وليس لها في الحقيقة، وإنما هو للنفس المتكيفة بكيفية ردية سمية . وقد تكون بواسطة نظر العين ، وقد لا تكون، بل يوصف له الشيء من بعيد فتتكيف عليه نفسه بتلك الكيفية فتفسده، وأنت ترى تأثير النفس في الأجسام صفرة وحمرة وارتعاشا بمجرد مقابلتها لها وقوتها، وهذه وأضعافها آثار خارجة عن تأثير البدن وأعراضه، فإن البدن لا يؤثر إلا فيما لاقاه وماسه تأثيرا مخصوصا. ولم تزل الأمم تشهد تأثير الهمم الفعالة في العالم، وتستعين بها، وتحذر أثرها.." .3
وبعد إثبات العين ومحاولة تعليلها أورد ابن القيم أنواعا من العلاج بالأذكار والرقي وغيرها ... وذلك في كتابه: زاد المعاد 4.
هذه إشارات سريعة لنظرات بعض علمائنا في ظواهر الباراسيكولوجيا، والغرض منها تنبيه القراء والباحثين إلى هذا الحقل الفريد في تراثنا الإسلامي العتيد، عل الهمم تنهض إلى تخصيصه بدراسات واسعة و علمية.
جهود ابن خلدون في الباراسيكولوجيا :
أريد من هذه الفقرات أن أنبه على جانب هام في " المقدمة "، رأيت أكثر الكاتبين عنها أهملوه... فقد اعتنى ابن خلدون – خصوصا في أوائل المقدمة وآواخرها – بالظواهر الغريبة في الوجود أو التي لها علاقة بالغيب وشؤونه، فقدم لها وشرحها، ثم حاول تعليلها... فهو لذلك رائد من رواد الباراسيكولوجيا، يستحق أن يذكر في تاريخها وضمن علمائها أو مفكريها. ولو أنك قارنت بين المقدمة وأي كتاب معتمد في هذا الفن.. لوجدت أن أكثر الظواهر الغريبة التي تحدث عنها ابن خلدون توجد اليوم ضمن القضايا أو الإشكالات الأساسية للباراسيكولوجيا المعاصرة، مع اختلاف – بالطبع- في أسلوب المعالجة ومناهجها.
ومن المعروف أن ابن خلدون خصص في مقدمته حيزا كبيرا لقضايا نظريات المعرفة والأسس المنهجية لمختلف أنواع العلوم، فدرسها وميز صحيحها من سقيمها ... وكان من ضمن ذلك فنون ذات صلة بحقل الباراسيكولوجيا، من أهمها: الكهانة والعرافة والكيمياء والسحر والتصوف والرؤيا...يقول الأستاذ الجابري في ذلك: " لقد كان عصر ابن خلدون يعج بأنواع من المعارف والعلوم المتداخلة المتنافرة، منها ما ينتسب للعقل، ومنها ما ينتسب إلى الدين، ومنها ما ينتسب لقدرة خارقة للعادة تتحدى العقل وتتجاوز النقل، معارف غير منظمة ولا مؤطرة في إطار معرفي عام. وتأتي محاولة صاحب المقدمة لتعمل على تنظيم هذه المعارف والعلوم وتوضيح العلاقات بينها وبيان الصحيح من الزائف فيها، وذلك من خلال نقد منهجي لمبادئها وأسسها المنطقية وحصيلتها الموضوعية. " 1
لقد فسّر ابن خلدون النبوة، ثم ظاهرة الكهانة، وفرق بينهما، " فالكهانة من خواص النفس الإنسانية التي لها استعداد للانسلاخ من البشرية إلى الروحانية التي فوقها، من غير اكتساب ولا تسبب، لكن إدراكها يكون في الجزئيات أكثر من الكليات، ولذلك تكون المخيلة في الكهان في غاية القوة، لأنها آلة الجزئيات.. " 2
ثم درس الرؤيا والأحلام المنامية. وكانت له عناية خاصة بقضية الإخبار عن المستقبل، من غير طريق التجربة أو النظر العقلي، أي بأساليب غيبية... وغير ذلك كثير2. ثم " وضع " ابن خلدون لتعليل هذه الظواهر نظرية في تدرج عوالم المخلوقات واتصال بعضها ببعض، وكيف يمكن أن يسـتحيل بعضها إلى ما فوقها أو ما دونـها3... وربط هذا بأنواع قوى الإدراك الإنساني من الحس والحس المشترك والخيال والوهم والقوة الحافظة وقوة الفكر. كما قسم النفوس إلى ثلاثة أصناف، بحسب استعدادها للعالم الأعلى...4 ذلك " أن النفوس البشرية وإن كانت واحدة بالنوع فهي مختلفة بالخواص، وهي أصناف، كل صنف مختص بخاصية واحدة بالنوع لا توجد في الصنف الآخر، وصارت تلك الخواص فطرة وجبلة لصنفها..." 5
واهتم ابن خلدون أيضا بالتجربة الصوفية، لكنه رأى أنها ذوقية لا يمكن تبليغها للآخر باللغة المعتادة، ولذلك كانت المعرفة الصوفية قاصرة على أهلها. وأبعد المدارك عن جنس الفنون والعلوم هي مدارك الصوفية، " لأنهم يدعون فيها الوجدان ويفرون عن الدليل، والوجدان بعيد عن المدارك العلمية وأبحاثها وتوابعها" 6.
وحين تعرض ابن خلدون لحالة الغيبوبة Transe ، وبيَّن كيف يستعمل الوسطاء أشياء معينة كالمرايا والبلورات.. تعينهم على التلبس بحالة المس هذه... كان دقيقا جدا حيث نبّه على أن تلك الأشياء ليست مقصودة لذاتها، بل لتجميع القدرة وتركيزها1. وهذا تعليل صحيح في رأي الباراسيكولوجيا.
ويمكن أن أقول في المقارنة بين الرجلين – ابن القيم وابن خلدون - : إن الأول أكثر تتبعا وملاحظة وتسجيلا للظواهر الغريبة، بينما جهد الثاني أعمق في التنظير والتعليل.
ولعل في طلبة الدكتوراه من يخصص بحثه لعلم الباراسيكولوجيا في التاريخ الإسلامي، وحسبي مما تقدم التنبيه على هذا المجال من علومنا في الإسلام.
الفصل الثالث : البحث الفقهي
وإذ أدرك القارئ بعض معالم هذا الفن الحديث، وعرف بعض قضاياه في تراثنا الإسلامي... أمكن أن أقدم له رأيي الفقهي فيه. وقد رأينا أن الباراسيكولوجيا تدرس ظواهر من عمل الإنسان، وأخرى من عمل مخلوقات عاقلة يسميها أهل الفن بالأرواح، والغالب أنها أو بعضها- عندنا معشر المسلمين- من الجن. لهذا سأبدأ بدراسة حكم التعامل مع هذا الخلق.
المبحث الأول: حكم الاتصال بعالم الجن.
إن اتصال الإنسان بهذا العالم الخاص ممكن وواقع، وهي علاقة يسميها القرآن الكريم بالاستمتاع، قال تعالى: ]ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس. وقال أولياؤهم من الإنس: ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا[الأنعام آية 128.
قال ابن أبي العز: " استمتاع الإنسي بالجني في قضاء حوائجه وامتثال أوامره، وإخباره بشيء من المغيبات، ونحو ذلك. واستماع الجن بالإنس: تعظيمه إياه واستعانته به واستغاثته وخضوعه له "1.
ولذلك يقبل الجن التسخير، وقد وقع ذلك لبعض الأنبياء، وأهمهم سليمان عليه السلام، قال سبحانه: ]فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطينَ كل بنّاء وغواص[ سورة ص، 36-37.
وفي هذا المعنى يقول ابن تيمية: " الذين يستخدمون الجن في المباحات يشبه استخدام سليمان، لكن أعطي ملكا لا ينبغي لأحد بعده، وسخرت له الإنس والجن، وهذا لم يحصل لغيره"2. ويرى الألوسي "أن استخدام الجن الثابت لسليمان لم يكن بواسطة أسماء ورياضات، بل هو تسخير إلهي من غير واسطة شيء، وكان أيضا على وجه أتم، وهو مع ذلك بعض الملك الذي استوهبه..." 3
إذن فالاتصال بعالم الجن واستخدامها أو سؤالها أمر ممكن وواقع، وله أسبابه الخاصة1. ولذلك قال الألوسي:" الظاهر عدم إكفار من يدعي استخدام شيء من الجن. ونحن قد شاهدنا مرارا من يدعي ذلك وشاهدنا آثار صدق دعواه على وجه لا ينكره إلا سوفسطائي أو مكابر"2.
بقي أن نعرف حكم هذا الاتصال أو الاستخدام، خصوصا في السؤال عن بعض الغيوب الماضية أو الحاضرة، حيث إن الإجماع منعقد على تحريم سؤالهم عن المستقبل على سبيل التصديق لهم في ذلك. وفي هذا الموضوع رأيان فقهيان :
1-عقد العلامة الشبلي الحنفي بابا عنوانه: في جواز سؤال الجن عن الأحوال الماضية والأشخاص النائية دون الأمور المستقبلة. وذكر آثارا عن بعض الصحابة تعضد هذا التفصيل3. ثم قال: " ولاشك أن الله تعالى أقدر الجن على قطع المسافة الطويلة في الزمن القصير4 بدليل قوله تعالى ]قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك...[. فإذا سأل سائل عن حادثة وقعت أو شخص في بلد بعيد، فمن الجائز أن يكون الجني عنده علم من تلك الحادثة وحال ذلك الشخص فيخبر، ومن الجائز أن لا يكون عنده علم فيذهب فيكشف ثم يعود فيخبر. ومع هذا فهو خبر واحد لا يفيد غير الظن ولا يترتب عليه حكم غير الاستئناس... وأما سؤالهم عما لم يقع فهو حرام، وتصديقهم فيه بناء على أنهم يعلمون الغيب كفر، وعليه يحمل قوله عليه الصلاة والسلام: لا تاتوهم، وقوله صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافا... الحديث" 5.
وقال ابن تيمية:" وأما سؤال الجن، وسؤال من يسألهم، فهذا إن كان على وجه التصديق لهم في كل ما يخبرون به والتعظيم للمسؤول فهو حرام.. وأما إن كان يسأل المسؤول ليمتحن حاله ويختبر باطن أمره، وعنده ما يميز به صدقه من كذبه، فهذا جائز..."1. واستدل له بخبر سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم ابن صياد.
وقسم ابن تيمية أنواع استخدام الجن إلى ثلاثة أقسام: استخدامهم في المحرمات، فهذا حرام. واستخدامهم في أمور مباحة، إما إحضار مال المستخدم أو دلالته على شيء أو دفع من يؤذيه، فهذا كاستعانة الإنس بعضهم ببعض. وأخيرا استعمالهم في طاعة الله ورسوله، كما يستعمل الإنس في ذلك2.
2-الرأي الثاني سد الذريعة مطلقا ومنع سؤال الجن واستحضارها. قال الشيخ ابن باز – في قوله تعالى: ]ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس. وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض[ الأنعام، 128- : و " ذكر علماء التفسير أن استمتاع الجن بالإنس بعبادتهم إياهم بالذبائح والنذور والدعاء، وأن استمتاع الإنس بالجن قضاء حوائجهم التي يطلبونها منهم وإخبارهم ببعض المغيبات التي يطلع عليها الجن في بعض الجهات النائية أو يسترقونها من السمع أو يكذبونه وهو الأكثر. ولو فرضنا أن هؤلاء الإنس لا يتقربون إلى الأرواح التي يستحضرونها بشيء من العبادة فإن ذلك لا يوجب حل ذلك وإباحته، لأن سؤال الشياطين والعرافين والكهنة والمنجمين ممنوع شرعا وتصديقهم فيما يخبرون به أعظم تحريما وأكبر إثما، بل هو من شعب الكفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة"، وفي مسند أحمد والسنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم". فلا يجوز سؤالها ]أي الجن[ ولا استحضارها ولا تصديقها، بل كل ذلك محرم ومنكر، بل وباطل..." 3
أصول هذا الخلاف الفقهي :
ومناط الاختلاف هنا هو في كيفية تفسير النصوص الواردة في النهي عن الكهانة، وهذه بعضها:
1- روى البزار والطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من تطير أو تطير له، أو تَكهن أو تُكهن له، أو تسحَّر أو تُسحر له. 1
2- وروى أبو داود في كتاب الطب من سننه عن أبي هريرة رفعه، قال: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل الله على محمد. 2
3- وقال صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد.3
فلذلك وقع الاحتمال في مناط الحرمة، هل هو مجرد إتيان العراف بغض النظر عن مقاصد المكلف ونيته، أم هو في التصديق بما يقوله الكاهن. قال الخطابي – في الحديث الثاني - : " الحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم والرجوع إلى قولهم وتصديقهم على ما يدعونه من هذه الأمور". 4 وقال الكتاني :" يحرم إتيان الكهنة والعرافين وتصديقهم…"5.
وأكثر العلماء فصَّل، فقال: الكفر كفران: كفر حقيقي، وذلك في حالتين: إذا استحل من أتى العراف سؤال الكهنة ونحوهم. أو إذا صدقهم فيما يقولون واعتقد أنهم يطلعون فعلا على الغيب. يقول الشوكاني: " العلة الموجبة للحكم بالكفر ليست إلا اعتقاد أنه مشارك لله تعالى في علم الغيب"6. والكفر الآخر هو كفر مجازي، أي كفر النعمة، وذلك إذا لم يصدقهم7.
وعمدة من جوَّز سؤال العرافين والكهان إذا كان للسائل غرض صحيح ومشروع هو اختبار النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد ومحاولته استكشاف حقيقة أمره؛ إضافة إلى شرط التصديق الذي في النص.
ويظهر لي أن الأولى منع الاتصال بالجن والاشتغال بشؤونها، بواسطة من الكاهن أو بدونه، إلا في الضرورة كما في حالة المصروع. فهذا الاشتغال ليس من شأن المؤمن، و"من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه". ومازلت أذكر شكوى المرحوم محمد الغزالي من كثرة اهتمام المسلمين بعالم الجن، وتساءل هل اختصت الجن بالمسلمين، حتى إنه لا يتكلم عنها غيرهم من الأمم. ومن مظاهر هذا الغلو في الاهتمام بالموضوع كثرة الكتب التجارية عن الجن، وبعضها على شكل حوارات مطولة… وأكثر هذه الكتب لا تفيد. ولو قلت الأوْلى منعها وحظر نشرها لكان ذلك مذهبا، وكان دليله جواز تصرف الإمام في المباحات بالتقييد. ويكفي في هذا الباب كتب العقائد، فكثير منها يعقد فصولا عن الاعتقاد الواجب في موضوع الجن، ويكفي أيضا بعض الكتب الجامعة ككتاب الشبلي.
لكن يبقى للنظر مجال فيمن يقصد العراف أو الكاهن لغرض البحث والدراسة، وهو ما تفعله الباراسيكولوجيا منذ نشأتها إلى اليوم. فمن الواضح أننا لو أخذنا بالرأي الفقهي الأول لخرَّجنا عليه القول بجواز هذا اللون من الدرس. ولو أخذنا بالرأي الثاني لخرجنا عليه حكم المنع. ولي رأي خاص ليس بذا ولا ذاك هذا تفصيله:
المبحث الثاني : رأيي في الباراسيكولوجيا.
تنقسم الظواهر الغريبة التي تدرسها الباراسيكولوجيا إلى قسمين:
الأول: ظواهر ذات علاقة بمخلوقات عاقلة، يسميها أكثر أهل الاختصاص بـ: الأرواح Esprits، في حين يقول بعضهم إنها الجن الذين جاء ذكرهم في الأديان السماوية.
الثاني: ظواهر ذات علاقة بقدرات إنسانية خاصة وغير عادية.
وينبغي أن يكون لكل قسم حكم خاص به :
حكم القسم الأول من ظواهر الباراسيكولوجيا :
أما الظواهر الأولى ذات العلاقة بالجن، وربما بشيء آخر… فيمكن أن نستخرج لها الحكم من خلال ما تقدم عن حكم الاتصال بعالم الجن، وقد رأينا أن في ذلك قولين: الجواز، بشروط، أو التحريم.
والذي يظهر لي أن في الباراسيكولوجيا المهتمة بهذه الظواهر شائبتين:
1- من حيث إن هذا البحث علم ودراسة، فهو جائز، بل مستحب، والتحبيذ حكم عام للعلوم، أي هو الأصل. وفي العلم تغتفر أشياء لا تغتفر في غيره. والله تعالى يقول: )قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون(، ويقول: )وقل رب زدني علما(. ولذلك قال حاجي خليفة: " العلم من حيث إنه علم فضيلة لا تنكر ولا تذم، فالعلم بكل شيء أولى من جهله"1.
وعلى هذا لا يدخل الباحث في هذا الميدان في الوعيد النبوي على إتيان الكهان والعرافين، وفي الباراسيكولوجيا يتم قسم من التجارب مع هؤلاء وبمعونتهم.
2- من حيث إنه اتصال بالشياطين وعالمها… فهذا بحث غير محبذ. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرض له جني ليشوش عليه صلاته أمسك به وأراد أن يكتِّفه حتى الصباح ليراه الناس، ثم بدا له أن يطلق سراحه2. وأنا أفهم من هذا الحديث رغبة المشرِّع في الفصل بين العالمين: الإنس والجن. فهذان عالمان مستقلان ومنفصلان بعضهما عن بعض، برغم الاتصال الظاهري النادر أو القليل بينهما.
فهذه الباراسيكولوجيا إذن يتجاذبها أصلان، ولذلك تحتمل قولين: الحظر أو الإباحة. وأستأنس في هذا بمسألة مماثلة تعرّض لها الفقهاء، وهي حكم تعلم السحر. فالخلاف فيه قائم3. إذ من جوَّزه استند إلى أصل الإباحة، قال ابن الأكفاني: علم السحر "منفعته أن يعلم ليحذر لا ليعمل. ولا نزاع في تحريم عمله. أما مجرد علمه فظاهر الإباحة"4. ولذلك جوزه الفخر الرازي5. وقال بعض الحنفية: إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه فلا يكفر6. وكذلك اختار القرافي مذهب الجواز وربط ذلك بمقاصد المكلف1. أما من منعه فقد استند – في الأكثر – إلى مبدأ سد الذرائع2.
ولذلك أقول: إن البحث في هذه الظواهر الأولى بحث تنازعه أصلان، فما هو بمباح ولا هو بحرام، فهو– إذن – مكروه. وهذا الحكم هو مراعاة للخلاف قبل الوقوع.
قاعدة مراعاة الخلاف:
مراعاة الخلاف هي إعطاء كل واحد من الدليلين حكمه وأثره. مثاله: النكاح الفاسد، بعض الفقهاء أبطله تماما، وبعضهم أمضاه بعد تصحيحه، وتوسط المالكية فقالوا: يفسخ بطلاق، ويثبت به الإرث والنسب، وفيه العدة…
وأصل هذه القاعدة حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت:" اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام. فقال سعد: هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إليّ أنه ابنه، انظر إلى شبهه. وقال عبد: هذا أخي يارسول الله، ولد على فراش أبي من وليدته. فنظر رسول الله إلى شبهه فرأى شبها بعتبة. فقال: هو لك يا عبد، الولد للفراش وللعاهر الحجر. واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة. قالت عائشة: فلم ير سودة قط"3. والقياس يقتضي ألا تحتجب سودة من " أخيها " عبد.
ومراعاة الخلاف نوعان: قبل الوقوع، أي قبل وقوع النازلة، وذلك بالنظر إلى الأدلة في ذاتها والموازنة بينها. ومراعاة بعد الوقوع، أي أن الفقيه يراعي كون الحادثة قد وقعت، والواقع لا يرتفع، ولهذا أثره في الحكم، بحيث لو لم تقع النازلة كان له نظر آخر وحكم آخر. ويرجع النوع الأول من مراعاة الخلاف إلى الاحتياط، والثاني إلى الاستحسان، وذلك في أكثر الحالات.
والذي يهمنا هنا هو النوع الأول، قال عنه ابن فرحون:" راعِيّته يراد بها اعتباره من وجه لا مطلقا. مثال ذلك أن يترجح دليل الإباحة عنده، ومذهب غيره التحريم، فإذا توسط الأمر قال بالكراهة؛ كما توسطوا –في المشهور– في الماء المستعمل بأنه مكروه للخلاف توسطا بين القول بنجاسته وبين القول بأنه طاهر غير مطهر"4.
فهذا هو الأصل الذي بنيت عليه حكم دراسة الظواهر الأولى للباراسيكولوجيا1.
حكم القسم الثاني :
النوع الثاني : ظواهر ذات علاقة بقدرات إنسانية خاصة وغير عادية.
ولا أرى أي حرج شرعي في دراسة الظواهر الثانية، فالبحث في مواهب الاستشفاف والجلاء البصري وتأثير الفكر في المادة… مثله مثل البحث المعروف في علم النفس التربوي عن قدرات الذكاء والذاكرة والانتباه… ونحو ذلك. فهذا كله جائز، بل ومستحب. وإذا ثبت أن الأمة تحتاج إلى هذا البحث، فإنه يصبح من فروض الكفاية. وكما يجوز أن يدرس المسلم هذا العلم، يجوز أيضا أن تخصص له الدولة مركزا للبحث أو قسما من أقسام التعليم الجامعي.
وذلك لأن البحث في هذه المواهب الخارقة ممكن، بل إنه لا يزال يتواصل في علم النفس اكتشاف القدرات العقلية للإنسان، يقول الأستاذ منصور: " أدت البحوث المتواترة في ميدان الذكاء إلى الكشف عن عدد من القدرات العقلية بلغ في الخمسينيات من القرن العشرين حوالي خمسين قدرة عقلية، مما استدعى العمل من أجل تنظيمها وتصنيفها…"2.ومن أحدث هذه القدرات اكتشافا: القدرة الابتكارية، والتي حظيت بعدد كبير من الدراسات إلى اليوم3.
وقد كان علماؤنا على وعي تام بأن بعض الناس يمتلك مواهب غير عادية، ومنها – على سبيل المثال-: الفراسة. يقول القاضي ابن أبي العز: الفراسة ثلاثة أنواع: إيمانية، وسببها نور يقذفه الله في قلب عبده.. وفراسة خَلقية، وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم، وهي استدلال بالخَلق على الخُلق.. وأخيرا- وهي التي يمكن أن تنتمي إلى ميدان الباراسيكولوجيا- : " فراسة رياضية: وهي التي تحصل بالجوع والسهر والتخلي. فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها. وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر، ولا تدل على إيمان ولا على ولاية…"4.
ومن هذه المواهب أيضا: القدرة على التأثير الفكري عن بُعد )وهي ظواهر (PK1، أو التأثير بالهِمَّة في التعبير القديم، وبعضهم يسميها سحرا نفسيا. يقول ابن كثير: "هذا.. هو التصرف بالحال، وهو على قسمين : تارة يكون حالا صحيحة شرعية يتصرف بها فيما أمر الله ورسوله.. وهذه الأحوال مواهب من الله تعالى… ولا يسمى هذا سحرا في الشرع. وتارة تكون الحال فاسدة لا يمتثل صاحبها ما أمر الله ورسوله ولا يتصرف بها في ذلك. فهذه حال الأشقياء…"2 ومفهومه أن التصرف بالحال في المباح مباح.
ولا يؤثر في شيء كون هذه المواهب خارقة للعادة، كما هو شأن أكثر الظواهر التي تدرسها الباراسيكولوجيا، لذلك يقول ابن أبي العز: " ثم الخارق : إن حصل به فائدة مطلوبة في الدين كان من الأعمال الصالحة المأمور بها دينا وشرعا، إما واجب أو مستحب. وإن حصل به أمر مباح، كان من نعم الله الدنيوية التي تقتضي شكرا، وإن كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه، كان سببا للعذاب أو البغض… فالخارق ثلاثة أنواع: محمود في الدين، ومذموم، ومباح، فإن كان المباح فيه منفعة كان نعمة، وإلا فهو كسائر المباحات التي لا منفعة فيها3".
المبحث الثالث : ضوابط البحث الباراسيكولوجي الإسلامي
توجد ثمة ضوابط شرعية يستعين بها الباراسيكولوجي المسلم في طريق بحثه وعمله، وهذه أهمها فيما ظهر لي:
1-عقيدة الغيب: إذ من أصول الاعتقاد عندنا أن الله تعالى هو وحده من يعلم الغيب المطلق على سبيل الإحاطة والشمول: ) قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيبَ إلا الله(. النمل67. فلا يمكن أن يوجد أحد من الموهوبين يعرف الغيب بتفصيل، سواء كان بادعاء اتصال بالجن أو بمخلوق عاقل، أو بادعاء مقدرة خاصة في التنبؤ. آية ذلك في الحالة الأولى قوله سبحانه- في موت سليمان-: ) فلما خرَّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين(. سبأ 14. ولذلك يقول الهيتمي: " الخواص يجوز أن يعلموا الغيب في قضية أو قضايا، كما وقع لكثير منهم واشتهر، والذي اختص تعالى به إنما هو علم الجميع وعلم مفاتح الغيب المشار إليها بقوله تعالى: )إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث...) وينتج من هذا التقرير أن من ادعى علم الغيب في قضية أو قضايا لا يكفر … ومن ادعى علمه في سائر القضايا كفر"1.
ولهذا يخطئ العراف كثيرا، بل حتى المحدث – وهو أفضل من الأول علما وحالا- يخطئ أحيانا في ظنونه. يقول ابن تيمية: "المحدث يجوز أن يُقرَّ على بعض الخطأ، ويدخل الشيطان في أمنيته بعض ما يلقيه فلا ينسخ، بخلاف الرسول والنبي، فإنه لا بد من نسخ ما يلقي الشيطان … والمحدث مأمور بأن يعرض ما يحدَّثه على ما جاء به الرسول. ولهذا ألقى الشيطان لعمر – وهو محدث – في قصة الحديبية، وقصة موت النبي صلى الله عليه وسلم، وقصة اختلافه وحكيم بن حزام في سورة الفرقان. فأزاله عنه نور النبوة"2.
والحقيقة أن علماء الباراسيكولوجيا أنفسهم من أدرى الناس بهذه الحقيقة، بل إن بعضهم خصها بدراسات وبحوث مستقلة، ومن أبرزهم "أوستي".
فقد ركز الدكتور أوستي بحوثه وجهوده على مقدرة التنبؤ، واعتنى خصوصا بأخطاء المتنبئين ودرس عللها. ومن النتائج التي قررها:
أ-بعض التنبؤات لا تخطئ من كل وجه، كالذي يتوقع موت شخص ما، لكن الذي يموت فعلا هو أب ذلك الشخص … فهذه وأمثالها كثير في إخبارات الموهوبين.
لكن لاحظ أوستي أنه يوجد دائما عدد من التنبؤات الخاطئة الخالصة، أي التي ليس فيها أي صواب، لا قليل ولا كثير، لا من وجه قريب ولا بعيد… فهذه أخطاء محضة. ولذلك فملكة التنبؤ نسبية وظنية.
ب-وكذلك نادرا ما تتعلق نبوءات الوسطاء بأحداث عامة، فهي في الأكثر تمس الأفراد وتتعلق بوقائع خاصة. ولذلك لا يتوقع الوسيط الحرب، وإن كان يمكن أن يتنبأ بمكروه يصيب شخصا قريبا منه… ويمضي الزمان وتقع الحرب فيصاب فيها هذا القريب1.
وأخيرا فإن هذه الملكة تتغير وتتقلب، فهي ليست على الدرجة ذاتها من القوة أو الضعف، حتى بالنسبة إلى الشخص الواحد2.
2- المعجزة والظاهرة الغريبة: لا يمكن بحال أن تشبه الأعمال الخارقة – في الباراسيكولوجيا – المعجزة أو تقترب منها. كلا من الأمرين خارق للعادة الجارية، لكن طبيعتهما مختلفة: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.) الإسراء 88. يقول الهيتمي عن الظواهر الخارقة: "كلها في العالم أمور غريبة قليلة الوقوع، وإذا وُجدت أسبابها جرت على العادة فيها، وكذا أسباب السحر إذا وجدت حصل، وكذلك السيميا وغيرها كلها جارية على أسبابها العادية، غير أن الذي يعرف تلك الأسباب قليل في الناس. وأما المعجزات فليس لها سبب في العادة أصلا"3.
3- احترام النص الشرعي: وعلى الباراسيكولوجي المسلم أن يقف عند دلالة النصوص الثابتة، فلا يفسر ظاهرة ما – مثلا – بأنها من فعل روح الميت التي عادت لتختلط بالأحياء؛ اللهم إلا في الرؤى والمنامات، وهو الاستثناء الثابت بالنص أيضا.
فروح الميت لا ترجع إلى الدنيا أبدا، كما تعتقد الروحية الحديثة4. يقول الشيخ ابن باز: "هذا هو الذي عليه السلف من أن أرواح الأموات باقية إلى ما شاء الله وتسمع، ولكن لم يثبت أنها تتصل بالأحياء في غير المنام، كما أنه لا صحة لما يدعيه المشعوذون من قدرتهم على تحضير أرواح من يشـاءون من الأمـوات ويكلمونها ويسألونها، فهذه ادعاءات باطلة".1
لكن في جلسات استحضار "الأرواح" بعض الصدق، فهذا لا شك فيه2. ومن تعليلات ذلك عند العلماء المعاصرين أن الروح التي تحضر هي الجني قرين الميت3، ويشهد له قول النبي صلى الها عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن.4 والجن مخلوقات عاقلة، لها قدرة على فهم العالم الذي يحيط بها، ولذلك أجمع المسلمون على أنها مكلفة، تؤمر وتنهى5.
وليست جميع ظواهـر الروحية الحـديثة تتعلق بالجن. ولهذا كان موقف الباراسيكـولوجيا المعاصرة صحيحا حين اعترفت بهذه "الأرواح" المحضرة، لكنها – بالمقابل – اعتبرت بعض أحداث أو وقائع الروحية من آثار مقدرة بشرية غير معروفة جيدا… وهي المقدرة التي لا تبرز ولا تعمل إلا ضمن ظروف خاصة وعند أفراد قلائل هم الوسطاء Médium6.
4- ومن الضوابط أيضا ما يلي:
أ- في بعض كتـابات البـاراسيكولوجيا روح من الوضعية لا تخـفى، فهـي تسعـى جـاهـدة إلى تفسيـر كل شـيء بالقـدرات غيـر العـادية (ESP + PK)، قطـعـا للطـريق أمـام تفسيـر بعـض الظـواهـر بخلـق آخـر كالجـن7…أو ربما حتى الملك.
ب-لا تطـرح عنـدنا مشكـلة توثيق الأخبار على نحو ما تطرح عند الباراسيكولوجيين الغربيين1. ولذلك ينبغي استعمال منهج الجرح والتعديل ودراسة الروايات، سواء تعلق ذلك بأحداث مضت أو بأخرى معاصرة لنا.
ج-ينبغي أيضا أن يكون الدين أحد مصادر الباراسيكولوجيا، ولذلك فإن الرؤية المفقودة في الربط بين علم النفس والباراسيكولوجيا، وفي تقديم نظرية عامة لهذا العلم2…هذه الرؤية يمكن تلمس كثير منها في الإسلام وفي التراث البشري الذي دار حوله.
د-ويجب على الباحث المسلم في ميدان الباراسيكولوجيا أن لا يحصر أسباب الظواهر الغريبة في القدرات الباطنية للإنسان، وفي الجن… فقد يكون لبعض الظواهر علاقة بأشكال من الغيب لا نعرفها، ولم يخبرنا بها الوحي، كما لم يخبرنا عن كل الغيبيات التي لها اتصال ما بحياتنا على الأرض، ولا يوجد في النصوص ما يمنع من إمكانية وجود مخلوقات أخرى3 أو ظواهر غير عادية لا نعرفها الآن. إذن ينبغي ترك الباب مفتوحا لطريق ثالث لا أدري ما هو، فالمقصود هو عدم الجمود على نظر واحد وأسلوب واحد في هذا البحث.
خاتمة:
وأختم هذا البحث بعرض سريع لأهم النتائج التي وصلت إليها:
الباراسيكولوجيا هو علم دراسة الظواهر غير العادية التي يمكن أن تكون من أثر قدرات بشرية غير معروفة، أو من عمل مخلوقات أخرى عاقلة. وهذه الظواهر لاتدخل في نطاق علم النفس الحديث.
وقد نشأت الباراسيكولوجيا منذ حوالي قرن من الزمان، وتطورت بالبلاد الأنجلوساكسونية خاصة، وذلك بفضل منهج بحث دقيق يستعمل كثيرا الإحصاء، مما سمح بتصنيف الظواهر الغريبة إلى نوعين: ظواهر الاستشفاف ESP، وظواهر التأثير في المادة بغير المادة PK. ومن أبرز أمثلة الظواهر الأولى: ملكة التوقع. لكن يظل الإشكال العام في الباراسيكولوجيا هو عدم قدرتها على تفسير مجمل هذه الظواهر تفسيرا نهائيا، رغم غناها بالنظريات.
ولتراثنا الإسلامي اهتمام بقضايا الباراسيكولوجيا، ومن ذلك: الكهانة والعرافة، والهاتف، والمحدَّثون. ولذلك نجد أن فكرة وجود ملكة إنسانية للتنبؤ حاضرة في الكتابات الإسلامية القديمة، ويعتبر ابن خلدون من أهم مفكري الإسلام الذين كتبوا في بعض مواضيع الباراسيكولوجيا.
ولعل من أهم ما جاء به هذا التراث في هذا المجال هو تقسيم الكهانة إلى نوعين: الأول بوسيط من الجن، والثاني بمقدرة ذاتية واستثنائية.
لكن الفقهاء اختلفوا في حكم الاتصال بعالم الجن، بعد اتفاقهم على إمكان استخدام الإنسان لبعض الجن. فبعضهم فصّل الحكم بحسب مقاصد المكلف، وبعضهم منع مطلقا سدا للذريعة. ومن أسباب هذا الاختلاف كيفية تعليل النصوص الواردة في إتيان الكهنة، وكذا قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن صياد.
والذي بدا لي أنه يجوز دراسة الظواهر التي تعود إلى موهبة إنسانية خاصة، بل هي دراسة محبذة، أما الظواهر التي يحتمل أن لها علاقة بالجن، فقد تنازعها أصلان: الأول هو أن العلم مطلوب على كل حال، والثاني أن الاتصال بعالم الجن أمر غير مطلوب ولا مرحب به شرعا. ولذلك خرَّجتُ حكم البحث في هذه الظواهر على قاعدة مراعاة الخلاف، وقلت إن هذا البحث مكروه، لا هو مباح ولا ممنوع.
ثم ختمت هذه الدراسة بذكر بعض أهم الضوابط التي على الباراسيكولوجي المسلم اعتبارها في عمله، ومن أهمها: عقيدة الغيب، والفرق بين المعجزة والظاهرة الغريبة، والالتزام بدلالة النص الشرعي..
فهذا رأيي في الباراسيكولوجيا، وهو يحتمل الصواب والخطأ. ويسعدني جدا أن يُعقب عليه السادة الأساتذة والكتاب على صفحات المجلة، لما في ذلك من إغناء للموضوع وتسديد للاجتهاد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ملحق:
لم يكن من الملائم أن أفصل الحديث عن الباراسيكولوجيا الغربية بصلب البحث، حيث إن الذي يهم القارئ لهذه المجلة – الفقهية الإسلامية – هو الحكم الشرعي بالأساس. لهذا وضعت هذه التفاصيل بالهامش، لمن شاء من القراء التوسع في الموضوع، ولمن شاء من الكتاب أن يطور معنا البحث في هذه القضية:
تعتمد الباراسيكولوجيا – بالخصوص- على منهج كمي تجريبي، ومن أهم أساليبها في هذا المنهج: الأسلوب الإحصائي.
الأسلوب الإحصائي:
يعتمد هذا الأسلوب طرقا كثيرة، وأهمها في البداية طريقة البطاقات، ثم تنوعت هذه الطرق وكثرت وغدت أكثر دقة وفائدة. مثالها أن يأخذ العالم مجموعة من البطاقات ويخفيها عن الشخص الذي يخضع للتجربة، ثم يبدأ في إخراجها أو ترتيبها على نظام معين، ويحاول ذلك الشخص اكتشاف عمل العالم وتخمينه1.
هذه التجارب – وأمثالها – تتكرر بالمئات، وأحيانا بالآلاف، بل بعشرات الآلاف. وغاية هذا التكرار مقارنتها بنتائج حساب الاحتمالات، على الوجه الآتي :
يكون بين يدي العلماء النتائج الواقعية المحصل عليها من طريق التجارب، ثم يدرسون الاحتمال الرياضي لهذه النتائج؛ فإن كانت النتائج الواقعية مشابهة للاحتمال فهذا معناه أن الأشخاص الذين خاضوا هذه التجارب اختاروا أجوبتهم بالاتفاق فقط.
أما إن كانت النتائج المحصل عليها أكبر من الاحتمال الرياضي، فهذا يدل على وجود عامل غير الصدفة والاتفاق يكون هو سبب كثرة الإصابة2.
مثاله: بين يدي العالم عشر بطاقات: 5 باللون الأحمر، و2 بالأخضر، و2 بالأصفر، و1 بالأبيض. يخلط العالم البطاقات ويستخرج واحدة بالأخضر، ويسأل الشخص الآخــر الذي يشاركه بالتجربة، فإن أجاب بالصواب، كان الاحتمال الرياضي هو1 . فإن أجاب عن5 السؤال الذي يتعلق بالبطاقة الموالية، وقال إن لونها أبيـض، وأصاب، كان الاحـتمال :
1 = 1 x 1 . وإذا قال البطاقة الثالثـة صفراء وأصاب، أصبح الاحتمال كالآتي :
50 10 5
1 = 1 x 1 ... وهكذا. وإذا تكررت أجوبـتـه الصائبة وكـثرت كان الاحتـمال
50 5 250
الرياضي ضئيلا للغاية، فلابد لحدوثه من تصور قدرة ما لهذا الشخص على الجواب الصحيح.
ومن التجارب النوعية: اختبار انتقال الرسوم عن طريق التليباثي، فالعالم يرسم شيئا على الورق، بحيث لا يراه الشخص الآخر الذي يحاول في الوقت نفسه محاكاة الرسم الغائب عنه3.
النتائج :
كان " رين " هو صاحب فكرة الأسلوب الإحصائي، وقد انتهى بعد سلسلة من التجارب إلى إثبات وجود ظواهر الاستشفاف وقراءة الأفكار ونحوها، وهي النتائج التي أقرها مؤتمر الإحصاء الرياضي – سنة 1937 بأنديابوليس-، واعتبرها سليمة من الناحية الرياضية1.
لقد أثبت رين وتلامذته، وكذلك الدكتور " ساول"، وجود هذه الظواهر بصفة قطعية، وتم تأكيدها بالمؤتمر الدولي للباراسيكولوجيا بأوتريخت سنة 1953. وكانت هذه النتيجة ثمرة عمل دام حوالي خمسة وسبعين سنة. والآن لم يعد الشك في وجود هذه الظواهر أمرا يعتبر، فهو يدل فقط على الجهل بالنتائج التجريبية المحصلة والتي تعد بالمئات2.
لقد خضع 4612 شخصا لتجارب عددها 3600634 تجربة تصنف كلها ضمن 145 سلسلة تجارب.. وكان هذا بين سنتي 1882 و 1939 فقط 3.
ويقول علم الاحتمالات الرياضية: إن حظ نجاح بعض التجارب بمحض الصدفة فقط هو : 1 . وبالنسبة لبعض الأشخاص الموهوبين فإن احتمال تفسير إصاباتهـــم
10.000
بالاتفاق هو 1 6.
100 مليون
تصنيف الظواهر الغريبة :
بدون أن أطيل على القارئ بتفاصيل جهود العلماء في هذا التصنيف7.. أكتفي بأن أقدم له التصنيف المعتمد اليوم، وهو التصنيف الأمريكي8:
ظواهر الباراسيكولوجيا نوعان :
الأول : الاستشفاف والمعرفة بغير الأساليب المعتادة، وهي التي تسمى بالإنكليزية: Extra-sensory perception. وتكتب في تصانيف الباراسيكولوجيا اختصارا هكذا: ESP.
وهذه الظواهر بدورها نوعان:
1- الرؤية عبر المكان. وفيها: التخاطر عن بعد، أو التليباثي؛ والإبصار عن بعد، أو الجلاء البصري.
من أمثلة التخاطر أن السيدة " ميلس" كانت تقترح صورا بذهنها فقط، فترسمها سيدة أخرى – هي رمسديم- تبعد عنها بـ: 700 كلم، وكانت رسومها أحيانا دقيقة9.
2- الرؤية عبر الزمان: بما فيها العلم بأحداث ستقع في المستقبل.
الثاني: تأثير العقل أو الفكر أو النفس في المادة، (P K ظواهر)، بطريق اللمس أو بدونه. واليوم فإن كلا من ظواهر الاستشفاف والتأثير على المادة ثابتة، وإن كانت الأولى أقوى ثبوتا وأرسخ1.
مثال ملكة التوقع :
ومن أهم ظواهر ESP التي أثبتت الباراسيكولوجيا وجودها عند الإنسان: المقدرة على التنبؤ ببعض الوقائع المستقبلية2. ويقول المختصون : إن هذه الملكة – وسواها مــن
قدرات الاستشفاف – توجد عند كل الناس، ولذلك فهي ملكة إنسانية عامة. بل لوحظ وجود بعضها حتى عند بعض الحيوانات. لكن هذه المقدرة لا تعمل عند كل أحد، فهي في الأكثر خامدة هامدة في أعماق النفس3. ثم هي في غيرهم تظهر بطريقتين:
1-إما في مرات قليلة في العمر كله، وأحيانا مرة واحدة فقط إثر حادثة كبيرة يتعرض لها الشخص، أو واحد قريب له.
2-وإما أكثر من ذلك، حتى إن بعض الموهوبين يستحضر قدرته هذه متى يشاء؛ إلا أن دراسة نشاط المخ عند هؤلاء لم تكشف عن شيء يميزهم عن الناس العاديين4.
المؤهلون – أكثر- لهذه المقدرة :
ويظهر أن هؤلاء المؤهلين – أكثر من سواهم – للتصرف في هذه المقدرة هم من النوع العاطفي الحساس اللاعقلاني، والذي يعتمد كثيرا على الحدس. ولوحظ أيضا أنهم شديدو الثقة في أنفسهم5.
لكن أهم ما يميز هؤلاء هو أنهم أكثر الناس استعدادا للدخول في نوع من المس أو الغيبوبة Transe، وبسهولة6.
حالة المس أو الغيبوبة، Transe:
تتميز هذه الحالة بضعف القدرات الواعية والجسدية لمن يدخل فيها، فهي وهن شامل وحال بين اليقظة والنوم7.
وهذه الحالة أنواع، فمنها شكل يشبه التنويم المغناطيسي، ومنها شكل يشبه التملك "الشيطاني" في جلسات استحضار الأرواح8.
وقد كشفت الدراسة الفيزيولوجية لنشاط الدماغ أن حالة الغيبوبة هذه – التي تحدث لبعض الموهوبين – تشبه مرحلة معينة في النوم، ولذلك يُعتقد أن الأحلام التنبؤية تحدث في هذه المرحلة بالضبط9.
وهذه الحالة من الضعف والغيبوبة هي – في الأصل – تلقائية، لكن يمكن لبعض الأشخاص أن يحدثوها، إما بمحض الإرادة، أو بالاستعانة بعوامل خارجية، ومنها:
1-الأساليب القديمة، كجلسات السحر.
2-استعمال أشياء، مثل: البلورات والمرايا اللامعة...
3-بعض المواد المخدرة. وقد درس العلماء بعضها: نبات البيتول، وإيبوكا، والكحول، حتى القهوة لها أثرها1.
فهذه عبارة عن محفزات تدفع بملكة التنبؤ والاستشفاف إلى الظهور والعمل. وقد أصاب ابن خلدون حين نبه على أن هذه الأشياء – مثل المرايا- ليست مقصودة لذاتها، بل لجمع القدرة وتركيزها2.
إشكالية تفسير قدرات الاستشفاف (ESP):
هذا كله مما انتهت الباراسيكولوجيا منه ومن إثباته منذ زمان، لكن تبقى المشكلة الأساسية في تفسير هذه القدرات الغريبة3.
وقد كانت هذه المشكلة سببا لهجران كثير من الناس هذا العلم فترة محددة، بأوربا عامة وبفرنسا خاصة، وذلك حين قام عالم كبير في البيولوجيا – وهو " ريشي " – بدراسة الظواهر الغريبة، فانتهى – بعد جهد ضخم- إلى القول بأن الإنسان يملك حاسة سادسة، لكنه اعترف بأنه لم يجد أي تفسير لها. فيئس الناس من جدوى البحث. ويرجع فضل العودة بالناس إلى الباراسيكولوجيا إلى أبحاث العلماء الأنجلوساكسونيين الذين حققوا بعض التقدم في فهم ظواهر الاستشفاف خاصة4.
وتوجد في هذا الموضوع نظريات قديمة، مثل نظريات: مسمر، ورايشنباخ، وثوري...5 لكنني أفضل أن أقتصر على ذكر النظريات المعاصرة، وباختصار شديد.
يوجد بالباراسيكولوجيا اتجاهان رئيسيان في التنظير للظواهر الغريبة:
الأول: يعتبر أن الرابط بين الشخص والموضوع –كالفردين في حالة التخاطر عن بعد، أو فرد وشيء كبطاقة أو نرد أو طاولة ...في حالة ظواهر تأثير الفكر في المادة (Pk)- ... الرابط فيزيولوجي، وهو عبارة عن طاقة. ومبنى هذه النظرية القياس على طريقة عمل الحواس الخمسة. ثم تفرع هذا الاتجاه إلى ثلاثة آراء:
أ-نظرية المذياع العقلي، أي يوجد تواصل طاقي بين دماغي الشخصين، في حالة التليباثي مثلا.
ب-نظرية أخرى تقول إن الأشياء نفسها تبعث للإنسان إشارات تعينه على أن يدركها ويعرفها.
ج-نظرية الحاسة السادسة، بمعنى أن في كل إنسان حاسة أخرى غير الحواس الخمس، وغاية ما في الأمر أنها خامدة في الأغلب1.
الثاني: يقول إن الرابط بين الشخص والموضوع غير مادي، فهو نفسي، ولذلك فظواهر الاستشفاف ثمرة عمل لاشعوري. واعتبر هؤلاء أن الاتجاه الأول مجرد تهرب من حقيقة وجود الروح2.
وهذا رأي أكثر علماء الباراسيكولوجيا، خصوصا من الأنجلوساكسونيين، ولذلك يوجد اتفاق عام اليوم على أن الظواهر الغريبة (ESP+PK) لها علاقة وطيدة بعالم النفس – أو الروح- الإنسانية3.
ويقول بعض علماء هذه المدرسة: إن اللاشعورات تتلاقى فيما بينها وتتواصل كما تتلاقى العقول وتتناقش، وهذا ما يفسر وقائع الاستشفاف، ففي ذلك العالم لا يوجد زمان ولا مكان، لا ماض ولا مستقبل...4.
ويرى أمادو5 بأن جميع هذه النظريات يمكن أن تكون خاطئة، فمجال الباراسيكولوجيا غامض ومعقد. ويضرب لذلك مثلا، وهو نظرية يونغ:
رأي يونغ :
يعتقد هذا العالم النفساني الكبير أن الظواهر الغريبة تجري في عالم آخر فوق حدود الزمان والمكان، ولهذا لا يمكننا دراستها بأسلوبنا المعتاد الذي هو بحث عن الأسباب والمسببات، في إطار مفهومي الزمان والمكان. ولذلك نخطئ حين نتصور أن الشخص الذي يتنبأ مثلا يشعر بأمر يحدث خارج ذاته، أو يقرأ أفكار غيره. بل الصواب – يقول يونغ- هو أن هذين الأمرين مختلفان، إلا أنهما يحدثان معا، دون أية علاقة سببية. إن في الوجود عالمين متجاورين، وهذه المدارك الغريبة في الإنسان )مثل ظواهر (ESP تتصل بالعالم الآخر وتتلاقى معه.
هكذا يقترح يونغ مفهوم " التزامن "، ففي الوجود نظامان: نظام الأسباب، ونظام المعاني، وكلاهما يُسير العالم. وفي نظام المعاني يوجد فقط قران بين الأمرين، كما في التخاطر مثلا، لا سببية بينهما... لكن هذا القران يحمل معنى ويفيد مغزى6.
الخلاصة :
الموضوع إذن معقد، وبعضهم يرى أنه من المستحيل أن نصل إلى اكتشاف حقيقة قدرات الاستشفاف عند الإنسان7. ومن المختصين في الباراسيكولوجيا من يرجع بعض الظواهر الغريبة إلى ما يسمونه بـ: " الأرواح"8. كما توجد نظريات خاصة بتفسير ملكـة التوقع لكنها لا تقوم على أساس صلب، ولا تفسر جيدا هذه القضية9. فلنكتف الآن بما ثبت من وجود قدرات إنسانية غير طبيعية، وإن عجزنا عن تعليلها. فهذا مثال هام لقضايا الباراسيكولوجيا ، ويبقى الاطلاع على كتاب ما في هذا الفن مما يكتبه المختصون لا المشعوذون أمرا ضروريا لاستيعاب"علم الغرائب هذا""‼
__________
* أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس، المغرب.
1 راجع : Yvonne Castellan : La parapsychologie P 7
Robert Amadou : La parapsychologie, essai historique et critique P 45
2 Amadou : la parapsychologie P 31
في أكثـر الحـالات تستعمل في اللغـات اللاتينية كلمـات: Métapsychologie parapsychologie، بمعنى واحد. راجع Amadou : La parapsychologie P 13-14 وكلمة باراسيكولوجيا أحدث.
1 Robert Amadou: La parapsychologie, P30-31 Castellan : La parapsychologie, P25. 42-43.48.61
وفي هذه الكتب أمثلة وقصص واقعية كثيرة لهذه الظواهر، وكذلك في كتاب ويلسون : الإنسان وقواه الخفية. وانظر أيضا: السحر وتحضير الأرواح، خاصة الفصل الثالث: البصيرة النافذة، ص 52 فما بعدها. عدا ما في تراثنا الإسلامي مما يحتاج إلى دراسة مستقلة.
2 راجع: الأطباق الطائرة والأشباح،لصبحي سليمان، ومقالة سعد شعبان:"تصوير زوار قادمين من الفضاء " بمجلة العربي، عدد 449، أبريل 1998".
3 Amadou : la parapsychologie. p32.36
4 علم النفس التربوي ، ص 435.
5 راجع : مقدمة في التربية وعلم النفس، لعبد الرحمن النقيب وصلاح مراد، ص 136 فما بعدها. وعلم النفس التربوي، ص 464 فما بعدها.
1 علم النفس التربوي ، ص 435.
2 Amadou : La parapsychologie. P 35
3 تهتم الإخفائية بالكيمياء الخفية والقبلانية اليهودية والتصوف والباطنية .. وبظواهر السحر والتنجيم .. وما إلى ذلك. راجع كتابا في هذا التيار "الروحاني" الغربي، وهو : L'ésotérisme خصوصا ص: 120 إلى 124.
4 انظر: Castellan : La parapsychologie, P 15 à 17. والمغناطيسية الحيوانية هي : Le magnétisme animal. أما Franz Mesmer فطبيب ألماني كان يقول إنه اكتشف هذه المغناطيسية ويستطيع توجيهها واستعمالها لعلاج أمراض كثيرة. وقد نجح في بعض ذلك، خصوصا بباريس، حيث تأسست جمعية خاصة من أتباعه. توفي سنة 1815. وانظر تفاصيل أخرى عن مسمر وعمله في : الإنسان وقواه الخفية، ص 149 إلى 154. وأكثر تراجم الأعلام الأجنبية هنا مأخوذة من موسوعة: Petit Robert.
1 راجع حول جهود علماء نهاية القرن 19 في هذا المضمار:
Amadou: la parapsychologie.p43.57 à 62. 93 à 107 و William Crookes كيميائي وفيزيائي بريطاني، له اكتشافات هامة في الغازات تعرف باسمه. توفي سنة 1919.
2 انظر : Amadou : La parapsychologie. P 47-48 و Joseph Banks Rhine مؤسس الباراسيكولوجيا المعاصرة، له كتاب عن ظواهر ESP وأسس " مجلة الباراسيكولوجيا ". وهو أمريكي توفي سنة 1980.
Amadou : La parapsychologie, p 57 à 62, 90. 104 à 117 3
4 Amadou : La parapsychologie P 293 هايكل فيلسوف سويسري من القرن 19 وهو غير البيولوجي الألماني إرنست هايكل الذي توفي سنة 1919.
5 راجـع رأيه في الباراسيكولوجيا في كتابه : Quelques sciences captivantes P 151 et après، لكنه – بصفة عامة- يحاول أن يتجاهلها.
1 عن: Castellan : La parapsychologie, P 9 والقائل هو Arago
2– Amadou : La parapsychologie. P 21-22.25-26.73 أكثر ظواهر التدليس انتهت حين أصبح علماء الباراسيكولوجيا يحضرون معهم خبراء في الشعوذة وممارسين لها، انظر: p72.
3 Amadou : La parapsychologie P 28-29
4 Amadou : La parapsychologie P 29
1 كشف الظنون، مقدمة في أحوال العلوم، 1/15.
2 إرشاد القاصد، ص 70.
3 راجع أول دراسة كاملة ومتخصصة –بالعربية- لموضوع الكهانة، وهي كتابي: النظرية الإسلامية للكهانة. مؤسسة الرسالة، بيروت، 2003.
1 كشف الظنون، 2/1525.
2 معالم السنن، كتاب الطب، باب النهي عن إتيان الكاهن، 4/211.
3 تبليغ الأمانة، ص 197.
4 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 6/761.
5 معالم السنن، 4/211. من هؤلاء الكهنة سواد بن قارب الدوسي، وقد تاب وصحب النبي صلى الله عليه وسلم. راجع قصته في: هواتف الجنان، ص 41 فما بعدها.
6 المفهم، 5/633.
7 كشف الظنون، 2/1525. المقدمة، ص 76-77.
1 رواه البخاري في كتاب الطب، باب 46، وكتاب الأدب، باب 117، وكتاب التوحيد باب 57. ورواه مسلم في كتاب السلام، حديث 123. وأحمد في المسند... عن عائشة.
2 الفتاوى، 10/90-91.
3 التحرير والتنوير، 14/32-33، سورة الحجر.
1 راجع قصة ابن صياد:صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي . وكتاب الجهاد والسير، باب كيف يعرض الإسلام على الصبي. وفي صحيح مسلم، كتاب الفتن، باب ذكر ابن صياد. وفي سنن أبي داود، أبواب الملاحم، والترمذي، أبواب الفتن.
2 راجع : مروج الذهب، 2/172 فما بعدها. مفتاح دار السعادة، ص 493. لباب الإشارات والتنبيهات، ص 195،196، 199، 200. ومن المعاصرين سيد قطب في : "في ظلال القرآن" ، 1/128، البقرة 102. وانظر: تهافت الفلاسفة، للعلاء الطوسي، ص 311.
3 كشف الظنون، 2/1131. وانظر: مفتاح السعادة ومصباح دار السيادة، 1/332، لطاش كبرى زاده. وانظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 6/755، 773.
4 المقدمة ، ص 80.
1 راجع التفاصيل في : مروج الذهب، 2/160. المفصل ، 6/737.
2 رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب إسلام عمر. والجليح: الوقح المكافح بالعداوة، أو هواسم علم. والنجيح من النجاح.
3 رواه الشيخان، وأصحاب السنن كالترمذي في الرؤيا. وهذا لفظ البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب 53، حديث 3469.
4 الكواكب الدراري، 14/101.
5 انظر : المفهم، كتاب النبوات، باب فضائل عمر، 6/259-260. فتح الباري، 7/407-408.
6 عارضة الأحوذي، كتاب الرؤيا، باب ما جاء في رؤيا النبي الميزان والدلو، 9/147.
7 عارضة الأحوذي، كتاب المناقب، باب 17، 13/149-150.
1 ومنهم : البيهقي وأبو نعيم وابن مردويه واللالكائي والخطيب عن ابن عمر بإسناد حسن، كما قال الهيثمي في الصواعق المحرقة، ص 155.
2 عن : الصواعق المحرقة، ص 155-156.
3 الفتاوى، 10/88.
4 خصوصا في كتبه: الروح، وزاد المعاد، والطرق الحكمية، ومدارج السالكين .. وأهم هذه المراجع على الإطلاق هو كتاب الروح. أما " مفتاح دار السعادة "، و"حادي الأرواح" ونحوها .. فليس فيها - عكس ما قد يعتقد- كلام مفصل في قضايا الباراسيكولوجيا.
1 الروح، ص 268.
2 الروح، ص 287.
1 الروح، ص 296.
2 الروح، ص 310.
3 الروح، ص 64.
4 الروح، ص 67-68.
5 الروح، ص 158.
6 الروح، ص 313.
7 انظر: الروح، ص 38 فما بعدها. وراجع مقالي: الرؤى و الأحلام، رؤية شرعية ونفسية، بمجلة " الرابطة " السعودية، عدد467، وفيه بحث مقارن لقضية الرؤيا بين الإسلام والباراسيكولوجيا.
8 الروح، ص 281.
1 الروح، ص: 159.
2 الروح، ص: 369، 383.
3 الروح، ص: 111.
4 زاد المعاد في هدي خير العباد، 3/61.
5 رواه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الحجر ، والطبراني في المعجم الكبير.
1 الروح، ص 347.
2 راجع: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، ص 13 إلى 70.
3 الروح ص، 312. ومثل هذا الكلام تجده أيضا في زاد المعاد، 3/78-79.
4 3/ ص 79 فما بعدها.
1 من مقال: ابستيمولوجيا المعقول واللامعقول في مقدمة ابن خلدون، ص 65، لمحمد عابد الجابري. مجلة أقلام، مارس 1979.
1 المقدمة، ص: 76.
2 راجع: المقدمة، صفحات 76 إلى 90، 354 ... وجاء أكثر ذلك ضمن " المقدمة السادسة في أصناف المدركين للغيب من البشر بالفطرة أو بالرياضة، وكذلك ضمن الفصل السادس في آخر المقدمة: في العلوم وأصنافها... خاصة فصول: تعبير الرؤيا، وعلوم السحر والطلسمات، وعلم الكيمياء، والطب الروحاني ...
3 انظر : المقدمة، ص 72-73.( في تفسير حقيقة النبوة في أول المقدمة السادسة)
4 المقدمة، ص 369، ( فصل علوم السحر والطلسمات ).
5 المقدمة ، ص 73 إلى 75. ( المقدمة السادسة ).
6 المقدمة ، ص 350-351، 354-355، 369.(فصل علم التصوف ضمن الفصل السادس :في العلوم وأصنافها،بآخر المقدمة).
1 المقدمة، ص: 73.(المقدمة السادسة).
1 شرح العقيدة الطحاوية، 2/766. وراجع أيضا: مجموع فتاوى ابن تيمية، 10/ص 80 إلى 83.
2 مجموع الفتاوى، 10/89.
3 روح المعاني، 23/201، سورة ص .
1 راجع للتوسع: آكام المرجان، للشبلي، الباب 44: في تسخير الجن للإنس وطاعتهم لهم، ص 87. والباب 48: في السبب الذي من أجله تنقاد الجن والشياطين للعزائم والطلاسم، ص 97. فتاوى ابن تيمية، 11/307. الجن في القرآن والسنة، ص 119 فما بعدها.
2 روح المعاني ، 23/202.
3 آكام المرجان، ص 134. وانظر فيه من الباب 64 إلى 67، وفيه بعض إخبارات الجن عن بعض الأحداث التي غابت عن علم الناس. ص 130 فما بعدها. وفي فتاوى ابن تيمية أيضا بعض هذه الأخبار، 19/63، ومنها سؤال أبي موسى الأشعري لامرأة لها قرين من الجن عن بعض أحوال عمر، فأخبره أنه تركه يسم إبل الصدقة.
4 وهم في الغالب الجن القادر على الطيران، كما يشير إلى ذلك الحديث الصحيح الذي رواه أبو ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم: " الجن على ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلّون ويظعنون". انظر : هواتف الجنان، ص 34.
5 آكام المرجان ، ص 135
1 مجموع الفتاوى، 19/62.
2 راجع التفاصيل في : الفتاوى، 10/87 إلى 89. 19/34-35 .
3 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، 3/312-313.
1 عن : مجمع الزوائد ، 5/117.
2 قال الهيثمي: رواه أيضا البزار عن جابر بن عبد الله، ورجاله رجال الصحيح، خلا عقبة بن سنان، وهو ضعيف. مجمع الزوائد، 5/117. وللحديث طرق أخرى، فهو إذن حسن.
3 رواه الحاكم وأحمد، وهو حسن، كما في الجامع الصغير، 2/549. ومثله عند البزار والطبراني في الكبير، وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد، 5/118.
4 معالم السنن، 4/212.
5 تبليغ الأمانة، ص 195.
6 الدر النضيد، 13.
7 راجع: المفهم، 5/635. نيل الأوطار، 7/367. السراج المنير، 3/314.
1 كشف الظنون، مقدمة في أحوال العلوم، 1/13. وراجع ما قاله ابن الأكفاني في : إرشاد القاصد، ص 6-7.
2 راجع تمام الحديث في : صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب 40. أو في سنن النسائي، في السهو، باب 19. رواه ايضا أحمد في المسند.
3 راجع : تفسير ابن كثير، 1/181-182، البقرة آية 101.
4 إرشاد القاصد، ص 67.
5 مفاتيح الغيب، 3/232.
6 تفسير ابن كثير، 1/198.
1 الفروق، 4/164-165.
2 الإعلام بقواطع الإسلام، ص 99.
3 رواه الأئمة الستة ومالك وأحمد.. خصوصا في كتابي النكاح والقضاء.
4 كشف النقاب، ص 168.
1 لا يمكنني أن أفصل هنا الكلام في قضية اختلف فيها الفقهاء المالكية منذ قرون، وجرت بينهم بصددها مناقشات ومراسلات. لكنني أحيل القارئ على بعض المصادر في الموضوع: المعيار المعرب، لأحمد الونشريسي، الجزءان السادس والثاني عشر. الموافقات، للشاطبي، الجزء الأخير. شرح حدود ابن عرفة، لأبي عبد الله الرصاع. وفي كتابي:" من أصول الشريعة الإسلامية: الاحتياط" فصل واف في مراعاة الخلاف، وهو الثاني من الباب الرابع.
2 علم النفس التربوي، ص 474.
3 مقدمة في التربية وعلم النفس، ص 140.
4 شرح العقيدة الطحاوية، 2/753-754.
1 للرازي كلام جيد في هذه الظواهر، راجعه إن شئت في تفسيره: 3/226 إلى 228، البقرة 102. كما علَّل واقع كون كثير من أصحاب بعض هذه القدرات غير العادية هم من النساء، انظر: مفاتيح الغيب، 32/195، سورة الفلق.
2 تفسير ابن كثير، 1/182-183، البقرة 101.
3 شرح العقيدة الطحاوية، 2/747.
1 الإعلام بقواطع الإسلام، ص 39.
2 مجموع الفتاوى، 2/52.
1 انظـر: Castellan: La parapsychologie. P 71 à 74. (واسـم البـاحـث بالحـرف اللاتينـي: (Dr Eugène Osty
2 Amadou: La parapsychologie, p 191.
3 الإعلام، ص 108، وراجع في هذا الكتاب، ص 107، الفرق بين المعجزة والسحر.
4 راجع مقالي: الروحية الحديثة وحكمها في الإسلام، المنشور في مجلة: التقوى، لبنان، عدد، أبريل3 200.
1 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، 3/311.
2 أنظر حول هذه الجلسات: Le spiritisme, P 15 à 21.
3 راجع: عالم الجن والشياطين، ص 96، 99 .مجموع فتاوى ابن باز، 3/312.
4 هذا لفظ أحمد في مسنده عن ابن عباس، ورواه أيضا مسلم في الصحيح والدارمي في الرقاق.
5 راجع: آكام المرجان، ص 35. الجن في القرآن والسنة، ص 139 فما بعدها، الباب الثالث: تكليف الجن وما كلفوا به.
6 Le spiritisme, P 90 à 95
7 أنظر: Le spiritisme, P 90 à 95.
1 انظر: Amadou : La parapsychologie, p 27 – 28, 81.
2 راجع في هذه المسألة: Amadou : La parapsychologie, p 32, 36.
3 روى أبو الشيخ في العظمة بأسانيد ضعيفة، أحاديث 956 إلى 960، ص 324، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله مسيرة شمسنا هذه أربعين يوما، وفيها خلق كثير لا يعصون الله، بل لا يعلمون أن الله تعالى يُعصى في الأرض. قالوا: يا رسول الله، من ولد آدم؟ قال: لا يعلمون أن الله خلق آدم، قالوا: يا رسول الله، فأين إبليس منهم؟ قال: لا يعلمون أن الله خلق إبليس. ثم تلا النبي الكريم: (ويخلق ما لا تعلمون)، النحل 8.
1 Amadou : La parapsychologie. Essai historique et critique. p 165. 176.
2 راجع : Amadou : La parapsychologie. p 142 à 150. 160 à 162
3 Amadou : La parapsychologie. p 174.
1 Amadou : La parapsychologie. p 163
2 Amadou : La parapsychologie. p 184 – 185
3 Amadou : La parapsychologie. p 169
6 Amadou : La parapsychologie. P 167.182
7 راجع : Amadou : La parapsychologie. p 40-41
8 انظر التفاصيل في: Amadou : La parapsychologie. p 46.211.275
Castellan : La parapsychologie. p 100-101.
9 Amadou. p 119 راجع أمثلة أخرى في : Amadou : La parapsychologie. p 79, 110
1 Amadou : La parapsychologie, p 36. Castellan : La parapsychologie, p 100-101.
2 Amadou : La parapsychologie, p 224, 226.
3 . Amadou : La parapsychologie. p190 وراجع: الإنسان وقواه الخفية، ص 28 .
4 .Amadou : La parapsychologie. p191 وانظر: الإنسان وقواه الخفية، ص 162 إلى 164.
5 Amadou : La parapsychologie. p199-200 La Voyance. p 21. .وراجع كذلك ما كتبه ويلسون في الفصل الثالث: الشاعر عالما بالغيب، من كتابه: الإنسان وقواه الخفية، ص 51 فما بعدها.
6 La parapsychologie, p 197.
7 La parapsychologie, p 192. Amadou : وانظر وصفا مفصلا لهذه الحالة في : ص 202. وقارن بـ : ص 98. وراجع أيضا: السحر وتحضير الأرواح، ص 147.
8 La parapsychologie, p 194-195. Amadou : وانظر حول التملك الشيطاني أيضا : 92-91 p.
9 Amadou : La parapsychologie. p 196-197.
1 Amadou : La parapsychologie. p 193 وقـارن بـ : La Voyance. P 7.22.24 .. و العشبتان هما : Iboga, Peytol
2 المقدمة ، ص 76 .
3 Castellan : La parapsychologie. p 33, 60, 105-106
4 Castellan : La parapsychologie, p 79 à 83
5 راجعها في : Castellan : La parapsychologie, p15 à 18, 20 à 22, 49,57. Amadou: La parapsychologie, p 64 à 69 (Marc Thury, Von Reichenbach
1 Amadou : La parapsychologie, p 242 et aprèsوانظر أيضا : الإنسان وقواه الخفية، ص 11 فما بعدها.
2 Amadou : La parapsychologie. p 203. 250.
3 Castellan : La parapsychologie, p 101.Amadou : La parapsychologie. p 250.
4 Castellan : La parapsychologie, p 41. Amadou : La parapsychologie, p 251.
5 Robert Amadou كاتب فرنسي في المجال الغيبي والباطني، وهو صاحب كتاب هام في الباراسيكولوجيا في الفرنسية. وهو الذي اعتمدته هنا.
6 راجع التفاصيل في : Amadou : La parapsychologie, p 237 et après وانظر الخلاصة في : Castellan : la parapsychologie , p 113.115 والمفهوم هو Synchronicité بالحرف اللاتيني.
7 La Voyance, p 7.
8 Castellan : La parapsychologie, p 65-66.
9 راجع هذه النظريات – وهي أشبه بالتخمينات – في : Amadou : La parapsychologie, p 262 à 271.