المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عالم الغيب



شيخ الأسرار الباطنية
09-03-2011, 13:32
http://i775.photobucket.com/albums/yy39/Joj_Alflasi/f0078418_21552871.jpg
أكبر صفات المتَّقين أنهم يؤمنون بالغيب ، فما هو الغيب ؟ هناك عالَم الشهود ، وهناك عالَم الغيب ؛ عالَم الشهود ما تشاهده ، ما تسمع به ، ما تشُمُّه ، ما تُحِسُّ به ، تسمعه ، أو تراه ، أو تشمُّه ، أو تتذوَّقه ، أو تحس به ، المعلومات التي تأتينا عن الحواس الخمس ، عالم الشهود ؛ هذا الضوء متألق ، وهذه المروحة تدور ، وهذا الصوت يُكَبَّر نعرفه بآذاننا .

، لذلك قالوا : " ليس مع العين أين " ، ليس مع العين أين الدليل ؟ لا نحتاج مع العين إلى دليل ؛ لا يختلف البشر جميعاً على المحسوسات ، لذلك العلوم المادية متَّفق عليها في كلِّ قارات الأرض ؛ علم الفيزياء ، والكيمياء ، والضـوء ، والميكانيك ، والحرارة ، وعلم المستحثات .

العلوم المادية ، ليس بين علماء الأرض خلافٌ حولها إطلاقاً ، لأن الحس يقيني ، هذا هو عالَم الشهود ، الشيء الذي تدركه بسمعك ، تسمع صوته ، أو تراه بعينك ، أو تلمسه بيدك ، أو تشُمُّه بأنفك ، أو تتذوَّقُه بلسانك ، هذا عالم الشهود .

قد تتوهم أن الحـواس خمس ، والحقيقة الحواس أكبر من خمس بكثير ، أمامك وعاءان مغلقان ، فأيهما ممتلئ وأيهما فارغ ؟ لا تعرف بأذنك ، ولا بعينك ، ولو وضعت يدك على الوعاء ، ولا بيدك ، ولا بأنفك ، ولا بلسانك ، تحمل أحد الوعاءين تراه خفيفاً ، تحمل الثاني فتراه ثقيلاً ، هذه حاسة إدراك الثقل ؛ إذا وضعت وعاء تحت الصنبور ، كلّما ازداد الماء في الوعاء تشعر أن يدك تقاوم أكثر ، يزداد الوزن ، تشعر من خلال عضلاتك أن الوزن يزداد ، هذه حاسةٌ أيضاً ؛ تُعطى قطعتين من قماش من مستوى واحد ، بالشكل واللون ، أيُّهما أَرَقّ ؟ تأتي بإصبعين ، تعرف من خلال الإصبعين سماكَة الشيء ، هذه أيضاً حاسة ؛ تنام على السرير نوماً مديداً ، تضغط العضلات مع الهيكل العظمي على العضلات التي تحت الهيكل العظمي ، فهناك مراكز ضغط في العضلات تُنْبئ الدماغ أن الضغط اشتد ، والأوعية ضاقت لمعتها ، والتروية ضعفت ، وحدث حس بتنميل وخدر ، تذهب هذه المعلومة إلى الدماغ ؛ يعطي الدماغ أمراً ، فيتقلَّب النائم ثمانٍ وثلاثين مرة ذات اليمين وذات الشمال ، فإدراك الضغطِ هذا قوةٌ إدراكية عند الإنسان ؛ إدراك الثقل قوة إدراكية ، إدراك الثخانة قوة إدراكية ، غير السمع ، والبصر ، والشم ، والذوق ، واللمس ؛ نحن ألفنا أنَّ الحواس خمس ، ولكن هناك قوىً إدراكية عند الإنسان كثيرة جداً .

استواء البشر و غير البشر في عالم الشهود :

كيف يشعر الإنسان أنه جائع ؟ يا ترى المؤشر صوتي ؟ لا ، جائع وهو ساكت ، فهل المؤشر كيماوي ؟ لا نعرف ، ضوئي ؟ لا نعرف ، عصبي ؟ لا نعرف ، نعرف أننا جائعون ، نريد أن نأكل ، هذا أيضاً إدراك ؛ يحس الإنسان بالعطش أحياناً ؛ فالإحساس بالجوع ، والإحساس بالعطش ، وتقدير سماكة الشيء ، وتقدير وزن الشيء ، والمُدركات الأُخرى هذه كُلُّها من عالَم الشهود .

أيها الأخوة ، هذه الحواس الخـمس ، وغير الخمس كثيرة جداً ، وهذه من هداية المصلحة ؛ هدانا إلى مصالحنا ، الإنسان يتوازن ، راكـب الدرَّاجة إذا مال درجتين يدرك فيصحّح ، لولا جهاز التوازن لما استطاع أحد أن يركب دراجة ، ولا أن يمشي على قدمين إطلاقاً ؛ انظر إلى المجسَّمات في محلات بيع الألبسة تحددها تستند إلى قاعدة كبيرة جداً ؛ لا يوجد ميت يقف على قدميه ، من يقدر أن يوقف ميتاً ؟ إنه يقع لأن جهاز التوازن تعطل ، أما الإنسان يمشي بقدمين لطيفتين ، يتنقل لأنه متوازن ، فالتوازن إحساس ، اختل التوازن ؛ الإنسان أحياناً يأكل أكلة متفسِّخة ، يتقيَّؤها رأساً ، أدرك أن الطعام فاسد ، حدث القيء ؛ القيء أساسه إدراك ، التوازن أساسه إدراك ، الجوع أساسه إدراك ، العطش أساسه إدراك ، معرفة وزن الشيء أساسه إدراك ، معرفة ثخانته إدراك ، تتم معرفة أشياء كثيرة هذه كلها عن طريق الإدراك ، هذا عالَم الشهود ، يستوي فيه البشر جميعاً ، ويستوي فيه البشر وغير البشر .

عالم الغيب :

ما هو عالَم الغيب ؟ الغيب كل شيءٍ غاب عن حواسِّنا وعن مدركاتنا ؛ يؤمن الحيوان بحواسِّه ، أما الإنسان فهو مُكَرَّم أعطاه الله قوةً إدراكية تزيد عن حواسه الخمس وعن مدركاته الحسِّية ؛ أعطاه الله عقلاً ، بالعقل تؤمن بالغيب ، الشيء الذي غاب عنك تدرِكُه بعقلك ؛ تمشي في طريق ترابي تجد أثر عجلتين ، تقول : مرَّت من هنا سيارة ، ولعلها صغيرة لقلة المسافة بين العجلتين ، ولعلها كبيرة ، ولعلها شاحنة كبيرة ، أنت لم تر السيارة ، ولكن رأيت آثارها ، فعن طريق العقل أيقنتَ بأن هناك سيارةً مرت ؛ البعرةُ تدل على البعير ، والماء يدلُّ على الغدير ، أفسماء ذات أبراج ، وأرضٌ ذات فجاج ، ألا تَدُلاَّن على الحكيم الخبير ؟

المدرِكات الحسية تجعل الإنسان مع عالم الشهود وجهاً لوجه لأن أساسه الحواس الخمس:

أساس عالم الشهود الحواس الخمس وكل أدوات الإدراك الحسية ؛ من وزن ، من ثخانة ، إحساس بالجوع ، إحساس بالعطش ، إحساس بالتوازن ، إحساس بفساد الطعام ، إحساس بالانضغاط .

أحياناً يزداد اللعاب في فمك ، وأنت نائم ، وأنت غارق في النوم ، وأنت ترى مناماً معيناً ، تذهب إشارة من الفم إلى الدماغ ، زاد اللُّعاب عن حده المعقول ، يعطي الدماغ أمراً للسان المزمار ، يغلق فتحة الهواء إغلاقاً محكماً ، ويفتح فتحة المريء فتحاً واسعاً ، فالإنسان يبتلع ريقه وهو نائم ، لولاها لوجدت ريق الإنسان على الوسادة ، وأنت نائم هناك عملية معقدة جداً للسان المزمار ؛ وتتم أنت نائم عمليَّات أخرى كالتقَلُّب يُمْنَةً ويُسرةً ؛ فالمدركات الحسية ، وأدوات الإدراك الحسية ، والحواس الخمس هذه أداتُك إلى عالَم الشهود ، وهذه من نعمة الله الكبرى ، هذه هداية ولكنها هداية المصالح .

وأنت تعلم ما حولك عن طريق الحواس ، تقول : توجد رائحة كريهة في البيت ، الرائحة أحد وسائل إدراك الأشياء ، تنتهي وظيفة عينك في العبث عند الجدار ، بينما تمتد أذنك إلى ما بعد الجدار ؛ فتقول : هناك حركة في البيت ، من دخل إلى البيت ؟ من فتح الباب ؟ وأنت جالس في غرفتك عينك لا تكشف أما الأذن فقد كشفت ؛ أما لو أن حشرةً ماتت ، أو فأرةً ماتت تحت السرير ، فلا تسمع صوتها ، ولا ترى جُثَّتَها ، ولكن تشم رائحتها بعد حين ، تقول : هناك رائحة كريهة ؛ حتى الغاز الذي نستعمله ، الرائحة الكريهة في الغاز أُضيفَتْ له قصداً ، الغاز ليس له رائحة ، هذه الرائحة الكريهة في الغاز أضيفت له من أجل أن نشعر بالتسرب فلا يحترق البيت ؛ فهذه المدرِكات الحسية تجعلك مع عالم الشهود وجهاً لوجه ، ولكنك مخلوقٌ مكرم زُوِّدتَ بعقلٍ يدرك ما غاب عنك .

الغيب الشهودي غيبٌ له آثار ووسيلة إدراكه العقل :

الآن : الله جلَّ جلاله لا تدركه الأبصار ، الله جلَّ جلاله غَيبٌ عنك ، لكن الكون كله من آثاره ، فعن طريق العقل إذا أعملته تتعرف على الله عزَّ وجل بهذه المخلوقات هذا عالم الغيب ؛ عالم الغيب شيءٌ غاب عنك ولكن له آثاراً ، فأنت عندك حواس ، وأدوات إدراك لهذه الآثار، فهذه الحواس ، وأدوات الإدراك تَنقل إلى الدماغ معطيات الآثار ، والدماغ يحكم على الذي غاب عنك ؛ أول خصيصة للإنسان المؤمن أنه يؤمن بالغيب ، يؤمن بالله ولا يرى الله ، يؤمن بعظمة الله من خلال عظمة خلقه ، يؤمن بتسيير الله من التسيير الذي يراه بعينه ، يؤمن بالمسيِّر من التسيير ، يؤمن بالحكيم من الحكمة ، يؤمن بالمنظِّم من النظام ، يؤمن بالخالق من الخَلْق ، يؤمن بالمُبْدِع من الإبداع ؛ إن أكبر قضية في حياة المؤمن أن الله أعطاه عقلاً ، والكون كلُّه أثر من آثار الله عزَّ وجل ، فهذا العقل إذا وَجَّهْتَه إلى هذه الآثار دلّك على المؤثر

القضية بسيطة جداً ، أنت أمام جدار ، وراء الجدار دخان ، والقاعدة " لا دخان بلا نار " فإذا ذهبت إلى خلف الجدار رأيت النار بعينك ، " ليس مع العين أين " ، لا نريد دليلاً ؛ أما إذا ابتعدت عن الجدار ورأيت الدخان ، الآن يحكم عقلك من أثر النار على وجود النار ، تقول : لا دخان بلا نار ، ما دام هناك دخان إذاً يوجد نار ، مع أنَّك لم ترَ النار ، هذا أحد أنواع الغيوب ، غيبٌ له آثار ، شيءٌ غاب عنك وله آثار ، فوسيلة إدراكه العقل ؛ يمكن أن نسمي هذا الغيب : بالغيب الشهودي ، الغيب الذي له في عالم الشهود آثار .
وفي كل شيءٌ له آيةٌ .. تدل على أنَّه واحدٌ
***

كل ما في الكون ينطق بوجود الله و بوحدانيته :


كل ما في الكون ينطق بوجود الله ، كل ما في الكون ينطق بوحدانية الله ، كل ما في الكون ينطق بكمال الله ، كل ما في الكون ينطق برحمة الله ، ينطق بلطف الله ، ينطق بقوة الله ، ينطق بعلم الله ، كل ما في الكون ينطق بأسماء الله الحسنى ، لذلك الطريق الواضح الصارخ القصير ، أن تعرف الله من خلقه ..
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾ .
( سورة آل عمران)

لا زلنا في عالم الشهود ، تشعر بالحاجة إلى النوم ، هذه حاسة ، يقول لك : نعست لا أستطيع الاستمرار ، فما الذي أشعرك أنك بحاجة إلى النوم ؟ تَعِب الجهاز العصبي ، كيف ينقل لك هذا الجهاز أنه تَعِب وبحاجة إلى النوم ؟ هذا إدراك ، نمت ثماني ساعات ، استيقظت ، ما الذي أشعرك أنك قد أخذت قسطاً من الراحة ؟ الاستيقاظ أيضاً إدراك ، الأمثلة دقيقة وكثيرة جداً؛ عالم الشهود ، العالم المحسوس ، إنْ صوتاً ، أو شكلاً ، أو رائحةً ، أو ذوقاً ، أو ملمساً ، أو ثِقَل الأشياء ، وثخانة الأشياء ، والإحساس بالتوازن ، والإحساس بالجوع ، والإحساس بالعطش ، والإحساس بالحاجة إلى النوم ، والإحساس بالحاجة إلى الاستيقاظ ، الإحساس بأنه يجب أن نتقلب بالفراش ، الإحساس بأنه لا بدَّ أن نبتلع اللُّعاب في فمنا ، وما إلى ذلك من إحساسات لا يعلمها إلا الله ، وهي إحساسات لا تنتهي .

أنواع الغيب :

إذا انتقلنا إلى عالَم الغيب ، كل ما غاب عنك ، كل ما غاب عن حواسك الخمس ومدركاتك الحسية ، هذا هو عالم الغيب ، أعظم غيبٍ يجب أن تؤمن به الله ، غابت عنك ذاته وأمامك آثاره ، والأدوات العقل ، لذلك هناك معرفة عقلية ومعرفة حسية .
لكن يوجد شيء غاب عنك وليس له آثار ، الملائكة غائبةٌ عنا لكن ليس لها آثار ، الجن مخلوقاتٌ غابت عنا وليس لها آثار ، اليوم الآخر غاب عنا وليس له آثار ، هذه معرفة ثالثة.

الغيب الأول ، غيبٌ له آثار أداته العقل .
الغيب الثاني غيب الأخبار غيبٌ ليس له آثار ، أداته الأخبار فقط ، والخبر أساسه أن يكون صادقاً ، فإذا كان الخبر صادقاً هذه معرفة من نوع ثالث ، إما أن ترى بعينك ، وإما أن تستدل بعقلك ، وإما أن تُصْغي بأذنك ، فأخبرنا الله عزَّ وجل أن هناك ملائكة ، هذا نوع ثالث ، أخبرنا أن هناك عالماً هو عالم الجِن ، أخبرنا أن هناك يوماً آخر ، أخبرنا أن في هذا اليوم نار جهنم ، وجنة عرضها السماوات والأرض ، كل هذه الغيوب التي لا أثر لها ، والتي لا يستطيع العقل أن يصل إليها أخبرنا الله عنها .
فالغيب الثالث غيب إخباري ، الغيب الثاني غيب استدلالي ، وهناك غيبٌ استأثر الله به لا يعلمه أحدٌ إلا الله .

﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ (27) ﴾ .
( سورة الجن )
فإذا أخبرنا النبي عن شيءٍ في المستقبل فهو من إعلام الله له لا من علمه الذاتي .

من رحمة الله بالإنسان أنه ترك له علامات لكل شيء :


فيا أيها الأخوة ..( يؤمنون بالغيب ) ، شيء غاب عنك ، لكنك تعرف آثاره ، أنت الآن أمام أداة كهربائية معطلة ، يا ترى التيار الكهربائي معطل ؟ تأتي بأداة أخرى تضع شريطها في هذا المأخذ ، فإذا عمل معنى ذلك أن المأخذ سليم ، حصرت العطل ، يا تُرى هذه المِكواة معطلة بسبب شريطها ؟ تأتي بشريط جديد تضعه تجدها تعمل ، إذاً العطل من الشريط ، أساساً هذا هو العمل العقلي ؛ كل الحضارة قائمة على الفكر ؛ شيء لا يراه الإنسان ولكن يرى آثاره ؛ لا يرى الطبيب الجراثيم ، يقول لك المريض : عندي ارتفاع حرارة ، و قيئ ، و إسهال ، يقول لك الطبيب : معك الجرثوم الفلاني في الأمعاء ؛ قال الله عزَّ وجل :
﴿ وَعَلَامَاتٍ (16) ﴾ .
( سورة النحل )
من رحمته بنا ترك ربنا عزَّ وجل علامات ، أعطانا علامات ، علامات للنباتات ، علامات للأمراض ، علامات للجراثيم ، علامات لكل شيء ..
﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) ﴾ .
( سورة النحل )
سمعنا في الأخبار أنه ستأتي موجةٌ حارة بعد يومين مثلاً ، هل يُعَدُّ هذا غيباً ؟ هناك ليس غيباً بل هو واقع ، هو غيب عندنا ، وواقع في بلاد أوروبا ، والرياح لها سرعة ، فنحن بعد يومين تصلنا هذه الموجة ، ليس هذا غيباً بالمعنى الذي استأثر الله به ، هذا غيبٌ سمح الله للإنسان أن يكشفه إما بمعرفة سرعة الرياح ، أو باتصالات لاسلكية عن طريق الأقمار الصناعية تعرف ما سيكون بعد يومين ، هذا ليس من علم الغيب الذي استأثر الله به ، هذا من علم الغيب الذي سمح الله به .
أحياناً مسألة رياضيات ، تأخذ بعض المُعطيات تصل إلى المجهول ، المجهول ليس غيباً ، غيبٌ سمح الله أن تعرفه عن طريق المعطيات ، المسلمات ؛ أحياناً يُسرَق بيت ، وهناك من يتعامل مع الجن ، ويَكشف الجني لعميله الإنسي أين المسروقات مثلاً ؟ هذا غيبٌ سمح الله به.

تعرف العقل عن طريق نظام السببية والغائية وعدم التناقض إلى الله عزَّ وجل :

نحن يجب أن نعرف أن هناك عالم الشهود ، الواقع المحسوس المادي ، و أن لعالم الشهود أدوات لمعرفته ، يوجد عندنا حواس خمس ، ويوجد عندنا عشرات الأدوات الإدراكية الحسية في الجسم ، أما الذي غاب عنا هو من عالم الغيب ، وأهم شيء في عالم الغيب الله جلَّ جلاله ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ؛ ما دام الكون أحد آثار الله عزَّ وجل ، ما دام الكون تجسيداً لأسمائه الحسنى ، ما دام الكون مظهراً لأسمائه الحسنى ، فالكون من آثار الله عزَّ وجل ، ويوجد عقل ، والعقل عن طريق نظام السببية والغائية وعدم التناقض ، يتعرَّف إلى الله عزَّ وجل .

لكن أن تقول : هناك جنة ونار هذه لا ترى بالاستدلال ، إنَّ هناك ملائكة وجناً هذه لا تُرى بالاستدلال ، إنَّ هناك صراطاً ، وحوضاً ، ولوحاً محفوظاً ، وإن أصل البشر آدم وحوَّاء ، هذا كلُّه من عالم الغيب الذي ليس له آثار فينفعنا عقلنا بها ، هذا من عالم الغيب الذي ليس له آثار ، أداته الوحيدة الإخبار ، الإخبار لا بدَّ من أن يكون صادقاً حتى يكون صحيحاً ، فإذا أخبر الله عن شيء فهو حقٌ كأنك تراه لذلك :
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) ﴾ .
( سورة الفيل )
من منكم رأى ذلك ؟ مع أن الله يُخاطبنا ، معنى هذه الآية أن الله إذا أخبرك عن شيء فينبغي أن تؤمن به كأنَّك تراه ..
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (3) ﴾ .
( سورة البقرة )
آمنا بالله هناك غيبٌ استأثر الله به لا يعلمه أحدٌ من خلقه .. وغيبٌ استأثر الله به ، وسمح لبعض الأنبياء أن يعرفوه ، فكل أحاديث آخر الزمان ، ومجيء سيدنا عيسى ، هذه كلها من الغيب الذي سمح الله لنبيِّه أن يَعلَمه .
﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ (27) ﴾ .
( سورة الجن )
وأما الغيب الذي أخبرنا الله به ؛ الإيمان بالملائكة ، الإيمان بالجن ، الإيمان بالجنة ، الإيمان بالنار ، الإيمان بالصراط ، الإيمان بالحوض ، الإيمان باللوح المحفوظ ، هذه كلُّها من الغيب الذي غاب عنا ، وليس له آثار ، لكن الله أخبرنا به .

على الإنسان أن يعرف هوية أية قضية تُعرض عليه :

، الآن الشيء الدقيق جداً يجب أن تعرف هويّة أية قضيةٍ تُعرض عليك ، هذه قضية حِسِّية مرجعها العلماء ، يأتي شخص فيقول : أعمَلُ عملية ؟ فيقال له : ماذا قال لك الطبيب ؟ هذه قضية علمية تحتاج إلى طبيبٍ حاذقٍ ورعٍ مسلم ، إخبار الطبيب الحاذق الورع المسلم ؛ هو الحَسم ، هو الفيصل ؛ القضية حسية ، قضية تُقاس بمقاييس ، يوجد ميزان حرارة ، يوجد ميزان ضغط ، يوجد إيكو للقلب ، يوجد مِرنان ، يوجد أدوات ، يوجد تحليلات ، الأمور الحسيِّة لها مقاييس حسية ، قال تعالى :
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) ﴾ .
(سورة الأنبياء)
الأمور الغيبية إن كان لها آثار فأداتها الوحيدة العقل ، و نقول عنها : غيبٌ استدلالي ، أما الأمور الغيبية التي ليس لها آثار ، وسمح الله أن نعرفها أداتها الأخبار ، فصار عندنا يقينٌ حسي ، يقينٌ عقلي ، وخبر صادق عنها ، وهناك غيب استأثر الله به ، فأية قضيةٍ في الدين ، يجب أن تعرف هويَّتها ، من النوع المحسوس أم المعقول أم الإخباري .




، هذا المقطع من سورة البقرة يُمَثِّل المؤمنين ، لأنك كائن أودعت فيك الشهوات سبب حركتك ، والشهوات تحتاج إلى منهج ، إلى هدى من الله ، فهناك خطر كبير أن تندفع بدافعٍ من شهواتك من دون منهج ، هذا الخطر كيف يُتَّقى ؟
﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) ﴾ .
من أراد الوِقاية من أخطار الدنيا والآخرة ، من أراد الوقاية من مصائب الدنيا ، ومن نارِ جهنم ، فعليه باتباع هذا المنهج ..
﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ (2) ﴾ .
من عند الله ..
﴿ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) ﴾ .

أحلام منتظرة
21-03-2011, 16:24
سبحان الله وبحمده سبحان الله الخالق العظيم--سلمت يداك شيخنا الكريم -وبارك الله فيك وباختياراتك للجميع

chanda777
26-03-2011, 12:45
بارك الله فيك شيخنا

فقير
10-04-2011, 17:26
باركك الرب شيخنا الكريم

malouka
12-04-2011, 18:59
بارك الله فيك شيخنا

الغريب2009
24-04-2011, 19:37
بسم الله الرحمن الرحيم


عظيم في اطروحاتك في حواراتك / ياشيخ الاسرار

منور وربي يزيدك الله يجزيك خيرا

دار
07-03-2013, 10:05
بارك الله فيك شيخنا وجزاك الله خير

أبو أحمد
07-03-2013, 16:35
سبحان الله لقد غيرت تفكيري 180 درجه بارك الله فيك شيخي الغلي

اسرار
05-04-2013, 20:28
رَبَّناَ زِدْناَ عِلْمًا وَارْزُقْناَ فَهْمًا , رَبَّـناَ اشْـرَحْ لَناَ صَدْرَناَ وَيَسِّرْ لَناَ أَمْرَناَ.

اَللَّهُمَّ أَخْـرِجْناَ مِنْ ظُلُمَاتِ الْوَهْمِ , وَأَكْــرِمْناَ بِنُوْرِ الْفَهْمِ , وَافْتَحْ عَلَيْناَ بِمَــعْرِفَةِ الْعِلْمِ ,

وَنُـوِّرْ قُـلُوْبَناَ كَمَا نَوَّرْتَ الشَّمْسَ وَالْقَمَر , وَسَـهِّلْ لَناَ أَبْوَابَ فَضْـلِكِ , بِرَحْمَتِكَ ياَ أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

جميل جدا ما يتم طرحة

نسائم
06-04-2013, 04:36
جزاك الله خيرا وزادك من فضله..

سالم نور
25-05-2016, 18:19
نشكر شيخنا العزيز للموضوع الرائع