شيخ الأسرار الباطنية
15-09-2013, 16:33
المسأله الحقيقية ليست الشجاعة.. المسألة الحقيقية هي أن كل ما يتم التعرف عليه يموت، إنما المجهول هو الحي. عند التمسك والتعلق بالمعروف، كالتعلق بالجثة الميتة. إنها لا تحتاج إلى شجاعة لكي تكف عن التعلق بما هو معروف وتتخل عنه، بل تحتاج إلى شجاعة حينما تستمر بالتشبث بهذه الجثة الهامدة. عليك أن ترى بكل بساطة، كل ما هو معروف لديك، كل ما عشته في الماضي، ما الذي قدمه لك؟ ما الذي أوصلته إليك معرفتك؟ ألا تشعر أنك خالي اليدين؟ ألا يوجد داخلك احساس بعدم الرضا، والحنق والعبث؟ لا معنى لما تعمله، لا معنى له لأنه لم يوصلك إلى ما تريد.. لا زلت مستمر بتنظيم أمورك الخاصة التي تنسيك الحق، تنظم امورك الخاصة وتنشغل بها.. وتنخرط بها.. لم تظف لك شيء. إنها مجرد أكاذيب مزيفة لا تمت لك بصلة أبدا.
هذه هي المسألة، أن ترى بوضوح.. كل ما تعرفه هو من الماضي.. كل ما تعرفه سابقا انتهى ومات بهذه اللحظة. إنه جزء من المقبرة، هل تريد أن تبقى في القبر بينما لا زلت تتنفس؟ أم أن تريد أن تكون حي فعلا؟ هذا السؤال لا يطرح فقط اليوم.. بل اليوم وغدا وبعد الغد.. سيكون السؤال مستمرا في كل لحظة، حتى آخر نفسك في حياتك.
إن كل ما تعرفه عبارة عن معلومات متراكمة ومجمعة، معارف، خبرات. باللحظة التي تعلمت هذه الخبرات، إنتهيت منها. إنك الآن تحمل هذه الكلمات الخالية، الكلمات الميتة الثقيلة على ظهرك، فهل تستحق حياتك؟ هل وزنها يستحق هذا التعب والمشقة طوال حياتك؟ هذه الكلمات والمعارف والمعلومات التي تمنعك من أن تدخل وتتوق إلى كيان حي نابض مبتهج متهلل.. هذا الفرح والطرب الذي ينتظرك في كل لحظة كي تختبره وتعيش به!
من يتمتع بالذكاء، يموت ماضيه في كل لحظة ويولد مستقبله من جديد. الحاضر دائما في تحول مستمر، وإعادة ولادة وابنبعاث من جديد. إنها ليست مسألة شجاعة على الاطلاق، بل إنها مسألة وضوح فقط.. هذا ما يجب أن يُفهم الآن.. مسألة الوضوح أن يكون المرء عارفا ومتيقنا من الأمر. وثانيا، عما يتعلق بالشجاعة؛ الشجاعة خصلة لا يمكن لأحد أن يقدمها لك.. لا يمكن تقديمها كالهدية، إنما هي خصلة تولد بها.. بل كل فرد ولد بها، إنما أحدهم سمح لها بالنمو وآخر لم يسمح لها بذلك. أحدهم سمح لنفسه بأن يثبت ويتشجع ويحافظ على ذلك وأحدهم لم يهتم بالأمر.
البراءة هي شجاعة ووضوح بالوقت نفسه. لا حاجة لأن تملك الشجاعة إذا كنت بريئا. ولا حاجة لك بالوضوح أيضا، لأنه لا شيء سيكون أكثر وضوحا مثل الكرستال، مثل البراءة. إذن الأمر هنا يتعلق في كيفية حماية براءة المرء. البراءة ليست شيئا يحصد ويتحقق. إنه ليس شيء تتعلمه.. كما إنها ليست كالموهبة مثل الموسيقى والشعر والنحت. إنما هي موهبة وهدية كالتنفس.. موجودة عند الجميع. البراءة هي طبيعة الكل، لا أحد يولد إلا وهو بريء. كيف لإنسان أن يولد دون أن يكون بريئا؟ الولادة تعني انك دخلت العالم كلوحة بيضاء لم يكتب عليها شيء بعد. المستقبل أمامها ولا يوجد لها ماضي.. هذه هي البراءة. إذن في البداية حاول أن تفهم كل معاني البراءة.
أولا: لا ماضي، فقط مستقبل.
الماضي فاسد لأنه يعطيك ذكريات، تجارب، توقعات. كل ذلك يجعلك مثقف، ولكن لا يجعلك واضحا صافيا. بل يجعلك لئيم، ولا يجعلك فطنا. قد يجعلك تنجح في العالم، ولكن في صميم داخلك العميق ستكون خاسر. ونجاح العالم لا يعني شيء أمام الرسوب والسقوط الذي ستواجهه في باطنك، لأنه في نهاية المطاف، ذاتك ستكون معك وتبقى معك، وكل المجد والقوة والسلطة.. الاسم والشهرة كلها تختفي.
في النهاية، كل ما يبقى معك هو ما جلبته معك منذ البداية. تستطيع أن تأخذ من هذا العالم فقط ما جلبته في العالم السابق.
في الهند هناك حكمة جميلة، تقول أن العالم كغرفة انتظار في سكة حديد، إنها ليست منزلك، ولن تبقى في غرفة الانتظار إلى الأبد، لا شيء في غرفة الانتظار ينتمي إليك أو من ممتلكاتك، الأثاث، اللوحات على الحائط.. صحيح إنك تستعملها، تجلس على الكرسي وترى اللوحة وترتاح على السرير، لكن لا شيء ينتمي لك.. أنت فقط هنا لمدة دقائق معدودة، أو ساعات كحد أقصى، وبعدها ستذهب.. نعم ما جلبته معك إلى غرفة الانتظار، هو الذي ستأخذه معك..
فما الذي جلبته في هذا العالم؟
بالتأكيد الدنيا مثل غرفة الانتظار. الانتظار ربما يكون ثواني، أو دقائق أو ساعات أو أيام.. ربما لسنوات، ولكن ما أهمية إذا ما انتظرت سبعة سنوات أو سبعين سنة؟
ربما تنسى خلال السبعين سنة بأنك في غرفة الانتظار. ربما تبدأ بالتفكير بأنك مالك الغرفة، ربما يكون هذا منزلك الذي اشتريته وبنيته.. وقد تضع لافتات عليها اسمك في غرفة الانتظار تلك.
بالمناسبة، لقد رأيت أناس هناك –لأني أسافر كثيرا، رأيت أناس هناك وقد كتبوا أسماؤهم على حمامات غرف الانتظار، أناس كتبوا أسماءهم على الكراسي الخشبية في غرفة الانتظار. هذه الحركة تبدو غريبة.. ولكنها شديدة الشبه لما يفعله الناس في هذا العالم.
هناك قصة لها مغزى في كتب الجاينا القديمة.
في الهند هناك اعتقاد أن هناك شخص يستطيع أن يكون امبراطور العالم يسمى "شاكرا فارتين"، وكلمة "شاكرا" تعني عجلة. وفي الهند كانت طريقة لتفادي الحروب الغير ضرورية من خلال عربة ذهبية جميلة جدا تجرها الخيول. تمضى هذه العربة من مملكة إلى آخرى، وإذا مضت العربة داخل مملكة ما دون اعتراض اهلها لهذه العربة، فهذا يعني أن المملكة قبلت بمالك العربة أن يكون البطل والغالب.. عندها تمضي العربة إلى مملكة أخرى. ولكن إن كان أهل المملكة يعترضون طريق العربة، فهذا يعني أن هناك حرب ستقع. وعندما تمر العربة دون اعتراض يكون مالك العربة مقبول، ويصبح "شاكرا فارتين".. أي الشخص الذي طافت عربته وعجلاته حيث لم يعترضها أحد. هذا كان طموح كل الملوك، أن يصبحوا "شاكرا فارتين".
بالطبع تحتاج إلى قوة أكثر من الإسكندر العظيم. لكي ترسل عربتك إلى مملكة أخرى، تحتاج إلى قوى عظمي لتسندها كي لا يعترضها أحد.. ويجب أن يكون هناك تأكيد مطلق لمن يعترض العربة بأن عند اعتراض سير العربة سيكون هناك مسالخ رهيبة ومذبحة كبرى.. هذا يعني أن الرجل الذي يرسل العربة يكون معروفا مسبقا لدى الكل، وأنه إذا أراد أن يهزم أي أحد لا يوجد طريقة تمنعه من ذلك.
إنها كانت حلا رمزيا، وأكثر تحضر من اليوم... لا حاجة للهجوم، لا حاجة لبدئ القتال.. مجرد أن ترسل رسالة رمزية ما، حيث أن العربة ستمضي بعلم الملك، وإذا شعر الملك الآخر أنه ما من فائدة للمقاومة، وأن المعركة ببساطة تعني هزيمته وتدمير مملكته، والعربة ستعود إلى مملكتها ترمى تحتها الورود.
هذا يبدو أكثر تحضرا من الدول المعاصرة، مثل الاتحاد السوفيتي، وأمريكا وما يفعلونه – بمجرد ارسال عربة جميلة- ولكن قبلها يجب أن تكون قوتك مؤكدة للجميع، عندما تكون قوتك مؤكدة للجميع تكون لعربتك فائدة ومعنى. إذن كل ملك لديه الرغبة في أن يكون "شاكرا فارتين".
ذات يوم، حدث لشخص أن أصبح "شاكرا فارتين".. ومن النادر أن يحدث ذلك، حيث يتحقق هذا الأمر مرة كل ألف سنة، حتى الإسكندر لم يصبح مالك العالم.. هناك المناطق الكثيرة التي لم يصلها الإسكندر. كما إنه مات وهو صغير في عمر الـثلاثة والثلاثون.. لم يكن لديه الوقت ليفهم كل العالم.. كيف له أن يتعرف على كل العالم والعالم وقتها لم يتم اكتشاف إلا نصفه.. ونصفه الآخر كان مجهول. حتى النصف المعلوم لم يهزمه كله.. الرجل الذي سأتحدث عنه أصبح ذات يوم "شاكرا فارتين".
قيل إنه عندما يموت صاحب لقب "شاكرا فارتين"، وبسبب أن الأمر لا يتحقق مع أحد إلا كل عدة آلاف من السنين، فيصبح هذا الفرد مخلوق نادر.. حيث يستقبل في الجنة بفرح وبهجة كبيرة، ويؤخذ بمراسم احتفال ويسكن في مكان مميز فيها. في هذه القصة الأسطورية.. تحكي أن في الجنة هناك جبل مساو للهملايا. الهملايا مصنوع من صخور وثلوج.. والجبل المساوي لافرست له في الجنة يسمى "ساميرو"، ومعناه النهائي والمطلق، حيث ليس هناك ما هو أعلى ولا أفضل منه. هذا الجبل مصنوع من الذهب الخالص، بدل الصخور.. هناك المجوهرات والأموال والروبيات والمرجان وغيرها.
فعندما يموت هذا "الشاكرا فارتين" يساق إلى هذا الجبل "ساميرو" لينحت اسمهه على مكان ما عليه. هذه فرصة نادرة؛ تحدث مرة كل آلاف من السنين. وبالطبع هذا الرجل كان متحمس جدا ومتشوق للذهاب إلى هذا الجبل لينقش اسمه عليه، وهذا الجبل هو المكان الأخير الذي ينقش الملك العظيم اسمه عليه كما كان ينقش اسمه على المدن التي فتحها. وسينظم اسمه إلى أسماء العظام الجدد القادمين من الأرض أيضا.
الحارس أعطاه الأدوات لينحت اسمه. أراد أن يأخذ عدد من أصحابه من الذين انتحروا لمجرد أن الإمبراطور سيموت.. حيث لم يستطع أن يتخيل أنه سيعيش بقية حياته من دونهم ومن دون زوجته ورئيس وزراءه والرئيس.. كل الأفراد العظام الذين كانوا حوله قاموا بالانتحار ليكونوا معه.
أراد الإمبراطور هذا أن يسمح لهم حارس الجنة بالدخول معه، حتى يروا كيف سينحت اسمه... فما المتعة إن ذهبت هناك لوحدك لتنحت اسمك؟ لا أحد سيراك.. بل كانت فتوحات الأرض ممتعة أكثر حيث عيون الناس تنظر وتتذكر.
وقال له الحارس: "اسمع نصيحتي، لأن هذه مهنتي التي ورثتها؛ كان أبي حارس، ووالده كان حارس بوابة أيضا، لمدة قرون ، لقد كان حارس بوابة "ساميرو"، اسمع نصيحتي وأذهب لوحدك ولا تأخذهم معك وإلا ستندم".
الإمبراطور لم يستطع أن يفهمه، ولكنه أيضا لم يستطع تجاهل نصيحته.. فما الفائدة التي ستعود جراء منع الأقارب والأصدقاء من دخولهم معه؟!
الحارس تحدث ثانية وقال: "إذا كنت تريد ومصر، إذهب أنت أولا، انحت اسمك على الجبل، ثم ارجع وخذهم معك إذا أردت. انا ليس عندي أي اعتراض، حتى الآن إن كنت ستأخذهم، ولكن في حال إن قررت أن يعودوا أدراجهم، فيكون الأوان قد فات.. سيكونوا معك حينها.. لذلك اذهب لوحدك الآن"
كانت النصيحة عقلانية.. فقال الإمبراطور: "حسنا، سأذهب بمفردي.. أنحت اسمي، وأعود وأدعوكم جميعكم لمشاهدته". قال الحارس: "إني موافق على ذلك".
دخل الإمبراطور إلى الداخل ووجد جبل الساميرو يلمع تحت آلاف من الشموس –ففي الجنة لا يمكنك أن تكون فقيرا وتكون عندك شمس واحدة، بل آلاف، وجبل ذهبي أكبر بكثير من الهيمالايا.. والهيملايا تقريبا طوله ألفين ميل- لم يستطع الرجل أن يفتح عينه في البداية.. كان الضوء ساطع جدا.. ثم بدأ يبحث عن مساحة كافية ليكتب اسمه فيها.. ولكنه تعجب حينها.. فلم يكن هناك مساحة شاغرة.. كل الجبل كان منحوت عليه أسماء الكثيرين.. لم يستطع الإمبراطور أن يصدق عينيه، لآول مرة يعي ما يحدث في العالم.. فإلى هذه اللحظة كان يعتقد أنه هو السوبرمان الذي يتحقق كل عدة آلاف من السنين. ولكنه وجد أن الملايين من السوبرمانات في الماضي كما أن بلايين من السوبرمانات في المستقبل ستأتي.
لهذا، عاد مرة أخرى إلى البوابة، وأدرك ما كان يقصده الحارس، حينما نصح بألا يدخلون الأصدقاء والأقارب معه. كان من الجيد ألا يروا الجبل، على الأقل ليؤمنوا ويصدقوا أن امبراطورهم كائن نادر، يولد مثله كل عدة ألاف من السنين.
أخذ الإمبراطور الحارس على جنب، وسأله مستغربا: "..ولكن لا يوجد مكان لاسمي!" قال الحارس: "هذا ما كنت أقوله لك، ما كان عليك عمله هو أن تمسح اسما أو عدد قليل من الأسماء وتكتب اسمك، هذا ما كان يحدث طوال الوقت.. طوال وظيفتي هنا شاهدت ما يفعلونه.. كما أن أبي وجدي أخبراني بذلك.. لم يجد أفراد عائلتي يوما أن على جبل الساميرو مساحة خالية"
حينها يتوجب على "شاكر فارتين" أن يمسح بضع أسماء ليكتب اسمه، فهذا يعني أن الجبل لا يضم تاريخ الشاكرا فارتين جميعهم. لأن الكثير من المرات تم مسح أسماء ونحتت أسماء أخرى. وبعد أن عرف الامبراطور الوضع، قال له الحارس: "قم بعملك ببساطة، امسح اسم واكتب اسم.. وبعدها إن أردت أن يدخلوا أقاربك لمشاهدة اسمك، تستطيع أن تدعوهم للدخول"
أجاب الامبراطور: "لا، لا أريد أن أريهم، ولا حتى أريد أن أكتب اسمي، ما هي الفائدة، حيث سيمحيه أحدهم في يوم من الأيام.. كل حياتي أصبحت لا معنى لها، لقد كان هذا أملي الوحيد.. أن "الساميرو" جبل الذهب في الجنة الذي سينحت عليه اسمي.. لهذا أنا عشت ولهذا أنا خاطرت بحياتي.. لقد كنت مستعد أن أقتل العالم كله من أجل ذلك.. فما فائدة كتابة اسمي على هذا الجبل، فقد كنت أكتبه في حياتي السابقة!"
ضحك الحارس، فسأله الإمبراطور عن السبب. فأجاب الحارس: " هذا غريب، لقد سمعت أجدادي أن الـ"شاكرا فارتين" يأتون ويروون الحكايات ويعودون، ولا يريدوا أن يكتبوا اسمهم.. أنت لست جديد.. فأي أحد عنده ذكاء سيفعل الأمر نفسه"
في هذا العالم كله، وإذا بامكانك أن تربح وتجني.. فما الذي يمكن لك أن تأخذه معك؟؟ البروستيج، الاحترام، أموالك، سلطتك، شهاداتك.. لا يمكن أخذ أي شيء منها اطلاقا. كل شيء سترميه هنا، يجب أن يظل هنا. في اللحظة التي تفهم هذا الكلام وتعيشه؛ إن كل ما ملكت ليست أنت.. وإن فكرة التملك خاطئة.. وبسبب فكرة التملك الخاطئة هذه أنت فسدت زيادة لكي تزيد من ملكك ومالك وقوتك، لتغلب الآخرين وتقهرهم... كنت تقوم بأمور مشينة. كنت تكذب، كنت تخادع.. كنت تلبس الملايين من الوجوه وتنافق الناس.. لم تكن حقيقيا ولو للحظة واحدة حتى لنفسك لم تكن صادقا، ولن تستطيع أن تكون كذلك.. عليك أن تكون كاذب.. لأن بهذه الوسيلة تصبح ناجح بالحياة. الأصالة والصدق لن تفيدك الصواب والصحة لن تساعدك في هذه الحياة.
من دون الأملاك، والنجاح والشهرة.. من أنت بالضبط؟؟ بالطبع لا تدري.. فهل أنت اسمك أو الفخامة التي حولك؟ هل أنت سلطتك؟؟ من أنت؟ كل تلك الممتلكات والمظاهر تصبح هويتك.. تعطيك شعور كاذب بوجودك الزائف.. هذه هي الأنا.
الأنا ليس شيء غامض. إنما هي المظاهر كلها ببساطة. أنت لا تعلم من أنت، وتعيش دون أن تعرف من أنت.. فإذا لم تعرف من أنت، فما الذي تفعله هنا في هذه الحياة؟ أي شيء ستفعله سيكون لا معنى له اطلاقا.. أولا وآخرا يجب أن تعرف من أنت... بعدها يمكنك أن تفعل أي شيء يشفي غليل طبيعتك ويجعلك تطمئن ويوصلك إلى بر الأمان.
لا أعلم من أنا، وأستمر بتلك الأمور التي تشبع الأنا لدي.. ولكن، كيف أتمكن من الوصول إلى ما أريده؟ أنا ألهث هنا وهناك.. ولكن كيف لي أن أعرف النقطة التي أريد تحقيقها.. كيف لي أن أقول: "نعم، الآن قد وصلت إلى ما أريده.. هذا هو المكان الذي كنت أبحث عنه"
أنت لا تعلم من أنت، لذلك تحتاج إلى نوع من الهوية المزيفة كبديل عن هويتك الأصلية.. ممتلكاتك تعطيك هوية مخادعة. أتيت إلى هذا العالم كشاهد بريء.. الكل يأتي بالطريقة نفسها، بخامة الوعي ونوعيته نفسها.. ولكنك تبدأ بالمساومة مع عالم البالغين الكبار الذي يكون لديهم الكثير من الأمور ليقدموها لك، بينما لديك شيء واحد لتقدمه.. وهذا الشيئ هو تماسكك واحترامك لنفسك.. ليس لديك الكثير، إنما شيء واحد يمكنك أن تسميه ما شئت.. البراءة، الرقي والذكاء.. الأصالة.
الطفل بطبيعته يهتم بكل شي، ينظر حوله، ودائما يحاول الوصول إلى هذا أو ذاك.. هذا هو طبع البشر. إذا نظرت إلى طفل صغير.. حتى لو حديث الولادة، تستطيع أن ترى أنه بدأ يبحث عن شيء ما.. يحاول أن يصل إلى أي شيء... هذا يعني إنه بدأ برحلته.
في هذه الرحلة سيفقد نفسه، لانك لا تستطيع ان تحصل على أي شيء في هذا العالم دون ان تدفع بالمقابل.. والطفل المسكين لا يعلم أنه سيقدم شيء ثمين جدا مقابل كل ما في العالم.. الطفل لا توجد لديه هذه الحسبة.. لا يمكنه ان يعرف كيف يقايض العالم ويعقد صفقة رابحة. وهذه هي المشكلة.. يحصل على ما يريد، ويعتقد إنها تحصيل حاصل. بينما هو يقدم برائته في المقبل كي يحصل على هذا العالم.
سأقول لكم قصة قد توضح مقصدي..
هناك رجل غني، غني جدا.. أصبح غاضبا جدا في النهاية -هذا نتاج طبيعي لكل ناجح، حيث لا انهيار يشابه انهيار النجاح. النجاح له معنى فقط عندما تكون خاسراً. بمجرد أن تنجح بعدها تدرك إنك كنت مخدوعا من قبل العالم كله، من قبل الناس والمجتمع- الرجل هذا لديه كل الثروة، ولكن لا راحة في باله. بدأ يبحث عن السلام والسكينة في عقله. وهذا ما يحدث في أمريكا، عدد الناس الذين يبحثون عن الراحة في عقلهم في تزايد مستمر، في أمريكا أكثر من أي مكان في العالم. كما إني لم أصادف شخص في الهند يبحث عن راحلة البال. بل إنهم يبحثون عن راحة المعدة أولا، بينما راح البال فإنها بعيدة جدا بألوف الأميال. ولكن في أمريكا، الكل يبحث عن راحة البال.. وبالطبع عندما تبحث عنه فالناس موجودون لتقديمه لك. هذا قانون بسيط في الاقتصاد: حيثما يكون هناك طلب، يكون هناك تلبية أو إمداد له. لا يهم إن كنت فعلا في حاجة لما تطلبه. ولا أحد يهتم بالفائدة التي يقدمها لك هذا الطلب.. وهل هو مجرد اعلان محض، دعاية فقط.. أم إنه أمر ضروري؟
إن معرفة هذا المبدأ البسيط؛ إنه حيثما هناك طلب يوجد هناك تموين، الأذكياء والمحتالين والخبيثين يذهبون خطوة أبعد من هذا، حيث إنهم يقولون: "الأن ليس هناك حاجة أن تنتظر الطلب لكي يتحقق، بل تستطيع أن تخلق الطلب" وهذا هو ملخص فن الدعاية، وهو أن تخلق الطلب. قبل أن تقرأ الاعلان لم يكن لديك هذا الطلب، أبدا لم تشعر أن هذا المنتج تحتاجه ولكن أثناء قراءة الاعلان، تشعر فجأة بحاجتك المزيفة وتقول في قرارة نفسك: "يا إلهي كنت أفتقد إلى هذ الشيء، كيف كنت أحمق بحيث لم أعلم بالنقص الموجود عندي!" فقبل أن يقوم أحدهم بصناعة شيء ما على مدى ثلاث أو أربعة سنوات.. يبدأ بالاعلان عن هذا المنتج، لم يتوفر الأمر بالسوق بعد ولكن الاعلان يسبق المنتج.. بحيث يصل المنتج عقل الناس من أجل أن يخلق الطلب والحاجة في أنفسهم.. وبعد فترة سيتوفر المنتج الذي أخذ مكانه في عقول الناس.
برناردشو صرح أنه عندما كان جديدا في الساحة الأدبية، حيث نشر كتابه الأول، بالطبع لم يكن هناك طلب عليه، لأنه لم يعد هناك أحد قد سمع من قبل عن برناردشو، فإن لم يسمع أحد عنه كيف سيكون هناك طلب عليه؟ "أريد قصة جورج برناردشو الاستعراضية؟" هذا ما كان يفعله طوال يومه. طبع الكتاب، وكان هو نفسه الناشر وبأمواله الخاصة بعد أن جمعها. ومن ثم ذهب من متجر كتب إلى آخر سائلاً: "هل وصل لديكم كتاب جورج برناردشو؟" وهم يجيبونه متعجبين: "جورج برناردشو؟ نحن لم نسمع بهذا الاسم من قبل" وهو يجيبهم: "غريبة مثل هذا الرجل العظيم موجود ولم تسمعوا به من قبل وأنت تدير مكتبه كهذه! هل أنت قديم ولا تطلع على التطورات وتتابع الأخبار أول بأول؟ أول ما يتوجب عليك فعله هو الحصول على كتاب برناردشو"
برناردشو نشر كتاب واحد، ولكن بدأ بالاعلان عن كتب عديدة، فلو كنت ستقوم بهذه الجولات إلى مكتبات المدينة، فلماذا تنشر كتاب واحد فقط؟ وكتاب واحد لا يجعل المرء كاتبا عظيما.
كان يذهب بملابس مختلفة، مرة بقبعة، ومرة بنظارات. والناس بدؤوا بالاتصال بجورج برناردشو في منزله. وكان عليه القيام بكل ذلك، الاعلان والتمويل.. وهكذا قام ببيع أول كتبه. كان يسأل الناس في الشارع: "هل سمعتم عنه؟ إنني أسمع الكثير عن كتاب معين كتبه شخص يدعى برناردشو"، إن الآخرون يقولون بأنه كتاب رائع.. هل سمعتم باسمه أو قراتم الكتاب؟" ويجيبونه: "لا، أبدا لم نسمع بذلك"، فيرد عليهم: "غريب كنت أعتقد أن لندن مجتمع متحضر بالكامل". كذلك ذهب إلى المكتبات والأندية وكل مكان ممكن أن يخلق فيه احتمالية وجود الحاجة والطلب، وقد خلق الطلب وباع الكتاب أخيرا.. وهذا ما يفعله دائما.. وبالنهاية أصبح أعظم الكتاب في عصره. هو بنفسه قد خلق الطلب.
ولكن إذا نجحت، فلا حاجة لأي أحد أن يخلق طلب إلى راحة البال. إذا نجحت، فإنك تفقد راحة البال تماما. هذا الدرس طبيعي، هذه هي الطريقة الطبيعية. النجاح يأخذ كل راحة البال من المرء. ببساطة يمتص كل شيء مميز بالحياة، السلام، الهدوء، المتعة، الحب. تستمر بأخذ كل شيء بعيدا عنك. وبالنهاية تصبح يدك مليئة بالنفايات، كل ما كان ذو قيمة قد فقدته. وفجأة تكتشف أن راحة البال ضرورية ومطلب هام.
وعلى وجه السرعة، الممولين موجودين والذين لا يعلمون أي شيء عن العقل، ولا يعلمون شيء عن راحة البال، قرأت مرة كتاب اسماه صاحبه "راحة العقل" كان كاتب يهودي، اسمه جوشوا ليبمان ، لقد قرأت الكتاب كله.. الرجل لا يعرف شيء عن السلام ولايعرف عن العقل، ولكن كان رجل أعمال ورجل تجاره، وقد عمل عملاً جيدا دون أن يعرف أي شيء عن راحة العقل أو راحة البال.
كتابه حقق أفضل المبيعات في العالم، لأن أي شخص يريد راحة البال، سيجد في النهاية "ليبمان" وكتابه "راحة العقل" وقد كتبه بصورة جميلة، إنه كاتب جيد مؤثر بالقارء. ولكن راحة البال ستبقى بعيدة المنال وبعيدة أكثر من ذي قبل.. ربما تبتعد راحة البال أكثر بعد قراءة الموضوع .
في الحقيقة، إذا عرف المرء ما هو السلام والراحة، وما هو العقل، لا يكتب كتاب اسمه "راحة العقل"، لأن العقل هو السبب في كل اللاسلام الموجود، وكل عدم الراحة.
السلام يتحقق في حالة لا يكون العقل فيها يعمل.. في حالة (لا-عقل) إذن تركيبة "راحة العقل" غير موجودة أساسا.. لا يوجد سلام بوجود العقل. لا يجتمعان معا. إذا كان العقل موجود فالسلام غير موجود، وإذا كان السلام موجود فالعقل غير موجود.. ولكن أن تكتب كتاب بعنوان "سلام العقل" فلن يكن له معنى لأحد.. ولكن هذه هي الحقيقة بالضبط.
الطفل غير واعي بما جلب معه من العالم الآخر. وهذا الرجل الغني كان في الحالة نفسها الخاصة بالأطفال.. كان لديه الغنى كله، والآن يبحث عن السلام وراحة البال. وقد تنقل من رجل دين إلى آخر، وكلهم قدموا نصائح عظيمة له.. ولكن النصيحة بطبيعتها لا تساعد أحد.
في الحقيقة، فقط الحمقى هم من يقدمون النصائح، الحكماء يترددون باعطاء النصائح. لأن الرجل الحكيم يعرف بالتأكيد أن الشيء الوحيد الذي يعطى بلا كلفة هي النصيحة، والنصيحة لا يقبلها أحد.. الكل يستهين بها. فلماذا يكلف على نفسه؟
الرجل الحكيم يجعلك حاضر أولا ويهيئك حتى تستطيع تقبل النصيحة. إنه ببساطة لا يعطي النصيحة. يجب عليك أن تكون مهيئا. وهذه التهيئة قد يأخذ سنين.. سنين ليتم تحضير التربة، وحينما تكون التربة جاهزة يمكن حينها أن ترمى البذور فيها. سيكون من الغباء أن تستمر برمي البذور على الصخور والحجارة من دون حتى أن تراعي ذلك، تبذر وتسرف بالبذور القيمة. كل أولئك المتدينون قدموا نصائح ولكن لا شيء وصل في قلب ذلك الرجل الغني. وفي نهاية المطاف رجل ما كان يعتقد الآخرون إنه مجنون أو أبله القرية.. أوقفه في منتصف الطريق وقال: "إنك تهدر وقتك من غير ضرورة. لا أحد منهم حكيم أو متدين، إنني أعرفهم تماما.. ولأني مجنون لا أحد يصدق حتى إنك ربما لن تصدقني.. ولكني أعرف رجل ما متدين، وبمجرد إني رأيتك معذب باستمرار باحثاً عن السلام، وجدت إنه من الضروري أن أدلك على الشخص. إلا أنني مجنون ولا أحد يسأل عن النصيحة.. أنا لا أقدم أي نصيحة لأي أحد.. ولكن الأمر الآن كحمل ثقيل على ظهري؛ أن أراك بائس ومتعذب، لهذا كسرت صمتي.. أنصحك بأن تذهب إلى ذلك الرجل في القرية المجاورة"
ذهب الرجل الثري بسرعة، بحقيبة مليئة بالمجوهرات، على حصانه الجميل. وصل هناك ووجد ذلك الرجل.. هذا الرجل كان معروف لدى الصوفيون باسم "ملا نصر الدين"، سأل الرجل ملا نصر الدين: "هل تستطيع أن تساعدني لأحصل على راحة البال؟" قال ملا: "مساعدة؟ نعم أستطيع أن أقدمها لك" فكر الرجل: "هذا غريب.. أولا المجنون اقترح.. وبسبب اليأس قررت أن آتي إلى هنا.. ولكن هذا يبدو مجنون اعظم من سابقه.. حيث يقول باستطاعته ان يقدم راحة البال لي.. لقد ذهبت إلى انواع من المتدينين والعارفين، جميعهم نصحوني.. ان اعمل هذا واعمل ذاك.. نظم حياتك، قدم صدقات، ساعد الفقراء، افتح مستشفيات.. إلخ. نصحوني بكل ذلك. وفي الحقيقة لقد قمت بكل لك.. ولكن لا فائدة.. في الحقيقة المشاكل تزداد أكثر وأكثر.. وهذا يقول انه باستطاعته أن يقدم لي راحة البال؟". ثم قال ملا له: "ماذا تحمل في حقيبتك حيث تضعها بالقرب من قلبك؟" أجاب: "هذه الحقيبة فيها مجوهرات ثمينة.. إذا أعطيتني السلام الداخلي، فسأقدم لك هذه الحقيقة"
ولكن حتى قبل أن يزيد بالكلام... أخذ ملا الحقيبة وهرب بعيدا. للحظة ما، الرجل الغني كان في صدمة لم يكن يعلم ماذا يفعل، ومن ثم قرر أن عليه اللحاق بملا نصر الدين، ولكنه في مدينة ملا نصر الدين حيث هذا الأخير يعرف كل الطرق والاختصارات فيها.. كان يركض، والرجل الغني لم يركض في حياته قط، كان سمينا أيضا... أخذ يبكي ويتأفف ويتنهد ويخرج النفس بصعوبة، ودموع تتساقط من عينيه.. وقال في نفسه: " إنني خُدعت تماما.. هذا الرجل أخذ كل جهودي وعملي طوال حياتي.. أخذ كل شيء.
تجمع أهل المدينة وأخذوا بالضحك عليه، قال لهم: "هل أنتم حمقى؟ هل هذه المدينة مليئة بالمجانين؟ لقد دمرت تماما وبدل أن تقبضوا على اللص، وقفتم ها هنا تضحكون؟" قالوا له: "إنه ليس لص، إنه رجل عرفاني"، رد عليهم: "رجل ما مجنون في قريتي قادني إليه وإلى المشاكل".
بطريقة ما، وصل ملا إلى الشجرة التي ربط الرجل الغني حصانه بها. وقف هناك مع حقيبة المجوهرات تحت الشجرة.. أتى الرجل الغني إليه باكيا ناحبا. قال ملا له: "خذ الحقيبة الآن.. كيف تشعر؟ هل تشعر ببعض الراحة في عقلك؟"
أجاب الرجل الغني: "نعم يوجد شعور بالسلام العميق. أنت غريب، ولك طريقة غريبة بالتعامل".
رد ملا: "ليس هناك طرق غريبة.. بل هي حسبة ما. فإن كل ما تملكه تأخذه كملك خالص وتحصيل حاصل إنه لك، يجب أن تكون لك فرصة أن تخسره، عندها فجأة يكون لديك وعي بما خسرته. لم تكسب شيء جديد. إنها الحقيبة نفسها التي كنت تحملها قبل قليل. ولكن بدون راحة بال.. والآن تحملها قريب من قلبك والكل يرى الراحة والسلام على محياك.. مظهرك أصبح مطمئن.. هيا إذهب إلى منزلك ولا تزعج الناس.
هذه مشكلة الطفل، إنه يأتي بالبراءة، وهو مستعد أن يشتري أي شيء ويقدم براءته في المقابل. مستعد أن يشتري لعبة ما. وما العالم إلا لعبة؟ مستعد أن يشتري هذه الألعاب ويخسر نفسه. لن يدرك خطورة الأمر إلا عندما يكون بحوزته جميع الألعاب مع شعوره بعدم الرضا والمتعة. مع عجزة عن رؤية أي انجاز أو كمال. عندها يصبح مدركا لما فقده.. نفسه الذي فقدها.. نقاوته التي فقدها. كل عائلة ستتعلم من صغارها بدل أن تعلمهم. ولأنك الأكبر والأقوى تبدأ بتشكيلهم على صورتك، دون أن تنظر إلى ما وصلت إليه، وما هو حال عالمك الباطني. أنت عبارة عن دمى خيطية، وتريد الشيء نفسه يحدث لطفلك؟ لا أحد يفكر، وإلا لتعلموا الناس من أطفالهم الصغار. الأطفال يجلبون الكثير من الحكمة إلى عالمنا، لأنهم مستجدون هنا.. انقياء.. يحملون النقاوة والعذوبة في قلبهم.. لا زالوا يحملون صمت الرحمة، صمت الوجود.
دائما تذكر، أنه لابد من الثقة بالمجهول. المعلوم هو العقل. بينما المجهول لا يمكن أن يكون العقل. قد يكون شيء آخر، ولكن لا يمكن أن يكون العقل. شيء واحد هو العقل، هو كل ما هو معلوم متراكم. لذا، مثلا.. إذا أتيت إلى مفترق الطرق، يقول عقلك: "إذهب بهذا الطريق المألوف".. هذا هو العقل. ولكن إذا استمعت إلى كيانك، سيكون بودك الذهاب إلى اللا مألوف.. الكيان دائما مغامر. العقل دائما "أورثوذكسي" معارض ومتحفظ جدا.. يريد أن يتحرك على المضمار، على المسار المعبد مسبقا.
إذن دائما استمع إلى المجهول. وأجمع الشجاعة كي تتحرك نحو المجهول.
أن تنمي قدرتك وتصل إلى المجهول تحتاج إلى شجاعة، ولا تحتاج خوف. الأفراد المليئين بالخوف لا يستطيعون المضي أبعد من المعلوم. المعلوم يعطي نوع من المواساة، الأمان والسلامة. لأن الفرد فيه يصبح واع تمام كيف سيتصرف ويتعامل معه.. لأنه ببساطة معلوم. يمكن للفرد أن يتعامل معه وهو نائم... لا حاجة له أن يكون متيقظ وصاحي.. هذه هي الرحلة مع المعلوم.
في اللحظة التي تتخطى فيها حدود المعلوم، الخوف يتصاعد، لأن مع المجهول ستبدو جاهلا، فلا تعرف كيف تتصرف معه.. ولن تكون متأكد من أي خطوة تخطوها. يمكنك أن ترتكب أخطاء ويمكنك أن تضيع. هذا الخوف هو الذي يجعل الناس مربوطين بحبل قوي بالمعلوم. عندما يُربط الشخص ويتقيد بالمعلوم، فهذا يعني إنه ميت.
الحياة تعاش بخطورة، ولا يوجد هناك طريقة أخرى لتحياها. الحياة غير موجودة في مكان إلا في الخطر.. في الخطر الحياة تصل إلى نضجها و ذروتها. الفرد بحاجة لأن يكون مغامرا.. دائما مستعد للمخاطرة.. للدخول في المجهول. وبمجرد تذوق متعة الحرية... فلن يندم أحد أو يتحسر لأنه يوصلك إلى معنى أن تعيش الحياة المثلى.. عندها تعرف معنى أن تشعل شمعة حياتك مع المجتهدين.. حيث تكون شعلة واحدة مفردة من الكثافة والقوة والحدة.. هذه الشعلة هي أشد جاذبية من حياة كاملة تعيشها بمستوى متوسط رتيب معلوم.
هذه هي المسألة، أن ترى بوضوح.. كل ما تعرفه هو من الماضي.. كل ما تعرفه سابقا انتهى ومات بهذه اللحظة. إنه جزء من المقبرة، هل تريد أن تبقى في القبر بينما لا زلت تتنفس؟ أم أن تريد أن تكون حي فعلا؟ هذا السؤال لا يطرح فقط اليوم.. بل اليوم وغدا وبعد الغد.. سيكون السؤال مستمرا في كل لحظة، حتى آخر نفسك في حياتك.
إن كل ما تعرفه عبارة عن معلومات متراكمة ومجمعة، معارف، خبرات. باللحظة التي تعلمت هذه الخبرات، إنتهيت منها. إنك الآن تحمل هذه الكلمات الخالية، الكلمات الميتة الثقيلة على ظهرك، فهل تستحق حياتك؟ هل وزنها يستحق هذا التعب والمشقة طوال حياتك؟ هذه الكلمات والمعارف والمعلومات التي تمنعك من أن تدخل وتتوق إلى كيان حي نابض مبتهج متهلل.. هذا الفرح والطرب الذي ينتظرك في كل لحظة كي تختبره وتعيش به!
من يتمتع بالذكاء، يموت ماضيه في كل لحظة ويولد مستقبله من جديد. الحاضر دائما في تحول مستمر، وإعادة ولادة وابنبعاث من جديد. إنها ليست مسألة شجاعة على الاطلاق، بل إنها مسألة وضوح فقط.. هذا ما يجب أن يُفهم الآن.. مسألة الوضوح أن يكون المرء عارفا ومتيقنا من الأمر. وثانيا، عما يتعلق بالشجاعة؛ الشجاعة خصلة لا يمكن لأحد أن يقدمها لك.. لا يمكن تقديمها كالهدية، إنما هي خصلة تولد بها.. بل كل فرد ولد بها، إنما أحدهم سمح لها بالنمو وآخر لم يسمح لها بذلك. أحدهم سمح لنفسه بأن يثبت ويتشجع ويحافظ على ذلك وأحدهم لم يهتم بالأمر.
البراءة هي شجاعة ووضوح بالوقت نفسه. لا حاجة لأن تملك الشجاعة إذا كنت بريئا. ولا حاجة لك بالوضوح أيضا، لأنه لا شيء سيكون أكثر وضوحا مثل الكرستال، مثل البراءة. إذن الأمر هنا يتعلق في كيفية حماية براءة المرء. البراءة ليست شيئا يحصد ويتحقق. إنه ليس شيء تتعلمه.. كما إنها ليست كالموهبة مثل الموسيقى والشعر والنحت. إنما هي موهبة وهدية كالتنفس.. موجودة عند الجميع. البراءة هي طبيعة الكل، لا أحد يولد إلا وهو بريء. كيف لإنسان أن يولد دون أن يكون بريئا؟ الولادة تعني انك دخلت العالم كلوحة بيضاء لم يكتب عليها شيء بعد. المستقبل أمامها ولا يوجد لها ماضي.. هذه هي البراءة. إذن في البداية حاول أن تفهم كل معاني البراءة.
أولا: لا ماضي، فقط مستقبل.
الماضي فاسد لأنه يعطيك ذكريات، تجارب، توقعات. كل ذلك يجعلك مثقف، ولكن لا يجعلك واضحا صافيا. بل يجعلك لئيم، ولا يجعلك فطنا. قد يجعلك تنجح في العالم، ولكن في صميم داخلك العميق ستكون خاسر. ونجاح العالم لا يعني شيء أمام الرسوب والسقوط الذي ستواجهه في باطنك، لأنه في نهاية المطاف، ذاتك ستكون معك وتبقى معك، وكل المجد والقوة والسلطة.. الاسم والشهرة كلها تختفي.
في النهاية، كل ما يبقى معك هو ما جلبته معك منذ البداية. تستطيع أن تأخذ من هذا العالم فقط ما جلبته في العالم السابق.
في الهند هناك حكمة جميلة، تقول أن العالم كغرفة انتظار في سكة حديد، إنها ليست منزلك، ولن تبقى في غرفة الانتظار إلى الأبد، لا شيء في غرفة الانتظار ينتمي إليك أو من ممتلكاتك، الأثاث، اللوحات على الحائط.. صحيح إنك تستعملها، تجلس على الكرسي وترى اللوحة وترتاح على السرير، لكن لا شيء ينتمي لك.. أنت فقط هنا لمدة دقائق معدودة، أو ساعات كحد أقصى، وبعدها ستذهب.. نعم ما جلبته معك إلى غرفة الانتظار، هو الذي ستأخذه معك..
فما الذي جلبته في هذا العالم؟
بالتأكيد الدنيا مثل غرفة الانتظار. الانتظار ربما يكون ثواني، أو دقائق أو ساعات أو أيام.. ربما لسنوات، ولكن ما أهمية إذا ما انتظرت سبعة سنوات أو سبعين سنة؟
ربما تنسى خلال السبعين سنة بأنك في غرفة الانتظار. ربما تبدأ بالتفكير بأنك مالك الغرفة، ربما يكون هذا منزلك الذي اشتريته وبنيته.. وقد تضع لافتات عليها اسمك في غرفة الانتظار تلك.
بالمناسبة، لقد رأيت أناس هناك –لأني أسافر كثيرا، رأيت أناس هناك وقد كتبوا أسماؤهم على حمامات غرف الانتظار، أناس كتبوا أسماءهم على الكراسي الخشبية في غرفة الانتظار. هذه الحركة تبدو غريبة.. ولكنها شديدة الشبه لما يفعله الناس في هذا العالم.
هناك قصة لها مغزى في كتب الجاينا القديمة.
في الهند هناك اعتقاد أن هناك شخص يستطيع أن يكون امبراطور العالم يسمى "شاكرا فارتين"، وكلمة "شاكرا" تعني عجلة. وفي الهند كانت طريقة لتفادي الحروب الغير ضرورية من خلال عربة ذهبية جميلة جدا تجرها الخيول. تمضى هذه العربة من مملكة إلى آخرى، وإذا مضت العربة داخل مملكة ما دون اعتراض اهلها لهذه العربة، فهذا يعني أن المملكة قبلت بمالك العربة أن يكون البطل والغالب.. عندها تمضي العربة إلى مملكة أخرى. ولكن إن كان أهل المملكة يعترضون طريق العربة، فهذا يعني أن هناك حرب ستقع. وعندما تمر العربة دون اعتراض يكون مالك العربة مقبول، ويصبح "شاكرا فارتين".. أي الشخص الذي طافت عربته وعجلاته حيث لم يعترضها أحد. هذا كان طموح كل الملوك، أن يصبحوا "شاكرا فارتين".
بالطبع تحتاج إلى قوة أكثر من الإسكندر العظيم. لكي ترسل عربتك إلى مملكة أخرى، تحتاج إلى قوى عظمي لتسندها كي لا يعترضها أحد.. ويجب أن يكون هناك تأكيد مطلق لمن يعترض العربة بأن عند اعتراض سير العربة سيكون هناك مسالخ رهيبة ومذبحة كبرى.. هذا يعني أن الرجل الذي يرسل العربة يكون معروفا مسبقا لدى الكل، وأنه إذا أراد أن يهزم أي أحد لا يوجد طريقة تمنعه من ذلك.
إنها كانت حلا رمزيا، وأكثر تحضر من اليوم... لا حاجة للهجوم، لا حاجة لبدئ القتال.. مجرد أن ترسل رسالة رمزية ما، حيث أن العربة ستمضي بعلم الملك، وإذا شعر الملك الآخر أنه ما من فائدة للمقاومة، وأن المعركة ببساطة تعني هزيمته وتدمير مملكته، والعربة ستعود إلى مملكتها ترمى تحتها الورود.
هذا يبدو أكثر تحضرا من الدول المعاصرة، مثل الاتحاد السوفيتي، وأمريكا وما يفعلونه – بمجرد ارسال عربة جميلة- ولكن قبلها يجب أن تكون قوتك مؤكدة للجميع، عندما تكون قوتك مؤكدة للجميع تكون لعربتك فائدة ومعنى. إذن كل ملك لديه الرغبة في أن يكون "شاكرا فارتين".
ذات يوم، حدث لشخص أن أصبح "شاكرا فارتين".. ومن النادر أن يحدث ذلك، حيث يتحقق هذا الأمر مرة كل ألف سنة، حتى الإسكندر لم يصبح مالك العالم.. هناك المناطق الكثيرة التي لم يصلها الإسكندر. كما إنه مات وهو صغير في عمر الـثلاثة والثلاثون.. لم يكن لديه الوقت ليفهم كل العالم.. كيف له أن يتعرف على كل العالم والعالم وقتها لم يتم اكتشاف إلا نصفه.. ونصفه الآخر كان مجهول. حتى النصف المعلوم لم يهزمه كله.. الرجل الذي سأتحدث عنه أصبح ذات يوم "شاكرا فارتين".
قيل إنه عندما يموت صاحب لقب "شاكرا فارتين"، وبسبب أن الأمر لا يتحقق مع أحد إلا كل عدة آلاف من السنين، فيصبح هذا الفرد مخلوق نادر.. حيث يستقبل في الجنة بفرح وبهجة كبيرة، ويؤخذ بمراسم احتفال ويسكن في مكان مميز فيها. في هذه القصة الأسطورية.. تحكي أن في الجنة هناك جبل مساو للهملايا. الهملايا مصنوع من صخور وثلوج.. والجبل المساوي لافرست له في الجنة يسمى "ساميرو"، ومعناه النهائي والمطلق، حيث ليس هناك ما هو أعلى ولا أفضل منه. هذا الجبل مصنوع من الذهب الخالص، بدل الصخور.. هناك المجوهرات والأموال والروبيات والمرجان وغيرها.
فعندما يموت هذا "الشاكرا فارتين" يساق إلى هذا الجبل "ساميرو" لينحت اسمهه على مكان ما عليه. هذه فرصة نادرة؛ تحدث مرة كل آلاف من السنين. وبالطبع هذا الرجل كان متحمس جدا ومتشوق للذهاب إلى هذا الجبل لينقش اسمه عليه، وهذا الجبل هو المكان الأخير الذي ينقش الملك العظيم اسمه عليه كما كان ينقش اسمه على المدن التي فتحها. وسينظم اسمه إلى أسماء العظام الجدد القادمين من الأرض أيضا.
الحارس أعطاه الأدوات لينحت اسمه. أراد أن يأخذ عدد من أصحابه من الذين انتحروا لمجرد أن الإمبراطور سيموت.. حيث لم يستطع أن يتخيل أنه سيعيش بقية حياته من دونهم ومن دون زوجته ورئيس وزراءه والرئيس.. كل الأفراد العظام الذين كانوا حوله قاموا بالانتحار ليكونوا معه.
أراد الإمبراطور هذا أن يسمح لهم حارس الجنة بالدخول معه، حتى يروا كيف سينحت اسمه... فما المتعة إن ذهبت هناك لوحدك لتنحت اسمك؟ لا أحد سيراك.. بل كانت فتوحات الأرض ممتعة أكثر حيث عيون الناس تنظر وتتذكر.
وقال له الحارس: "اسمع نصيحتي، لأن هذه مهنتي التي ورثتها؛ كان أبي حارس، ووالده كان حارس بوابة أيضا، لمدة قرون ، لقد كان حارس بوابة "ساميرو"، اسمع نصيحتي وأذهب لوحدك ولا تأخذهم معك وإلا ستندم".
الإمبراطور لم يستطع أن يفهمه، ولكنه أيضا لم يستطع تجاهل نصيحته.. فما الفائدة التي ستعود جراء منع الأقارب والأصدقاء من دخولهم معه؟!
الحارس تحدث ثانية وقال: "إذا كنت تريد ومصر، إذهب أنت أولا، انحت اسمك على الجبل، ثم ارجع وخذهم معك إذا أردت. انا ليس عندي أي اعتراض، حتى الآن إن كنت ستأخذهم، ولكن في حال إن قررت أن يعودوا أدراجهم، فيكون الأوان قد فات.. سيكونوا معك حينها.. لذلك اذهب لوحدك الآن"
كانت النصيحة عقلانية.. فقال الإمبراطور: "حسنا، سأذهب بمفردي.. أنحت اسمي، وأعود وأدعوكم جميعكم لمشاهدته". قال الحارس: "إني موافق على ذلك".
دخل الإمبراطور إلى الداخل ووجد جبل الساميرو يلمع تحت آلاف من الشموس –ففي الجنة لا يمكنك أن تكون فقيرا وتكون عندك شمس واحدة، بل آلاف، وجبل ذهبي أكبر بكثير من الهيمالايا.. والهيملايا تقريبا طوله ألفين ميل- لم يستطع الرجل أن يفتح عينه في البداية.. كان الضوء ساطع جدا.. ثم بدأ يبحث عن مساحة كافية ليكتب اسمه فيها.. ولكنه تعجب حينها.. فلم يكن هناك مساحة شاغرة.. كل الجبل كان منحوت عليه أسماء الكثيرين.. لم يستطع الإمبراطور أن يصدق عينيه، لآول مرة يعي ما يحدث في العالم.. فإلى هذه اللحظة كان يعتقد أنه هو السوبرمان الذي يتحقق كل عدة آلاف من السنين. ولكنه وجد أن الملايين من السوبرمانات في الماضي كما أن بلايين من السوبرمانات في المستقبل ستأتي.
لهذا، عاد مرة أخرى إلى البوابة، وأدرك ما كان يقصده الحارس، حينما نصح بألا يدخلون الأصدقاء والأقارب معه. كان من الجيد ألا يروا الجبل، على الأقل ليؤمنوا ويصدقوا أن امبراطورهم كائن نادر، يولد مثله كل عدة ألاف من السنين.
أخذ الإمبراطور الحارس على جنب، وسأله مستغربا: "..ولكن لا يوجد مكان لاسمي!" قال الحارس: "هذا ما كنت أقوله لك، ما كان عليك عمله هو أن تمسح اسما أو عدد قليل من الأسماء وتكتب اسمك، هذا ما كان يحدث طوال الوقت.. طوال وظيفتي هنا شاهدت ما يفعلونه.. كما أن أبي وجدي أخبراني بذلك.. لم يجد أفراد عائلتي يوما أن على جبل الساميرو مساحة خالية"
حينها يتوجب على "شاكر فارتين" أن يمسح بضع أسماء ليكتب اسمه، فهذا يعني أن الجبل لا يضم تاريخ الشاكرا فارتين جميعهم. لأن الكثير من المرات تم مسح أسماء ونحتت أسماء أخرى. وبعد أن عرف الامبراطور الوضع، قال له الحارس: "قم بعملك ببساطة، امسح اسم واكتب اسم.. وبعدها إن أردت أن يدخلوا أقاربك لمشاهدة اسمك، تستطيع أن تدعوهم للدخول"
أجاب الامبراطور: "لا، لا أريد أن أريهم، ولا حتى أريد أن أكتب اسمي، ما هي الفائدة، حيث سيمحيه أحدهم في يوم من الأيام.. كل حياتي أصبحت لا معنى لها، لقد كان هذا أملي الوحيد.. أن "الساميرو" جبل الذهب في الجنة الذي سينحت عليه اسمي.. لهذا أنا عشت ولهذا أنا خاطرت بحياتي.. لقد كنت مستعد أن أقتل العالم كله من أجل ذلك.. فما فائدة كتابة اسمي على هذا الجبل، فقد كنت أكتبه في حياتي السابقة!"
ضحك الحارس، فسأله الإمبراطور عن السبب. فأجاب الحارس: " هذا غريب، لقد سمعت أجدادي أن الـ"شاكرا فارتين" يأتون ويروون الحكايات ويعودون، ولا يريدوا أن يكتبوا اسمهم.. أنت لست جديد.. فأي أحد عنده ذكاء سيفعل الأمر نفسه"
في هذا العالم كله، وإذا بامكانك أن تربح وتجني.. فما الذي يمكن لك أن تأخذه معك؟؟ البروستيج، الاحترام، أموالك، سلطتك، شهاداتك.. لا يمكن أخذ أي شيء منها اطلاقا. كل شيء سترميه هنا، يجب أن يظل هنا. في اللحظة التي تفهم هذا الكلام وتعيشه؛ إن كل ما ملكت ليست أنت.. وإن فكرة التملك خاطئة.. وبسبب فكرة التملك الخاطئة هذه أنت فسدت زيادة لكي تزيد من ملكك ومالك وقوتك، لتغلب الآخرين وتقهرهم... كنت تقوم بأمور مشينة. كنت تكذب، كنت تخادع.. كنت تلبس الملايين من الوجوه وتنافق الناس.. لم تكن حقيقيا ولو للحظة واحدة حتى لنفسك لم تكن صادقا، ولن تستطيع أن تكون كذلك.. عليك أن تكون كاذب.. لأن بهذه الوسيلة تصبح ناجح بالحياة. الأصالة والصدق لن تفيدك الصواب والصحة لن تساعدك في هذه الحياة.
من دون الأملاك، والنجاح والشهرة.. من أنت بالضبط؟؟ بالطبع لا تدري.. فهل أنت اسمك أو الفخامة التي حولك؟ هل أنت سلطتك؟؟ من أنت؟ كل تلك الممتلكات والمظاهر تصبح هويتك.. تعطيك شعور كاذب بوجودك الزائف.. هذه هي الأنا.
الأنا ليس شيء غامض. إنما هي المظاهر كلها ببساطة. أنت لا تعلم من أنت، وتعيش دون أن تعرف من أنت.. فإذا لم تعرف من أنت، فما الذي تفعله هنا في هذه الحياة؟ أي شيء ستفعله سيكون لا معنى له اطلاقا.. أولا وآخرا يجب أن تعرف من أنت... بعدها يمكنك أن تفعل أي شيء يشفي غليل طبيعتك ويجعلك تطمئن ويوصلك إلى بر الأمان.
لا أعلم من أنا، وأستمر بتلك الأمور التي تشبع الأنا لدي.. ولكن، كيف أتمكن من الوصول إلى ما أريده؟ أنا ألهث هنا وهناك.. ولكن كيف لي أن أعرف النقطة التي أريد تحقيقها.. كيف لي أن أقول: "نعم، الآن قد وصلت إلى ما أريده.. هذا هو المكان الذي كنت أبحث عنه"
أنت لا تعلم من أنت، لذلك تحتاج إلى نوع من الهوية المزيفة كبديل عن هويتك الأصلية.. ممتلكاتك تعطيك هوية مخادعة. أتيت إلى هذا العالم كشاهد بريء.. الكل يأتي بالطريقة نفسها، بخامة الوعي ونوعيته نفسها.. ولكنك تبدأ بالمساومة مع عالم البالغين الكبار الذي يكون لديهم الكثير من الأمور ليقدموها لك، بينما لديك شيء واحد لتقدمه.. وهذا الشيئ هو تماسكك واحترامك لنفسك.. ليس لديك الكثير، إنما شيء واحد يمكنك أن تسميه ما شئت.. البراءة، الرقي والذكاء.. الأصالة.
الطفل بطبيعته يهتم بكل شي، ينظر حوله، ودائما يحاول الوصول إلى هذا أو ذاك.. هذا هو طبع البشر. إذا نظرت إلى طفل صغير.. حتى لو حديث الولادة، تستطيع أن ترى أنه بدأ يبحث عن شيء ما.. يحاول أن يصل إلى أي شيء... هذا يعني إنه بدأ برحلته.
في هذه الرحلة سيفقد نفسه، لانك لا تستطيع ان تحصل على أي شيء في هذا العالم دون ان تدفع بالمقابل.. والطفل المسكين لا يعلم أنه سيقدم شيء ثمين جدا مقابل كل ما في العالم.. الطفل لا توجد لديه هذه الحسبة.. لا يمكنه ان يعرف كيف يقايض العالم ويعقد صفقة رابحة. وهذه هي المشكلة.. يحصل على ما يريد، ويعتقد إنها تحصيل حاصل. بينما هو يقدم برائته في المقبل كي يحصل على هذا العالم.
سأقول لكم قصة قد توضح مقصدي..
هناك رجل غني، غني جدا.. أصبح غاضبا جدا في النهاية -هذا نتاج طبيعي لكل ناجح، حيث لا انهيار يشابه انهيار النجاح. النجاح له معنى فقط عندما تكون خاسراً. بمجرد أن تنجح بعدها تدرك إنك كنت مخدوعا من قبل العالم كله، من قبل الناس والمجتمع- الرجل هذا لديه كل الثروة، ولكن لا راحة في باله. بدأ يبحث عن السلام والسكينة في عقله. وهذا ما يحدث في أمريكا، عدد الناس الذين يبحثون عن الراحة في عقلهم في تزايد مستمر، في أمريكا أكثر من أي مكان في العالم. كما إني لم أصادف شخص في الهند يبحث عن راحلة البال. بل إنهم يبحثون عن راحة المعدة أولا، بينما راح البال فإنها بعيدة جدا بألوف الأميال. ولكن في أمريكا، الكل يبحث عن راحة البال.. وبالطبع عندما تبحث عنه فالناس موجودون لتقديمه لك. هذا قانون بسيط في الاقتصاد: حيثما يكون هناك طلب، يكون هناك تلبية أو إمداد له. لا يهم إن كنت فعلا في حاجة لما تطلبه. ولا أحد يهتم بالفائدة التي يقدمها لك هذا الطلب.. وهل هو مجرد اعلان محض، دعاية فقط.. أم إنه أمر ضروري؟
إن معرفة هذا المبدأ البسيط؛ إنه حيثما هناك طلب يوجد هناك تموين، الأذكياء والمحتالين والخبيثين يذهبون خطوة أبعد من هذا، حيث إنهم يقولون: "الأن ليس هناك حاجة أن تنتظر الطلب لكي يتحقق، بل تستطيع أن تخلق الطلب" وهذا هو ملخص فن الدعاية، وهو أن تخلق الطلب. قبل أن تقرأ الاعلان لم يكن لديك هذا الطلب، أبدا لم تشعر أن هذا المنتج تحتاجه ولكن أثناء قراءة الاعلان، تشعر فجأة بحاجتك المزيفة وتقول في قرارة نفسك: "يا إلهي كنت أفتقد إلى هذ الشيء، كيف كنت أحمق بحيث لم أعلم بالنقص الموجود عندي!" فقبل أن يقوم أحدهم بصناعة شيء ما على مدى ثلاث أو أربعة سنوات.. يبدأ بالاعلان عن هذا المنتج، لم يتوفر الأمر بالسوق بعد ولكن الاعلان يسبق المنتج.. بحيث يصل المنتج عقل الناس من أجل أن يخلق الطلب والحاجة في أنفسهم.. وبعد فترة سيتوفر المنتج الذي أخذ مكانه في عقول الناس.
برناردشو صرح أنه عندما كان جديدا في الساحة الأدبية، حيث نشر كتابه الأول، بالطبع لم يكن هناك طلب عليه، لأنه لم يعد هناك أحد قد سمع من قبل عن برناردشو، فإن لم يسمع أحد عنه كيف سيكون هناك طلب عليه؟ "أريد قصة جورج برناردشو الاستعراضية؟" هذا ما كان يفعله طوال يومه. طبع الكتاب، وكان هو نفسه الناشر وبأمواله الخاصة بعد أن جمعها. ومن ثم ذهب من متجر كتب إلى آخر سائلاً: "هل وصل لديكم كتاب جورج برناردشو؟" وهم يجيبونه متعجبين: "جورج برناردشو؟ نحن لم نسمع بهذا الاسم من قبل" وهو يجيبهم: "غريبة مثل هذا الرجل العظيم موجود ولم تسمعوا به من قبل وأنت تدير مكتبه كهذه! هل أنت قديم ولا تطلع على التطورات وتتابع الأخبار أول بأول؟ أول ما يتوجب عليك فعله هو الحصول على كتاب برناردشو"
برناردشو نشر كتاب واحد، ولكن بدأ بالاعلان عن كتب عديدة، فلو كنت ستقوم بهذه الجولات إلى مكتبات المدينة، فلماذا تنشر كتاب واحد فقط؟ وكتاب واحد لا يجعل المرء كاتبا عظيما.
كان يذهب بملابس مختلفة، مرة بقبعة، ومرة بنظارات. والناس بدؤوا بالاتصال بجورج برناردشو في منزله. وكان عليه القيام بكل ذلك، الاعلان والتمويل.. وهكذا قام ببيع أول كتبه. كان يسأل الناس في الشارع: "هل سمعتم عنه؟ إنني أسمع الكثير عن كتاب معين كتبه شخص يدعى برناردشو"، إن الآخرون يقولون بأنه كتاب رائع.. هل سمعتم باسمه أو قراتم الكتاب؟" ويجيبونه: "لا، أبدا لم نسمع بذلك"، فيرد عليهم: "غريب كنت أعتقد أن لندن مجتمع متحضر بالكامل". كذلك ذهب إلى المكتبات والأندية وكل مكان ممكن أن يخلق فيه احتمالية وجود الحاجة والطلب، وقد خلق الطلب وباع الكتاب أخيرا.. وهذا ما يفعله دائما.. وبالنهاية أصبح أعظم الكتاب في عصره. هو بنفسه قد خلق الطلب.
ولكن إذا نجحت، فلا حاجة لأي أحد أن يخلق طلب إلى راحة البال. إذا نجحت، فإنك تفقد راحة البال تماما. هذا الدرس طبيعي، هذه هي الطريقة الطبيعية. النجاح يأخذ كل راحة البال من المرء. ببساطة يمتص كل شيء مميز بالحياة، السلام، الهدوء، المتعة، الحب. تستمر بأخذ كل شيء بعيدا عنك. وبالنهاية تصبح يدك مليئة بالنفايات، كل ما كان ذو قيمة قد فقدته. وفجأة تكتشف أن راحة البال ضرورية ومطلب هام.
وعلى وجه السرعة، الممولين موجودين والذين لا يعلمون أي شيء عن العقل، ولا يعلمون شيء عن راحة البال، قرأت مرة كتاب اسماه صاحبه "راحة العقل" كان كاتب يهودي، اسمه جوشوا ليبمان ، لقد قرأت الكتاب كله.. الرجل لا يعرف شيء عن السلام ولايعرف عن العقل، ولكن كان رجل أعمال ورجل تجاره، وقد عمل عملاً جيدا دون أن يعرف أي شيء عن راحة العقل أو راحة البال.
كتابه حقق أفضل المبيعات في العالم، لأن أي شخص يريد راحة البال، سيجد في النهاية "ليبمان" وكتابه "راحة العقل" وقد كتبه بصورة جميلة، إنه كاتب جيد مؤثر بالقارء. ولكن راحة البال ستبقى بعيدة المنال وبعيدة أكثر من ذي قبل.. ربما تبتعد راحة البال أكثر بعد قراءة الموضوع .
في الحقيقة، إذا عرف المرء ما هو السلام والراحة، وما هو العقل، لا يكتب كتاب اسمه "راحة العقل"، لأن العقل هو السبب في كل اللاسلام الموجود، وكل عدم الراحة.
السلام يتحقق في حالة لا يكون العقل فيها يعمل.. في حالة (لا-عقل) إذن تركيبة "راحة العقل" غير موجودة أساسا.. لا يوجد سلام بوجود العقل. لا يجتمعان معا. إذا كان العقل موجود فالسلام غير موجود، وإذا كان السلام موجود فالعقل غير موجود.. ولكن أن تكتب كتاب بعنوان "سلام العقل" فلن يكن له معنى لأحد.. ولكن هذه هي الحقيقة بالضبط.
الطفل غير واعي بما جلب معه من العالم الآخر. وهذا الرجل الغني كان في الحالة نفسها الخاصة بالأطفال.. كان لديه الغنى كله، والآن يبحث عن السلام وراحة البال. وقد تنقل من رجل دين إلى آخر، وكلهم قدموا نصائح عظيمة له.. ولكن النصيحة بطبيعتها لا تساعد أحد.
في الحقيقة، فقط الحمقى هم من يقدمون النصائح، الحكماء يترددون باعطاء النصائح. لأن الرجل الحكيم يعرف بالتأكيد أن الشيء الوحيد الذي يعطى بلا كلفة هي النصيحة، والنصيحة لا يقبلها أحد.. الكل يستهين بها. فلماذا يكلف على نفسه؟
الرجل الحكيم يجعلك حاضر أولا ويهيئك حتى تستطيع تقبل النصيحة. إنه ببساطة لا يعطي النصيحة. يجب عليك أن تكون مهيئا. وهذه التهيئة قد يأخذ سنين.. سنين ليتم تحضير التربة، وحينما تكون التربة جاهزة يمكن حينها أن ترمى البذور فيها. سيكون من الغباء أن تستمر برمي البذور على الصخور والحجارة من دون حتى أن تراعي ذلك، تبذر وتسرف بالبذور القيمة. كل أولئك المتدينون قدموا نصائح ولكن لا شيء وصل في قلب ذلك الرجل الغني. وفي نهاية المطاف رجل ما كان يعتقد الآخرون إنه مجنون أو أبله القرية.. أوقفه في منتصف الطريق وقال: "إنك تهدر وقتك من غير ضرورة. لا أحد منهم حكيم أو متدين، إنني أعرفهم تماما.. ولأني مجنون لا أحد يصدق حتى إنك ربما لن تصدقني.. ولكني أعرف رجل ما متدين، وبمجرد إني رأيتك معذب باستمرار باحثاً عن السلام، وجدت إنه من الضروري أن أدلك على الشخص. إلا أنني مجنون ولا أحد يسأل عن النصيحة.. أنا لا أقدم أي نصيحة لأي أحد.. ولكن الأمر الآن كحمل ثقيل على ظهري؛ أن أراك بائس ومتعذب، لهذا كسرت صمتي.. أنصحك بأن تذهب إلى ذلك الرجل في القرية المجاورة"
ذهب الرجل الثري بسرعة، بحقيبة مليئة بالمجوهرات، على حصانه الجميل. وصل هناك ووجد ذلك الرجل.. هذا الرجل كان معروف لدى الصوفيون باسم "ملا نصر الدين"، سأل الرجل ملا نصر الدين: "هل تستطيع أن تساعدني لأحصل على راحة البال؟" قال ملا: "مساعدة؟ نعم أستطيع أن أقدمها لك" فكر الرجل: "هذا غريب.. أولا المجنون اقترح.. وبسبب اليأس قررت أن آتي إلى هنا.. ولكن هذا يبدو مجنون اعظم من سابقه.. حيث يقول باستطاعته ان يقدم راحة البال لي.. لقد ذهبت إلى انواع من المتدينين والعارفين، جميعهم نصحوني.. ان اعمل هذا واعمل ذاك.. نظم حياتك، قدم صدقات، ساعد الفقراء، افتح مستشفيات.. إلخ. نصحوني بكل ذلك. وفي الحقيقة لقد قمت بكل لك.. ولكن لا فائدة.. في الحقيقة المشاكل تزداد أكثر وأكثر.. وهذا يقول انه باستطاعته أن يقدم لي راحة البال؟". ثم قال ملا له: "ماذا تحمل في حقيبتك حيث تضعها بالقرب من قلبك؟" أجاب: "هذه الحقيبة فيها مجوهرات ثمينة.. إذا أعطيتني السلام الداخلي، فسأقدم لك هذه الحقيقة"
ولكن حتى قبل أن يزيد بالكلام... أخذ ملا الحقيبة وهرب بعيدا. للحظة ما، الرجل الغني كان في صدمة لم يكن يعلم ماذا يفعل، ومن ثم قرر أن عليه اللحاق بملا نصر الدين، ولكنه في مدينة ملا نصر الدين حيث هذا الأخير يعرف كل الطرق والاختصارات فيها.. كان يركض، والرجل الغني لم يركض في حياته قط، كان سمينا أيضا... أخذ يبكي ويتأفف ويتنهد ويخرج النفس بصعوبة، ودموع تتساقط من عينيه.. وقال في نفسه: " إنني خُدعت تماما.. هذا الرجل أخذ كل جهودي وعملي طوال حياتي.. أخذ كل شيء.
تجمع أهل المدينة وأخذوا بالضحك عليه، قال لهم: "هل أنتم حمقى؟ هل هذه المدينة مليئة بالمجانين؟ لقد دمرت تماما وبدل أن تقبضوا على اللص، وقفتم ها هنا تضحكون؟" قالوا له: "إنه ليس لص، إنه رجل عرفاني"، رد عليهم: "رجل ما مجنون في قريتي قادني إليه وإلى المشاكل".
بطريقة ما، وصل ملا إلى الشجرة التي ربط الرجل الغني حصانه بها. وقف هناك مع حقيبة المجوهرات تحت الشجرة.. أتى الرجل الغني إليه باكيا ناحبا. قال ملا له: "خذ الحقيبة الآن.. كيف تشعر؟ هل تشعر ببعض الراحة في عقلك؟"
أجاب الرجل الغني: "نعم يوجد شعور بالسلام العميق. أنت غريب، ولك طريقة غريبة بالتعامل".
رد ملا: "ليس هناك طرق غريبة.. بل هي حسبة ما. فإن كل ما تملكه تأخذه كملك خالص وتحصيل حاصل إنه لك، يجب أن تكون لك فرصة أن تخسره، عندها فجأة يكون لديك وعي بما خسرته. لم تكسب شيء جديد. إنها الحقيبة نفسها التي كنت تحملها قبل قليل. ولكن بدون راحة بال.. والآن تحملها قريب من قلبك والكل يرى الراحة والسلام على محياك.. مظهرك أصبح مطمئن.. هيا إذهب إلى منزلك ولا تزعج الناس.
هذه مشكلة الطفل، إنه يأتي بالبراءة، وهو مستعد أن يشتري أي شيء ويقدم براءته في المقابل. مستعد أن يشتري لعبة ما. وما العالم إلا لعبة؟ مستعد أن يشتري هذه الألعاب ويخسر نفسه. لن يدرك خطورة الأمر إلا عندما يكون بحوزته جميع الألعاب مع شعوره بعدم الرضا والمتعة. مع عجزة عن رؤية أي انجاز أو كمال. عندها يصبح مدركا لما فقده.. نفسه الذي فقدها.. نقاوته التي فقدها. كل عائلة ستتعلم من صغارها بدل أن تعلمهم. ولأنك الأكبر والأقوى تبدأ بتشكيلهم على صورتك، دون أن تنظر إلى ما وصلت إليه، وما هو حال عالمك الباطني. أنت عبارة عن دمى خيطية، وتريد الشيء نفسه يحدث لطفلك؟ لا أحد يفكر، وإلا لتعلموا الناس من أطفالهم الصغار. الأطفال يجلبون الكثير من الحكمة إلى عالمنا، لأنهم مستجدون هنا.. انقياء.. يحملون النقاوة والعذوبة في قلبهم.. لا زالوا يحملون صمت الرحمة، صمت الوجود.
دائما تذكر، أنه لابد من الثقة بالمجهول. المعلوم هو العقل. بينما المجهول لا يمكن أن يكون العقل. قد يكون شيء آخر، ولكن لا يمكن أن يكون العقل. شيء واحد هو العقل، هو كل ما هو معلوم متراكم. لذا، مثلا.. إذا أتيت إلى مفترق الطرق، يقول عقلك: "إذهب بهذا الطريق المألوف".. هذا هو العقل. ولكن إذا استمعت إلى كيانك، سيكون بودك الذهاب إلى اللا مألوف.. الكيان دائما مغامر. العقل دائما "أورثوذكسي" معارض ومتحفظ جدا.. يريد أن يتحرك على المضمار، على المسار المعبد مسبقا.
إذن دائما استمع إلى المجهول. وأجمع الشجاعة كي تتحرك نحو المجهول.
أن تنمي قدرتك وتصل إلى المجهول تحتاج إلى شجاعة، ولا تحتاج خوف. الأفراد المليئين بالخوف لا يستطيعون المضي أبعد من المعلوم. المعلوم يعطي نوع من المواساة، الأمان والسلامة. لأن الفرد فيه يصبح واع تمام كيف سيتصرف ويتعامل معه.. لأنه ببساطة معلوم. يمكن للفرد أن يتعامل معه وهو نائم... لا حاجة له أن يكون متيقظ وصاحي.. هذه هي الرحلة مع المعلوم.
في اللحظة التي تتخطى فيها حدود المعلوم، الخوف يتصاعد، لأن مع المجهول ستبدو جاهلا، فلا تعرف كيف تتصرف معه.. ولن تكون متأكد من أي خطوة تخطوها. يمكنك أن ترتكب أخطاء ويمكنك أن تضيع. هذا الخوف هو الذي يجعل الناس مربوطين بحبل قوي بالمعلوم. عندما يُربط الشخص ويتقيد بالمعلوم، فهذا يعني إنه ميت.
الحياة تعاش بخطورة، ولا يوجد هناك طريقة أخرى لتحياها. الحياة غير موجودة في مكان إلا في الخطر.. في الخطر الحياة تصل إلى نضجها و ذروتها. الفرد بحاجة لأن يكون مغامرا.. دائما مستعد للمخاطرة.. للدخول في المجهول. وبمجرد تذوق متعة الحرية... فلن يندم أحد أو يتحسر لأنه يوصلك إلى معنى أن تعيش الحياة المثلى.. عندها تعرف معنى أن تشعل شمعة حياتك مع المجتهدين.. حيث تكون شعلة واحدة مفردة من الكثافة والقوة والحدة.. هذه الشعلة هي أشد جاذبية من حياة كاملة تعيشها بمستوى متوسط رتيب معلوم.