شيخ الأسرار الباطنية
30-12-2010, 21:13
كان يا ما كان في قديم الزمان.... طائر يغني بفرح وشوق وهو حر طليق يطير تحت السماء الزرقاء وفي يوم سمعه الملك وطلب أن يضعونه في قفص ذهبي مرصع حتى يستطيع أن يسمعه كل يوم. وُضع الطائر المسكين في القفص. إذا كنت في المكان ومع الشخص الغير مناسب فحتى الغناء والفرح غير مسموح بهم.
فقد الطائر حريته وأصبح يبكي ويبكي ولكن لم يشعر ببكائه أحد لأن الكثير منا لا يستطيع أن يميز بين البكاء وغناء الفرح...
ما فائدة القفص الذهبي المرصع إذا كنت محبوساً فيه؟ صار الطائر يفكر!! هل سأظل هنا كثيراً؟ هل ستفقد أجنحتي مرونتها؟ من عرف الحرية والطيران نحو السماء لا يمكنه أن يفرح بقفص حتى وإن كان ذهبياً ومرصعاً.
وفي يوم من الأيام سمع الطائر درويشاً يغني ويقول: من يبحث عن الحرية فهناك طريقة واحدة للوصول إليها... طريق الحقيقة. ولكن ما هي الحقيقة؟
الحقيقة هي أن ترى الأشياء على ذاتها وأن تتعرف على كل شيء بالطريقة التي وُجد فيها وأن تتناغم معها وتظهرها كما هي... هذه هي الحقيقة التي تجلب لك الحرية.
هذه كانت الكلمات التي ردّدها الدرويش في ذلك اليوم ولم يهتم أحد بكلماته إلا هذا الطائر الصغير لأنه هو الوحيد الذي كان يتذكر جمال الحرية والانطلاق أما بالنسبة للبشر فهم لا يفكرون بالحرية أو في الحقيقة لا يعرفونها وكأنهم فقدوا الأمل بأجنحتهم التي كانت تهديهم إلى أبعاد بعيدة ومختلفة...
من هنا أحس الطائر أن هذه الكلمات هي رسالة له ويجب أن يحاول حتى يسترد حريته المفقودة.
وفي يوم جاء شخص ليقابل الملك وطلب الملك من أحد الخدم أن يقول للضيف أنه ليس موجوداً فصرخ الطائر قائلاً: لا، لا، الملك موجود وهذا الخادم يكذب لأن الملك طلب منه ذلك. غضب الملك!!!
الكثير منا لا يحب الحقيقة لأننا نرى أن الحياة هي خدعة وحسب... خاصة بالنسبة للملوك والأغنياء لأنهم يعتمدون على الخدع في حياتهم ولأنهم من ألوف السنين صلبوا الحقيقة وحكموا العالم....
أصدر الملك قراراً بطرد الطائر من القصر!! لا يمكن للحقيقة أن تتعايش مع القصور! طُرد الطائر من القصر وهذا ما كان يتمناه فصار يرقص في الفضاء ويقول: صدق الدرويش؛ الطريقة الوحيدة للوصول للحرية هي الحقيقة. كان هناك ببغاء يراقبه فقال له: يا أيها الأحمق... لقد فقدت القفص الذهبي! وأنت تغني وترقص؟
القليل منا يحظي بمثل هذه الحياة وأنت تجاهلت كل هذا؟ أنت لا تعرف فن الحياة في القصور الذهبية!! الشرط الأول هو أن تكون بالضبط كما قال المرشد دون أن تفكر بصحته أو خطأه. الفكر يولد التمرد ومن يقع في هذه الغلطة لن يستمر.. لماذا وقعت في غلطة الفكر أيها الأحمق؟ الفكر خطر جداً والعاقل هو الذي لا يفكر ويبقى في سجنه ويسميه "البيت" أو "المعبد".... كنت تستطيع أن تغير الأثاث فيه وتجعله كما تحب... تذكر غالبية الناس يغيرون ما بداخل سجونهم حتى يحسوا أنهم في بيوتهم..
لم يعير الطائر للبغاء أهمية لأنه كان سكراناً بالهواء الطلق والحرية التي حصل عليها ولكن استمر الببغاء بإعطاء نصائحه الغير مطلوبة!! وقال: تذكر؛ الطريقة الوحيدة للعودة للقفص الذهبي هي أن تقول دائماً ما يقوله المرشد؛ نحن لا نقول الحقيقة ولا نهتم بها نحن نرى بعين المرشد ونسمع بأذنيه ونفكر بطريقته ولا نستخدم أدمغتنا. هكذا أنهى الببغاء حديثه وعاد إلى القفص وغلق السجان بابه.
هذا ينطبق على البشر أيضاً؛ أصبحنا ببغاء ونتبع المرشد فقط. لا نفكر، نتبع الكلمات سواء أن كانت من الكتب المقدسة أو من فرقة أو حزب سياسي. لقد امتلأت عقولنا وأذهاننا وآذاننا من الكلمات التي يرددونها ونحن لا نفكر بل نرددها مثل الببغاء ونسينا أن لنا أجنحة وأن هناك سماء ومساحه كبيره للطيران ولم نعد نعي جمال الروح التي نحتويها... إذا كنت تريد أن تكون أسيراً وآمناً فلا تتكلم عن الحقيقة؛ اقبل الحياة وكأنها تريدك مطيعاً وأسيراً ولا تغلط وتتطلع للحقيقة لأن الحقيقة خطرة وغير آمنه والقفص هو آمن!! أنت في القفص لا تخاف المطر ولا العواصف ولا الغيوم ولا البرد.
لا يوجد خوف في القفص كل الخوف يكمن في الحرية؛ الحرية هي أن تكون في خطر...
في الحرية أخطار كثيرة! تأمل السماء وسعتها وهذا الطائر الصغير!! كل أنواع الخطر وكل المجازفات مقبولة!! الرياح؛ العواصف الطيور الجارحة؛ كل شيء كل شيء!! ولا سبيل ليحمي نفسه منها.... لهذا نفضل أن نكون مقيدين وآمنين.إذا كنت تريد أن نكون آمناً فسأل نفسك: هل تريد أن تكون أسيراً ومقيداً؟ إذن لا تتكلم عن الحقيقة أبداً؛ أن تكون أسيراً ومقيدا هو الجواب الوحيد للأمان. حتى تأمن شر السياسيين والمتدينين والأغنياء كن معتمداً عليهم لأنهم سيقدمون لك الحماية والأمن اللازمين..
الحرية هي ليست للآمنين والمحميين هي للمشتاقين الشجعان الذين لم ينسوا أجنحتهم ولم ينسوا السماء ووسعتها تركوا الزناجير والجدران وحلقوا فوق العالم وانصهروا في الفضاء...
الحرية موجودة في فطرتنا لكننا لا نستطيع أن نراها في أعين البشر اليوم.
عِش بأمان وموت بأمان هذا هو شعارنا.
قصة أخرى تروي لنا أنه كان هناك ملك بنى قصر مميز غير قابل للاقتحام ومستحيل أن يدخله العدو.
خذ كل الاحتياطات وأبقي العدو بعيداً وكن آمناً..
هذا ما يفعله البشر طوال حياتهم... نحن نسعى وراء المال لأنه يعطينا شعور بالأمان ونسعى للمقام لأنه يعطينا نفس الشعور والملك عنده المال والجاه ولكنه كان يسعي وراء الأمان لأن الخوف يلاحقنا دائماً طوال حياتنا ونحن نخلق مخاوف جديدة كل يوم. كان الملك يخاف العدو؛ إذن بنى قصراً مميزاً؛ التميز كان في عدم وجود أي فتحة فيه. لا شبابيك ولا أبواب؛ لا توجد أي فتحة سوى واحدة؛ باب الدخول ومن ثم وضع على الباب ألف حارس هكذا هو أحس بالأمان. لا توجد أي فتحة حتى يخترقها العدو وليدخل من البوابة يجب أن يقتل ألف شخص!! إذن الملك بأمان...
سمع أحد أصدقاء الملك بهذا القصر فأعجبته الفكرة وأراد أن يطّلع على ما فعله الملك فجاء بزيارة إلى القصر. وحين كان يتكلم مع الملك ويمتدح الفكرة العبقرية التي جاء بها وأنه سوف يبني قصره بنفس الطريقة؛ سمع رجل عجوز يضحك بصوت عال. فسأله: من ماذا تضحك أيها العجوز الأحمق؟
فأجابه الرجل: أنت تقول أن المكان الوحيد الذي يستطيع العدو اقتحامه هو البوابة فمن الأفضل أن تغلق البوابة وتبنيها من الداخل حتى لا يستطيع العدو دخول القصر أبداً.
قال الملك: أيها الأحمق سوف يتحول القصر إلى قبر وسأدفن فيه.
قال الدرويش: لا يستطيع العدو الدخول من البوابة وإذا لم يأتي العدو سيأتي الموت في يوم. قال الملك: ولكني سأكون مت قبل أن يصل العدو.
قال الدرويش: هذا بالضبط ما أرمي إليه!! كلما فتحت أبواب جديدة كلما انفتحت أمامك فرص جديدة للحياة ولكنك أغلقتها جميعاً وتركت فتحة واحدة وأنا اقترح أن تغلق هذه أيضاً وترتاح.... وانفجر من الضحك وأضاف: كان لي قصراً من قبل ولكني رأيت أنه أشبه بالسجن لي ولهذا بدأت بتكبير الأبواب والحيطان ومع كل هذا رأيت أنها لا تزال موجودة فتركت الجدران وخرجت للعراء والآن أنا تحت هذه الأسماء المفتوحة وعندي أحلى إحساس في العالم ألا وهو الحرية. هل نحن نبني جدران من حولنا؟ هل كل الجدران خطيرة؟ أم لأننا لا نراها لا نشعر بخطورتها؟ أخطر الجدران هي التي لا يمكنك اقتحامها مثل العقائد والأفكار والكتب السماوية...
نحن نبني هذه الجدران لنحمي أرواحنا ونجعلها بأمان. كلما كانت الجدران أقوى كلما ابتعدت الروح عن السماء المفتوحة للحقيقة. هكذا تتعذب الروح وتتشوش ونسعى نحن لنقوي الجدران مرة أخرى... كل هذا سيتحول إلى مرض في وقت ما لأننا كلما ضغطنا على الروح كلما فقدت بركتها وشفافيتها....
تذكر دائماً؛ هذه الطاعة المفروضة عليك هي سطحية ولا تناسبك من الداخل. أنت الذي قبلتها عبر الزمن والعقود؛ من قال لك أنك مسيحي؟ أو شيوعي؟ أو شيعي؟ يجب أن تقرأ القرآن والتوراة... من الذي قيدك كل هذه القيود؟ أنت من فعلت هذا بنفسك...
هل تتذكر حين قال الله لآدم "لا تقربا هذه الشجرة" وكان قد حذره من قبل أنه إذا ترك الجنة ستكون حياته صعبة ومليئة بالألم. لم يكن آدم مقيداً بقيودنا مثل اليوم كان خالصاً ونقياً ولهذا رفض شرط بقائه في الجنة. لا تصدق أنه خضع لوساوس الشيطان هذه الأفكار كانت بداخله لأنه لم يكن أسيراً بين يدي الله بل كان متمرداً وحراً. الله هو الذي أعطاه هذه الحرية وهذا الخيار إذن كيف يمكنه أن يكون أسيراً؟ وحين عرض عليهم إبليس التمرد فرحوا بها وقالوا ها نحن أصبحنا ثلاث "آدم وحواء وإبليس" فأكلا أو بالأحرى تمردوا...
هذه فطرتنا جميعاً؛ تأمل الأطفال يحاولون التمرد على الأم والأب وأن لا يسمعوا الكلام حتى وإن كان بصالحهم. ومن ثم التمرد في المدرسة على المعلم والتعليم والتمرد على المجتمع والقوانين؛ التمرد على الزوج والزوجة التمرد على الحكم.. كل هذا من طبيعتنا وفطرتنا ولكن عبر السنين تعلمنا الخوف أيضاً... إذا تمردت على أهلك فستأتيك ضربة أو تهديد: لن أحبك حتى تسمع الكلام!!
هذا ما حصل لآدم وطرده من الجنة؛ كلنا نلومه ونقول لو لم يتمرد لما تحمل كل هذا العناء وحمَلنا إياها أيضاً. تذكر إذا لم ننزل على الأرض كيف كان لنا أن نمارس حريتنا؟ وما معني الإرادة والخيار فيها؟
أصحاب السلطة والسياسيين ورجال الدين كل واحد منهم وضع زنجيراً بأيدينا وأرجلنا ونحن استقبلناها وقبلناها لأنها وفرت لنا الأمان. انظر إلى المجتمعات المتحضرة وتأملها!! كلما كان المجتمع آمنا أكثر كلما كثرت القوانين فيها. هل نحن ضد القوانين؟ أكيد لا! لسنا ضد أي قانون ولا أي حضارة الغلط الذي فيها هواننا نعتقد أنها هي الحقيقة، والواقع هو إذا تعرفت على الحقيقة أنت لست بحاجة إلى أي قانون.
الإنسان هو الذي جعل نفسه عبداً... عبداً لمن؟ لحماقاته ولأهوائه ولجهله وليأسه. إذا تعرفت على كل هذا وأصبح كل شيء واضحاً ونقياً في أفكارك؛ حينها تستطيع أن تتغلب على العبودية وتخطو خطواتك إلى الحرية...
من الحالات الميئوس منها؛ هم الذين يتجاهلون قيودهم ولا يتصورون أن هناك غلط في طريقه حياتهم وينظرون إلى سجونهم على أنها بيوتهم وإلى القيود والزناجير على أنها زينة ويفتخرون بها.
هناك قصة خيالية ظريفة تقول أنه كان راعي يسحر الغنم ويوهمهم أنهم أسود وهكذا كان يطعمهم ليصبح كل واحد منهم قوياً وسميناً ومن ثم يأخذهم إلى المذبحة واحد تلو الآخر؛ الفكرة هي أن كل خروف كان ينظر إلى الخروف المذبوح ويقول في نفسه أنا أسد ولن يأتيني يوم كهذا...
هذا حالنا أيضاً كل منا يعتقد أن أفكاره وزناجيره هي من أسمى الأفكار وأنه متحضر وأعلم وأعقل من الآخرين؛ هكذا حصلت الحروب بين الشعوب والأديان. كل دين يعتقد أنه على حق والمصيبة الأكبر في طوائف الدين الواحد!! كل طائفة تعتقد أنها هي التي ستدخل الجنة وهكذا يحق لنا أن نقتل البشر لأنهم لا يتبعوننا ولأنهم أقل تحضراً وعلماً.
تأمل قليلاً!! هل أنت دين؟ لو كنت ولدت في مكان آخر ودين آخر هل كنت ستغير ديانتك لما أنت عليه الآن؟ هل أنت وطن؟ أو أرض؟ إذا ولدت في مكان وانتقلت للعيش في مكان آخر هل ستحس بحنين للمكان الذي ولدت فيه؟ أنت حتى لا تتذكره فكيف يمكنك أن تحبه؟ إذا عبرت الحدود من بلد إلى بلد هل تحس بفرق في الأرض؟ هل الجاذبية في بلدك أكثر من الجاذبية في البلاد الأخرى؟
كل هذه قيود وزناجير نخلقها لأنفسنا حتى نصدقها ونفتخر بها.. كل طائفة لها سجّانها الخاص، هو الذي اخترناه ليتحمل المسئولية عنا ونحن نتبعه؛ هو يفكر ويرشدنا. السياسيين يقولون يجب أن نضحي بأرواحنا وأنفسنا من أجل الوطن ورجال الدين يعلموننا الجهاد في سبيل الله والأغنياء وأصحاب الثروات يعلموننا التضحية في سبيل المتعة...
مولانا جلال الدين يروي قصة في كتابه؛ كان هناك تاجر كبير يسافر من بلد إلى بلد ويبيع ويشتري وفي يوم اشترى ببغاء من الهند وجاء به إلى بلده وبعد فتره أحس الببغاء بحنين إلى بلاده وأصحابه ولكن لا يوجد مفر من هذا القفص...
وفي يوم من الأيام قال التاجر للببغاء إني ذاهب إلى الهند وسأمر بوادي الببغاء فهل عندك رسالة إلى أصحابك هناك؟ قال الببغاء: قل لهم إني أشتاق إليهم وأتمنى أن أطير لهم.
ذهب التاجر إلى الهند وحين وصل إلى وادي الببغاء قال لهم: صديقكم يخصكم بالسلام ويقول أنه يشتاق إليكم ويتمنى أن يطير إلى هنا..
في نفس اللحظة التي أنهى التاجر قوله فيها وقع ببغاء من على الشجرة ومات. حزن التاجر وقال في نفسه يا ليتني لم أقل لهم؛ يا ترى من يكون هذا الببغاء؟ وكيف وصل الحزن به إلى الموت؟
عاد التاجر إلى بلاده وحين سأله الببغاء عن ما حصل روي له التاجر القصة بأكملها فوقع الببغاء ومات هو أيضاً...
صرخ التاجر: يا حسرتي يا ليتني لم أخبره بما حصل وفتح القفص وأخرج الببغاء ليدفنه فطار من بين يدي التاجر وجلس على غصن الشجرة. فقال التاجر: ما هذا؟ ماذا يحدث؟ قال له الببغاء: إني أرسلت لهم رسالة باشتياقي وهو بتظاهره بالموت أرسل لي رسالة؛ إذا أردت الحرية فيجب أن تموت.
حين تكون ميتاً لن يستغلك أحد. موت الفكر وموت الأنا تهدم الجدران وتفتح الزناجير من حولك.. ثمن الحرية هو الموت ولكن ليس الموت الذي يريده السياسيين ورجال الدين منا بل هو موت العقائد والجهل والطائفية...
الحقيقة لها وجوه كثيرة لا يمكنك أن تحصرها في قالب أو فكرة معينة ولهذا يصعب على الكثير استيعابها. كيف يمكنك أن ترى العدالة في الظلم؟ كيف أحب نفسي ولا أكون أنانياً؟ كيف أعبد الله ولا أتطلع إلى الجنة ولا أخاف النار؟
في مكان ما كان هناك درويشاً يعيش في قرية صغيرة وكان الناس يريدون منه أن يكلمهم عن الحقيقة ولكنه كان يرفض دائماً. وفي يوم أصر شيوخ القرية على طلبهم فوافق؛ وجاء اليوم الموعود. وقف وقال: هل تؤمنون بالله؟ أجابوا: نعم... قال إذن انتهينا ما جدوى البحث عن الحقيقة؟!! وترك المكان...
ذهب إليه الناس وطلبوا أن يحضر مرة ثانية فوافق وسأل هذه المرة: هل تؤمنون بالله؟ قالوا: لا!! قال إذن ما الفائدة من الكلام وأنتم لا تؤمنون بالله؟ وترك المكان....
في المرة الثالثة قال له الناس نحن في إرباك من أمرنا وتفرقنا لأننا لا نعرف من منا على حق هل نؤمن أم نكفر؟!! فقال سأحدتكم هذا الأسبوع. ومرة أخرى سأل الناس: هل تؤمنون بالله؟ قال البعض نعم والبعض لا.... فقال: الذين يؤمنون بالله يحاورون الذين لا يؤمنون.... وترك المكان....
هذه هي الكلمات المتداولة لدينا "نعم – لا – ربما" وانتهينا
بعد ذلك ظل الدرويش ينتظر حتى يرجع الناس ليسألوه مره أخرى ولكن لم يسأله أي أحد... كان الدرويش متشوقاً ليحدثهم عن الأجوبة الرابعة والخامسة واللانهاية... كان يريد أن يظهر لهم أوجه عديدة من الحقيقة الوجوه الغير محصورة في الكلمات المتداولة....
في النهاية ماذا نفعل؟ استجمع قواك وكن شجاعاً واكسر كل القيود والزناجير والأحاديث والعقائد والأصول التي تعلمتها لأن الحقيقة ليست بحاجة إلى علم وتعلم بل أنت بحاجة إلى أن تكون مرتاحاً ونقياً...
فقد الطائر حريته وأصبح يبكي ويبكي ولكن لم يشعر ببكائه أحد لأن الكثير منا لا يستطيع أن يميز بين البكاء وغناء الفرح...
ما فائدة القفص الذهبي المرصع إذا كنت محبوساً فيه؟ صار الطائر يفكر!! هل سأظل هنا كثيراً؟ هل ستفقد أجنحتي مرونتها؟ من عرف الحرية والطيران نحو السماء لا يمكنه أن يفرح بقفص حتى وإن كان ذهبياً ومرصعاً.
وفي يوم من الأيام سمع الطائر درويشاً يغني ويقول: من يبحث عن الحرية فهناك طريقة واحدة للوصول إليها... طريق الحقيقة. ولكن ما هي الحقيقة؟
الحقيقة هي أن ترى الأشياء على ذاتها وأن تتعرف على كل شيء بالطريقة التي وُجد فيها وأن تتناغم معها وتظهرها كما هي... هذه هي الحقيقة التي تجلب لك الحرية.
هذه كانت الكلمات التي ردّدها الدرويش في ذلك اليوم ولم يهتم أحد بكلماته إلا هذا الطائر الصغير لأنه هو الوحيد الذي كان يتذكر جمال الحرية والانطلاق أما بالنسبة للبشر فهم لا يفكرون بالحرية أو في الحقيقة لا يعرفونها وكأنهم فقدوا الأمل بأجنحتهم التي كانت تهديهم إلى أبعاد بعيدة ومختلفة...
من هنا أحس الطائر أن هذه الكلمات هي رسالة له ويجب أن يحاول حتى يسترد حريته المفقودة.
وفي يوم جاء شخص ليقابل الملك وطلب الملك من أحد الخدم أن يقول للضيف أنه ليس موجوداً فصرخ الطائر قائلاً: لا، لا، الملك موجود وهذا الخادم يكذب لأن الملك طلب منه ذلك. غضب الملك!!!
الكثير منا لا يحب الحقيقة لأننا نرى أن الحياة هي خدعة وحسب... خاصة بالنسبة للملوك والأغنياء لأنهم يعتمدون على الخدع في حياتهم ولأنهم من ألوف السنين صلبوا الحقيقة وحكموا العالم....
أصدر الملك قراراً بطرد الطائر من القصر!! لا يمكن للحقيقة أن تتعايش مع القصور! طُرد الطائر من القصر وهذا ما كان يتمناه فصار يرقص في الفضاء ويقول: صدق الدرويش؛ الطريقة الوحيدة للوصول للحرية هي الحقيقة. كان هناك ببغاء يراقبه فقال له: يا أيها الأحمق... لقد فقدت القفص الذهبي! وأنت تغني وترقص؟
القليل منا يحظي بمثل هذه الحياة وأنت تجاهلت كل هذا؟ أنت لا تعرف فن الحياة في القصور الذهبية!! الشرط الأول هو أن تكون بالضبط كما قال المرشد دون أن تفكر بصحته أو خطأه. الفكر يولد التمرد ومن يقع في هذه الغلطة لن يستمر.. لماذا وقعت في غلطة الفكر أيها الأحمق؟ الفكر خطر جداً والعاقل هو الذي لا يفكر ويبقى في سجنه ويسميه "البيت" أو "المعبد".... كنت تستطيع أن تغير الأثاث فيه وتجعله كما تحب... تذكر غالبية الناس يغيرون ما بداخل سجونهم حتى يحسوا أنهم في بيوتهم..
لم يعير الطائر للبغاء أهمية لأنه كان سكراناً بالهواء الطلق والحرية التي حصل عليها ولكن استمر الببغاء بإعطاء نصائحه الغير مطلوبة!! وقال: تذكر؛ الطريقة الوحيدة للعودة للقفص الذهبي هي أن تقول دائماً ما يقوله المرشد؛ نحن لا نقول الحقيقة ولا نهتم بها نحن نرى بعين المرشد ونسمع بأذنيه ونفكر بطريقته ولا نستخدم أدمغتنا. هكذا أنهى الببغاء حديثه وعاد إلى القفص وغلق السجان بابه.
هذا ينطبق على البشر أيضاً؛ أصبحنا ببغاء ونتبع المرشد فقط. لا نفكر، نتبع الكلمات سواء أن كانت من الكتب المقدسة أو من فرقة أو حزب سياسي. لقد امتلأت عقولنا وأذهاننا وآذاننا من الكلمات التي يرددونها ونحن لا نفكر بل نرددها مثل الببغاء ونسينا أن لنا أجنحة وأن هناك سماء ومساحه كبيره للطيران ولم نعد نعي جمال الروح التي نحتويها... إذا كنت تريد أن تكون أسيراً وآمناً فلا تتكلم عن الحقيقة؛ اقبل الحياة وكأنها تريدك مطيعاً وأسيراً ولا تغلط وتتطلع للحقيقة لأن الحقيقة خطرة وغير آمنه والقفص هو آمن!! أنت في القفص لا تخاف المطر ولا العواصف ولا الغيوم ولا البرد.
لا يوجد خوف في القفص كل الخوف يكمن في الحرية؛ الحرية هي أن تكون في خطر...
في الحرية أخطار كثيرة! تأمل السماء وسعتها وهذا الطائر الصغير!! كل أنواع الخطر وكل المجازفات مقبولة!! الرياح؛ العواصف الطيور الجارحة؛ كل شيء كل شيء!! ولا سبيل ليحمي نفسه منها.... لهذا نفضل أن نكون مقيدين وآمنين.إذا كنت تريد أن نكون آمناً فسأل نفسك: هل تريد أن تكون أسيراً ومقيداً؟ إذن لا تتكلم عن الحقيقة أبداً؛ أن تكون أسيراً ومقيدا هو الجواب الوحيد للأمان. حتى تأمن شر السياسيين والمتدينين والأغنياء كن معتمداً عليهم لأنهم سيقدمون لك الحماية والأمن اللازمين..
الحرية هي ليست للآمنين والمحميين هي للمشتاقين الشجعان الذين لم ينسوا أجنحتهم ولم ينسوا السماء ووسعتها تركوا الزناجير والجدران وحلقوا فوق العالم وانصهروا في الفضاء...
الحرية موجودة في فطرتنا لكننا لا نستطيع أن نراها في أعين البشر اليوم.
عِش بأمان وموت بأمان هذا هو شعارنا.
قصة أخرى تروي لنا أنه كان هناك ملك بنى قصر مميز غير قابل للاقتحام ومستحيل أن يدخله العدو.
خذ كل الاحتياطات وأبقي العدو بعيداً وكن آمناً..
هذا ما يفعله البشر طوال حياتهم... نحن نسعى وراء المال لأنه يعطينا شعور بالأمان ونسعى للمقام لأنه يعطينا نفس الشعور والملك عنده المال والجاه ولكنه كان يسعي وراء الأمان لأن الخوف يلاحقنا دائماً طوال حياتنا ونحن نخلق مخاوف جديدة كل يوم. كان الملك يخاف العدو؛ إذن بنى قصراً مميزاً؛ التميز كان في عدم وجود أي فتحة فيه. لا شبابيك ولا أبواب؛ لا توجد أي فتحة سوى واحدة؛ باب الدخول ومن ثم وضع على الباب ألف حارس هكذا هو أحس بالأمان. لا توجد أي فتحة حتى يخترقها العدو وليدخل من البوابة يجب أن يقتل ألف شخص!! إذن الملك بأمان...
سمع أحد أصدقاء الملك بهذا القصر فأعجبته الفكرة وأراد أن يطّلع على ما فعله الملك فجاء بزيارة إلى القصر. وحين كان يتكلم مع الملك ويمتدح الفكرة العبقرية التي جاء بها وأنه سوف يبني قصره بنفس الطريقة؛ سمع رجل عجوز يضحك بصوت عال. فسأله: من ماذا تضحك أيها العجوز الأحمق؟
فأجابه الرجل: أنت تقول أن المكان الوحيد الذي يستطيع العدو اقتحامه هو البوابة فمن الأفضل أن تغلق البوابة وتبنيها من الداخل حتى لا يستطيع العدو دخول القصر أبداً.
قال الملك: أيها الأحمق سوف يتحول القصر إلى قبر وسأدفن فيه.
قال الدرويش: لا يستطيع العدو الدخول من البوابة وإذا لم يأتي العدو سيأتي الموت في يوم. قال الملك: ولكني سأكون مت قبل أن يصل العدو.
قال الدرويش: هذا بالضبط ما أرمي إليه!! كلما فتحت أبواب جديدة كلما انفتحت أمامك فرص جديدة للحياة ولكنك أغلقتها جميعاً وتركت فتحة واحدة وأنا اقترح أن تغلق هذه أيضاً وترتاح.... وانفجر من الضحك وأضاف: كان لي قصراً من قبل ولكني رأيت أنه أشبه بالسجن لي ولهذا بدأت بتكبير الأبواب والحيطان ومع كل هذا رأيت أنها لا تزال موجودة فتركت الجدران وخرجت للعراء والآن أنا تحت هذه الأسماء المفتوحة وعندي أحلى إحساس في العالم ألا وهو الحرية. هل نحن نبني جدران من حولنا؟ هل كل الجدران خطيرة؟ أم لأننا لا نراها لا نشعر بخطورتها؟ أخطر الجدران هي التي لا يمكنك اقتحامها مثل العقائد والأفكار والكتب السماوية...
نحن نبني هذه الجدران لنحمي أرواحنا ونجعلها بأمان. كلما كانت الجدران أقوى كلما ابتعدت الروح عن السماء المفتوحة للحقيقة. هكذا تتعذب الروح وتتشوش ونسعى نحن لنقوي الجدران مرة أخرى... كل هذا سيتحول إلى مرض في وقت ما لأننا كلما ضغطنا على الروح كلما فقدت بركتها وشفافيتها....
تذكر دائماً؛ هذه الطاعة المفروضة عليك هي سطحية ولا تناسبك من الداخل. أنت الذي قبلتها عبر الزمن والعقود؛ من قال لك أنك مسيحي؟ أو شيوعي؟ أو شيعي؟ يجب أن تقرأ القرآن والتوراة... من الذي قيدك كل هذه القيود؟ أنت من فعلت هذا بنفسك...
هل تتذكر حين قال الله لآدم "لا تقربا هذه الشجرة" وكان قد حذره من قبل أنه إذا ترك الجنة ستكون حياته صعبة ومليئة بالألم. لم يكن آدم مقيداً بقيودنا مثل اليوم كان خالصاً ونقياً ولهذا رفض شرط بقائه في الجنة. لا تصدق أنه خضع لوساوس الشيطان هذه الأفكار كانت بداخله لأنه لم يكن أسيراً بين يدي الله بل كان متمرداً وحراً. الله هو الذي أعطاه هذه الحرية وهذا الخيار إذن كيف يمكنه أن يكون أسيراً؟ وحين عرض عليهم إبليس التمرد فرحوا بها وقالوا ها نحن أصبحنا ثلاث "آدم وحواء وإبليس" فأكلا أو بالأحرى تمردوا...
هذه فطرتنا جميعاً؛ تأمل الأطفال يحاولون التمرد على الأم والأب وأن لا يسمعوا الكلام حتى وإن كان بصالحهم. ومن ثم التمرد في المدرسة على المعلم والتعليم والتمرد على المجتمع والقوانين؛ التمرد على الزوج والزوجة التمرد على الحكم.. كل هذا من طبيعتنا وفطرتنا ولكن عبر السنين تعلمنا الخوف أيضاً... إذا تمردت على أهلك فستأتيك ضربة أو تهديد: لن أحبك حتى تسمع الكلام!!
هذا ما حصل لآدم وطرده من الجنة؛ كلنا نلومه ونقول لو لم يتمرد لما تحمل كل هذا العناء وحمَلنا إياها أيضاً. تذكر إذا لم ننزل على الأرض كيف كان لنا أن نمارس حريتنا؟ وما معني الإرادة والخيار فيها؟
أصحاب السلطة والسياسيين ورجال الدين كل واحد منهم وضع زنجيراً بأيدينا وأرجلنا ونحن استقبلناها وقبلناها لأنها وفرت لنا الأمان. انظر إلى المجتمعات المتحضرة وتأملها!! كلما كان المجتمع آمنا أكثر كلما كثرت القوانين فيها. هل نحن ضد القوانين؟ أكيد لا! لسنا ضد أي قانون ولا أي حضارة الغلط الذي فيها هواننا نعتقد أنها هي الحقيقة، والواقع هو إذا تعرفت على الحقيقة أنت لست بحاجة إلى أي قانون.
الإنسان هو الذي جعل نفسه عبداً... عبداً لمن؟ لحماقاته ولأهوائه ولجهله وليأسه. إذا تعرفت على كل هذا وأصبح كل شيء واضحاً ونقياً في أفكارك؛ حينها تستطيع أن تتغلب على العبودية وتخطو خطواتك إلى الحرية...
من الحالات الميئوس منها؛ هم الذين يتجاهلون قيودهم ولا يتصورون أن هناك غلط في طريقه حياتهم وينظرون إلى سجونهم على أنها بيوتهم وإلى القيود والزناجير على أنها زينة ويفتخرون بها.
هناك قصة خيالية ظريفة تقول أنه كان راعي يسحر الغنم ويوهمهم أنهم أسود وهكذا كان يطعمهم ليصبح كل واحد منهم قوياً وسميناً ومن ثم يأخذهم إلى المذبحة واحد تلو الآخر؛ الفكرة هي أن كل خروف كان ينظر إلى الخروف المذبوح ويقول في نفسه أنا أسد ولن يأتيني يوم كهذا...
هذا حالنا أيضاً كل منا يعتقد أن أفكاره وزناجيره هي من أسمى الأفكار وأنه متحضر وأعلم وأعقل من الآخرين؛ هكذا حصلت الحروب بين الشعوب والأديان. كل دين يعتقد أنه على حق والمصيبة الأكبر في طوائف الدين الواحد!! كل طائفة تعتقد أنها هي التي ستدخل الجنة وهكذا يحق لنا أن نقتل البشر لأنهم لا يتبعوننا ولأنهم أقل تحضراً وعلماً.
تأمل قليلاً!! هل أنت دين؟ لو كنت ولدت في مكان آخر ودين آخر هل كنت ستغير ديانتك لما أنت عليه الآن؟ هل أنت وطن؟ أو أرض؟ إذا ولدت في مكان وانتقلت للعيش في مكان آخر هل ستحس بحنين للمكان الذي ولدت فيه؟ أنت حتى لا تتذكره فكيف يمكنك أن تحبه؟ إذا عبرت الحدود من بلد إلى بلد هل تحس بفرق في الأرض؟ هل الجاذبية في بلدك أكثر من الجاذبية في البلاد الأخرى؟
كل هذه قيود وزناجير نخلقها لأنفسنا حتى نصدقها ونفتخر بها.. كل طائفة لها سجّانها الخاص، هو الذي اخترناه ليتحمل المسئولية عنا ونحن نتبعه؛ هو يفكر ويرشدنا. السياسيين يقولون يجب أن نضحي بأرواحنا وأنفسنا من أجل الوطن ورجال الدين يعلموننا الجهاد في سبيل الله والأغنياء وأصحاب الثروات يعلموننا التضحية في سبيل المتعة...
مولانا جلال الدين يروي قصة في كتابه؛ كان هناك تاجر كبير يسافر من بلد إلى بلد ويبيع ويشتري وفي يوم اشترى ببغاء من الهند وجاء به إلى بلده وبعد فتره أحس الببغاء بحنين إلى بلاده وأصحابه ولكن لا يوجد مفر من هذا القفص...
وفي يوم من الأيام قال التاجر للببغاء إني ذاهب إلى الهند وسأمر بوادي الببغاء فهل عندك رسالة إلى أصحابك هناك؟ قال الببغاء: قل لهم إني أشتاق إليهم وأتمنى أن أطير لهم.
ذهب التاجر إلى الهند وحين وصل إلى وادي الببغاء قال لهم: صديقكم يخصكم بالسلام ويقول أنه يشتاق إليكم ويتمنى أن يطير إلى هنا..
في نفس اللحظة التي أنهى التاجر قوله فيها وقع ببغاء من على الشجرة ومات. حزن التاجر وقال في نفسه يا ليتني لم أقل لهم؛ يا ترى من يكون هذا الببغاء؟ وكيف وصل الحزن به إلى الموت؟
عاد التاجر إلى بلاده وحين سأله الببغاء عن ما حصل روي له التاجر القصة بأكملها فوقع الببغاء ومات هو أيضاً...
صرخ التاجر: يا حسرتي يا ليتني لم أخبره بما حصل وفتح القفص وأخرج الببغاء ليدفنه فطار من بين يدي التاجر وجلس على غصن الشجرة. فقال التاجر: ما هذا؟ ماذا يحدث؟ قال له الببغاء: إني أرسلت لهم رسالة باشتياقي وهو بتظاهره بالموت أرسل لي رسالة؛ إذا أردت الحرية فيجب أن تموت.
حين تكون ميتاً لن يستغلك أحد. موت الفكر وموت الأنا تهدم الجدران وتفتح الزناجير من حولك.. ثمن الحرية هو الموت ولكن ليس الموت الذي يريده السياسيين ورجال الدين منا بل هو موت العقائد والجهل والطائفية...
الحقيقة لها وجوه كثيرة لا يمكنك أن تحصرها في قالب أو فكرة معينة ولهذا يصعب على الكثير استيعابها. كيف يمكنك أن ترى العدالة في الظلم؟ كيف أحب نفسي ولا أكون أنانياً؟ كيف أعبد الله ولا أتطلع إلى الجنة ولا أخاف النار؟
في مكان ما كان هناك درويشاً يعيش في قرية صغيرة وكان الناس يريدون منه أن يكلمهم عن الحقيقة ولكنه كان يرفض دائماً. وفي يوم أصر شيوخ القرية على طلبهم فوافق؛ وجاء اليوم الموعود. وقف وقال: هل تؤمنون بالله؟ أجابوا: نعم... قال إذن انتهينا ما جدوى البحث عن الحقيقة؟!! وترك المكان...
ذهب إليه الناس وطلبوا أن يحضر مرة ثانية فوافق وسأل هذه المرة: هل تؤمنون بالله؟ قالوا: لا!! قال إذن ما الفائدة من الكلام وأنتم لا تؤمنون بالله؟ وترك المكان....
في المرة الثالثة قال له الناس نحن في إرباك من أمرنا وتفرقنا لأننا لا نعرف من منا على حق هل نؤمن أم نكفر؟!! فقال سأحدتكم هذا الأسبوع. ومرة أخرى سأل الناس: هل تؤمنون بالله؟ قال البعض نعم والبعض لا.... فقال: الذين يؤمنون بالله يحاورون الذين لا يؤمنون.... وترك المكان....
هذه هي الكلمات المتداولة لدينا "نعم – لا – ربما" وانتهينا
بعد ذلك ظل الدرويش ينتظر حتى يرجع الناس ليسألوه مره أخرى ولكن لم يسأله أي أحد... كان الدرويش متشوقاً ليحدثهم عن الأجوبة الرابعة والخامسة واللانهاية... كان يريد أن يظهر لهم أوجه عديدة من الحقيقة الوجوه الغير محصورة في الكلمات المتداولة....
في النهاية ماذا نفعل؟ استجمع قواك وكن شجاعاً واكسر كل القيود والزناجير والأحاديث والعقائد والأصول التي تعلمتها لأن الحقيقة ليست بحاجة إلى علم وتعلم بل أنت بحاجة إلى أن تكون مرتاحاً ونقياً...